في تحول لافت يشكل علامة فارقة في تاريخ سوريا الحديث، بدأت البلاد خطوات فعلية نحو إعادة بناء ما دمرته الحرب، وذلك عبر بوابة استثمارات أمريكية ودولية واسعة النطاق، تركز في مرحلتها الأولى على قطاع الطاقة.
هذه الانطلاقة جاءت بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر عام 2024، وما تلاها من قرارات تاريخية برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية التي ظلت مفروضة لأكثر من عقدين، ما مهّد الطريق لتدفق رؤوس الأموال والتقنيات الحديثة إلى الأراضي السورية.
الاستثمارات الجديدة التي بدأت بالفعل تتضمن عمليات تنقيب واستخراج للنفط والغاز في الشمال الشرقي من البلاد، إلى جانب مشاريع كبرى لتشييد محطات توليد الكهرباء الحديثة، بدعم مباشر من وزارة الخزانة الأمريكية، التي سارعت إلى إصدار تصاريح استثمارية خاصة تُسهِّل دخول الشركات الأمريكية إلى السوق السورية.
ويُعد هذا التدخل من وزارة الخزانة تطورًا لافتًا في السياسات الأمريكية تجاه سوريا، حيث تحوّل الدور من فرض العقوبات إلى دعم إعادة الإعمار والتنمية.
في السياق ذاته، أعلن الاتحاد الأوروبي، في فبراير 2025، رفع العقوبات المفروضة على قطاعات حيوية في سوريا، تشمل الطاقة والنقل والقطاع المصرفي، مشيرًا إلى أن هذا القرار يأتي ضمن خطة شاملة لدعم الاستقرار في سوريا بعد التحول السياسي، وتهيئة البيئة الاقتصادية لعودة الاستثمار الأجنبي بشكل منظم ومستدام.
من جانبها، شرعت الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، في مناقشة حزمة من التعديلات الجذرية على قانون الاستثمار، تهدف إلى تهيئة بيئة قانونية وتشريعية مواتية لجذب الاستثمارات، وخاصة من الولايات المتحدة وشركات كبرى في قطاع الطاقة والبنية التحتية.
وأفادت مصادر رسمية بأن عددًا من الشركات العالمية أبدت اهتمامًا فعليًا بالاستثمار في حقول النفط الواقعة في الشمال الشرقي، وكذلك بالتنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية السورية.
ولا تقتصر ملامح الدعم على الشركاء الغربيين، بل يشمل أيضًا دعمًا عربيًا متزايدًا، حيث تدخلت السعودية وقطر لتسوية المتأخرات المالية المستحقة على سوريا لدى البنك الدولي، تمهيدًا لإطلاق برامج تنموية واسعة النطاق في مختلف المحافظات.
واعتبر مراقبون هذه الخطوة مؤشرًا على رغبة عربية قوية في دعم استقرار سوريا الجديد وإعادة دمجها في النظام الاقتصادي الإقليمي والدولي.
وأكد مسؤولو الحكومة السورية أن هذه الإجراءات ستسهم بشكل مباشر في إعادة تشغيل مئات الآلاف من فرص العمل التي فُقدت خلال سنوات الحرب، كما ستُحسّن من قدرة الشبكة الكهربائية الوطنية التي كانت تعاني من انقطاعات مزمنة أثرت على كافة القطاعات الحيوية.
كما أشار الاتحاد الأوروبي إلى أن رفع العقوبات ليس قرارًا معزولًا، بل يأتي في سياق أوسع يستهدف دمج سوريا تدريجيًا في الاقتصاد العالمي، شريطة استمرار تنفيذ إصلاحات سياسية جادة.
وهكذا، تقف سوريا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، تتسم بانفتاح اقتصادي واسع، ونقلة نوعية في علاقاتها مع المجتمع الدولي، بعد سنوات طويلة من الحرب والعزلة، لتبدأ رحلة الإعمار من بوابة الطاقة والتنمية.