رغم خفض الفائدة.. «قفزة تاريخية» في ودائع المصريين بالبنوك


الاحد 17 اغسطس 2025 | 04:18 مساءً
ودائع - صورة أرشيفية تعبيرية
ودائع - صورة أرشيفية تعبيرية
العدد الورقي

الودائع بالعملة المحلية ارتفعت إلى 8.6 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2025 مسجلة نمو %14

الودائع بالعملات الأجنبية صعدت إلى 3.091 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2025 بزيادة نسبتها 4.4%

زيادة ودائع القطاع العائلي بالعملات الأجنبية تشير إلى استمرار سلوك التحوط لدى شريحة من المودعين

الارتفاع في الودائع يتزامن مع زيادة السيولة المحلية والتى ارتفعت إلى 12.821 تريليون جنيه بنهاية مايو ٢٠٢٥

جاب الله: الودائع تمثل الأمان.. ولا وجود لصدمة متوقعة طالما الفائدة الحقيقية موجبة

تشهد ودائع المصريين في البنوك نمواً ملحوظاً خلال العام الجاري، في ظل تحركات مكثفة من البنك المركزي المصري لإدارة السيولة والتحكم في معدلات التضخم ، ورغم قراره بخفض أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس في مايو الماضي.

وفقاً لأحدث بيانات البنك المركزي، بلغ إجمالي ودائع العملاء في البنوك نحو 14.151 تريليون جنيه مصري بنهاية فبراير 2025، مقابل 13.599 تريليون جنيه في ديسمبر 2024، محققاً زيادة قدرها 552 مليار جنيه في شهرين فقط.

وتوزعت هذه الودائع بين ودائع حكومية بلغت قيمتها 2.977 تريليون جنيه، منها 2.486 تريليون بالعملة المحلية و490 مليار بالعملات الأجنبية، وودائع غير حكومية بلغت 11.174 تريليون جنيه، منها 8.019 تريليون بالعملة المحلية و3.154 تريليون بالعملات الأجنبية.

وفي السياق نفسه، أظهرت بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزي أن إجمالي الودائع بالعملة المحلية ارتفع إلى 8.6 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2025، مقابل 7.6 تريليون جنيه في نهاية ديسمبر 2024، مسجلاً نمواً بنسبة 14%، وتشمل هذه القيمة نحو تريليون جنيه ودائع تحت الطلب، وقرابة 6.6 تريليون جنيه ودائع لأجل وشهادات ادخار.

أما على صعيد الودائع بالعملات الأجنبية، فقد صعدت إلى ما يعادل 3.091 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2025، مقارنة بـ 2.96 تريليون جنيه في ديسمبر 2024، بزيادة نسبتها 4.4%، ويبرز ضمن هذه الأرقام ارتفاع ودائع القطاع العائلي بالعملات الأجنبية إلى ما يعادل 211.49 مليار جنيه، بزيادة 7% خلال النصف الأول من العام، وفقاً لـبانكي جِيت.

امتصاص السيولة

وفي خطوة تؤكد مواصلة البنك المركزي سياسته النشطة في امتصاص السيولة الزائدة، نفذ المركزي العملية رقم 31 من آلية «الودائع المربوطة» منذ بداية 2025، ليصل إجمالي ما تم جذبه من البنوك عبر هذه الأداة إلى نحو 16.832 تريليون جنيه منذ يناير الماضي.

وأوضحت البيانات الصادرة عن المركزي أن 19 بنكاً تقدمت بطلبات لربط ودائع بقيمة 193.60 مليار جنيه لمدة سبعة أيام بسعر فائدة ثابت قدره 24.50%، وقد وافق المركزي على كامل المبلغ، بنسبة تخصيص 100%، حسب ما نشرته أخبار اليوم

وتعد آلية الودائع المربوطة إحدى أدوات السوق المفتوحة التي يستخدمها البنك المركزي بانتظام لامتصاص فائض السيولة والحفاظ على استقرار الأسعار، ويأتي ذلك في ظل قرارات متتابعة من لجنة السياسة النقدية، التي قررت في اجتماعها الأخير خفض أسعار الفائدة الرئيسية بواقع 100 نقطة أساس، ليصل سعر عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة إلى 24% و25% على التوالي، وسعر العملية الرئيسية إلى 24.50%.

كما تم خفض سعر الائتمان والخصم إلى 24.50%، في خطوة تهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي وتخفيف عبء تكلفة التمويل على المستثمرين والمستهلكين، مع الحفاظ على التوازن النقدي، ويرى محللون أن استمرار نمو الودائع، خاصة لأجل وبالعملة المحلية، يعكس ثقة المدخرين في الجهاز المصرفي، حتى في ظل تراجع العوائد نسبياً بعد خفض الفائدة.

كما أن زيادة الودائع بالعملات الأجنبية، خصوصاً في القطاع العائلي، تشير إلى استمرار سلوك التحوط لدى شريحة من المودعين، في مواجهة تقلبات سعر الصرف.. وفي المقابل، يتوقع أن تؤدي السياسة النقدية التيسيرية إلى زيادة الطلب على الائتمان الموجه للاستثمار والاستهلاك، ما قد يحد من وتيرة نمو الودائع على المدى المتوسط إذا ما استمر الاتجاه النزولي للفائدة.

السيولة المحلية

ويتزامن هذا الارتفاع في الودائع مع زيادة حجم السيولة المحلية في الاقتصاد، حيث ارتفعت إلى 12.821 تريليون جنيه بنهاية مايو 2025، مقابل 12.684 تريليون جنيه في أبريل، بحسب بيانات المركزي. كذلك، شهد المعروض النقدي (M1) نموًا ملحوظًا، ليصل إلى 3.285 تريليون جنيه، كما ارتفع النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي إلى 1.355 تريليون جنيه.

هذه الأرقام تطرح معطيات مزدوجة: من جهة، تشير إلى اتساع القاعدة النقدية وتحسن قدرة النظام المصرفي على استيعاب السيولة، ومن جهة أخرى، تعكس تحديًا أمام السياسة النقدية في تحقيق توازن دقيق بين كبح التضخم وتحفيز النمو، خصوصًا في ظل المسار النزولي المنتظر للتضخم على المدى القصير، وفقًا لتقديرات لجنة السياسة النقدية.

وفي سياق ذي صلة، قررت لجنة السياسة النقدية في اجتماعها الأخير بتاريخ 22 مايو 2025 خفض سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية بواقع 100 نقطة أساس، ليصبح 24% و25% و24.5% على الترتيب، كما تم خفض سعر الائتمان والخصم إلى 24.5%، وقد بررت اللجنة قرارها بأنه يأتي في ضوء التحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي واستقرار معدلات التضخم، بالإضافة إلى استمرار فجوة الناتج المحلي الإجمالي دون طاقته القصوى، وهو ما يقلل من احتمالات تولّد ضغوط تضخمية من جانب الطلب.

أما على صعيد النشاط الاقتصادي، فقد أظهرت المؤشرات الأولية للربع الأول من 2025 استمرار تعافي الاقتصاد، مع توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 5%، مقارنة بـ4.3% في الربع الأخير من 2024. وعلى الرغم من هذا النمو، لا تزال فجوة الناتج تشير إلى أن الاقتصاد يعمل بأقل من طاقته الكاملة، ما يوفر مجالًا للمزيد من التوسع دون توليد تضخم مفرط. كما سجل معدل البطالة تحسنًا طفيفًا، لينخفض إلى 6.3% في الربع الأول من العام الجاري، مقابل 6.4% في الربع السابق، ما يعكس ديناميكية أكثر استقرارًا في سوق العمل.

السياسة النقدية

كل هذه المؤشرات تضع السياسة النقدية أمام اختبار معقد: فبينما تشير بيانات السيولة والودائع إلى حالة استقرار وثقة، فإن خفض أسعار الفائدة من شأنه أن يعزز الطلب الاستثماري والاستهلاكي، لكنه أيضًا قد يدفع بالمزيد من السيولة نحو أدوات استثمارية أخرى، ما لم تقترن السياسة النقدية بإجراءات تنظيمية ورقابية موازية.

وفي إطار الإدارة المالية للدين العام، طرح البنك المركزي المصري في 27 يوليو 2025 أذون خزانة بقيمة 80 مليار جنيه، منها 35 مليار جنيه لأجل 182 يومًا، و45 مليار جنيه لأجل 364 يومًا، ضمن خطة إدارة السيولة قصيرة الأجل وتقليص العجز في الموازنة العامة للدولة، إلى جانب ضبط العائد على أدوات الدين بما يتوافق مع أهداف السياسة النقدية.

باختصار، فإن المشهد المصرفي في مصر يعكس حالة توازن نسبي بين استقرار النقد وثقة المودعين من جهة، ومساعي البنك المركزي لتحفيز الاقتصاد عبر سياسة نقدية مرنة من جهة أخرى، وبينما تواصل الودائع تحقيق نمو استثنائي، يبقى الرهان الحقيقي على قدرة الاقتصاد على التحول من مرحلة «الادخار التحوطي» إلى «الاستثمار الإنتاجي»، وهو ما سيتطلب تنسيقًا محكمًا بين السياسات النقدية والمالية، وبرامج الإصلاح الهيكلي.

نتيجة طبيعية

من جانبه، أكد الدكتور وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، أن ارتفاع حجم الودائع لدى البنوك المصرية، وعلى رأسها ودائع القطاع العائلي، يأتي كنتيجة طبيعية لمرحلة التشديد النقدي السابقة التي اتسمت بارتفاع كبير في معدلات الفائدة، وهو ما حفّز تدفق السيولة إلى القطاع المصرفي، ولا تزال آثاره مستمرة رغم بداية دورة التيسير النقدي.

وأوضح جاب الله في تصريحات خاصة لـ العقارية، أن انخفاض الفائدة بنحو 3% حتى الآن خلال 2025 لا يعني أن العائد أصبح غير مجزٍ، بل على العكس، ما تزال معدلات الفائدة في البنوك مرتفعة نسبيًا، وهو ما يُبقي على جاذبية الودائع، متوقعًا أن تنخفض الفائدة بواقع 3% إضافية بنهاية العام، لكنها ستظل مرتفعة مقارنة بسنوات ما قبل الأزمة.

وأشار إلى أن الودائع ترتفع تلقائيًا في ظل هذه المعدلات العالية من الفائدة، موضحًا أن الوديعة الواحدة يمكن أن تتضاعف خلال 4 سنوات فقط بسبب الفوائد التراكمية، ما يعني أن الأرقام المعلنة عن حجم الودائع تتأثر بشكل مباشر بمردود الفائدة المركّبة التي جُمعت خلال سنوات التشديد النقدي.

وتحدث جاب الله عن الطبيعة البنيوية للودائع العائلية، قائلًا إن شريحة كبيرة من المصريين ليست مستثمرة بطبيعتها، وتشمل كبار السن وأصحاب المعاشات والمواطنين محدودي الدخل، وهم يفضّلون الاحتفاظ بأموالهم في البنوك لتحقيق عائد آمن يساعدهم على تلبية احتياجاتهم المعيشية.

وأضاف: «الودائع ليست أموالًا معدّة للاستثمار، بل أموال تُودع لحفظ القيمة أو لتحقيق عائد دوري آمن»، مشيرًا إلى أن هناك فصلًا وظيفيًا في الاقتصاد بين من يمتلك رأس المال دون خبرة استثمارية، ومن يمتلك الخبرة والرؤية دون السيولة الكافية. وهنا، يلعب الجهاز المصرفي دور الوسيط، حيث يحصل المستثمر الحقيقي على التمويل من ودائع الأفراد، في مقابل تحقيق عوائد تعود جزئيًا للمودعين.

مستقبل الودائع

وحول توقعاته لمستقبل الودائع خلال النصف الثاني من عام 2025، أكد جاب الله أنه لا يتوقع أي صدمة في حجم الودائع المصرفية، موضحًا أن البنك المركزي يحرص دائمًا على الإبقاء على سعر فائدة حقيقي موجب، أي أن تكون الفائدة أعلى من معدل التضخم. وبهذا الشكل، تحافظ الودائع على قيمتها ولا تتآكل بمرور الوقت.

وقال: «طالما ظل معدل الفائدة الاسمي أعلى من التضخم، ستظل الودائع المصرفية أداة جاذبة وآمنة، حتى مع الاتجاه التدريجي نحو خفض الفائدة».

وعند سؤاله عن احتمالات هجرة الودائع نحو أدوات استثمار أخرى كـالذهب أو الدولار أو صناديق الاستثمار، أكد جاب الله أن تلك الأدوات موجودة دائمًا ولكن بنسب متغيرة، موضحًا أن معظم الأفراد لا يشعرون بفارق كبير بين عائد الوديعة وصندوق الاستثمار، خاصة في ظل ضعف الثقافة الاستثمارية لدى شريحة واسعة من المواطنين.

وأضاف أن «صندوق الاستثمار كي يكون منافسًا حقيقيًا للودائع، يجب أن يمنح متوسط عائد سنوي يتجاوز ما تقدمه الوديعة بنسبة تتراوح بين 60% و63%»، وهو أمر يصعب تحقيقه بانتظام، خاصة في ظل تقلبات الأسواق، ما يجعل الكثيرين يُفضّلون الوديعة المصرفية كخيار أقل مخاطرة وأكثر وضوحًا.