عندما سُئل جيرومي باول الشهر الماضي عما إذا كان مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد أخذوا بعين الاعتبار خطط الرئيس القادم دونالد ترامب في رسم سياسة المجلس، قال «نحن لا نخمن، ولا نتكهن، ولا نفترض».
وفي هذا المجال، يقول محمد العريان رئيس كلية «كوينز» بكامبريدج، ومستشار شركتي «أليانز» و«غراميرسي»: «يحاول المستثمرون و خبراء الاقتصاد معرفة ما إذا كان هذا الحياد لا يزال قائماً وسط التقلبات المقلقة في السوق التي أعقبت إعلان المجلس الأسبوع الماضي حول السياسة المرتقبة».
وأكد العريان في مقال نشر في «فاينانشال تايمز»: «من الواضح أن عدم اليقين المتأصل بشأن الإجابة عن هذا السؤال ليس سوى إحدى الطرق التي يقوم عليها نهج الاحتياطي الفيدرالي شديد التفاعل مع تضخيم التقلبات المالية. كما يساعد رد فعل عائدات السندات الأطول أجلاً في تفسير سبب ارتباك الأمريكيين في أن تكلفة الرهن العقاري الذي يتطلعون إليه ترتفع بمجرد أن تقول لهم وسائل الإعلام إن البنك المركزي خفض أسعار الفائدة».
وأرفق الاحتياطي الفيدرالي في آخر اجتماع له خفض أسعار الفائدة بمقدار 0.25 نقطة مئوية، بتوجيهات مستقبلية أكثر تشدداً. ووفقاً للعريان، كان ذلك بمثابة إشارة إلى خفض أسعار الفائدة في عام 2025 بنسبة أقل مما كان متوقعاً من قبل وبمعدل نهائي أعلى، وهو الهدف الطويل الأجل للمجلس.
ويعتقد العريان أن المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس المجلس بعد الاجتماع كان الأكثر إرباكاً من سلسلة من المعطيات غير المستقرة في السنوات الأخيرة حيث جاء مليئاً بالتناقضات. «فقد قال باول إن سلسلة قراءات التضخم «الجانبية» الأخيرة تعني في بعض الأحيان أن نهج الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يكون «أكثر حذراً» بشأن التيسير النقدي في المستقبل. وفي أحيان أخرى، صرح بأن موقف المجلس ظل «مقيداً بشكل كبير» حتى بعد قرار خفض أسعار الفائدة الأخير».
لا يستغرب العريان، في مثل هذا السياق، أن تشهد كل من الأسهم والسندات الحكومية تقلبات كبيرة على أساس يومي.
وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 3%، وارتفع العائد على السندات الحكومية لمدة 10 سنوات بأكثر من 0.1 نقطة مئوية. كانت هذه النقلة في مستويات العائد هي الأكبر في يوم واحد منذ ما يسمى بنوبة الغضب في عام 2013، عندما أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه قد يبدأ في تقليص مشتريات السندات، حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز بأكبر نسبة منذ عام 2001. وفي الوقت نفسه، ارتفع مؤشر «فيكس»، الذي يُنظر إليه عادةً على أنه «مقياس الخوف» في وول ستريت، من حوالي 15 نقطة إلى أعلى مستوى خلال اليوم عند 28 نقطة.
يقول العريان: «كانت روايات السوق حول الاحتياطي الفيدرالي متقلبة بنفس القدر. وأشار البعض إلى تلميح باول لـ «مرحلة جديدة»، في ترجيحهم أن الاحتياطي الفيدرالي كان يستعد لما اعتبره المسؤولون التأثيرات التضخمية لميل الإدارة القادمة إلى التعريفات الجمركية الأعلى والتخفيضات الضريبية الكبيرة وتقليص القوى العاملة بشكل كبير بسبب إعادة المهاجرين غير الشرعيين على نطاق واسع. وعزا آخرون التحول المتشدد إلى ديناميكيات التضخم التي فاجأت وأربكت مرة أخرى أقوى بنك مركزي في العالم».
وبينما لا توجد إجابة مؤكدة على هذا السؤال الرئيسي، وفقاً للعريان، «هناك أيضاً قوة أكثر ثباتاً تلعب دوراً هنا، ولا يزال الكثيرون لا يقدرونها حق قدرها. هنا نؤكد أن إعلان المجلس الأخير هو جزء من نمط أكبر من التقلبات».
ويقول: «في الأشهر الخمسة الماضية فقط، على سبيل المثال، تراوحت إجراءات الاحتياطي الفيدرالي بين عدم الخفض (نهاية يوليو)، إلى خفض «إعادة المعايرة» الضخم بنسبة 0.5 نقطة مئوية (منتصف سبتمبر)، ثم إلى خفض بنسبة 0.25 نقطة (أوائل نوفمبر)، ثم إلى عكس التوجيهات السياسية المستقبلية والتفسيرات الاقتصادية السابقة».
يلحظ العريان في الرسم البياني المحدث للتوقعات الاقتصادية لصناع السياسات نطاقاً مذهلاً من التقديرات حول المدى الذي ينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يوصل أسعار الفائدة إليه بحلول نهاية هذه الدورة، من أقل من 2.5% إلى ما يقرب من 4%.
وفي هذا السياق يقول: «يساعد الافتقار المستمر إلى ترسيخ السياسة الاستراتيجية في تفسير الارتباك السياسي الحالي. لقد أصبح الاحتياطي الفيدرالي يعتمد بشكل مفرط على البيانات بعد خطأ التضخم الكبير الذي ارتكبه في عامي 2021 و2022، عندما افترض خطأً أن ارتفاع الأسعار كان عابراً. ونتيجة لهذا، فإن السياسة تسير في أي اتجاه تهب فيه رياح أحدث البيانات، ما يؤدي إلى تقلبات مربكة».
ويعتقد العريان أن فعاليات السوق كانت على حق في الشعور بعدم الارتياح عند الاستماع إلى المؤتمر الصحفي الأخير بعد خفض أسعار الفائدة. وبالإضافة إلى التكهن بأهمية التقلبات في سياسة «الفيدرالي»، يجب عليهم أيضاً تبني حقيقة أكثر أهمية وهي أن استمرار اعتماد الاحتياطي الفدرالي المفرط على البيانات يزيد من عدم اليقين في الاقتصاد الأمريكي.
وعن التأثيرات العالمية، يقول العريان: «هذا مهم خارج الولايات المتحدة لأن اقتصادها الاستثنائي هو القاطرة الوحيدة ذات المغزى الحالية للنمو العالمي. وهذا بدوره يزيد من خطر القوى السياسية العالمية والمحلية التي تنتشر حالياً في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن تفاقم التحديات المحلية التي تواجهها دول بوزن البرازيل أو اليابان».