في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وعلى رأسها الحرب بين إسرائيل وإيران، التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي والإقليمي، وفي خضم هذه الأزمات المتلاحقة، برزت تساؤلات ملحة لدى المواطنين والمستثمرين حول أفضل السبل لحماية مدخراتهم وتحقيق التوازن بين الأمان والعائد، وهو ما دفع عددًا من الخبراء إلى التأكيد على أن الحل يكمن في تنويع الاستثمارات واتباع استراتيجيات مالية مرنة قادرة على مواجهة الأزمات وتحويلها إلى فرص.
أفضل طرق لاستثمار الأموال والمدخرات
قال الدكتور هاني العراقي، الخبير الاقتصادي والمصرفي، إن على من يمتلك مدخرات ويرغب في الحفاظ عليها في أوقات الأزمات أن يعمل على تنويع أوجه توظيف هذه المدخرات، مشيراً إلى أن من المهم الاحتفاظ بجزء من السيولة لاستخدامها في اقتناص الفرص عند انخفاض القيمة السوقية للأوراق المالية في البورصة.
وأوضح العراقي في تصريحاته لـ"العقارية" أن البورصة عادة ما تشهد انهيارًا كبيرًا في الأسعار خلال الأزمات، ولكن ما تلبث أن تتعافى بقوة بعد انتهاء الأزمة، مؤكدًا أن "الأزمات تصنع الثروات في سوق المال"، وهو ما يستوجب من المستثمرين الاستعداد الجيد للاستفادة من هذه الفرص.
وأضاف أن الذهب يُعد من أكثر الملاذات الآمنة للحفاظ على القيمة، مؤكداً أنه استثمار طويل الأجل يحافظ على قيمة المدخرات، لكنه لا يحقق عوائد سريعة، بل تكون عوائده بعيدة المدى.
صناديق الاستثمار والشهادات المتغيرة
وأشار العراقي إلى أن من لا يمتلك خبرة كافية في مجال الاستثمار يمكنه الاستفادة من صناديق الاستثمار، خصوصًا عند انخفاض الأسواق المالية، حيث توفر هذه الصناديق أدوات استثمارية تدار باحترافية وتقلل من المخاطر.
كما نوه إلى إمكانية الاستفادة من الشهادات ذات العائد المتغير، التي تتأثر بأسعار الفائدة التي يحددها البنك المركزي، ما يجعلها مناسبة في أوقات التوترات الاقتصادية حيث تمثل وسيلة جيدة لحصد المكاسب، خصوصًا مع ارتفاع أسعار الفائدة.
وشدد العراقي على أن الحفاظ على المدخرات لا يتم إلا من خلال تنويع الاستثمارات، بحيث يتوزع جزء منها بين استثمارات طويلة الأجل وأخرى قصيرة الأجل، لافتًا إلى أن الاحتفاظ بالسيولة في البنوك قد يحافظ مؤقتًا على قيمتها، إلا أن القوة الشرائية لتلك السيولة تتآكل بمرور الوقت بفعل التضخم.
مصدر دخل متجدد
وأشار العراقي إلى أن البعض يتجه إلى السوق العقاري من خلال شراء الوحدات السكنية، وهو ما يعد حلاً استثماريًا جيدًا، لا سيما أن بعض المشاريع تُباع كوحدات يمكن تأجيرها لاحقًا، مما يتيح للمستثمر الحصول على دخل ثابت سواء شهريًا أو ربع سنويًا، بالإضافة إلى استفادته من ارتفاع القيمة السوقية لتلك الوحدات على المدى الطويل.
الحروب الإقليمية وتأثيرها على الاقتصاد المصري
وفيما يخص الأحداث الجيوسياسية، لفت العراقي إلى أن الحرب بين إيران وغزة كان لها تأثير سلبي مباشر على الاقتصاد المصري، حيث توقّف خط الغاز القادم من إسرائيل، وهو ما أدى إلى توقف ضخ الغاز في المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة، وخاصة تلك التي تعتمد على الغاز الطبيعي، وهو ما استمر لأكثر من 10 أيام خلال فترة الحرب.
وبيّن أن هذا التوقف أثر بشكل ملحوظ على عدد من القطاعات الحيوية، مثل قطاع الأسمدة، والحديد، والبتروكيماويات، سواء من حيث توافر المنتجات محليًا أو من حيث حجم الصادرات. وأوضح أن قطاع الأسمدة في مصر يمثل حوالي 12% من سوق الأسمدة العالمي، وهو ما يعكس أهمية استقرار إمدادات الطاقة لهذا القطاع الحيوي.
تنويع الاستثمارات وفقاً لاحتياجات الأفراد
من جانبه، أكد الدكتور أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي، أن أفضل طريقة للاستثمار تختلف من شخص لآخر، بحسب احتياجاته، وطبيعة الفائض المالي المتاح لديه، مشيرًا إلى أن تنوع حجم رأس المال يفرض استراتيجيات مختلفة للاستثمار.
وأوضح شوقي في تصريحاته لـ"العقارية" أنه ينصح معظم المتعاملين في السوق بتنويع استثماراتهم، فعلى سبيل المثال، من يملك مليون جنيه يمكنه توزيعها ما بين الشهادات البنكية، والذهب، وبعض الأدوات الاستثمارية الأخرى.
وشدد شوقي على أن من يرغب في استثمار مدخراته في الذهب عليه أن يدرك أن هذا النوع من الاستثمار لا يحقق عوائد سريعة، إذ إن الأرباح تأتي غالبًا بعد عام على الأقل، ويُعتبر الذهب خيارًا جيدًا للذين يبحثون عن الحفاظ على القيمة على المدى الطويل.
عوائد دورية من الشهادات البنكية
وفي المقابل، أوضح شوقي أن العوائد السريعة والدورية يمكن الحصول عليها من الشهادات البنكية ذات العائد الشهري، حيث أن معدلات العائد الحالية تفوق معدلات التضخم إلى حد ما، ما يجعل العائد إيجابيًا وليس سلبيًا، خاصة بالنسبة للأفراد الذين ليست لديهم خبرة كافية في الاستثمار.
وأشار إلى أن بعض الأفراد يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في البنوك تجنبًا للمخاطر، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الذهب يحتوي على نسبة مخاطرة بسيطة، لكنها أقل من الأسواق الأخرى مثل البورصة.
الأسواق المالية والعوائد المرتفعة
وأضاف شوقي أن من لا يخشى المخاطرة يمكنه التوجه إلى أسواق المال، خاصة أن البورصة المصرية تتيح فرصًا لتحقيق عوائد مرتفعة، وإن كانت مصحوبة بتحمل بعض المخاطر في حالة الهبوط.
وأكد أن الشهادات البنكية والذهب يظلان الخيار الأفضل للمواطن البسيط الذي يسعى لحماية مدخراته أو استثمارها بشكل آمن.
الاستثمار في الذات مستقبلًا
وشدد شوقي على أن الاستثمار في الذات يعد من أهم أنواع الاستثمار، موضحًا أن سوق العمل في السنوات المقبلة سيشهد تغييرات جذرية، وفقًا لتقارير "المنتدى الاقتصادي العالمي"، والذي أشار إلى أن الوظائف المستقبلية ستختلف تمامًا عن ما هو قائم حاليًا.
وأوصى شوقي المواطنين بأهمية تطوير مهاراتهم وقدراتهم، معتبرًا أن الحفاظ على فرص العمل هو الخطوة الأولى قبل التفكير في حماية المدخرات المالية.