عقارات الكويت باللون الأخضر.. هل يتجه المستثمرون لبناء أكثر استدامة؟


الخميس 10 ابريل 2025 | 01:16 مساءً
الكويت - أرشيفية
الكويت - أرشيفية
ميسون أبو الحسن

تشهد الكويت اهتمامًا متزايدًا بمفهوم الاستدامة في مختلف القطاعات، ولم يعد القطاع العقاري بمنأى عن هذا التحول العالمي؛ فالاستثمار في العقارات المستدامة والخضراء لم يعد مجرد خيار أخلاقي، بل أصبح ضرورة اقتصادية واجتماعية تفرضها التحديات البيئية المتزايدة، والوعي المتنامي بأهمية الحفاظ على الموارد للأجيال القادمة.

يثير هذا التوجّه تساؤلات هامة حول واقع ومستقبل الاستثمار العقاري المستدام والأخضر في الكويت، هل هناك بالفعل تحول جاد نحو هذا النوع من الاستثمار؟ ما هي الحوافز التي تقدمها الجهات المعنية لتشجيع وتبني هذه الممارسات؟ وما هي التحديات التي لا تزال تعيق الانتشار الواسع للعقارات المستدامة والخضراء في السوق الكويتي؟

مفهوم العقارات المستدامة والخضراء.. أبعد من مجرد "مظهر جميل"

قبل الخوض في تفاصيل الوضع في الكويت، من الضروري تحديد المقصود بالعقارات المستدامة والخضراء، إنها تتجاوز مجرد استخدام مواد بناء صديقة للبيئة أو إضافة لمسات جمالية نباتية، والعقارات المستدامة هي تلك التي يتم تصميمها وإنشاؤها وتشغيلها بطريقة تقلل من تأثيرها السلبي على البيئة وتعزز صحة ورفاهية شاغليها.

تشمل هذه العقارات مجموعة واسعة من الممارسات والمعايير، بدءًا من اختيار موقع المشروع وتصميمه لضمان كفاءة استخدام الطاقة والمياه، مرورًا باستخدام مواد بناء معاد تدويرها أو ذات بصمة كربونية منخفضة، وصولًا إلى دمج تقنيات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية وأنظمة تجميع مياه الأمطار، كما تشمل توفير بيئات داخلية صحية من خلال تحسين جودة الهواء والإضاءة الطبيعية، وتصميم مساحات خضراء تعزز التنوع البيولوجي وتقلل من تأثير الجزر الحرارية الحضرية.

بوادر اهتمام وتوجهات ناشئة في الكويت

على الرغم من أن الاستثمار العقاري المستدام والأخضر لا يزال في مراحله الأولية في الكويت مقارنة ببعض الدول المتقدمة، إلا أن هناك بوادر واضحة لاهتمام متزايد بهذا النوع من الاستثمار من قبل مختلف الأطراف الفاعلة في السوق.

القطاع الحكومي: بدأت الحكومة الكويتية في إدراك أهمية الاستدامة في القطاع العقاري كجزء من رؤيتها الشاملة للتنمية المستدامة "كويت 2035"، وتتجلّى هذه الرؤية في بعض المبادرات والخطط التي تهدف إلى تشجيع الممارسات المستدامة في البناء والتشغيل، مثل:

• إدخال معايير البناء الأخضر في بعض المشاريع الحكومية: بدأت بعض الجهات الحكومية بتبني معايير LEED أو غيرها من أنظمة تقييم المباني الخضراء في مشاريعها الجديدة، مما يمثّل خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستدامة في القطاع العام.

• دراسة إمكانية تطبيق كود بناء كويتي مستدام: هناك نقاشات ومساعي لدراسة وتطوير كود بناء خاص بالكويت يراعي معايير الاستدامة وكفاءة الطاقة والمياه، وهو ما قد يمثل نقطة تحول هامة في تنظيم القطاع.

• إطلاق مبادرات لترشيد استهلاك الطاقة والمياه: على الرغم من أنها لا تستهدف القطاع العقاري بشكل مباشر، إلا أن الحملات التوعوية والمبادرات التي تهدف إلى ترشيد استهلاك الطاقة والمياه تساهم في خلق وعي عام بأهمية الاستدامة، مما قد ينعكس إيجابًا على طلب العقارات المستدامة.

القطاع الخاص: يشهد القطاع الخاص الكويتي أيضًا بعض التحركات نحو تبني مفاهيم الاستدامة في المشاريع العقارية، وإن كانت لا تزال محدودة. يمكن ملاحظة ذلك من خلال:

• ظهور بعض المشاريع التي تتبنى عناصر تصميم مستدامة: بدأت بعض الشركات العقارية في دمج بعض العناصر المستدامة في مشاريعها، مثل استخدام مواد عازلة للحرارة، تركيب أنظمة إضاءة موفرة للطاقة، وتوفير مساحات خضراء.

• اهتمام متزايد بتقنيات الطاقة المتجددة: هناك اهتمام متزايد باستكشاف إمكانية استخدام الألواح الشمسية في المشاريع العقارية لتوليد الطاقة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

• وعي متنامي لدى بعض المستثمرين والمطورين: بدأ بعض المستثمرين والمطورين في إدراك المزايا طويلة الأجل للعقارات المستدامة، مثل تقليل تكاليف التشغيل وزيادة جاذبية العقار للمستأجرين والمشترين.

المستهلكون والمجتمع: يلعب الوعي المتزايد لدى المستهلكين والمجتمع بدور هام في دفع عجلة الاستثمار العقاري المستدام، وهناك شريحة متنامية من الأفراد والشركات التي تبحث عن عقارات تتوافق مع قيمها البيئية والصحية، وتفضل المباني التي تقلل من بصمتها الكربونية وتوفر بيئات معيشية وعمل مريحة وصحية.

الحوافز المشجعة على الاستثمار الأخضر.. خطوات أولى نحو التغيير

لتشجيع الاستثمار في العقارات المستدامة والخضراء، من الضروري توفير حوافز واضحة وملموسة للمطورين والمستثمرين والمشترين. في الكويت، بدأت بعض الجهات في اتخاذ خطوات أولى نحو تقديم هذه الحوافز، وإن كانت لا تزال في مراحلها المبكرة وتحتاج إلى تطوير وتوسيع نطاقها، ويمكن تلخيص أبرز الحوافز الحالية والمقترحة في النقاط التالية:

• تسهيلات وإجراءات مبسطة للمشاريع الخضراء: قد تفكر الجهات الحكومية في تبسيط الإجراءات والتراخيص للمشاريع التي تلتزم بمعايير الاستدامة، مما يقلل من الوقت والتكاليف الإدارية للمطورين.

• حوافز ضريبية وتخفيضات في الرسوم: يمكن تقديم حوافز ضريبية للمطورين الذين ينفذون مشاريع مستدامة، أو تخفيض الرسوم المتعلقة بالبناء والتشغيل لهذه المشاريع.

• دعم مالي وتسهيلات ائتمانية: يمكن توفير دعم مالي مباشر أو تسهيلات ائتمانية بشروط ميسرة للمشاريع العقارية الخضراء، مما يقلل من التكلفة الأولية للاستثمار.

• برامج توعية وتدريب: يمكن إطلاق برامج توعية وتدريب للمطورين والمقاولين والمهندسين حول مفاهيم وتقنيات البناء المستدام، مما يساهم في بناء القدرات المحلية في هذا المجال.

• شهادات وتصنيفات للمباني الخضراء: يمكن تطوير نظام محلي لشهادات وتصنيفات المباني الخضراء، مما يوفّر معيارًا واضحًا للمستثمرين والمشترين ويساعدهم على اتخاذ قرارات مستنيرة.

• ربط قيمة العقار بمعايير الاستدامة: تشجيع المؤسسات المالية على تقييم العقارات بناءً على معايير الاستدامة، مما قد يؤدي إلى زيادة قيمة العقارات الخضراء وجعلها أكثر جاذبية للاستثمار.

التحديات التي تعيق الانتشار الواسع للعقارات المستدامة والخضراء

على الرغم من وجود بوادر إيجابية وحوافز ناشئة، إلا أن هناك العديد من التحديات التي لا تزال تعيق الانتشار الواسع للاستثمار العقاري المستدام والأخضر في الكويت، ومن أبرز هذه التحديات:

• التكلفة الأولية المرتفعة: غالبًا ما تكون التكلفة الأولية لتصميم وإنشاء مبانٍ مستدامة أعلى من تكلفة المباني التقليدية، بسبب استخدام مواد وتقنيات متقدمة، هذا يشكّل عائقًا أمام العديد من المطورين الذين يركذزون على تقليل التكاليف وتحقيق أقصى قدر من الأرباح على المدى القصير.

• محدودية الوعي والمعرفة: لا يزال الوعي بمفهوم الاستدامة وفوائد العقارات الخضراء محدودًا لدى العديد من المطورين والمستثمرين والمستهلكين في الكويت. هناك حاجة إلى مزيد من التوعية والتثقيف لتعزيز فهم هذه المفاهيم وأهميتها.

• غياب كود بناء مستدام ملزم: عدم وجود كود بناء مستدام ملزم على المستوى الوطني يجعل تبني الممارسات المستدامة أمرًا اختياريًا وغير موحد، مما يحد من انتشارها.

• نقص الخبرة والقدرات المحلية: لا يزال هناك نقص في الخبرات والكوادر المتخصصة في تصميم وتنفيذ وتشغيل المباني المستدامة في الكويت، يتطلّب هذا استثمارًا في التدريب والتأهيل لبناء القدرات المحلية في هذا المجال.

• التركيز على العائد السريع: يميل العديد من المستثمرين في السوق الكويتي إلى التركيز على تحقيق عوائد سريعة على استثماراتهم، وهو ما قد يجعلهم أقل اهتمامًا بالاستثمار في العقارات المستدامة التي قد تتطلب فترة استرداد أطول ولكنها تحقق فوائد طويلة الأجل.

• التحديات التنظيمية والإجرائية: قد تواجه المشاريع المستدامة بعض التحديات في الحصول على الموافقات والتراخيص اللازمة، خاصة في ظل عدم وجود إجراءات واضحة ومبسطة لهذه النوعية من المشاريع.

• مقاومة التغيير: قد يواجه تبني الممارسات المستدامة مقاومة من بعض الأطراف الفاعلة في السوق الذين اعتادوا على طرق البناء والتشغيل التقليدية.

نحو مستقبل أكثر اخضرارًا.. فرص واعدة تنتظر الاقتناص

على الرغم من التحديات القائمة، إلا أن مستقبل الاستثمار العقاري المستدام والأخضر في الكويت يحمل في طياته فرصًا واعدة، مع تزايد الوعي بأهمية الاستدامة والضغوط البيئية المتزايدة، من المتوقع أن يزداد الطلب على العقارات الخضراء من قبل المستأجرين والمشترين الذين يبحثون عن بيئات صحية وموفرة للطاقة.

كما أن تبني الممارسات المستدامة يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية طويلة الأجل للمطورين والمستثمرين، مثل تقليل تكاليف التشغيل والصيانة، وزيادة قيمة العقارات وجاذبيتها، وتحسين سمعة العلامة التجارية.

لتحقيق هذا المستقبل الأخضر، من الضروري تضافر جهود جميع الأطراف الفاعلة في السوق الكويتي. يجب على الحكومة أن تلعب دورًا قياديًا في وضع السياسات واللوائح الداعمة للاستدامة، وتقديم الحوافز والتسهيلات اللازمة لتشجيع الاستثمار في العقارات الخضراء، كما يجب على القطاع الخاص أن يتبنى هذه الممارسات كجزء من استراتيجيته طويلة الأجل، والاستثمار في بناء القدرات والخبرات اللازمة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز الوعي لدى المستهلكين والمجتمع بأهمية الاستدامة وفوائد العقارات الخضراء، وتشجيعهم على تفضيل هذا النوع من العقارات عند اتخاذ قرارات الشراء أو الإيجار.

إن الاستثمار في العقارات المستدامة والخضراء في الكويت يشهد توجهًا ناشئًا مدفوعًا بالوعي المتزايد بأهمية الاستدامة والجهود الأولية من قبل الحكومة والقطاع الخاص، ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها لتحقيق انتشار واسع لهذا النوع من الاستثمار، من خلال توفير حوافز واضحة، وتطوير الأطر التنظيمية المناسبة، وتعزيز الوعي والمعرفة، يمكن للكويت أن تخطو خطوات حثيثة نحو بناء قطاع عقاري أكثر استدامة وازدهارًا للأجيال القادمة.