قال الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، إن هناك إشكالية مستمرة تتعلق بفكرة ضبط التوقعات وضبط الجدولة في إدارة عملية تشغيل سفن التغويز بمصر، مشيرًا إلى أن هذه الإشكالية ظلت قائمة منذ بدء عملية استقرار سفن التغويز، التي شهدت تأخيرات شديدة، حيث بدأت العمل فعليًا في النصف الثاني من شهر يوليو، بينما كان من المفترض دخولها إلى الخدمة قبل ذلك بفترة.
وأوضح فؤاد، في مداخلة مع العربية بيزنيس، أن بناءً على تلك الجداول المتأخرة، تم التعاقد على نحو 260 شحنة من الغاز، إلا أن تنفيذ تلك التعاقدات اصطدم بمشكلات تشغيلية حذر منها سابقًا تقرير صادر عن مركز العدل للدراسات السياسية العامة، والذي أشار إلى مخاطر التكدس وسوء إدارة الجدولة.
ورغم تحسن الأحوال الجوية مؤخرًا، يرى فؤاد أن المشكلة الرئيسية لا تزال في ضعف الإدارة، وتحديدًا في إدارة التوقعات والتخطيط المسبق، وهو ما يرجع – بحسب رأيه – إلى كون هذه هي المرة الأولى التي تدير فيها مصر عملية بهذا الحجم والتعقيد، مما خلق حالة من الارتباك والتأخير والتكاليف الإضافية.
تكلفة التأخير تتجاوز 150 ألف دولار يوميًا
وفي هذا السياق، أشار فؤاد إلى أن إحدى سفن التغويز ظلت في الانتظار لأكثر من 11 يومًا، مما كلف الدولة مصروفات تأخير تتراوح بين 100 إلى 150 ألف دولار يوميًا، مؤكدًا أن هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه التأخيرات، فقد وقعت أحداث مشابهة خلال محاولة تشغيل السفن في نهاية شهر يونيو، حين اضطرت بعض السفن للانتظار، بل إن إحدى السفن تم صرفها إلى دولة أخرى، يُعتقد أنها إسبانيا، بسبب فشل الجدولة.
وأضاف أن مثل هذه الإجراءات البديلة – كصرف السفن أو إعادة توجيهها – لا تتم دون تكلفة مالية باهظة، مما يبرز أهمية وجود جدول واضح ومنتظم يحدد عدد السفن المطلوبة، ومواعيد وصولها، لتفادي دفع غرامات أو خسائر تشغيلية.
لا يُعوّل كثيرًا على زيادة الإنتاج المحلي
وحول إمكانية تخفيف هذه الأعباء عبر زيادة الإنتاج المحلي من الغاز، أبدى فؤاد تشكيكه في هذه الفرضية، قائلًا: "رغم أن هناك وعودًا بزيادة الإنتاج، إلا أنني لا أُعوّل عليها كثيرًا، لأن الواقع الفني والبيانات الصادرة عن وزارة البترول في شهر يناير لا تشير إلى وجود خطة فعلية تُفضي إلى زيادة كبيرة، خصوصًا أن الآبار المنتجة معلومة مسبقًا".
لكنه أشار إلى إمكانية تحقيق بعض الارتياح الجزئي من خلال زيادة الإمدادات عبر خطوط الغاز، حيث يُتوقع أن ترتفع الكميات إلى 1.6 مليار قدم مكعب كمرحلة أولى، وصولًا إلى 2 مليار قدم مكعب، مما قد يُخفف من الاعتماد على الغاز المسال المستورد، والذي يُعد الخيار الأغلى.
ثلاث أسعار مختلفة للغاز وارتفاع في المتوسط السعري
وفي تقييمه لتكلفة مصادر الغاز المختلفة، أوضح فؤاد أن مصر تتعامل حاليًا مع ثلاثة أسعار متباينة لوحدات الغاز الحرارية:
الغاز المحلي: بتكلفة تقارب 4 دولارات للوحدة الحرارية.
الغاز عبر خطوط الأنابيب: بتكلفة تبلغ نحو 7.6 دولار للوحدة الحرارية.
الغاز المسال: الأعلى تكلفة، حيث يصل إلى 13 دولارًا للوحدة الحرارية.
ووفقًا للخطة السابقة، كان من المتوقع أن يبلغ متوسط تكلفة الوحدة الحرارية نحو 7.5 دولار، لكن فؤاد يعتقد أن هذا المتوسط ارتفع الآن ليصل إلى 8 دولارات تقريبًا، نتيجة تراجع الإنتاج المحلي، وزيادة الاعتماد على الغاز المستورد، سواء عبر الخطوط أو عبر السفن.
وشدد الدكتور محمد فؤاد على أن ما تسترده الدولة من عائدات بيع الغاز حاليًا هو أقل بكثير من متوسط تكلفة الاستيراد، وهو ما يعكس أزمة اقتصادية واضحة تتطلب إعادة النظر في أسلوب الجدولة والتخطيط والتشغيل، حتى لا تتكرر مشكلات التكدس، والتأخير، والخسائر التشغيلية، مشيرًا إلى ضرورة إدارة الملف بكفاءة أكبر، خاصة في ظل الظروف المالية والاقتصادية الدقيقة التي تمر بها البلاد.