ترى مجموعات أعمال أوروبية أن الصين تحتاج إلى مراجعة سياساتها الصناعية، وذلك إذا أرادت تجنب المزيد من ردود الفعل السلبية، وبناء علاقات اقتصادية دولية، في ظل اضطراب النظام التجاري العالمي بسبب الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ما المطلوب من الصين لمواجهة رسوم ترامب المرتفعة؟
وفي ذلك الصدد، قال ينس إيسكلوند، رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين: "نحن اليوم في وضع يتطلب من الصين أن تُعيد التفكير فعلياً في الطريقة التي تتعامل بها مع دول العالم الأخرى. ويجب تغيير السياسة الصناعية".
تحدث إيسكلوند في وقت سابق من هذا الأسبوع قبل إصدار تقرير الغرفة يوم الأربعاء، والذي يستعرض سياسة بكين الصناعية الرائدة التي تحمل عنوان "صُنع في الصين ٢٠٢٥".
ما تأثير مبادرة صنع في الصين؟
ساعدت المبادرة على دفع اقتصاد الصين نحو التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع المتطور، وهو نجاح جاء غالباً على حساب الأسواق الأجنبية التي غمرتها البضائع الصينية الرخيصة.
لطالما دعت غرفة التجارة الأوروبية التي تشمل أكثر من 1700 شركة عضو، الصين إلى إصلاح العديد من الممارسات الصناعية والتجارية الرئيسية، بما في ذلك مطلب توفير وصول عادل إلى السوق للشركات الأوروبية.
لكن جاءت دعوتها الأخيرة لإعادة النظر في طريقة تعامل بكين مع الدول الأخرى، في حين تواصل واشنطن وبروكسل الخلاف بشأن التعريفات الجمركية، فيما يقترح بعض الأطراف في أوروبا أن يتبنى الاتحاد الأوروبي نهجاً أكثر واقعية في التعاون مع الصين لتقليل المخاطر.
علاقات أوروبا والصين الاقتصادية
قال التقرير: "في حين تثير الولايات المتحدة حالة غير مسبوقة من عدم اليقين بشأن مستقبل الترابط الاقتصادي العالمي، سيكون من مصلحة الصين أن تُظهر للاتحاد الأوروبي أنها مستعدة لبناء علاقة اقتصادية طويلة الأمد ومفيدة للطرفين".
اقترح التقرير "الابتعاد عن إطار السياسة الصناعية المنسقة بشكل كبير" والعودة إلى "إصلاحات جريئة موجهة نحو السوق ستسمح للشركات الصينية والأجنبية بالتنافس على قدم المساواة".
شهدت حملة "صنع في الصين 2025" التي أطلقتها الصين قبل 10 سنوات ازدهار الاقتصاد ليهيمن على بعض من أكثر الصناعات تقدماً في العالم، في حين أثارت توترات مع واشنطن.
بحلول العام الماضي، حققت الصين ريادة عالمية في خمس من أصل 13 تكنولوجيا رئيسية تتابعها "بلومبرغ إيكونوميكس" و"بلومبرغ إنتليجنس"، بما في ذلك الألواح الشمسية والقطارات عالية السرعة وبطاريات الليثيوم. كما تحقق الصين تقدماً سريعاً في سبعة مجالات تكنولوجية أخرى، مثل الأدوية والذكاء الاصطناعي، وتسعى للحاق بالدول الرائدة فيها. قال إيسكلوند:"لم يتبقَ سوى قوة صناعية عظمى واحدة في العالم، وهي الصين".
الحرب التجارية تؤثر على الصين
تعقد الحرب التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة الطريق أمام بكين، حيث ارتفعت الرسوم الجمركية على معظم البضائع الصينية إلى ما لا يقل عن 145%، وهو مستوى من المحتمل أن يدفع صادرات الصين إلى الانكماش هذا العام ويؤثر على محرك نمو مهم.
وأضاف إيسكلوند: "إحدى عواقب سياسة خطة (صُنع في الصين 2025) هي أننا بدأنا نرى ردود فعل من شركاء التجارة- ونلاحظ مستوى من التوتر يتزايد باستمرار في السنوات الأخيرة".
مع ذلك، بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر على رئاسة ترمب الثانية، حقق الاقتصاد الصيني أداءً جيداً. فقد نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.4% في الربع الأول مقارنة بالعام الماضي، وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة يوم الأربعاء- وهو أفضل من تقديرات الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع أجرته "بلومبرغ" والبالغة 5.2%.
توصيات غرفة التجارة الأوروبية
قالت الغرفة التجارية الأوروبية إن الصين يجب أن تتبنى نهجاً أكثر استهدافاً واستدامة للاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا مع تقليل التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن سياساتها التكنولوجية على الاقتصادات أو الأسواق في الدول الأخرى. وتشمل توصياتها للحكومة الصينية ما يلي:
الاستفادة من الإصلاحات الموجهة نحو السوق التي قادت نجاح الصين خلال العقود الثلاثة الماضية، مع تقليل الاعتماد على السياسات الصناعية التي تفرضها الحكومة بشكل مباشر. والتخلي عن الخطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي بالتركيز على إجراءات أكثر دقة، مع تطوير سوق يمكن للشركات ذات الاستثمارات الأجنبية أن تشعر فيه بالارتياح عند ضخ استثمارات طويلة الأجل. وتجنب زيادة اختلال التوازن التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين وتفاقم التوترات التجارية من خلال متطلبات "صُنع في الصين"
استطرد إيسكلوند أن على بكين أن تبذل جهوداً أكبر لإقناع شركائها بفوائد التعاون مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. كما أوضح أيضاً أن بعض المسؤولين في الصين بدأوا يدركون أن اختلالات التجارة الحالية لا يمكن أن تستمر.
من جانبها، أدرجت بكين توسيع الطلب المحلي أولوية اقتصادية قصوى لعام 2025، في حين تسعى البلاد إلى مواجهة تأثير تعريفات ترمب وتحقيق هدف النمو الطموح لهذا العام والبالغ نحو 5%.
اختتم إيسكلوند: "الناس يعلمون أن الأمور ستعود إلى طبيعتها أو أن الواقع سيفرض نفسه في النهاية".