كشفت دراسة حديثة من الجامعة الوطنية الأسترالية عن دور حاسم لساعات العمل الطويلة، التي غالبًا ما يتحملها الرجال، في اتساع الفجوة في الأجور بين النساء والرجال.
وتشير النتائج إلى أنه من الممكن تقليص هذه الفجوة بنسبة تصل إلى 43% في أستراليا، إذا تم توزيع ساعات العمل بشكل أكثر توازنًا بين الجنسين.
الدراسة، التي نُشرت في مجلة Social Indicators Research، استندت إلى تحليل بيانات من آلاف الأزواج في أستراليا وألمانيا، خلال الفترة الممتدة بين 2002 و2019. وتوصل الباحثون إلى أن العمل لساعات طويلة ليس مجرد جانب من جوانب الالتزام المهني، بل هو عامل مؤثر يساهم في تفاوت الدخل بين الشريكين.
ووفقًا للتحليل، فإن الرجال في العلاقات الثنائية من الجنسين يكسبون في المتوسط 536 دولارًا أستراليًا أسبوعيًا أكثر من النساء في أستراليا، مقابل 400 يورو في ألمانيا. لكن اللافت أن هذه الفجوة لا تعود فقط إلى فروقات في المهارات أو نوعية الوظائف، بل في جانب كبير منها إلى أن الرجال يقضون وقتًا أطول في العمل، بينما تتولى النساء الأعمال المنزلية لتعويض غيابهم.
عند محاكاة سيناريو يقوم فيه الطرفان بتقاسم الأعباء الأسرية والعمل بشكل أكثر توازنًا، أظهرت النتائج تحولات واضحة: النساء يزيدن ساعات عملهن، بينما يقل وقت العمل لدى الرجال، مما يؤدي إلى تراجع ملحوظ في الفجوة الزمنية بين الجنسين. ففي أستراليا، انخفض الفرق في عدد ساعات العمل الأسبوعية من 12.1 ساعة إلى 5.1 ساعة، وفي ألمانيا من 13 إلى 6.9 ساعة.
ترتب على هذا التوزيع العادل انخفاض متوقع في فجوة الأجور بنسبة 43% في أستراليا و25% في ألمانيا، وهو ما يُعد خطوة مؤثرة نحو تقليص الفجوة بين الجنسين.
وتركز الدراسة على ثقافة العمل التي تُكافئ من يقضي وقتًا أطول في المكتب، وتعتبره الأكثر إنتاجية. هذه العقلية، بحسب الباحثين، تعزز الأعباء غير المرئية التي تتحملها النساء، حيث يضطر الكثير منهن إلى تقليص التزاماتهن المهنية أو حتى التخلي عن فرص التقدم الوظيفي.
تشير بيانات مكتب الإحصاءات الأسترالي إلى أن النساء يتقاضين أجورًا أقل بنسبة 11.1% عن الرجال مقابل كل ساعة عمل، بينما تبلغ الفجوة في الدخل الأسبوعي 26.4%، وهو ما يعكس أثر الفوارق في عدد ساعات العمل بوضوح.
وتوصي الدراسة بإعادة النظر في مفهوم الإنتاجية المهنية، بحيث يتم تشجيع الرجال على الالتزام بسقف 38 ساعة عمل أسبوعيًا، كما تنص قوانين العمل في أستراليا. هذه الخطوة من شأنها أن تتيح فرصًا عادلة للنساء في سوق العمل، دون الحاجة للتضحية بحياتهن العائلية أو المهنية.
وتظهر النماذج أن توزيع الوقت بشكل عادل قد يؤدي إلى استقرار ساعات العمل عند 41 ساعة للرجال و36 ساعة للنساء، ما يعكس تقاربًا واضحًا.
ختامًا، تشير الدراسة إلى أن تضييق فجوة الأجور لا يتحقق فقط عبر تعديل الرواتب أو سن قوانين المساواة، بل من خلال إعادة تعريف النجاح المهني نفسه، بحيث لا يرتبط بعدد الساعات التي يقضيها الفرد في العمل، بل بكفاءة الأداء، مع الحفاظ على التوازن داخل الأسرة.