أكد الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس النواب السابق، أن نجاح مصر في تأمين احتياجات الكهرباء والصناعة خلال صيف 2025 كان قرارًا سياسيًا بامتياز، مشددًا على أن هذا النجاح جاء بتكلفة اقتصادية عالية قد تصل إلى 22 مليار دولار بنهاية العام الجاري، مقارنة بـ12 مليار دولار في 2024، بزيادة تتجاوز 55%.
وخلال لقاء مع العربية بيزنيس، أوضح فؤاد أن قرار الحفاظ على استمرارية الطاقة وعدم انقطاع الكهرباء كان حاسمًا لتخفيف الأعباء على المواطنين والقطاع الصناعي، لكنه أشار إلى أن هذه السياسات لها تبعات اقتصادية كبيرة، خاصة في ظل تراجع إيرادات تصدير الغاز مقارنة بعامي 2021 و2022.
تشكيك في توقعات العودة للإنتاج الكامل بحلول 2027
علّق د. فؤاد على تصريحات رئيس الوزراء ووزير البترول بشأن عودة مصر إلى التصدير في 2027، قائلاً إن البيانات الرسمية والتاريخ القريب يشيران إلى خلاف ذلك.
وأوضح: "التصريحات الحكومية تفيد بعودة الإنتاج الطبيعي قريبًا، لكن الواقع يثبت أن التوقعات غالبًا لا تتحقق. فتصريح رئيس الوزراء في أغسطس 2024 أشار إلى عودة الإنتاج بالصيف، لكن الأرقام أظهرت تراجعًا بدلاً من الزيادة".
وأشار أيضًا إلى أن بعض الحقول الجديدة التي أعلنت وزارة البترول دخولها مرحلة الإنتاج لم تبدأ فعليًا، مؤكدًا أن "الإنتاج المحلي يغطي حاليًا 57% إلى 60% من احتياجاتنا، ويُستكمل عبر الغاز المسال والاتفاقيات مع دول الجوار".
جدل حول عقود سفن التغويز طويلة الأجل
وفيما يخص التعاقد على سفن تغويز لمدة 10 سنوات، رأى د. فؤاد أن القرار في مجمله "حصيف"، لكنه في الوقت نفسه يحمل إشارات تشكك في عودة الإنتاج المحلي إلى سابق عهده:
"التجربة السابقة أثبتت أنه يمكن الاستغناء عن سفن التغويز قبل نهاية المدة إذا تحسن الإنتاج، لكن التعاقد لمدة طويلة قد يعني أن الحكومة لا تملك يقينًا كاملًا بشأن تحسن الإنتاج بحلول 2027".
حقل ظهر.. من الاكتفاء إلى التراجع
تحدث فؤاد بإسهاب عن حقل ظهر، معتبرًا أنه مثّل طفرة في إنتاج الغاز المصري في بداية تشغيله، لكنه الآن في مرحلة "التقادم". وقال: "الإنتاج من حقل ظهر تراجع من 3 مليارات قدم مكعب إلى 1.4 مليار حاليًا. وقد أشارت تقارير إلى أن تقديرات الاحتياطي كانت مبالغًا فيها. نحن أمام حقل يمر بمراحله الطبيعية: ذروة، بلاتوه، ثم تقادم".
وأضاف أن التخارج الكامل من الحقل قد يحدث خلال ثلاث إلى أربع سنوات، بناءً على وتيرة التراجع الحالية.
حول اتفاق الغاز مع إسرائيل: الغاز لا يُسلّح
ردًا على الجدل المثار حول استيراد الغاز من إسرائيل، شدد على أن الغاز لا يمكن "تسليحه" سياسيًا، نظرًا لطبيعة العقود التجارية الحاكمة، وقال: "العلاقة تجارية بحتة. الشركات المشغلة مثل شيفرون ونيوميد هي من تتحكم في الحقول، والحكومات تمنح الموافقات فقط، ولا تتحكم في تفاصيل التصدير. الحديث عن تسليح الغاز لا يعكس الواقع".
التركيبة الحالية للطاقة لا تسمح بتوسيع الصناعات الثقيلة
أعرب د. فؤاد عن قلقه من أن التركيبة الحالية لتوفير الطاقة لا تدعم التوسع في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل الحديد والأسمدة، بسبب دعم الغاز وصعوبة استمراره على المدى الطويل.
وأوضح: "كل 100 مليون قدم مكعب من الغاز المستورد ترفع متوسط تكلفة الوحدة الحرارية بـ16 سنتًا. دعم الغاز يخلق مشاكل مالية وصعوبات في تسعير الصادرات، ما قد يؤدي إلى اتهام هذه الصناعات بالإغراق في الأسواق الدولية".
ضرورة الإسراع في التحول إلى الطاقة المتجددة
اختتم فؤاد تصريحاته بالتأكيد على أهمية الاستثمار في الطاقة المتجددة، مشيرًا إلى أن حصة الطاقة المتجددة في مصر لا تزال منخفضة جدًا مقارنة بالمستهدف: "مصر تستهدف 42% من الطاقة المتجددة بحلول 2030، لكننا حاليًا عند حدود 15% فقط، الاعتماد على الطاقة الشمسية لا يزال محدودًا، ويجب التحرك بجدية نحو هذا الهدف لتجنب الاعتماد المفرط على الغاز المستورد".
معادلة صعبة بين دعم المواطن واستدامة الاقتصاد
قال د. محمد فؤاد إن استمرار دعم الغاز والكهرباء خيار مكلف وقد لا يكون مستدامًا على المدى الطويل، محذرًا من أن التأجيل في معالجة هذه الملفات قد يؤدي إلى "انفجار تضخمي" في المستقبل.
"ليس لدي دعوة لرفع الأسعار، لكن لا يمكن الاستمرار في تثبيت السعر وسط تضاعف التكاليف. هناك فرق بين الرغبة في حماية المواطن، والقدرة على تحمّل الكلفة، في النهاية، من يتحمل هو المواطن، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر".