تراجع واردات الصين وسط تباطؤ الطلب وتصاعد الحرب التجارية مع أمريكا


الجمعة 07 مارس 2025 | 01:40 مساءً
تراجع واردات الصين
تراجع واردات الصين
محمد عاشور

سجلت واردات الصين انخفاضًا غير متوقع خلال الفترة من يناير إلى فبراير، في حين فقدت الصادرات زخمها، مع تصاعد الضغوط الناتجة عن الرسوم الجمركية الأمريكية، مما ألقى بظلاله على محاولات الانتعاش الاقتصادي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

تراجع واردات الصين

شهد الشهران الأولان من عام 2025 تصعيدًا جديدًا في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، حيث فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضريبة إضافية بنسبة 10% على البضائع الصينية، مبررًا قراره بعدم اتخاذ الصين إجراءات كافية لوقف تدفق الفنتانيل القاتل إلى الولايات المتحدة، وفقًا لرويترز.

وقد دفع هذا التصعيد المصدرين الصينيين إلى الإسراع بشحن البضائع قبل تطبيق القيود الجديدة، لكن الإنتاج تباطأ لاحقًا بسبب عطلة رأس السنة القمرية، حيث توقف العديد من العمال الصينيين عن العمل خلال هذه الفترة.

ويعتقد المحللون أن التراجع في الواردات يشير إلى أن بكين بدأت في تقليص مشترياتها من السلع الأساسية، تحسبًا لأربع سنوات أخرى من التوترات التجارية مع إدارة ترامب الثانية.

وفي هذا السياق، قال شو تيانشين، كبير الاقتصاديين في وحدة إيكونوميست إنتليجنس: "شهدنا انخفاضًا في واردات الحبوب، خام الحديد، والنفط الخام، وهو ما قد يكون مرتبطًا بمحاولة الصين بناء احتياطيات استراتيجية".

وأضاف: "ربما تكون الصين قد استوردت كميات كبيرة من هذه المواد في عام 2024، مما يجعلها بحاجة إلى تقليص مشترياتها الآن. هذا ينطبق بشكل خاص على خام الحديد، حيث أن إنتاج الصلب يبدو أعلى مما يحتاجه الاقتصاد الصيني".

تباطؤ الصادرات وتراجع الواردات يضغطان على الاقتصاد الصيني

كان زخم التصدير بمثابة نقطة مضيئة لاقتصاد الصين، الذي يعاني من ضعف ثقة المستهلكين والشركات بسبب أزمة ديون سوق العقارات المستمرة، لكن بيانات الجمارك الصينية الصادرة اليوم الجمعة أظهرت أن الواردات تراجعت بنسبة 8.4% على أساس سنوي، في حين سجلت زيادة طفيفة بنسبة 1% في ديسمبر.

أما الصادرات، فقد ارتفعت بنسبة 2.3% فقط خلال الفترة نفسها، متجاوزة التوقعات البالغة 5%، لكنها تباطأت مقارنة بنمو 10.7% في ديسمبر، مما يعكس تراجع الطلب العالمي وتزايد الضغوط التجارية.

وتقوم وكالة الجمارك الصينية بنشر بيانات التجارة المجمعة لشهري يناير وفبراير لتجنب التشوهات الناجمة عن التغيرات في توقيت العام القمري الجديد، والذي وقع هذا العام بين 28 يناير و4 فبراير.

ووفقًا لـ تشانج تشيوي، كبير الاقتصاديين في بينبوينت أسيت مانجمنت، فإن تباطؤ الصادرات قد يكون ناتجًا جزئيًا عن انخفاض عمليات الشحن المسبق، التي شهدت زخمًا قويًا أواخر العام الماضي مع محاولة الشركات تجنب تأثير الحرب التجارية.

وأضاف: "الانخفاض الحاد في الواردات قد يعكس ضعف الطلب المحلي، بالإضافة إلى تراجع الواردات اللازمة لعمليات إعادة التصدير"، مشيرًا إلى أن التأثير الحقيقي للرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة على البضائع الصينية من المرجح أن يظهر بشكل أوضح خلال الشهر المقبل.

تراجع الواردات الصينية وتزايد الضغوط الاقتصادية

أظهرت بيانات الجمارك الصينية أن واردات الشركات المملوكة للدولة تراجعت بنسبة 20.6%، مقارنة بارتفاع 2.7% في واردات الشركات الخاصة، مما يشير إلى أن أكبر مستورد للسلع في العالم يعتمد بشكل متزايد على المخزونات الحالية، نظرًا للدور المهيمن للمشترين المدعومين من الدولة.

كما انخفضت واردات الصين من النفط الخام بنسبة 5% على أساس سنوي في الشهرين الأولين من العام، نتيجة تشديد العقوبات الأمريكية على السفن التي تنقل النفط الروسي والإيراني، وانخفضت في واردات العناصر الأرضية النادرة بنسبة 24.1%، بينما تراجعت واردات النحاس بنسبة 7.2% خلال نفس الفترة.

أما خام الحديد، فقد انخفضت وارداته بنسبة 8.4%، متأثرة بالاضطرابات المناخية التي أثرت على أستراليا، المنتج الرئيسي لهذا الخام.

تصعيد تجاري يفاقم التحديات

انتهت الفترة من يناير إلى فبراير بترقب الشركات الصينية لموجة جديدة من الرسوم الجمركية الأمريكية والإجراءات المضادة الصينية، وهو ما تحقق في 4 مارس، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مضاعفة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 20%.

وردّت بكين بفرض تعريفات انتقامية تتراوح بين 10%-15% على الصادرات الزراعية الأمريكية، إلى جانب فرض قيود على 25 شركة أمريكية بعد دقائق فقط من دخول رسوم ترامب الجديدة حيز التنفيذ.

سياسات تحفيزية في مواجهة التباطؤ الاقتصادي

تعهد صانعو السياسات الصينيون بالتركيز على تعزيز الاستهلاك والطلب المحلي خلال عام 2025، وهو ما وصفه رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ يوم الأربعاء بأنه "غير كافٍ" و"ضعيف"، بينما أعلن عن هدف نمو اقتصادي يبلغ حوالي 5% للعام الجاري.

وفي هذا السياق، قال لين سونج، كبير الاقتصاديين في ING لمنطقة الصين الكبرى: "من المرجح أن تبقى الواردات ضعيفة هذا العام، ما لم نشهد انتعاشًا أقوى من المتوقع في الاستهلاك والاستثمار الخاص، وبعد دفع النمو في عام 2024، ستكون البيئة الخارجية أقل دعمًا هذا العام، مما يزيد الضغط على صانعي السياسات لتحفيز الطلب المحلي لتحقيق هدف النمو البالغ 5%".

وقد ترك المسؤولون الصينيون الباب مفتوحًا يوم الخميس لإجراء مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة وضخ السيولة في النظام المالي من خلال تقليل متطلبات الاحتياطي الإلزامي للبنوك.

تحديات النمو والبحث عن أسواق تصدير جديدة

مع تباطؤ الطلب المحلي واستمرار أزمة قطاع العقارات، تواجه الصين ضغوطًا متزايدة لإيجاد أسواق تصدير بديلة من أجل دعم قطاعها الصناعي الضخم وتجنب الركود الاقتصادي.

وتشير التوقعات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الضمني للصين قد ينكمش بنسبة -0.1% في عام 2025، مما يجعله العام الثالث على التوالي من الانكماش—وهو أطول فترة انكماش اقتصادي تشهدها البلاد منذ "القفزة العظيمة للأمام" لماو تسي تونغ في أوائل الستينيات.