في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية والسياسية حول العالم، يتجه أصحاب الثروات الكبيرة بشكل متزايد إلى تحويل مدخراتهم من الذهب إلى خارج بلدانهم، حيث تبرز سنغافورة كملاذ آمن ومفضل لهذا النوع من الأصول.
وعلى بعد خطوات من مطار سنغافورة، تقع منشأة محصنة بعناية ومغطاة بالعقيق مكونة من ستة طوابق، تُعرف باسم "ذا ريزيرف"، تخزن بداخلها سبائك من الذهب والفضة تصل قيمتها إلى نحو 1.5 مليار دولار، وتضم المنشأة عشرات الخزائن الخاصة وغرفة تخزين مركزية ضخمة تصطف على جانبيها آلاف صناديق الودائع الآمنة، التي تمتد عموديًا حتى ارتفاع ثلاثة طوابق.
تحويل المدخرات من الذهب إلى خارج البلدان
قال مؤسس المنشأة، جريجور جريجرسن، إن الطلب على تخزين الذهب والفضة في "ذا ريزيرف" شهد ارتفاعًا بنسبة 88% خلال الفترة من يناير حتى أبريل من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024. كما كشفت بيانات المؤسسة عن ارتفاع مبيعات سبائك الذهب والفضة بنسبة 200% على أساس سنوي خلال نفس المدة، وفقًا لشبكة "CNBC".
ويأتي هذا النمو الكبير مدفوعًا بارتفاع أسعار الذهب المتواصل، حيث سجل المعدن الأصفر مستويات تاريخية غير مسبوقة خلال الأشهر الأخيرة.
أسعار الذهب تتراجع لكنها تظل مرتفعة
على الرغم من الارتفاع العام، تراجعت أسعار الذهب يوم الجمعة، متأثرة بصعود الدولار وتحولات في المشهد التجاري الدولي. فقد انخفض الذهب في السوق الفورية بنسبة 0.6% إلى 3297.09 دولار للأونصة، متكبدًا خسائر أسبوعية بنسبة 1.8%، كما تراجعت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 0.7% إلى 3295.40 دولار للأونصة.
وجاء هذا التراجع مع ارتفاع مؤشر الدولار بنسبة 0.2%، مما زاد من تكلفة شراء الذهب لحاملي العملات الأخرى، كما تأثرت السوق بإعادة فرض الرسوم الجمركية من قبل محكمة الاستئناف الفيدرالية الأمريكية، بعدما كانت محكمة التجارة قد قضت سابقًا بتجاوز الرئيس دونالد ترامب لصلاحياته في هذا الشأن.
وقال ديفيد ميجر، مدير تداول المعادن في شركة "هاي ريدج فيوتشرز"، إن أسعار الذهب تمر حاليًا بمرحلة تصحيح بعد الارتفاعات الأخيرة، مضيفًا أن التراجع الطفيف في المخاوف الجيوسياسية قلل من الحاجة إلى الذهب كملاذ آمن، إلا أن عودة الضغوط التجارية قد تدعم الأسعار لاحقًا.
تطورات التضخم تدعم الآمال بتخفيف السياسة النقدية
أظهرت بيانات اقتصادية أن مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 2.1% في أبريل على أساس سنوي، وهو أقل من التوقعات البالغة 2.2%، وأدى هذا إلى تعزيز التوقعات بخفض محتمل في أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر المقبل.
ومن المعروف أن الذهب يستفيد من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، حيث يُنظر إليه كأداة تحوط ضد التضخم ووسيلة لحماية الثروة في أوقات عدم اليقين، وكان الذهب قد بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3500.05 دولار للأونصة في أبريل.
الطلب الفعلي يتراجع في بعض الأسواق
في الوقت نفسه، أظهر الطلب المادي على الذهب في الهند تراجعًا هذا الأسبوع، حيث ساهم ارتفاع الأسعار المحلية وانتهاء موسم الزفاف في إحجام المشترين عن الشراء.
وسجلت المعادن النفيسة الأخرى تراجعات ملحوظة، حيث انخفضت الفضة بنسبة 0.6% إلى 33.14 دولار للأونصة، وتراجع البلاتين بنسبة 1.6% إلى 1065.50 دولار، فيما انخفض البلاديوم بنسبة 1% إلى 963.57 دولار للأونصة.