تمتلك الكويت عدد ليس بالقليل من الشواهد على التراث الثقافي العامر، حيث تختبئ في قلب الكويت القديمة، بيوت من الطين والخشب، أزقة ضيقة، وأسواق تعجّ بالناس.
ويُشكل ذلك إرث ممتدّ من الغوص على اللؤلؤ إلى الفنون الشعبية، لكنه ما زال بعيدًا عن أن يتحول إلى منتج سياحي يضع البلاد في صدارة السياحة الثقافية.
التراث الثقافي في الكويت
التحدي لا يكمن في غياب التراث، بل في غياب الرؤية التي تجعل منه صناعة اقتصادية، يحتاج الزائر إلى خريطة واضحة، تجربة حية، ورواية متكاملة للمدينة القديمة والجزر والمتاحف.
يحتاج أن يرى التراث حياً: حفلات للفنون الشعبية، ومطابخ تقدم الأكلات التقليدية، وبيوت تتحول إلى فنادق بوتيك، وجزر تتحول إلى متاحف مفتوحة. الفرصة ما زالت قائمة، حين تتعامل الكويت مع تراثها باعتباره ثروة قابلة للاستثمار، سيتحول الماضي إلى جاذب للمستقبل، وتغدو الثقافة باباً من أبواب الاقتصاد لا مجرد ذاكرة معزولة.
وجود هيئة سياحية مختصة في الكويت أصبح ضرورة لتعويض غياب الرؤية الموحدة وتشتت الصلاحيات بين وزارات وجهات متعددة، الهيئة يمكن أن تكون الجهة المركزية التي تضع استراتيجية وطنية شاملة للسياحة، وتتابع تنفيذها بما يضمن تحويل القطاع إلى رافد اقتصادي فعلي، بدلًا من الاعتماد شبه الكلي على النفط.
متاحف التراث
وتمتلك غالبية دول العالم متاحف وطنية، تنطلق من حفظ التراث المادي من لباس وأثاث وأدوات تقليدية، لكنها في الوقت نفسه تتحول إلى رافعة اقتصادية. فاستثمار التراث داخل المتاحف لا يقتصر على الجانب الرمزي أو الثقافي، بل يتعداه إلى صناعة متكاملة تدعم السياحة وتنعش الأسواق المحلية عبر بيع المنتجات المستوحاة من الهوية الوطنية، وتنظيم المعارض والفعاليات التي تجذب الزوار من الداخل والخارج. وهكذا يصبح التراث المخزون في هذه المتاحف مورداً اقتصادياً مستداماً، يوازن بين الحفاظ على الهوية وتعزيز التنويع الاقتصادي.
وأظهرت تقارير السياحة في المنطقة العربية، أن افتتاح متحف اللوفر في أبوظبي ساهم في جذب أكثر من مليوني زائر في عامه الأول، وضخ مئات الملايين من الدراهم في قطاعات الضيافة والخدمات المساندة، ما يؤكد أن الاستثمار في التراث عبر المتاحف بات عنصراً أساسياً في معادلة الاقتصاد الثقافي.
وتمثل الجزيرة إحدى أهم الصفحات الحية في التاريخ الكويتي، جزيرة فيلكا، شاهد على حضارات تعاقبت منذ آلاف السنين، وتحمل آثاراً ومعالم تراثية تجعلها مرشحة لتكون مشروعاً سياحياً متكاملاً، غير أن القيمة الحقيقية لفيلكا لا تكمن في بعدها التاريخي فقط، بل في قدرتها على أن تصبح نموذجاً للاستثمار في الاقتصاد الثقافي والسياحي، إعادة تأهيل الجزيرة وتحويلها إلى وجهة تراثية سياحية سيعني خلق مورد اقتصادي جديد.