انطلاقًا من الفكر الاستثنائى للبنك المركزى المصرى فى إعادة هيكلة جميع بنوك القطاع العام العاملة بالسوق المصرى، والعمل على تقوية مراكزها وإطلاقها بشكل جديد وفكر ومرتكزات قوة مختلفة تؤدى بها إلى القدرة على المنافسة والصمود أمام أى أحداث، دفع «المركزى» ببنك مصر للدخول فى مفاوضات لشراء مخصصات البنك العقارى المصرى العربى مقابل 15 مليار جنيه، استنادًا إلى دور البنك «العقارى» التاريخى ومحفظة عملائه الكبيرة وحجم الأصول به، وذلك بهدف دعم القاعدة الرأسمالية له والعمل على التخلص من الخسائر المرحلة ، لاسيما أنه تمكن خلال السنوات الماضية من تحقيق أرباح جيدة لكنها تآكلت نظرًا للخسائر المرحلة منذ فترة التسعينيات.
ويعد هذا القرار ليس الأول من نوعه من قبل البنك المركزى، فقد سبق وقام بإعادة هيكلة شاملة للبنك الأهلى المصرى عام 2008، وهو نفس الأمر الذى تكرر خلال السنوات القليلة الماضية مع بنكى «الزراعى المصرى» و«المصرى لتنمية الصادرات».
وتأتى هذه الخطوة من بنك مصر بالاستحواذ على «العقارى المصرى العربى» فى إطار دوره الوطنى والداعم لجميع مؤسسات الدولة المصرفية وغير المصرفية، ونتيجة للمركز المالى القوى الذى يتمتع به بنك مصر تحت قيادة المصرفى المتميز محمد الإتربى الذى نجح فى تحقيق الكثير من الإنجازات والنجاحات والتى انعكست بدورها على نتائج أعمال البنك خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذى ساهم فى تجديد الثقة به كرئيس لمجلس إدارة بنك مصر للمرة الثالثة على التوالى بعد أن نجح فى تحقيق قفزة كبيرة بنتائج أعماله خلال العام المالى الماضى (2018/2019)؛ ليسجل 17.3 مليار جنيه أرباحًا قبل خصم الضرائب مقارنة بـ10.4 مليار جنيه فى العام السابق بمعدل نمو 67%، بينما بلغ صافى الربح بعد الضرائب فى نهاية يونيو 2019 مبلغ 8.6 مليار جنيه بعد سداد 8.7 مليار جنيه لمصلحة الضرائب بزيادة 112% عن العام السابق.
وأظهرت المؤشرات المالية لأداء أعمال البنك تحقيق معدلات نمو لجميع قطاعات الأعمال فى العام المالى (2018/2019)، وارتفاع إجمالى المركز المالى إلى نحو 967 مليار جنيه مقابل نحو 884 مليار جنيه فى العام المالى (2017/ 2018) بمعدل نمو 9.4%.
وسجلت ودائع العملاء نموًا بقيمة 76.2 مليار جنيه لتصل إلى نحو 745.8 مليار جنيه بنهاية يونيو 2019 مقابل نحو 669.6 مليار جنيه بنهاية يونيو 2018 بمعدل نمو 11.4%، لتبلغ الحصة السوقية لبنك مصر 18.7% من سوق الودائع المصرية، كما بلغت القروض المباشرة للعملاء 271.7 مليار جنيه مقابل نحو 221 مليار جنيه بزيادة بنحو 50.7 مليار جنيه.
كما بلغت نسبة القروض المتعثرة إلى إجمالى القروض 2.08% فقط بنسبة تغطية 104.8%، وذلك نتيجة تسوية ملفات عدد كبير من العملاء وإبرام تسويات جديدة بمبلغ 3.7 مليار جنيه، كما بلغت المتحصلات من عملاء الديون غير المنتظمة نحو 1.9 مليار جنيه، وذلك على الرغم من التحديات الاقتصادية الراهنة وانعكاساتها على الجهاز المصرفى ككل.
وسجلت محفظة التجزئة بالبنك 32.4 مليار جنيه بنهاية يونيو 2019 مقابل 22.9 مليار جنيه فى يونيو السابق عليه بزيادة قدرها 9.5 مليار جنيه عن العام السابق بمعدل نمو 41%، فيما تخطى عدد البطاقات المصدرة 8.7 مليون بطاقة بنهاية ديسمبر الماضى التى تعمل أغلبها بنظام الشريحة الذكية؛ ليصبح بنك مصر فى المركز الثانى فى عدد بطاقات الدفع الإلكترونية بين البنوك المصرية.
وبالعودة إلى البنك «العقارى» فهو يعد من أقدم البنوك على الساحة المصرفية العربية، حيث تم تأسيسه عام 1880 تحت اسم البنك العقارى المصرى، الأمر الذى أعطاه دورًا تاريخيًا فى دعم اقتصاد مصر، الذى كان يعتمد على الزراعة آنذاك، وامتد هذا الدور الهام فى دعم واحد من أقوى القطاعات الاقتصادية فى كل من فلسطين والأردن، ومع دخول الألفية الجديدة تحول نشاط البنك ليتخصص بشكل أكبر فى الاستثمار العقارى، بعد دمجه مع البنك العقارى العربى، ليصبح فيما بعد البنك العقارى المصرى العربى الكيان الأكبر المتخصص فى الاستثمار العقارى، الذى بدأ هذا النشاط بحجم أصول يتعدى 11 مليار جنيه تعمل فى ثلاث أسواق رئيسية، هى مصر والأردن وفلسطين.
وشهد البنك خلال الخمسة عشر عامًا الماضية عددًا من التطورات الفارقة، حيث كان من المستهدف دمجه مع بنك التعمير والإسكان تحت إدارة المصرفى فتحى السباعى، الذى تولى إدارة البنكين؛ ليقود خطة الدمج، وبعد التراجع عن القرار أسندت قيادة البنك إلى المصرفى الكبير محمد الإتربى عام 2011 ليقوم بالعمل على ثلاثة ملفات رئيسية، نجح خلالها فى تسوية نحو 75% من ملفات المتعثرين، وتحقيق التوازن بين الموارد والاستخدامات لضبط أوضاع المركز المالى للبنك، وضبط الضمانات الخاصة بالتسهيلات الممنوحة للعملاء.
وفى مطلع 2013، استكمل عبدالمجيد محيى الدين مسيرة تطوير البنك الذى وصل حجم الديون المتعثرة فى ذلك الوقت إلى 45% من إجمالى محفظة القروض، التى قُدرت بـ12.5 مليار، ونجح فى وضع استراتيجية لتسوية نحو 85% من هذه الديون على مدار خمس سنوات، وعكف على إنشاء إدارة متخصصة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وفى عام 2017 تولى المصرفى البارز عمرو كمال رئاسة البنك، وشهد البنك تحت إدارته تطورًا كبيرًا فى أداء الأعمال، ونجح فى حل جزء كبير من مشكلات الديون المتعثرة وتطبيق قواعد الحوكمة، كما تمت إدارة استثماراته بكفاءة وبطريقة منهجية، ولأول مرة منذ أكثر من 20 عامًا شهد البنك العقارى المصرى العربى تحت قيادة «كمال» تحولًا من الخسارة إلى الربحية فى حقبة فارقة فى تاريخه.
ووضع عمرو كمال استراتيجية ناجحة مدتها ثلاث سنوات، تستهدف بيع الأصول غير المستغلة التى عززت من المركز المالى للبنك، وقام بعمل إعادة هيكلة فنية وإدارية شاملة، وتمكن من استقطاب كوادر مصرفية مؤهلة لتطبيق استراتيجية التطوير التى تبناها.
بعد ذلك وتحديدًا فى نهاية 2019، تولى مدحت قمر - نائب رئيس البنك آنذاك- رئاسة البنك ليستكمل مسيرة التطوير التى بدآها معًا خلال فترة تعيينه كنائب رئيس البنك فى سبتمبر 2017، واللذان نجحا خلال فترة توليهما فى تسوية 42% من الديون المتعثرة خلال عامين فقط والوصول بها إلى 3.5 مليار جنيه مقابل 6.1 مليار جنيه .
وركز «قمر» مجهوداته خلال الفترة القصيرة التى تولى فيها رئاسة البنك، على التوسع فى الخدمات المصرفية الإلكترونية لتواكب المستحدثات المصرفية، فضلًا عن وضع استراتيجية للتخلص من الأصول العقارية التى آلت إلى البنك نتيجة تسويات وتحقيق أقصى استفادة منها.
وفى إطار مجهودات البنك لمعالجة وتنقية وسرعة التصرف وتخفيض محفظة الأصول العقارية التى بلغت تكلفة الاحتفاظ بها نحو 2.7 مليار جنيه حتى 30 أبريل 2020، فقد تم التصرف فى أصول بالبيع تقدر قيمتها بنحو 1.04 مليار جنيه بعدد 662 أصلًا خلال الفترة من أكتوبر 2017 حتى يونيو 2020 ، وتتوزع هذه الأصول بين أصول سياحية بقيمة قدرها 1.4 مليار جنيه بنسبة 52%، وأصول سكنية وتجارية ومصانع بنحو 750 مليون بنسبة 28%، وأراضى فى حدود 500 مليون جنيه بنسبة 20%، إضافة إلى ذلك فقد تم تخفيض عدد عملاء المحفظة من خلال تسويات ومعالجات من 1561 عميلًا الى 1013 عميلًا بنسبة 35%، كما انخفضت قيمة المحفظة من 5923 مليونًا إلى 4077 مليون جنيه بنسبة 31%، وذلك خلال الفترة من أكتوبر 2017 حتى ديسمبر 2019، علمًا بأن التخلص التدريجى من محفظة الديون المتعثرة بدأ يحدث بالفعل من خلال وضع استراتيجية للتعامل مع الحسابات المتعثرة، حيث تم عمل مراجعة لكل حالة ووضع خطة للتعامل معها لاسترداد مستحقات البنك، أخذًا فى الاعتبار أنه تم معالجة مديونيات متعثرة بالبنك العقارى اعتبارًا من أكتوبر 2017 وحتى يونيو 2020 فى حدود 42% بإجمالى قيمة فى حدود 2.6 مليار جنيه، أما بالنسبة للمخصصات فقد تم تغطية تلك الفجوة، وهو ما أسفر عن تغطية فجوة المخصصات المقابلة لمحفظة الديون المتعثرة بالكامل .
وأظهرت نتائج أعمال البنك العقارى المصرى العربى خلال العام المالى 2019/2020 استمراره فى تسجيل معدلات نمو قوية، حيث ارتفع إجمالى المركز المالى ووصل إلى 41.3 مليار جنيه بنهاية يونيو 2020 مقارنةً بـ36.6 مليار جنيه بنهاية يونيو 2019 بنسبة نمو 13%، فيما ارتفع إجمالى الأوعية الادخارية إلى 49.6 مليار جنيه مقارنةً بـ 42.3 مليار جنيه بنسبة نمو 17%، وارتفع إجمالى محفظة القروض والتسهيلات الائتمانية لتصل إلى 19.9 مليار جنيه مقارنةً بـ 16.7 مليار جنيه بنمو 20%، ووصل إجمالى محفظة المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى 5.6 مليار جنيه مقارنةً بـ 4،3 مليار جنيه بنسبة نمو 27%.
وارتفع إجمالى محفظة التجزئة المصرفية ليصل إلى 1.6 مليار جنيه بنهاية يونيو 2020 مقارنةً بنحو 557 مليون جنيه بنهاية يونيو 2019 ونحو 12 مليون جنيه فى أكتوبر 2018 -تاريخ بداية نشاط التجزئة المصرفية بالبنك- بنسبة نمو 191% ، فيما بلغ إجمالى محفظة الأذون والسندات 12.9 مليار جنيه بنهاية يونيو 2020 مقارنةً بـ 11.3 مليار جنيه بنهاية يونيو 2019 بنمو 14%.
أما بالنسبة لبنك مصر فلم تكن هذه هى المرة الأولى التى يسعى فيها للاستحواذ على أحد البنوك العاملة فى السوق المصرى، ففى عام 2007 وافقت الجمعية العامة له على استحواذه على كامل أسهم بنك القاهرة المصدرة والمدفوعة والبالغة 400 مليون سهم، بقيمة اسمية 4 جنيهات للسهم، وبقيمة إجمالية 1٫6 مليار جنيه لكامل الأسهم، وذلك بسبب تزايد خسائر بنك القاهرة آنذاك وضعف مركزه المالى، حيث تخطت الخسائر وقتها نحو 10 مليارات جنيه.