وسط إقبال متزايد من الآسيويين.. ارتفاع قياسي في أسعار الزبدة عالميا


السبت 12 يوليو 2025 | 11:15 صباحاً
قفزة في أسعار الزبدة
قفزة في أسعار الزبدة
إيهاب زيدان

بات المورد الرئيسي لمخابز المعجنات الفرنسية، غير قادر على تأمين إمدادات منتظمة من زبدة التوريق الفرنسية، وهي زبدة مسطحة مخصصة لتحضير المعجنات.

ارتفاع قياسي في أسعار الزبدة

ودفع هذا النقص الشهير مخابز "ماميشي" الشهير إلى البحث عن مصادر بديلة لضمان استمرار الإنتاج، إلا أن ذلك يأتي مع أعباء مالية متزايدة.

تقترب أسعار الزبدة في معظم أنحاء العالم من ذروتها التاريخية، من دون مؤشرات واضحة على انحسار هذه الموجة. ويعود ذلك إلى مجموعة معقدة من العوامل، من بينها التحديات التي يواجهها مربو الأبقار في فرنسا إلى نيوزيلندا، وتغير أذواق المستهلكين الآسيويين التي ترفع وتيرة الطلب العالمي، بالإضافة إلى قرارات تجارية تتخذها شركات إنتاج الألبان لحماية هوامش أرباحها.

النتيجة النهائية لذلك هي ضغوط إضافية على أسعار الأطعمة المفضلة لدى المستهلكين.

يقول روبن أورسوني، المشغل التجاري لدى "ماميشي": "عندما نضطر إلى تغيير المورد، يظهر الفرق بوضوح". وأوضح أن الموردين الآخرين يفرضون زيادات سعرية تتراوح بين 25% و30%، لكن "ماميشي" يتحمل هذه التكاليف لأن "هدفنا هو إسعاد عملائنا، ونحن بحاجة إلى الزبدة".

أوروبا ونيوزيلندا في قلب أزمة الزبدة

وبحسب ما أفادت به منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، يشكل إنتاج أوروبا ونيوزيلندا حوالي 70% من صادرات الزبدة حول العالم. وقد دخلت هاتان المنطقتان عام 2025 بمخزونات متدنية بشكل غير مسبوق، وهو ما ساهم في دفع الأسعار نحو مستويات قياسية.

وتعود جذور هذه الأزمة إلى عام 2022، حينما بلغت أسعار الحليب في أوروبا ذروتها نتيجة ضغوط التضخم وارتفاع تكاليف الوقود، مما أضر بالمزارعين، ودفع شركات تصنيع الألبان إلى البحث عن أفضل السبل لتعظيم الأرباح.

عملية إنتاج الزبدة

تُنتج الزبدة عبر عملية فصل القشدة عن الحليب الخام، تليها مرحلة الخض. وبمجرد اكتمال هذه العملية، يتم الحصول على الزبدة بالإضافة إلى الحليب الرائب، الذي "يمتلك بعض الاستخدامات الصناعية، لكنها تظل محدودة نسبياً"، حيث يُستخدم في بعض وصفات الطهي، وفي إنتاج مشتقات الحليب الأخرى، فضلاً عن كونه يُستغل كعلف للماشية، وفقاً لما أوضحته مونيكا توثوفا، الاقتصادية لدى "الفاو".

تحول الإنتاج نحو الجبن

في المقابل، "فعند صناعة الجبن، تتم معالجة كامل كمية الحليب في هذه العملية"، بحسب توثوفا. وحتى الناتج الثانوي من عملية صناعة الجبن، والمعروف باسم "مصل الجبن"، يحظى بطلب قوي من شركات الأغذية التجارية لإنتاج النكهات والتغذية، أو من قبل هواة الرياضة كمصدر للبروتين في أنظمتهم الغذائية.

في هذا السياق، كثفت مصانع الألبان في الاتحاد الأوروبي إنتاجها من الجبن بشكل متزايد. ونتيجة لذلك، شهد إنتاج الزبدة في دول الاتحاد انخفاضاً تدريجياً، ومن المتوقع أن يصل هذا الموسم إلى أدنى مستوياته خلال ثمانية أعوام، وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة الأمريكية.

وأصبح إنتاج الحليب نفسه مهمة أكثر صعوبة. ففي أوروبا، بدأت أعداد قطعان الأبقار بالتناقص نتيجة الضغوط المالية، ويواجه المزارعون الآن تهديدات إضافية تطال ماشيتهم بسبب فيروس اللسان الأزرق، وفقاً لما ذكره خوسيه سايز، محلل أسواق الألبان في وكالة تقارير الأسعار "إكسبانا" (Expana). كما أن مرض الجلد العقدي، الذي يؤدي إلى انخفاض إنتاج الحليب لدى الأبقار المصابة، بدأ ينتشر بدوره في إيطاليا وفرنسا.

ارتفاع الطلب الآسيوي على الزبدة

في الوقت الذي لم تعد فيه الزبدة أولوية لدى مصنعي الألبان، يزداد إقبال المستهلكين، لا سيما في آسيا، عليها.

يُتوقع أن ينمو الاستهلاك العالمي للزبدة بنسبة 2.7% خلال عام 2025، متجاوزاً وتيرة الإنتاج، بحسب وزارة الزراعة الأمريكية. ففي الصين، قفز الطلب بنسبة 6% خلال عام واحد فقط. وفي تايوان، سجل الاستهلاك نمواً بنسبة 4% بين عامي 2024 و2025، بينما ارتفع في الهند، التي تُعد أكبر مستهلك عالمي، بنسبة 3%.

وفي هونج كونج، تسعى سلسلة المخابز الفرنسية "بيك هاوس" (Bakehouse) إلى مواكبة تغير أذواق المستهلكين الآسيويين. فقد ارتفع استهلاكها السنوي من الزبدة حالياً إلى نحو 180 طناً، بزيادة قدرها 96 طناً عن العام السابق، عقب افتتاح فرعين جديدين، إلى جانب استخدام 180 طناً إضافية من القشدة، بحسب ما صرح به المؤسس المشارك غريغوار ميشود.

وأضاف ميشود أن الشركة تشتري فقط من موردين راسخين، موضحاً أن نيوزيلندا تحظى بسمعة ممتازة، لكن الصين ليست جيدة بما يكفي بعد.

الزبدة تستقطب المستهلكين مجدداً

في نيوزيلندا، التي تُعد مُصدراً رئيسياً لمنتجات الألبان وتُنتج نحو 2.5% من إمدادات الحليب العالمية، لم ينجح قطاع الزبدة في استعادة مستوياته التي كانت قائمة قبل الجائحة، حيث ظل يتراوح حول 500 ألف طن سنوياً منذ عام 2020.

وعلى غرار ما يحدث في باريس، دفعت أزمة شُح الإمدادات وارتفاع أسعار الزبدة سلسلة "بيك هاوس" في هونج كونج إلى التنقل بين ثلاثة موردين مختلفين خلال فترة وجيزة، من أستراليا إلى نيوزيلندا ثم إلى بلجيكا، وهي الآن بصدد البحث عن مورد رابع لتأمين احتياجاتها.

في السياق ذاته، يتناول المستهلكون في الغرب المزيد من الزبدة، التي كانت تُنبذ لسنوات باعتبارها غير صحية، وذلك في إطار محاولاتهم تقليل استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة ضمن أنظمتهم الغذائية.

شهدت المملكة المتحدة زيادة في مشتريات الزبدة النقية المباعة على شكل قوالب، بحسب ما أفادت به سوزي ستانارد، كبيرة محللي قطاع الألبان في مجلس تنمية الزراعة والبستنة في بريطانيا. وقالت إن "المستهلكين الذين تسمح لهم ميزانياتهم لا يزالون يشترون الزبدة"، لكن ذلك لا يعني أنهم في مأمن من ضغوط الأسعار.

في مطعم "مورشيلا" (Morchella) الذي افتتح حديثاً في حي كليركينويل بلندن، حل زيت الزيتون محل الزبدة البنية والخبز، اللذين كانا يحظيان بشعبية كبيرة في المطعم الشقيق "بيريلا" (Perilla) الكائن في نيوينغتون غرين.

وقال بن ماركس، رئيس مطابخ "بيريلا"، إنه قبل موجة الزيادات الأخيرة في الأسعار، "كنا نضع كميات وفيرة من الزبدة في المقلاة لطهي قطع السمك أو اللحم". وأضاف: "اليوم، علينا أن نتعامل بذكاء أكبر في استخدامها".

تصاعد أزمة الزبدة

لا يُتوقع أن ينعم المستهلكون بالراحة قريباً، إذ لا تزال أسعار الزبدة تتأثر بالصراعات العالمية واضطرابات سلاسل التوريد وحروب الرسوم الجمركية التي طالت السلع الأساسية الأخرى.

وفي ظل هذه العوامل، بدأت سلسلة "بيكهاوس" في هونج كونج بإعطاء الأولوية للموردين الأقرب جغرافياً لتجنب نقص الإمدادات، وفقاً لما قاله ميشود.

ومن جانبه، أوضح أورسوني أن مخبز "ماميشي" سيتحمل تكلفة الزبدة المرتفعة حفاظاً على أسعار المخبوزات الفرنسية في متناول العملاء. في المقابل، أشار ماركس من "بيريلا" إلى أن زيادة الأسعار بات "أمراً لا مفر منه".

وقد تُفاقم موجة الحر التي اجتاحت أوروبا خلال الأسابيع الأخيرة الأزمة، إذ تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى انخفاض إنتاج الحليب من الأبقار، كما ترفع الطلب على منتجات أخرى تنافس الزبدة على القشدة الدهنية المستخرجة من الحليب.

وقالت ستانارد إن مشجعي التنس الذين يتناولون الفراولة بالكريمة أثناء متابعة بطولة ويمبلدون، أو الموظفين الباحثين عن لحظة انتعاش بتناول المثلجات في ساحات المدن، "يساهمون جميعاً في إبقاء أسعار الزبدة مرتفعة".