يستعد البنك المركزي المصري لعقد اجتماع لجنة السياسة النقدية، غدًا الخميس 2 أكتوبر 2025، في سادس اجتماعاتها لعام 2025، لحسم مسار أسعار الفائدة الرئيسية، التي تُعد المعيار الأبرز لأسعار الفائدة قصيرة الأجل على الجنيه المصري، وأداة التوجيه الأساسية للسياسة النقدية في البلاد.
سادس اجتماعات لجنة السياسة النقدية بالمركزي المصري في 2025
يأتي الاجتماع وسط ترقب واسع من الأسواق والمستثمرين، بعد سلسلة من التخفيضات التراكمية بلغت 525 نقطة أساس منذ بداية العام، في إطار دورة التيسير النقدي التي تبناها البنك عقب فترة تشديد مطولة، وشهد الاجتماع الأخير للجنة، في 28 أغسطس 2025، قد شهد خفضًا مفاجئًا بمقدار 200 نقطة أساس، ليصل سعر فائدة الإيداع إلى 22% والإقراض إلى 23%، وسعر الائتمان والخصم وسعر العملية الرئيسية إلى 22.5%.
وبدأ البنك المركزي دورة التيسير الحالية عقب رفع استثنائي بمقدار 600 نقطة أساس في مارس 2024، استهدف حينها استقرار السيولة الدولارية وتعزيز الثقة في العملة المحلية، ومنذ ذلك الحين، اتخذ المركزي مسارًا تيسيريًا تدريجيًا، خفض خلاله الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس في أبريل، و100 نقطة في مايو، و200 نقطة في أغسطس، مدفوعًا بتحسن توقعات التضخم واستقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي.
وأشارت لجنة السياسة النقدية، في بيان أغسطس، إلى أن التضخم يسير في اتجاه هبوطي واضح، متوقعة متوسطًا يتراوح بين 14 و15% خلال 2025، على أن يقترب من النطاق المستهدف البالغ 7% (±2%) بحلول الربع الأخير من 2026، ثم ينخفض إلى 5% (±2%) بنهاية 2028، ورغم ذلك، حذرت اللجنة من مخاطر محتملة، تشمل تعديلات الأسعار المنظمة والتقلبات الجيوسياسية.
وأكد البنك المركزي أن قراراته التيسيرية تأتي في إطار حفاظه على مصداقيته النقدية ودعمه لمسار خفض التضخم، مع ضمان بقاء أسعار الفائدة الحقيقية في النطاق الإيجابي لحماية المدخرات وجذب الاستثمارات.
بيانات داعمة وتراجع ملموس للتضخم
أظهرت بيانات التضخم لشهر أغسطس مزيدًا من التراجع، إذ انخفض التضخم الأساسي السنوي إلى 10.7% مقابل 11.6% في يوليو، فيما سجل التضخم الحضري 12% مقارنة بـ13.9% في الشهر السابق، في مؤشر على استمرار تحسن الاتجاه العام للأسعار.
ويرى الخبير المصرفي محمد عبد العال، أن السياسة النقدية تظل الأداة الأقوى لضمان الاستقرار المالي وتوجيه الاقتصاد نحو نمو مستدام، متوقعًا أن تتجه اللجنة إلى تثبيت أسعار الفائدة خلال اجتماعها المقبل، لإتاحة الوقت الكافي أمام آثار خفض أغسطس للانعكاس على الاقتصاد.
وأشار عبد العال إلى أن استقرار السيولة وتراجع التضخم ومرونة سعر الصرف توفر بيئة مواتية للتثبيت، محذرًا من الضغوط التضخمية قصيرة الأجل الناتجة عن رفع أسعار البنزين مطلع أكتوبر، رغم تأجيل زيادات الكهرباء.
من جانبها، أكدت المحللة الاقتصادية هبة منير، بشركة "إتش سي" للأوراق المالية والاستثمار، أن قرار أغسطس بخفض 200 نقطة أساس كان كبيرًا نسبيًا، ويستلزم فترة لامتصاص أثره، مشيرة إلى أن الضغوط التضخمية المؤقتة المرتبطة بزيادة أسعار الغاز الطبيعي والوقود قد تدفع اللجنة لتبني موقف حذر ونهج الانتظار والترقب.
تحسن الوضع الخارجي يعزز الثقة
شهدت الموازين الخارجية تحسنًا ملحوظًا، إذ ارتفعت الأصول الأجنبية الصافية بالنظام المصرفي 24% في يوليو لتصل إلى 18.5 مليار دولار، كما زادت تحويلات المصريين بالخارج 19% منذ بداية العام إلى 3.8 مليار دولار، وارتفع الجنيه المصري بنحو 5% منذ يناير ليصل إلى 48.2 جنيه للدولار.
كما سجلت الاحتياطيات الدولية 49.3 مليار دولار في أغسطس، بزيادة 5% منذ مطلع 2025، مع إقبال قوي من المستثمرين الأجانب على أدوات الدين المحلية التي ما تزال تقدم عائدًا حقيقيًا مجزيًا.
انقسام التوقعات بين المحليين والدوليين
بينما تميل الآراء المحلية إلى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، تشير استطلاعات دولية إلى احتمال خفض جديد، إذ توقع استطلاع "رويترز" خفضًا بواقع 100 نقطة أساس، وأبدت "بلومبرج" آراء مشابهة لدى عدد من بنوك الاستثمار، مرجحة استمرار دورة التيسير مع الحفاظ على عوائد إيجابية.
وتواجه لجنة السياسة النقدية معادلة دقيقة بين تحفيز النمو الاقتصادي وضمان استقرار الأسعار، خاصة مع التراجع الكبير في التضخم وتحسن الأوضاع الخارجية من جهة، ومخاطر ارتفاع الأسعار جراء تعديلات الوقود والظروف العالمية من جهة أخرى.
وأكد عبد العال أن البنك المركزي لا يمكنه التضحية بمكتسبات خفض التضخم، فيما شددت منير على أن دورة التيسير لم تنتهِ بعد، لكنها ستُدار بحذر لضمان استدامة التوازن النقدي.
ويترقب المستثمرون والأسر على حد سواء قرار المركزي غدًا، لما له من أثر مباشر على تكاليف الاقتراض وأسعار الودائع والاستثمار، وفي حال التثبيت، سيتجه التركيز إلى التوجيهات المستقبلية حول وتيرة التيسير، أما في حال الخفض، فسيكون الاهتمام منصبًا على ما إذا كانت الخطوة جزءًا من دورة مستمرة أم تحركًا تكتيكيًا مؤقتًا.

