في ظل حالة من الترقب والحذر، يواصل الدولار الأمريكي تماسكه عند مستويات أدنى من ذروته المسجلة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مع تركيز أنظار المستثمرين على البيانات المنتظرة لمعدل التضخم في الولايات المتحدة، والتي قد تحدد بشكل كبير مسار أسعار الفائدة والسياسات النقدية للفيدرالي خلال الفترة المقبلة، وذلك وسط أجواء من الضغوط المتزايدة على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الذي يواجه انتقادات مستمرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطالبًا بمزيد من التيسير النقدي وخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر مما هي عليه حاليًا.
وبالتزامن مع هذه التحركات، أظهرت أسواق العملات الرئيسية بعض علامات التعافي، حيث استعاد اليورو والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري جانبًا من خسائرهما السابقة، بدعم من التوقعات بأن قراءة التضخم قد تمنح هذه العملات دفعة مؤقتة أمام الدولار، كما واصلت أسعار الذهب ارتفاعها مدعومة بتزايد المخاوف من التوترات التجارية العالمية وتصاعد طلب المستثمرين على الأصول الآمنة، في حين أثارت بيانات الاقتصاد الصيني الأخيرة نقاشات جديدة بشأن مستويات التحفيز المطلوبة للحفاظ على زخم النمو.
وفي مشهد موازٍ، تشهد أسواق الأصول الرقمية حراكًا لافتًا مع تسجيل البيتكوين مستوى قياسيًا جديدًا بدعم من الأنباء حول تمرير تشريعات داعمة للصناعة في الكونجرس الأمريكي، بينما يراقب المستثمرون عن كثب التطورات في أسواق النفط والأسهم العالمية التي ظلت بدورها تتأرجح بين مؤشرات إيجابية وأخرى مثيرة للقلق، في انتظار ما ستكشفه بيانات التضخم المرتقبة من مؤشرات على صحة الاقتصاد الأمريكي وقدرة الأسواق على امتصاص تداعيات السياسات النقدية والرسوم الجمركية المحتملة.
الدولار الأمريكي يراوح قرب أدنى مستوى له في 3 أسابيع
حافظ الدولار الأمريكي، اليوم الثلاثاء، على تداوله دون ذروته المسجلة في ثلاثة أسابيع مقابل سلة من العملات العالمية، وسط ترقب حذر من المستثمرين لبيانات التضخم الأمريكية المنتظرة، والتي يُتوقع أن تعطي إشارات مهمة بشأن مستقبل أسعار الفائدة.
وحظي الدولار ببعض الدعم من الارتفاع التدريجي في عائدات سندات الخزانة الأمريكية خلال الأسابيع الماضية، بينما تزايدت التكهنات في الأسواق حول إمكانية اضطرار جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لترك منصبه مبكرًا في ظل الانتقادات المتواصلة من ترامب.
وتمكن كل من اليورو والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري من تعويض جانب من خسائرهم المسجلة في اليوم السابق، في وقت ينتظر فيه المستثمرون بيانات اقتصادية مهمة، تشمل معدل التضخم الأمريكي ومعنويات المستثمرين الألمان.
البيتكوين
انحرفت البيتكوين عن ذروتها التاريخية التي سجلتها يوم أمس الإثنين عند مستوى 123,153.22 دولار، بعد مكاسب أسبوعية بلغت 14%، حيث يراهن المستثمرون على تمرير تشريعات داعمة لصناعة العملات المشفرة هذا الأسبوع، وتم تداول البيتكوين عند نحو 117,550 دولارًا.
وسجل اليورو ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.2% ليصل إلى 1.1688 دولار، منهياً بذلك سلسلة من الخسائر استمرت أربعة أيام متتالية.
واعتبر روبرتو كوبوس، الخبير الاستراتيجي في BBVA، أن بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي قد تكون لحظة حاسمة لمسار العملة الأوروبية أمام الدولار، موضحًا أن التضخم الأقوى من المتوقع سيدعم موقف الفيدرالي المتشدد، بينما سيسهم انخفاض التضخم في زيادة صعوبة تبرير هذا النهج، ما قد يدفع الدولار للتراجع.
أما مقابل الين الياباني، فلم يشهد الدولار تغيرًا كبيرًا ليستقر عند 147.71 ين، بعد أن لامس في وقت سابق أعلى مستوى له منذ 23 يونيو عند 147.89 ين، وتراجع مؤشر الدولار قليلاً إلى 98.003، بعدما كان قد بلغ ذروة ليلية عند 98.136، وهي الأعلى منذ 25 يونيو.
وأشار باول في تصريحات سابقة إلى توقعه بارتفاع التضخم هذا الصيف نتيجة الرسوم الجمركية، ما قد يؤخر أي تعديل محتمل في السياسة النقدية.
خفض أسعار الفائدة الأمريكية
واصل ترامب هجومه على باول، مطالبًا بخفض أسعار الفائدة إلى 1% أو أقل، بدلًا من النطاق الحالي البالغ 4.25% إلى 4.50%، بينما لم تشهد العملات رد فعل قويًا تجاه بيانات أظهرت نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2% في الربع الأخير، متجاوزة التوقعات قليلًا، وسط تحذيرات من مخاطر محتملة قد تدفع بكين لزيادة التحفيز.
وانخفض اليوان الصيني بشكل طفيف إلى 7.1766 للدولار في التعاملات الخارجية، قبل أن يتعافى قليلًا إلى 7.175، وارتفع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.2% إلى 1.1687 دولار، قبل الخطاب السنوي لمحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي أمام القطاع المالي في لندن بمشاركة وزيرة المالية راشيل ريفز.
أسعار الذهب العالمية
ارتفعت أسعار الذهب العالمية، اليوم الثلاثاء، مدعومة بتزايد المخاوف بشأن تصاعد الحرب التجارية العالمية، ما زاد الطلب على الملاذات الآمنة، مع انتظار المستثمرين بيانات التضخم الأمريكية التي قد تحدد اتجاه أسعار الفائدة.
وارتفع الذهب الفوري بنسبة 0.5% ليصل إلى 3361.39 دولار للأوقية، بينما صعدت العقود الآجلة للذهب الأمريكي بنسبة 0.3% لتسجل 3370.40 دولار.
وتراجع مؤشر الدولار بنسبة 0.1% ساهم في دعم أسعار الذهب، إذ يصبح المعدن النفيس أقل تكلفة لحاملي العملات الأخرى.
وأوضح هان تان، كبير محللي السوق في «نيمو موني»، أن الذهب يستفيد حاليًا من عدة عوامل، منها توقعات خفض أسعار الفائدة، ورسوم ترامب الجمركية، بالإضافة إلى المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية.
واتهم الاتحاد الأوروبي، أمس، الولايات المتحدة بإعاقة التوصل لاتفاق تجاري، محذرًا من اتخاذ تدابير مضادة حال تطبيق رسوم جمركية عقابية جديدة اعتبارًا من أغسطس.
الجنيه الإسترليني
استقر الجنيه الإسترليني، اليوم الثلاثاء، عند مستوى 1.3435 دولار، بعد تراجعه في اليوم السابق، وسط حالة تفاؤل نسبي في الأسواق قبل بيانات التضخم الأمريكية وخطاب محافظ بنك إنجلترا.
ولا يزال الجنيه الإسترليني مرتفعًا منذ بداية العام بنسبة 7.6% أمام الدولار، لكنه خسر أكثر من 5% من قيمته أمام اليورو، في أسوأ أداء سنوي منذ 2022، وتفاقمت خسائره خلال الشهرين الأخيرين بنسبة تجاوزت 3.5%، بسبب المخاوف من تباطؤ الاقتصاد البريطاني وانكماشه للشهر الثاني على التوالي في مايو، إضافة لتقلص الحيز المالي بعد سياسات حكومية جديدة.
مؤشرات الأسهم
أفادت «رويترز» أن شركات الإنترنت الصينية الكبرى مثل «بايت دانس» و«تينسنت» سارعت لتقديم طلبات شراء لرقائق الذكاء الاصطناعي H20 من «إنفيديا»، بعد إعلان الشركة الأمريكية نيتها استئناف المبيعات إلى الصين.
وتأتي هذه الخطوة رغم القيود الأمريكية المفروضة لدواعٍ أمنية، وسط توقعات بأن تحصل «إنفيديا» قريبًا على التراخيص اللازمة من الحكومة الأمريكية.
استمرار ضغط ترامب على الفيدرالي
تتواصل انتقادات ترامب لرئيس الفيدرالي جيروم باول، وسط دعوات بخفض أسعار الفائدة بأكثر من ثلاث نقاط مئوية، ما زاد التكهنات حول مستقبل رئاسة باول للبنك المركزي. وفي ظل استمرار هذه الضغوط، ارتفعت تقديرات بعض أسواق المراهنة لاحتمال إقالة باول هذا العام.
أسعار النفط العالمية
استقرت أسعار النفط قرب مستوياتها بعد منح ترامب روسيا مهلة إضافية قدرها 50 يومًا لإنهاء الحرب الأوكرانية، وصعد خام برنت بنسبة 0.12% إلى 69.29 دولار للبرميل، في حين ارتفع خام غرب تكساس الوسيط بنسبة طفيفة إلى 67.01 دولار.
وحذّر محللو «ING» من أن تنفيذ العقوبات الأمريكية المحتملة على روسيا قد يؤدي إلى قلب موازين سوق النفط رأسًا على عقب.
العقود الآجلة للأسهم الأمريكية
سجلت العقود الآجلة لمؤشري ناسداك وستاندرد آند بورز 500 مكاسب ملحوظة صباح اليوم الثلاثاء، بدعم من ارتفاع أسهم شركات الرقائق مثل «إنفيديا» بعد استئناف مبيعاتها للصين، وترقبًا لإعلان نتائج بنوك كبرى مثل جي بي مورجان وسيتي جروب.
وتتجه كل الأنظار إلى تقرير مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي، الذي يُتوقع أن يُظهر ارتفاع التضخم إلى 2.7% على أساس سنوي، وهو ما قد يؤثر على قرارات الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة.