اجتاحت المظاهرات المناهضة للحكومة المغربية المدن الرئيسية في البلاد لليلة الرابعة على التوالي، حيث نزل المئات من الشباب إلى الشوارع مطالبين بإصلاحات اجتماعية عاجلة، وسط تصاعد أعمال العنف والدمار في عدد من المناطق، بحسب ما أفادت به جماعات حقوقية ووسائل إعلام محلية.
ورغم تدفّق مليارات الدولارات نحو مشروعات كأس العالم 2030، فإن تلك الاستثمارات الضخمة لم تهدّئ غضب الشباب المغربي الذي يقود اليوم أكبر موجة احتجاجات في الشوارع منذ سنوات، رفضًا لما يعتبرونه تهميشًا مستمرًا وترديًا في الخدمات الاجتماعية والاقتصادية.
مظاهرات مناهضة للحكومة المغربية
شهدت مدن عدّة، من بينها الرباط والدار البيضاء وفاس وطنجة ووجدة، اشتباكات عنيفة مساء أمس الثلاثاء بين قوات الأمن والمتظاهرين، الذين رددوا شعارات تطالب بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير فرص عمل حقيقية، ومكافحة الفساد المستشري، مؤكدين أن الحق في الصحة والتعليم والحياة الكريمة ليس شعارًا فارغًا، بل مطلبٌ جاد، بحسب بيان صادر عن منظمي الحركة.
وتحدث شهود عيان ووسائل إعلام محلية عن رشق المتظاهرين لقوات الأمن بالحجارة، وإضرام النار في سيارات وبنوك ومحال تجارية، فيما أظهرت مقاطع فيديو بثتها صفحات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد للفوضى والكرّ والفرّ بين المتظاهرين وقوات الأمن في عدة شوارع رئيسية.
وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (AMDH) إن قوات الأمن استخدمت العنف المفرط لتفريق المتظاهرين، مشيرة إلى وقوع إصابات واعتقالات واسعة في صفوف الشباب، موضحة أن من بين المصابين متظاهرًا من مدينة وجدة، صدمته سيارة تابعة للشرطة خلال محاولته الهروب من الاشتباكات، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية (MAP).
وأكدت الجمعية أن عشرات المتظاهرين اعتُقلوا منذ اندلاع الاحتجاجات نهاية الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن السلطات أفرجت عن 37 منهم بكفالة في انتظار استكمال التحقيقات، متهمة قوات الأمن بتنفيذ اعتقالات تعسفية واعتداءات جسدية، داعية الحكومة إلى احترام الحق في التظاهر السلمي وضمان حرية التعبير.
مظاهرات المغرب
GenZ 212
تنظَّم هذه الاحتجاجات بشكل رئيسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مجموعة شبابية غير متماسكة تُطلق على نفسها اسم "GenZ 212"، وهي حركة لا تمتلك قيادة مركزية واضحة، بل تعتمد على التنسيق الرقمي والدعوات الجماهيرية عبر تطبيقات مثل "فيسبوك" و"ديسكورد" و"تيك توك".
وفي بيان نُشر في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء، قالت المجموعة: "نأسف لأعمال الشغب أو التخريب التي أثرت على الممتلكات العامة أو الخاصة"، داعية المشاركين إلى الالتزام بالسلمية وتجنّب أي سلوك يمكن أن يقوّض شرعية مطالبنا العادلة.
وشدد البيان على أن الحق في الصحة والتعليم والحياة الكريمة ليس شعارًا فارغًا، بل مطلبٌ جاد يعكس معاناة ملايين الشباب المغاربة.
انتقاد تجهيزات استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030
رفع المحتجون خلال المظاهرات لافتات وشعارات تنتقد الأموال الضخمة التي أُنفقت على تجهيز الملاعب والبنية التحتية لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2030، في مقابل الانهيار شبه الكامل في مستوى الخدمات الصحية والتعليمية.
وكتب أحد المتظاهرين على لافتة في العاصمة الرباط: "على الأقل سيكون ملعب الفيفا مزودًا بصندوق إسعافات أولية.. مستشفياتنا لا تملك ذلك!"
وتأتي هذه الانتفاضة في سياق عالمي من احتجاجات شبابية مشابهة، قادها جيل الإنترنت في عدة دول، بينها نيبال وإندونيسيا والفلبين ومدغشقر خلال الأشهر الأخيرة، وأدت تلك الموجات إلى تغييرات سياسية كبيرة، إذ استقال رئيس وزراء نيبال تحت ضغط الشارع، بينما أقال رئيس مدغشقر حكومته هذا الأسبوع في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي.
وفي المغرب، يرى محللون أن هذه الاحتجاجات تعبّر عن تحوّل في طبيعة الحراك الاجتماعي، إذ يقوده جيل جديد أكثر تنظيمًا عبر الإنترنت، وأقل ارتباطًا بالأحزاب أو النقابات التقليدية، لكنه أكثر جرأة في طرح مطالبه، وأكثر وعيًا بقدرة وسائل التواصل الاجتماعي على خلق رأي عام وضغط جماهيري واسع.
فتح حوار مباشر مع الشباب المحتج
من جانبها، أصدرت الحكومة المغربية بيانًا رسميًا مساء الثلاثاء، أكدت فيه استعدادها لفتح حوار مباشر مع الشباب المحتج، داخل المؤسسات والأماكن العامة لإيجاد حلول واقعية، بحسب نص البيان الذي شدد أيضًا على أن الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق المطالب المشروعة.
وأشاد البيان برد الفعل المتوازن للسلطات الأمنية، مؤكدًا أن الإجراءات المتخذة تأتي في إطار احترام القانون وضمان النظام العام، معربًا عن أمله في أن يستمر النقاش داخل الإطار المؤسساتي بما يحقق طموحات الشباب ويحافظ على الاستقرار الوطني.
ويترقب الشارع المغربي الخطوات المقبلة للحكومة في التعامل مع هذه الموجة الاحتجاجية غير المسبوقة، في ظل دعوات متزايدة من منظمات المجتمع المدني والأحزاب المعارضة إلى معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، على رأسها ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع جودة التعليم والصحة، واتساع الفوارق الاجتماعية بين الفئات والجهات.