منذ خمسينات القرن الماضي، وتحديدا عام 1950 بدأ الاعمتاد على الحاسوب في التوقعات الجوية، وذلك من خلال جمع كميات هائلة من البيانات الرصدية ودمجها في نماذج الطقس، إلى جانب زيادة قوة الحوسبة اللازمة لمعالجة هذه المعلومات.
وبالاعتماد على هذا الأساس العلمي، بدأت الدول الكبرى تطور توقعاتها لحالة الطقس التي تؤثر على جميع مناحي حياتها، وعلى رأس تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقدر أن نحو ثلث الاقتصاد، أي ما يعادل 3 تريليونات دولار، يتأثر بالطقس والمناخ، لذا كان تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بحالة الطقس أمر حتمي وليس مجرد رفاهية علمية.
فمنذ 3 سنوات وتحديدا عام 2022، احتدمت المنافسة بين كبرى شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة والباحثين الأكاديميين والهيئات الوطنية للأرصاد الجوية، مع إجراء كلّ منها تجارب في مجال تعلّم الآلة.
كيفية التنبؤ بحالة الطقس عمليا
إن الغلاف الجوي نظام معقّد وفوضوي بطبيعته، حيث يمكن لاضطراب طفيف في منطقة ما أن يُحدث تغييرات كبيرة في منطقة أخرى، وللتنبؤ بحالة الطقس بعد ساعات أو أيام، يعتمد خبراء الأرصاد الجوية على عشرات الملايين من البيانات التي تجمعها أجهزة متعددة.
أيضأ فإن بالونات الطقس، مثلاً، تحمل مسابير جوية لاسلكية (راديوسوند) تعمل بالبطارية لقياس الضغط الجوي ودرجة الحرارة والرطوبة النسبية، ثمّ إرسال هذه القراءات. كما يعتمد خبراء الأرصاد الجوية على السفن التجارية التي تطلق هذه المسابير فوق شمال المحيط الأطلسي لتوفير قراءات من شمال المحيط الهادئ الذي يُعدّ من أكثر المناطق افتقاراً للبيانات، في حين تزوّد الطائرات التجارية المختصين ببيانات لحظية عن الغلاف الجوي.
ما علاقة الأقمار الصناعية بالذكاء الاصطناعي وحالة الطقس؟
وتقيس الأقمار الاصطناعية الكبرى التي تديرها هيئات حكومية حول العالم، بيانات مثل درجة حرارة سطح البحر والمتساقطات والرطوبة، إلى جانب مراقبة الكوارث الطبيعية والتنبؤ بها، مثل الثوران البركاني والحرائق والفيضانات والعواصف.
تُدمج هذه البيانات مع توقعات جوية سابقة، تعود إلى بضع ساعات أو حتى أيام، باستخدام تقنية تُعرف بـ"استيعاب البيانات"، وذلك لرسم الصورة الأدق للحالة الراهنة للغلاف الجوي. وتُلقَن هذه "اللقطة اللحظية" أو الحالة الابتدائية إلى حاسوب فائق السرعة مبرمج على نموذج للطقس.
يعتمد هذا النموذج على تقسيم كوكب الأرض إلى شبكة ثلاثية الأبعاد، ويستخدم معادلات فيزيائية تصف حركة الهواء. ومن خلال حلّ هذه المعادلات، يُمكن للحاسوب "تسريع" اللقطات، وبالتالي التنبؤ بحال الطقس.
وتُكرّر هذه العملية كل بضع ساعات، ما يتيح تحديث النموذج بشكل مستمر اعتماداً على بيانات جديدة من الغلاف الجوي الفعلي. والنتيجة: نقطة انطلاق كل توقع جديد تكون أقرب ما يمكن إلى الواقع.
يمكن وصف ما يجري بـ"أثر الفراشة"، حيث يمكن لحدث بسيط (كرفرفة جناحي فراشة) أن يُفضي إلى تغييرات كبيرة في الأحوال الجوية. وهذا يعني أن الخطأ مهما كان طفيفاً، أو الإهمال لأحد التفاصيل في نموذج الطقس، قد يحرف التوقعات عن الواقع بشكل كبير. ولتجنب هذه الأخطاء، يعمد خبراء الأرصاد إلى تشغيل مجموعة من النماذج المتنوعة، تنطلق من حالات ابتدائية مختلفة قليلاً.
هل يخطئ الذكاء الاصطناعي؟
نعم، بعض الحالات، قد تخطئ التوقعات بشكل فادح، ففي عام 2015، حذّرت التوقعات من عاصفة ثلجية تاريخية قد تُسقط نحو 91 سنتيمتراً من الثلج على مدينة نيويوركـ وعلى إثر ذلك، أٌغلقت شبكة المترو وألغيت آلاف الرحلات الجوية وفُرضت قيود واسعة على حركة السير. لكن الواقع جاء مغايراً، إذ لم تتجاوز سماكة الثلوج في "سنترال بارك" بمانهاتن 20 سنتيمتراً.
كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين التنبؤات الجوية؟
يُستخدم الذكاء الاصطناعي أيضاً لتحسين التنبؤات الجوية التي تنتجها النماذج التقليدية. فعلى سبيل المثال، توظف هيئة الأرصاد الجوية البريطانية (Met Office) تقنيات التعلّم الآلي، وهو أحد فروع الذكاء الاصطناعي، لمعالجة التوقعات الجوية بشكل إضافي، ما يعزّز دقتها ويزيد من جدواها.
في مواقع أخرى، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في مرحلة ما بعد المعالجة لبيانات الطقس. ومن الأمثلة على ذلك استخدامه لتوقّع كمية الطاقة التي سيولّدها توربين رياح معيّن.

