يُثير نهر السند، شريان الحياة الذي يخدم نحو 300 مليون نسمة في جنوب آسيا، قلقًا متزايدًا في الهند وباكستان، بعد أن علّقت الهند من جانب واحد اتفاقية تقاسم المياه التاريخية الموقعة مع باكستان منذ أكثر من 65 عامًا، جاء هذا التطور المفاجئ في أبريل الماضي، على خلفية هجوم دموي في إقليم كشمير، لتدخل العلاقات الثنائية في منعطف خطير جديد يهدد استقرار المنطقة.
في 22 أبريل 2025، وفي غضون يوم واحد فقط من الهجوم الذي أودى بحياة عدد من السياح الهنود في كشمير المتنازع عليه، أعلنت الهند قرارها بتعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند، محملة باكستان المسؤولية المباشرة عن الحادث، وهو ما سارعت إسلام آباد إلى نفيه.
وأثار القرار الهندي جدلاً واسعًا، لا سيما وأن المعاهدة التي وُقعت عام 1960، نجحت في الصمود أمام الكثير من الأزمات والنزاعات السابقة.
يؤكد الخبراء أن هذا التعليق قد تكون له تداعيات اقتصادية وبيئية خطيرة، خصوصًا على الاقتصاد الباكستاني الذي يعتمد بشكل شبه كلي على مياه نهر السند.
وفي رسالة رسمية مطلع مايو، دعا سكرتير وزارة الموارد المائية في باكستان، سيد علي مرتضى، نظيره الهندي لاستئناف الحوار حول المعاهدة، لكن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي صرح لاحقًا: "لن تحصل باكستان على المياه التي تعود ملكيتها للهند".
حوض نهر السند.. منبع الصراع
يمتد حوض نهر السند عبر أربع دول (الصين، الهند، باكستان، أفغانستان)، ويُعد من أكبر أنظمة الري في العالم. ينبع من هضبة التبت، ويمتد عبر سلاسل جبال هندوكوش والهيمالايا قبل أن يعبر الأراضي الهندية والباكستانية، حيث يُعتبر شريانًا حيويًا لري المحاصيل وتوليد الطاقة. في باكستان، يعتمد حوالي 90% من السكان على مياه السند للزراعة والطاقة، بينما في الهند يُستخدم أساسًا في المناطق الشمالية مثل البنجاب وراجستان.
معاهدة مياه السند.. أداة الاستقرار
وُقعت المعاهدة عام 1960 بوساطة البنك الدولي، وسمحت لباكستان باستخدام الروافد الغربية من النهر، في حين احتفظت الهند بالروافد الشرقية. نصّت الاتفاقية أيضًا على استخدام الهند لمياه الروافد الغربية لأغراض "غير استهلاكية" مثل الطاقة الكهرومائية، لكن بقيود محددة، ما جعل المعاهدة حجر الزاوية في إدارة هذا المورد الحيوي.
التحديات الجديدة وتداعيات تعليق المعاهدة
يقول أميت رانجان، الأكاديمي بجامعة سنغافورة الوطنية، إن فرص إعادة تفعيل المعاهدة تتضاءل في ظل توتر العلاقات وتنامي الضغوط السكانية والمناخية.
وتزيد خطط الهند لتكثيف مشروعات الطاقة الكهرومائية من قلق باكستان، خاصة بعد توقف تدفق المياه مؤقتًا من نهر تشيناب الشهر الماضي، في مؤشر واضح على تصاعد التوترات.
كذلك، يُفاقم تغير المناخ الأزمة، إذ أظهرت بيانات المركز الدولي للتنمية الجبلية انخفاضًا غير مسبوق في ثبات الثلوج بمنطقة هندوكوش-هيمالايا، ما قد يؤدي إلى عجز مائي يصل إلى 50% بحلول 2030.
ومع توقعات بارتفاع درجات الحرارة في المنطقة بأكثر من درجتين مئويتين بحلول 2050، تتصاعد المخاطر من فيضانات وجفاف يضربان مناطق واسعة في الهند وباكستان.
تداعيات بيئية وسياسية إقليمية
تعليق المعاهدة يهدد بانعكاسات أوسع، ليس فقط على الزراعة والبيئة في باكستان، بل على علاقات الهند مع جيرانها مثل بنغلاديش والصين.
وتبدي الصين، الحليف الرئيسي لباكستان، اهتمامًا خاصًا بالمشروعات المائية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، في وقت تواجه فيه الهند انتقادات بسبب مشروعات السدود التي تقيمها على أنهار مشتركة مع دول الجوار.
في هذا السياق، حذر خورام داستغير خان، عضو وفد باكستان للعواصم الأوروبية والأمريكية، من "حرب جديدة خلال ستة إلى عشرة أعوام إذا لم تُحل قضية المياه"، بينما يلفت خبراء إلى أن بناء بنية تحتية ضخمة لحجب المياه سيحتاج عقدًا أو أكثر، ما يترك الباب مفتوحًا لتطورات سياسية خطيرة.
في النهاية، يبقى نهر السند اليوم أكثر من مجرد نهر؛ إنه شريان حياة لملايين السكان، ومصدر توتر متجدد قد يعيد رسم خارطة الاستقرار في جنوب آسيا.