بريطانيا وألمانيا توقعان معاهدة تاريخية لتعميق التعاون في الدفاع والهجرة ومواجهة التحديات المشتركة


الخميس 17 يوليو 2025 | 08:06 مساءً
بريطانيا وألمانيا
بريطانيا وألمانيا
محمد شوشة

رحّبت المملكة المتحدة وألمانيا، اليوم الخميس، بتوقيع معاهدة ثنائية واسعة النطاق وُصفت بالتاريخية، تهدف إلى تعميق التعاون بين البلدين في مجالات حيوية تشمل الدفاع والهجرة والاقتصاد، في خطوة تُعد أحدث محطات إعادة بناء العلاقات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي بعد البريكست.

وجاء توقيع ما أُطلق عليه معاهدة كنسينجتون خلال زيارة المستشار الألماني فريدريش ميرز إلى لندن، وهي أول زيارة رسمية له إلى العاصمة البريطانية منذ توليه المنصب، وقد أشاد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بالاتفاق، مؤكدًا أنه يشكل خطة عمل عملية تتضمن 17 مشروعًا رئيسيًا، تهدف لتحقيق نتائج ملموسة تعزز من جودة حياة المواطنين في كلا البلدين.

وقال ستارمر في مؤتمر صحفي عُقد في متحف فيكتوريا وألبرت الذي يحمل رمزية مشتركة بين بريطانيا وألمانيا: "نحن نرى حجم التحديات التي تواجه قارتنا اليوم، ونعتزم مواجهتها بشكل مباشر"، مضيفًا أن المعاهدة تعكس القيم والأهداف المشتركة بين لندن وبرلين، وتمثل نقلة نوعية في التعاون الأوروبي الثلاثي مع باريس.

من جهته، عبّر ميرز عن أسفه لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا أن المعاهدة الجديدة تمثل بداية عصر جديد من الشراكة القيادية بين لندن وبرلين، وستكمّل الاتفاق الدفاعي المبرم مؤخرًا بين بريطانيا وفرنسا.

الدفاع ومواجهة التهديدات

وفي ضوء تنامي المخاوف الأوروبية من سياسات الإدارة الأمريكية في ظل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتعاظم الشكوك حول مدى التزام واشنطن بحماية حلفائها، شددت المعاهدة على أهمية التكامل الدفاعي بين لندن وبرلين.

وأكد الزعيمان عزمهما إرسال مساعدات عسكرية إضافية إلى أوكرانيا، بما في ذلك أنظمة ضربات بعيدة المدى وصواريخ باتريوت الدفاعية التي تُعد من أولويات كييف في مواجهة الحرب الروسية.

وقال ميرز: "ستحصل أوكرانيا قريبًا على دعم إضافي كبير في هذا المجال"، كاشفًا أن الاتفاق يتضمن بندًا خاصًا بالمساعدة المتبادلة.

وأشارت مصادر ألمانية إلى أن هذه الخطوة تأتي استكمالًا لاتفاق دفاعي تم توقيعه العام الماضي بين البلدين، تضمّن تطوير أسلحة هجومية بعيدة المدى، كما أنها تواكب تعزيز التعاون النووي بين بريطانيا وفرنسا الذي تم الإعلان عنه الأسبوع الماضي.

صادرات الأسلحة وخط سكة حديد مباشر

في تحول لافت في السياسة الألمانية، تعهدت برلين بالتعاون مع لندن على تنفيذ حملات تصدير مشتركة للمعدات العسكرية المصنعة بشكل مشترك، من بينها طائرات "تايفون يوروفايتر" ومدرعات "بوكسر"، في مسعى لتعزيز مبيعات السلاح وفتح أسواق جديدة.

وتمثل هذه الخطوة تراجعًا واضحًا عن سياسة الحظر التي انتهجتها ألمانيا في العقد الأخير، والتي حالت دون بيع أسلحة لدول مثل السعودية وتركيا.

كما تضمنت المعاهدة بندًا لتطوير خط سكة حديد مباشر جديد بين البلدين، إلى جانب تسهيلات في المطارات الألمانية للمسافرين المتكررين من بريطانيا، وتوسيع برامج تبادل الشباب.

مكافحة الهجرة غير النظامية

في ملف الهجرة، اتفقت لندن وبرلين على تعزيز التعاون لوقف الهجرة غير النظامية، في ما يُعد انتصارًا سياسيًا لرئيس الوزراء كير ستارمر، وتعهدت ألمانيا بتعديل قوانينها بحلول نهاية العام، بما يتيح لأجهزة إنفاذ القانون تفتيش المستودعات ومرافق التخزين التي يستخدمها مهربو البشر في تجهيز القوارب الصغيرة للعبور غير القانوني إلى بريطانيا.

وأكد الجانبان عزمهما مواجهة شبكات التهريب عبر تبادل المعلومات وتعزيز التنسيق الأمني والقانوني، في محاولة للتصدي للمخاطر الإنسانية والأمنية المرتبطة بهذه الظاهرة المتنامية.

تحالف أوروبي جديد

ويأتي توقيع معاهدة كنسينغتون بعد أيام فقط من الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بريطانيا، ما يُشير إلى تبلور تحالف أوروبي ثلاثي جديد تقوده القوى الكبرى في القارة، في ظل تحديات جيوسياسية متصاعدة تشمل الحرب الروسية الأوكرانية، والاضطرابات في الشرق الأوسط، وتراجع الثقة في الحليف الأمريكي التقليدي.

وأعرب الزعيمان عن تطلعهما إلى تحويل هذه المعاهدة من وثيقة رسمية إلى واقع عملي ملموس، يعكس طموحات وأولويات شعبيهما، ويؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة العميقة بين المملكة المتحدة وألمانيا، على أسس من التعاون، والقيادة المشتركة، والاستعداد لمواجهة المستقبل الأوروبي بكل ما يحمله من تحديات.