منذ الإطاحة بنظام الشاه في عام 1979 وصعود الثورة الإسلامية إلى الحكم، دخلت إيران في مواجهة مفتوحة مع العقوبات الغربية، لتصبح هذه القيود الاقتصادية جزءاً ثابتاً من تاريخ البلاد الحديث، بداية من أزمة احتجاز الرهائن بالسفارة الأمريكية في طهران، مرّت إيران بسلسلة من العقوبات شملت تجميد الأصول، وفرض قيود على التجارة، وحظر استيراد النفط، ووصلت إلى أشدّها مع سياسة "الضغط الأقصى" التي أعادتها إدارة ترامب وأكملتها الإدارات التالية.
بدايات العقوبات وتصاعد القيود
مع اقتحام السفارة الأمريكية في نوفمبر 1979، أصدرت الولايات المتحدة أوامر بتجميد الأصول الإيرانية، لتجمّد أموالاً تجاوزت قيمتها 12 مليار دولار في ذلك الوقت، وتبعها في 1984 تصنيف إيران كـ "دولة راعية للإرهاب"، لتُفرض قيود إضافية على بيع الأسلحة والمعاملات المالية.
خلال التسعينيات، استهدفت الولايات المتحدة قطاع النفط والغاز الإيراني بفرض قيود على الشركات المستثمرة هناك، ومع ذلك لم تُنفذ تلك القوانين فعلياً إلا بعد عام 2010، حيث بدأ العالم يتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه إيران مع تصاعد المخاوف من برنامجها النووي.
البرنامج النووي والعقوبات الدولية
في 2002، كشف معارضون إيرانيون عن منشآت نووية سرية في نطنز وأراك، ما دفع المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، لفرض عقوبات عبر مجلس الأمن طالت قطاعات النفط والغاز والأسلحة والصواريخ الباليستية.
كما شدّد الاتحاد الأوروبي العقوبات بمنع التجارة مع المؤسسات الإيرانية، فيما قامت الولايات المتحدة بإقصاء البنوك الإيرانية من نظام “سويفت” للتحويلات المالية، لتقيد قدرة إيران على إجراء المعاملات المالية الدولية.
الاتفاق النووي وما بعده
عام 2015، عقدت إيران اتفاقاً نووياً مع القوى العالمية حدّ من برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات. تحسنت أوضاع الاقتصاد الإيراني مؤقتاً، إذ شهدت البلاد نمواً ملحوظاً في الناتج المحلي الإجمالي وتراجع التضخم.
لكن مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، وأعادت العقوبات التي شملت حظر تصدير النفط الإيراني، وعزل النظام المالي الإيراني عن النظام المصرفي العالمي، في سياسة "الضغط الأقصى" التي تسببت في انهيار كبير في قيمة العملة الإيرانية وارتفاع معدلات التضخم.
الاقتصاد الإيراني تحت وطأة العقوبات
تراجعت قيمة الريال الإيراني بأكثر من 90% مقابل الدولار خلال السنوات الماضية، بينما ارتفعت أسعار الغذاء والسلع الأساسية بشكل حاد، وتضاعفت تكاليف السكن والخدمات في المدن الكبرى، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر لتشمل ما بين 22% و27% من المواطنين، وفق تقديرات رسمية إيرانية.
ورغم محاولات إيران الالتفاف على العقوبات من خلال شراكات بديلة، واستخدام عملات غير الدولار في التجارة، وتوجيه صادراتها النفطية إلى الصين، إلا أن العقوبات ما زالت تضغط على اقتصادها بشكل كبير. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الناتج المحلي الإيراني سيحقق نمواً ضعيفاً للغاية هذا العام، في ظل استمرار العقوبات التي تحدّ من قدرته على جذب الاستثمارات وتحقيق الاستقرار المالي.
مستقبل اقتصادي غامض
في ظل استمرار العقوبات الأمريكية وسياسات التضييق على صادرات النفط، تواجه إيران تحديات كبرى للحفاظ على استقرار اقتصادها، وبينما تمكنت من زيادة صادراتها النفطية في فترات معينة، فإن القيود المفروضة على القطاع المالي والقيود الغربية تجعل من الصعب على طهران الاستفادة الكاملة من هذه الإيرادات.
وبينما تسعى إيران لتعويض خسائرها بالتوسع في الشراكات مع بعض الدول الآسيوية وتعزيز الإنتاج المحلي، تبقى العقوبات أحد أهم العوامل التي ستحدد شكل الاقتصاد الإيراني خلال السنوات المقبلة، في ظل حالة عدم اليقين التي تخيم على مستقبل الملف النووي والسياسة الدولية تجاه طهران.