المعادن النادرة.. هل تنقذ إعادة تدويرها الغرب من الهيمنة الصينية؟


الاربعاء 28 مايو 2025 | 12:42 مساءً
وكالات

تسعى الدول الغربية إلى تقليص اعتمادها على الصين في الحصول على العناصر الأرضية النادرة، وذلك في وقت تُحكم فيه الصين قبضتها على الإمدادات العالمية من المعادن الحيوية.

وتتضمّن هذه الجهود البحث عن مصادر بديلة لهذه المعادن، وتطوير تقنيات تقلّل من الاعتماد عليها، بالإضافة إلى استعادة المخزونات الحالية من خلال إعادة تدوير المنتجات التي وصلت إلى نهاية عمرها الافتراضي.

وقالت شركة الاستشارات «أليكس بارتنرز» إن «صناعة سيارة حديثة من دون عناصر أرضية نادرة أمر غير ممكن»، مشيرة إلى أن الشركات الصينية أصبحت تهيمن على سلاسل توريد هذه المعادن، بحسب CNBC.

وفي سبتمبر 2024، استثمرت وزارة الدفاع الأميركية 4.2 ملايين دولار في شركة Rare Earth Salts الناشئة، التي تهدف إلى استخراج الأكاسيد من المنتجات المحلية المعاد تدويرها مثل المصابيح الفلورية. كما استثمرت «تويوتا» اليابانية في تقنيات تهدف إلى تقليل استخدام هذه العناصر النادرة.

وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، سيطرت الصين على 69% من إنتاج مناجم العناصر الأرضية النادرة حول العالم في عام 2024، كما تمتلك نحو نصف الاحتياطيات العالمية.

وقدّر محللون في «أليكس بارتنرز» أن السيارة الكهربائية التي تعمل بمحرك واحد تحتوي في المتوسط على نحو 550 غراماً من المكونات التي تشمل عناصر أرضية نادرة، مقابل نحو 140 غراماً فقط في السيارات التي تعمل بالبنزين.

قال كريستوفر إكليستون، كبير المحللين الاستراتيجيين في مجال التعدين بشركة Hallgarten & Company، إن الجيل الأول من السيارات الكهربائية سيصبح قريباً جاهزاً لإعادة التدوير،، مما سيُشكّل مخزونًا من المواد الصينية السابقة التي ستكون تحت سيطرة الغرب.

وأضاف أن «أكثر من نصف السيارات الجديدة المباعة في الصين تعمل إما بالكهرباء فقط أو بنظام هجين، على عكس الولايات المتحدة، حيث ما زالت الغالبية العظمى تعمل بالبنزين».

وتابع: «مع تباطؤ وتيرة تبني السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، وتراجع الزخم المرتبط بإلزام التحوّل من محركات الاحتراق الداخلي إلى المحركات الكهربائية، فإن الحاجة إلى استبدال المواد المستوردة من الصين في صناعة السيارات الكهربائية لم تعد مُلحّة كما في السابق».

وختم قائلاً: «قريباً، سيُعاد تدوير الجيل الأول من السيارات الكهربائية، مما سيوفر مورداً بديلاً خارج السيطرة الصينية ويمنح الغرب فرصة جديدة لتعزيز استقلاله في هذا المجال».

مبيعات السيارات الكهربائية في أميركا

وفقاً لتقديرات شركة «كوكس أوتوموتيف»، شكّلت السيارات الكهربائية 7.5% فقط من إجمالي مبيعات المركبات الجديدة في الولايات المتحدة خلال الربع الأول من العام، وهي زيادة متواضعة مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. وأشارت الشركة إلى أن نحو ثلثي السيارات الكهربائية المُباعة في الولايات المتحدة العام الماضي تم تجميعها محلياً، لكن الشركات المُصنِّعة لا تزال تعتمد على الاستيراد في تأمين الأجزاء والمكوّنات.

وأضافت الشركة: «الحرب التجارية الشاملة الجارية حالياً مع الصين، التي تُعد المورد العالمي الأول لمواد بطاريات السيارات الكهربائية، ستؤدي إلى مزيد من التشوهات في السوق».

فيما يتعلق بالمكوّنات المعتمدة على معادن الأرض النادرة، يُقدَّر أن السيارة الكهربائية النموذجية المزودة بمحرك كهربائي واحد تحتوي على نحو 1.7 كيلوغرام من هذه المكوّنات (أي ما يعادل 3.74 أرطال)، من بينها 550 غراماً (1.2 رطل) عبارة عن عناصر أرضية نادرة. وتُستخدم كمية مماثلة تقريباً، تُقدّر بـ510 غرامات، في السيارات الهجينة التي تعتمد على بطاريات «ليثيوم-أيون».

القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة

في مطلع أبريل نيسان، أعلنت الصين فرض قيود على تصدير سبعة عناصر من معادن الأرض النادرة، من بينها «تيربيوم»، الذي يُستخدم بواقع 9 غرامات في المتوسط داخل السيارة الكهربائية ذات المحرك الواحد، بحسب بيانات شركة «أليكس بارتنرز».

ووفقاً للبيانات نفسها، فإن العناصر الستة الأخرى التي شملها القرار ليست مستخدمة على نطاق واسع في قطاع السيارات. لكن هذه القائمة ليست الوحيدة؛ إذ دخلت قائمة أخرى من الضوابط الصينية حيّز التنفيذ في ديسمبر كانون الأول، وتفرض قيوداً على تصدير «السيريوم»، والذي يُستخدم منه نحو 50 غراماً في السيارة الكهربائية ذات المحرك الواحد، حسب تقديرات «أليكس بارتنرز».

بموجب هذه القيود، يتوجب على الشركات الصينية الحصول على موافقة حكومية مسبقة لتصدير هذه المعادن إلى الخارج. وكانت صحيفة «كايشين» الاقتصادية الصينية قد أفادت في 15 مايو أيار، بعد أيام فقط من هدنة تجارية بين الولايات المتحدة والصين، بأن ثلاث شركات صينية رائدة في مجال مغناطيس الأرض النادرة قد حصلت على تراخيص تصدير من وزارة التجارة لشحن منتجاتها إلى أميركا الشمالية وأوروبا.

نقص البدائل يقلق الأسواق العالمية

ما يثير قلق الشركات الدولية هو محدودية البدائل المتاحة خارج الصين للحصول على هذه العناصر الحيوية. إذ إن تشغيل المناجم يتطلب سنوات من الموافقات البيئية والتشغيلية، كما أن إنشاء مرافق المعالجة يتطلب وقتاً وخبرة فنية كبيرة.

وقالت «الوكالة الدولية للطاقة» في بيان لها: «الصين تسيطر اليوم على أكثر من 90% من الإمدادات العالمية المكرّرة لأربعة عناصر مغناطيسية نادرة (Nd، Pr، Dy، Tb) تُستخدم في تصنيع المغناطيسات الدائمة لمحركات السيارات الكهربائية»، في إشارة إلى النيوديميوم، والبراسيوديميوم، والديسبروسيوم، والتيربيوم.

ورغم الآمال المعقودة على إعادة التدوير كمصدر بديل، إلا أن هذه العملية لا تزال معقدة، وتستهلك الكثير من الطاقة والوقت. وحتى لو تباطأ اعتماد السيارات الكهربائية في أميركا، فإن هذه المعادن تُستخدم بكميات أكبر بكثير في المجال العسكري.

فعلى سبيل المثال، تحتوي طائرة الشبح F-35 على أكثر من 900 رطل من معادن الأرض النادرة، بحسب «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن العاصمة.

وتجدر الإشارة إلى أن القيود الصينية على معادن الأرض النادرة تتجاوز القائمة المعروفة التي أُعلنت في 4 أبريل نيسان، ما يثير مخاوف إضافية في الأوساط الصناعية والعسكرية الغربية بشأن أمن الإمدادات.