20 مليار دولار حصيلة «الإسكان».. من أين يأتي الدولار؟


الاحد 17 اغسطس 2025 | 04:33 مساءً
الدولار
الدولار
العدد الورقي

في ظل تحديات متسارعة تشهدها الساحة الاقتصادية العالمية، سجل الاقتصاد المصري مؤشرات أداء إيجابية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2024/2025، حيث أظهر حساب المعاملات الجارية تحسنًا ملموسًا بنسبة 22.6%، لينخفض العجز إلى نحو 13.2 مليار دولار، مقارنة بـ 17.1 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق، مدفوعًا بأداء قوي في الربع الثالث (يناير – مارس 2025).

ووفقًا لأحدث التقارير الصادرة عن البنك المركزي المصري، وعلى الرغم من هذا التحسن اللافت، فقد سجل ميزان المدفوعات عجزًا كليًا قدره 1.9 مليار دولار خلال الفترة من يوليو وحتى مارس، مقابل فائض بلغ 4.1 مليار دولار في الفترة المناظرة من العام السابق، وهو ما يُعزى بشكل رئيسي إلى تراجع صافي التدفقات الرأسمالية والمالية إلى الداخل، حيث بلغت نحو 7.7 مليار دولار فقط، مقارنة بتدفقات استثنائية سجلت 20 مليار دولار خلال الفترة المقابلة، والتي تضمنت صفقة «رأس الحكمة» الشهيرة بقيمة 15 مليار دولار.

وفي مؤشر إيجابي يعكس الثقة في الاقتصاد المصري من جانب العاملين بالخارج، قفزت تحويلاتهم بنسبة غير مسبوقة بلغت 82.7%، مسجلة 26.4 مليار دولار خلال الفترة من يوليو إلى مارس 2025، مقارنة بـ 14.5 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق.

وفيما يتعلق بالقطاع السياحي، فقد سجل نمواً ملحوظاً في الإيرادات بنسبة 15.4%، لتبلغ 12.5 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي، مقابل 10.9 مليار دولار في الفترة المقابلة، مدعومة بزيادة في عدد الليالي السياحية التي ارتفعت إلى 134.3 مليون ليلة مقارنة بـ116.4 مليون ليلة.

ورغم هذه التطورات الإيجابية، شهدت إيرادات قناة السويس تراجعًا حادًا بنسبة 54.1% لتقتصر على 2.6 مليار دولار، مقابل 5.8 مليار دولار خلال الفترة المقارنة، متأثرة بانخفاض الحمولة الصافية المارة بنسبة 61.9% لتصل إلى 360.3 مليون طن، وانخفاض عدد السفن العابرة بنسبة 44.8 % نتيجة للتوترات المتصاعدة في البحر الأحمر.

إلا أن التقارير الدولية تتوقع تعافيًا تدريجيًا ملحوظًا خلال الأعوام المقبلة، إذ رجح صندوق النقد الدولي أن ترتفع إيرادات القناة بنسبة 88.9 % خلال خمس سنوات، لتصل إلى 11.9 مليار دولار بحلول 2029/2030، مقارنة بتقديرات تبلغ 6.3 مليار دولار فقط في 2025/2026.

وشهد الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر تسارعاً ملحوظاً في وتيرة النمو بدءاً من مارس 2025، حيث قفز إلى 47.757 مليار دولار محققاً زيادة شهرية قدرها 363 مليون دولار – وهي الأعلى منذ بداية العام. واستمر هذا المسار التصاعدي في أبريل بارتفاع الاحتياطي إلى 48.144 مليار دولار (زيادة 387 مليون دولار)، ثم إلى 48.526 مليار دولار في مايو (صعوداً 382 مليون دولار). وفي يونيو، بلغ الاحتياطي ذروته عند 48.700 مليار دولار (نمواً 174 مليون دولار) مسجلاً أعلى مستوى منذ مطلع الفترة.

نجحت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، خلال السنوات الخمس الماضية في تحقيق حصيلة دولارية ضخمة تجاوزت 15 مليار دولار وقد تصل إلى 20 مليارًا، من خلال طرح مشروعات عقارية وأراضٍ استثمارية تستهدف المصريين بالخارج، في إطار جهود الدولة لتعظيم الاستفادة من تحويلات المواطنين العاملين بالخارج، وتوجيهها نحو استثمارات عقارية مستقرة داخل البلاد.

وتنوّعت تلك الطروحات بين أراضٍ استثمارية مخصصة للمطورين والأفراد، ووحدات سكنية بمستويات متعددة تناسب مختلف الشرائح من المصريين في الخارج، إلى جانب المراحل المختلفة من مشروع «بيت الوطن»، ومبادرة «بيتك في مصر» التي تم إطلاق مرحلتها الأولى مؤخرًا.

حيث أن الحصيلة الدولارية المتحققة جاءت نتيجة استراتيجية شاملة بدأت منذ سنوات، هدفت إلى جذب رؤوس الأموال المصرية المهاجرة واستثمارها في السوق العقاري المحلي، وهو ما تحقق عبر طرح أراضٍ استثمارية متميزة في مواقع استراتيجية للمطورين العقاريين، بالإضافة إلى طرح وحدات سكنية متنوعة ضمن مشروعات الوزارة وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مثل الإسكان الفاخر والمتوسط والمتميز، ضمن برنامج «بيت الوطن» وغيره..كما أن الوزارة فتحت باب الحجز الإلكتروني من الخارج، وسمحت بالدفع بالدولار مما ساعد على تيسير الإجراءات وتعزيز ثقة المصريين في الخارج تجاه هذه الطروحات، وهو ما انعكس بشكل مباشر في ارتفاع الإقبال والحصيلة المحققة.

ويُعد مشروع «بيت الوطن» أحد أنجح أدوات الدولة في جذب العملة الصعبة من المصريين في الخارج، إذ أُطلق في عدة مراحل على مدار السنوات الماضية، ولاقى تجاوبًا واسعًا، نظرًا لما يتيحه من فرص لتملك الأراضي والوحدات في مواقع متميزة بالمدن الجديدة، مع تسهيلات في السداد، وحرية اختيار العملة الأجنبية كوسيلة للدفع.

وقد تم طرح أراضٍ ووحدات بمناطق راقية مثل التجمع الخامس، والشيخ زايد، و6 أكتوبر، والشروق، والعاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، مما زاد من جاذبية الطرح وجعل المشروع وسيلة فعالة لتحويل جزء من مدخرات المصريين بالخارج إلى استثمارات في الداخل.

ومؤخرًا، أطلقت وزارة الإسكان المرحلة الأولى من مبادرة «بيتك في مصر»، التي تستهدف المصريين في الخارج أيضًا، عبر إتاحة وحدات سكنية جاهزة للتسليم في مشروعات مختلفة بمساحات متنوعة وأسعار تنافسية، مع إمكانية السداد بالدولار من الخارج.

وتهدف المبادرة إلى تعزيز تدفق العملة الصعبة، وتوفير وحدات فورية للمغتربين الراغبين في تملك وحدات بمناطق راقية أو مدن جديدة، دون الحاجة للدخول في مراحل الإنشاء أو الانتظار الطويل.

وفي إطار خطتها للعام المالي الحالي، تستهدف وزارة الإسكان تحقيق مبيعات دولارية تتراوح بين 4 إلى 5 مليارات دولار، من خلال طرح أراضٍ جديدة للمستثمرين والمطورين، وتسويق مراحل إضافية من مشروعات بيت الوطن، إلى جانب استكمال تنفيذ وطرح وحدات ضمن مبادرة بيتك في مصر.

وتسعى الوزارة لمواكبة الطلب المتزايد من المصريين بالخارج على الاستثمار العقاري، خاصة في ظل الاضطرابات الاقتصادية العالمية، حيث يُنظر إلى العقار المصري باعتباره ملاذًا آمنًا ومستقرًا، يعزز من القيمة الشرائية للمغتربين، ويوفر لهم فرص تملك مستقبلية.

وتعكس هذه الحصيلة الدولارية المتزايدة الدور المهم الذي يلعبه قطاع الإسكان في دعم الاقتصاد الوطني، ليس فقط من خلال توفير السكن وتحقيق التنمية العمرانية، وإنما أيضًا كمصدر رئيسي لجذب العملة الأجنبية وتحقيق الاستقرار النقدي، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الحالية.