قال الخبير الاقتصادي عبدالله حسام، إن العالم يشهد حاليًا تحولات جوهرية في النظام التجاري الدولي، بفعل السياسات التجارية "الحمائية والعنيفة" التي انتهجتها الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، والتي تسببت في اختلال ميزان التجارة العالمي، ودفعت العديد من الدول إلى البحث عن شركاء بديلين ونظم تجارية متعددة الأقطاب.
وأوضح حسام في مداخلة مع العربية بيزنيس، أن فرض التعريفات الجمركية الواسعة من جانب واشنطن على السلع المستوردة من مختلف الدول، أدى إلى عدم توازن في القدرات الإنتاجية والتجارية على مستوى العالم، إضافة إلى تعطيل سلاسل الإمداد العالمية، وهو ما تم التأكيد عليه خلال قمة منظمة شنغهاي الأخيرة التي شهدت حضور دول كبرى مثل الصين، روسيا، مصر، السعودية، الإمارات، والهند.
وأشار إلى أن هذه الدول باتت تركّز بشكل واضح على بناء شبكات بديلة للتعاون الاقتصادي والاستثماري، مع إعطاء الأولوية للتعاملات بالعملات المحلية بدلًا من الاعتماد الكلي على الدولار الأمريكي، وهو ما يُسهم في تقليل التبعية وتقوية الاستقلال الاقتصادي.
الصين توسّع استثماراتها عربياً... والدول تبحث عن "أمان اقتصادي" جديد
وسلّط حسام الضوء على الدور المتنامي للصين في المنطقة، موضحًا أنها تعزز استثماراتها في دول مثل مصر والإمارات وأوزباكستان، مع تسهيل التعاملات المالية بعيدًا عن الدولار. واعتبر أن هذا التحول يسهم في ضمان استمرارية سلاسل الإمداد، ويشكّل جزءًا من استراتيجية أوسع لتقليل المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالسياسات الأمريكية.
وأكد حسام أن هذا التغير في اتجاهات التجارة والاستثمار العالمية سيؤدي على المدى البعيد إلى ضغوط تضخمية وارتفاع في الأسعار داخل الولايات المتحدة، في ظل تقلص الاعتماد العالمي على الدولار كعملة تبادل رئيسية.
اتفاقية "USMCA" مهددة بالتعديل.. وكندا في موقف حرج
وفي حديثه عن الشراكات الأمريكية، أشار عبدالله حسام إلى أن اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية بين أمريكا وكندا والمكسيك (USMCA) ستخضع لمراجعة محتملة خلال عام 2026، وسط ضغوط أمريكية لإعادة النظر في بعض البنود، وخاصة المتعلقة بإعفاءات الرسوم الجمركية بنسبة 99%.
وأكد أن كندا تواجه تحديًا كبيرًا في الحفاظ على موقعها داخل الاتفاقية، خاصةً مع بحث الولايات المتحدة تطبيق نظام الحصص بدلًا من العقوبات الجمركية في بعض الصناعات مثل الألمنيوم والفولاذ، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الكندي، الذي يعتمد بشكل مباشر على التجارة مع الولايات المتحدة.
صراع داخلي أمريكي يهدد استقلالية الفيدرالي ويؤثر على الدولار
وفي ختام حديثه، علّق حسام على الجدل الدائر داخل الولايات المتحدة بشأن إقالة عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك وتصريحات وزير الخزانة الأمريكي، معتبرًا أن تدخل البيت الأبيض في عمل الفيدرالي يمثل تهديدًا واضحًا لاستقلالية السياسة النقدية الأمريكية.
وأضاف أن هذا الصراع الداخلي سينعكس سلبًا على سعر الفائدة الأمريكية وقيمة الدولار، مؤكدًا أن العالم يشهد الآن توجهًا قويًا نحو التحرر من هيمنة الدولار، في ظل زيادة التعاملات التجارية بالعملات المحلية ومحاولات تقليص العجز التجاري بين الدول.
وقال حسام: "الدول الآن تتحرك بسرعة لبناء منظومات اقتصادية بديلة لضمان الاستقرار... والعالم يدخل مرحلة جديدة من إعادة تشكيل التجارة العالمية بعيدًا عن القطبية الواحدة".