خلال تصريحات إعلامية.. طارق عامر يفتح خزائن أسراره عن السياسات النقدية والاقتصادية


الاحد 13 سبتمبر 2020 | 02:00 صباحاً
صفـــــاء لــويس

هو الرجل الذى بيده مفاتيح الاقتصاد المصرى.. يعرف عن ظهر قلب لحظات  قوته وضعفه.. تولى طارق عامر مسئولية البنك المركزى فى أشد أوقات مصر حرجًا سياسيًا واقتصاديًا لكنه أبى أن يتأخر عن خدمة وطنه بل قرر تحدى الصعاب وأن يحمل على عاتقه علاج ما ألم بالاقتصاد عبر الثورات وما تبعها من أحداث.. وفى الوقت الذى قرر فيه الرئيس السيسى أن يعالج جميع التشوهات التى أصابت الحياة الاقتصادية على مر العقود الماضية غير عابئ بالمخاوف من تراجع شعبيته، كان «عامر» ينفذ هذه الرؤية الرئاسية بكل جدارة واستحقاق، ولعل القرار التاريخى بتحرير سعر صرف الجنيه المصرى فى فبراير من عام 2016 وما تبعه من إصلاحات ومبادرات وتحديدًا تلك التى أطلقت مع ظهور جائحة كورونا أكبر دليل على ذلك.. قرارات محافظ البنك المركزى المدعومة بتوجهات القيادة السياسية كانت محل إعجاب وإشادة وتقدير من كافة الخبراء والقادة العالميين والمؤسسات الدولية.. لذلك عندما يتحدث طارق عامر على الجميع أن يستمع له ليعرف الدور الهام الذى قامت به مؤسسة الرئاسة فى عملية الإصلاح التى شهدتها مصر، وماذا دار فى الكواليس خلال السنوات الماضية، وخفايا الهجوم الشرس الذى تعرض له أثناء تولى جماعة الإخوان المسلمين حكم مصر، ومستقبل الاقتصاد فى ظل الإجراءات التى يتم اتخاذها بين الحين والآخر؟ .

السيد طارق عامر فى حواره مع برنامج «على مسئوليتى» الذى يقدمه الإعلامى أحمد موسى عبر قناة صدى البلد، أكد أن نجاح «المركزى» خلال الفترة الماضية جاء بدعم من القيادة السياسية وتفهمها للرأى الفنى للبنك، رغم أن معظم الآراء كانت معارضة للإجراءات التى تم اتخاذها أو «جراحة 3 نوفمبر 2016» على حد وصفه، موضحًا أن الموقف كان يتطلب حلًا جذريًا لإنقاذ الاقتصاد والخروج من هذا الوضع الصعب.

وأضاف أن المركزى كان يمتلك 800 مليون دولار فقط قبل تحرير سعر الصرف، وهو مبلغ من الممكن إنفاقه فى أسبوع فقط، لافتًا إلى أن باقى قيمة الاحتياطى النقدى من الدولار كانت تنقسم بين الذهب والأصول الأخرى، وهو ما يؤكد أن الوضع كان كارثيًا، وأضاف أنه كان يتم استيراد وقود ولحوم ودواجن وذرة وقمح بقيمة 5 مليارات دولارات سنويًا بواقع مليار دولار لكل سلعة على حدة، إضافة إلى الأدوية، منوهًا إلى أنه قد تم تخفيض مرتبات البعثات فى السفارات المصرية بالخارج لتوفير النفقات.

وأوضح أن الاختيار كان بين توفير هذه السلع مع بعض الغلاء، أو لا تتواجد نهائيًا، الأمر الذى دفعنا إلى اتخاذ هذه الإجراءات لتوفير احتياجات المواطن الأساسية، مؤكدًا أنه حصل على موافقة ودعم اللجنة الاقتصادية فى البرلمان للتوجه إلى صندوق النقد الدولى وذلك بعد عرض الموقف عليها وشرح الوضع لها.

وأشار إلى أنه عندما تم عرض الأمر على القيادة السياسية تم طلب تقديم خطة قصيرة الأجل وأخرى طويلة الأجل، وقد تم عقد اجتماعات أسبوعية لبحث الأوضاع والتغيرات وأثرها.

وقال إن الاقتصاد مرتبط بالاستقرار السياسى، وبناء عليه يتم التعامل دوليًا فى كافة الأمور من تجارة خارجية والتمويل والاستثمار والتعاملات مع الشركات الدولية المنوطة بالتنقيب عن البترول والغاز، موضحًا أن جميع هذه الجهات لن تتعامل مع الدولة فى حالة عدم وجود استقرار سياسى، وأضاف أن المؤسسات فى الخارج تدرس جميع الجوانب قبل وضع أى دولار فى الدولة سواء على الصعيد السياسى أو أسلوب الإدارة، كما تدرس سياسات القيادة السياسية والحكومة والبنك المركزى والقوانين المنظمة والقطاع الخاص وموقف العملة الأجنبية فى الدولة وكيفية التخارج بالاستثمارات من هذه الدولة، منوهًا إلى أنه مع استقرار الأوضاع سياسيًا فى مصر ووجود ثقة متبادلة بين القيادة والشعب، تمكنا من القيام بهذه المعاملات، لاسيما بعد أن تم تغيير عدد كبير من القوانين واتخاذ قرارات جريئة لتحرير الدولة من القيود الخاصة بتحويل النقد الأجنبى إلى الخارج، ولفت إلى أن تحويلات المصريين العاملين فى الخارج ارتفعت أيضًا بعد اطمئنانهم على الوضع فى مصر وسهولة تخارج الأموال، حيث ارتفعت من 18 إلى 30 مليار جنيه، وهو ما يعكس وجود الثقة التى من شأنها دفع عجلة التنمية وبالتالى توفير فرص عمل، كما أن الثقة تجذب التدفقات النقدية، الأمر الذى من شأنه خفض المستويات العامة للسلع والأسعار.

وأكد «عامر» أن البنك المركزى المصرى مسئولًا عن الإجراءات التى تم اتخاذها، لافتًا إلى أن التغييرات التى حدثت والنجاحات التى تحققت جاءت نتيجة العمل المتناغم بين مؤسسات الدولة والقيادة السياسية، قائلًا :«كنا نسعى فى السابق للحصول على 5 أو 10 مليارات جنيه، إلا أن الآونة الماضية شهدت دخول 431 مليار دولار من الأسواق الدولية والصادرات والتحويلات الخارجية، نتيجة السياسات الحكيمة للقيادة السياسية والأسلوب العلمى الذى كان سببًا فى جذب المؤسسات العالمية وصناديق الاستثمار الدولية، حيث يتعامل فى مصر حاليًا 260 صندوق استثمار دولى»، مشيرًا إلى أن 61% من هذه الصناديق من الولايات المتحدة الأمريكية، و13% من أوروبا، و26% من الدول الأخرى، وأوضح أن هذه الصناديق تقوم ببيع الدولار وشراء الجنيه المصرى لادخاره والحصول على عوائد جيدة، لاسيما فى ظل ثقتها باستقرار سعر الدولار فى السوق المصرى، وأكد أن هذه الصناديق أدرت 14.3 مليار دولار.

وأضاف أن مصر تحظى بمكانة كبيرة فى سوق السندات الدولية، حيث توجد بها سندات دولية بقيمة 23 مليار دولار، مشيرًا إلى أنه عند رغبة وزير المالية فى الحصول على عملة أجنبية يطلب من البنوك طرح سندات وهى ما تقابل بأضعافها، فعلى سبيل المثال إذا تم طرح سندات بقيمة 2 مليار دولار لمدة 30 عامًا تقابل بطلبات بقيمة 20 مليار دولار، وهو ما يعكس الثقة والرغبة فى الاستثمار بالسوق المصرى، وأكد أن هذه الأموال يتم استخدامها فى مشروعات تنموية وليس فى الاستهلاك فقط كما كان فى السابق .

وأشار إلى أن الدين الخارجى تخطى 111 مليار دولار، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه خلال أزمة كورونا قامت الحكومة بسداد وضخ أموال فى السوق تقدر بنحو 35 مليار دولار دون التأثير على الاقتصاد المصرى والمنظومة السعرية، وهو ما يؤكد أن مصر تمكنت من استيعاب الأزمة دون التأثير على المواطن والاقتصاد، منوهًا إلى أن المستثمرين الأجانب يطلقون على مصر فى الخارج لقب «درة الاستثمار» أو «درة الأسواق الناشئة»، الأمر الذى يعد بمثابة شهادة ثقة فى قوة وصلابة الاقتصاد المصرى.

وقال إن الدين الخارجى لمصر معظمه طويل الأجل على عكس العديد من الدول الأخرى بالمنطقة، والتى تبلغ الديون الخارجية لها أربعة أضعاف الدين الخارجى المصرى، كما أنها قصيرة الأجل، كتركيا على سبيل المثال التى بلغ الدين الخارجى بها 450 مليار دولار منها 180 مليارًا مستحقات يجب سدادها خلال العام الجارى، وفقًا لتصريحات وكالات الأنباء العالمية.

وفيما يخص أداء عملات الأسواق الناشئة منذ بداية العام وحتى سبتمبر 2020، قال إن أغلب الدول قامت بخفض عملتها بنسبة تتراوح بين 20  و30% خلال أزمة كورونا، حيث خفضت تركيا عملتها بنسبة 20%، وروسيا بنسبة 17%، والأرجنتين بنسبة 19%، والبرازيل بنسبة 24%، وجنوب أفريقيا بنسبة 16%، والهند بنسبة 2% وأندونيسيا بنسبة 6%، وباكستان بنفس النسبة، مشيرًا إلى أنه على الرغم من الاتجاه الذى شهدته غالبية الدول الناشئة من خفض عملاتها، إلا أن مصر لم تلجأ لهذا الإجراء بل شهدت عملتها ارتفاعًا بنسبة 1.4% منذ بداية العام نتيجة للوضع المالى القوى والاحتياطات الكبيرة والموارد والدخل بميزان المدفوعات.

وأضاف أن ارتفاع العملة يؤدى إلى زيادة الأسعار وهو ما يستغله البعض للتربح والمغالاة، لافتًا إلى أنه فى 2015 كانت العملة فى مصر متأثرة سلبيًا بالسوق السوداء، الأمر الذى كان له تداعيات على الاقتصاد وكذلك المواطن، ما دفع الدولة إلى الاعتماد على قدراتها وتم العمل وفقًا لسياسات مختلفة، لاسيما أنها كانت تستورد بقيمة 76 مليار دولار فى العام مقارنة بـ 18 مليار دولار فى عام 2003، وهو ما يعنى أن كافة موارد الدولة من النقد الأجنبى كانت تذهب لصالح أسواق أخرى ما أثر سلبًا على الصناعة المصرية، الأمر الذى دفعنا إلى اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف، ما أدى إلى انخفاض العجز فى التعاملات الخارجية من 21 مليار دولار إلى 7 مليارات دولار خلال العام الماضى، وقال إن معالجة هذه الفجوة فى النقد الأجنبى كان لها تأثيرها الإيجابى على الاقتصاد المصرى، وهو ما وضح فى تراجع الواردات من 76 مليار دولار إلى 60 مليار دولار.

وكشف عن الإجراءات التى اتخذها المركزى للقضاء على السوق السوداء، حيث تم تكليف 350 مصرفيًا من البنوك العامة بالنزول إلى شركات الصرافة لمحاربة السوق السوداء، كما تم توفير سيولة دولاية لدى البنوك، مؤكدًا أنه خلال أزمة كورونا تم أيضًا إصدار توجيهات للبنوك بالسماح ببيع دولارات تصل قيمتها إلى 10 آلاف دون أى إجراءات أو تساؤلات، لذا يجب على الجميع نسيان أمر السوق السوداء نهائيًا، حيث إن الدول تعمل وفقًا للقانون، فهناك سوق للعملات فى البنوك وشركات الصرافة يتم التعامل فيه وفقًا للأسعار المعلنة، أما ما يتم فى السوق السوداء للدولار فهو أمر غير قانونى.

وأضاف أنه فى مارس 2016 تم رفع سعر العملة فى البنوك إلى 8.95 جنيه، ليصبح موازيًا للسعر فى السوق السوداء آنذاك، حتى يتم القضاء عليها، إلا أن البعض اتجه لهذه السوق سعيًا وراء فارق 25 أو 50 قرشًا، ثم ارتفعت العملة وحققوا مكاسب وقتية، لكنهم خسروا بعد ذلك بسبب ارتفاع الأسعار، منوهًا إلى أنه لو عمل كل فرد لمصلحته الشخصية فقط سيخسر الجميع أما إذا تم العمل لصالح الجميع سيربح الجميع، وأوضح أن من قام بهذه التلاعبات فى السوق السوداء معظمهم من الداخل، إضافة إلى بعض الإخوان الذين نفذوا هذا الأمر من الخارج، وهو ما اكتشفه فى السعودية عندما كان مع سفير مصر بالمملكة، حيث يقومون بالشراء بسعر أعلى قليلًا لرفع سعر الصرف بهدف تدمير مصر، لكن مصر لن تُضر أبدًا – بحسب تعبيره-.

وأوضح أن الخلل الآخر كان بالموازنة العامة للدولة، حيث كانت تقترض وزارة المالية من البنك المركزى المصرى بنسبة فائدة صفر%، وهو أمر خاطئ فقد بلغت القيمة المقترضة أكثر من 700 مليار جنيه، نتيجة الإنفاق الحكومى الكبير على زيادة المرتبات التى كانت تقدر بـ80 مليار جنيه سنويًا، وارتفعت لتصل إلى 280 مليار جنيه، الأمر الذى تطلب القيام ببرنامج لضبط عجز الموازنة العامة للدولة، مؤكدًا أنه قد تم وقف اقتراض وزارة المالية من البنك المركزى، ما أدى إلى انضباط المالية العامة وتحسن المؤشرات المالية للدولة.

وأشار إلى أنه قد تم تقديم خطة واضحة للإصلاح الاقتصادى، والتى تم عرضها على صندوق النقد الدولى لاعتمادها ومراقبتها، حتى يشهد للعالم أن مصر لديها خطة علمية وفعالة، مضيفًا أن الصندوق كان له طلبات تتمثل فى ضرورة إصلاح السياسية النقدية، وكذلك الموازنة العامة للدولة.

وقال إنه كان هناك برنامج سوف يقدم لصندوق النقد الدولى خلال فترة تولى الإخوان حكم البلاد، إلا أن القيادة السياسية آنذاك طلبت من محافظ البنك المركزى عدم التوقيع عليه فى آخر لحظة بناءً على توجيهات من مكتب الإرشاد، منوهًا إلى أنه خلال هذه الفترة كان يتولى رئاسة البنك الأهلى المصرى وعُرض عليه منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية إلا أنه رفض.

وكشف عن اجتماعه مع رئيس الوزراء حينها، والذى طلب منه كتابة تصور للإصلاح الاقتصادى، وبالفعل قام بكتابة تصور بخط اليد فى 20 ورقة وعند عرضه على القيادة حينها لم تستوعبه نظرًا لعدم وجود وعى كافٍ لديهم وعدم فهمهم بمثل هذه الأمور.

وأضاف أنه عند الاجتماع مع لجنة الخطة والموازنة فى البرلمان خلال فترة تولى الإخوان الحكم، تحدث أحدهم عن الاستثمارات وتدفقاتها دون أى فهم ، وكان كلامه أشبه بـ«حديث الدجالين» وخرج من هذا الاجتماع بقناعة واحدة أن «البلد راحت»، وبعدها ترك محافظ البنك المركزى منصبه لعدم قدرته على العمل فى هذا المناخ.

وأكد أن جماعة الإخوان أجرت تغييرات كبيرة بالبنك المركزى ساهمت فى حدوث العديد من الكوارث، حيث استمروا فى الإنفاق من الاحتياطى الأجنبى  دون البحث عن موارد أخرى، إلى أن تبقى به 800 مليون دولار فقط، منوهًا إلى أن برنامج صندوق النقد الدولى كان هامًا لانقاذ الوضع حينها، لكنهم رفضوا التوقيع عليه رغم أنه كان سهل آنذاك ، فضلًا عن دعمهم من جانب المسئولين فى أمريكا، الذين أوصوا الصندوق عليهم، لافتًا إلى أن هذا البرنامج لا يمكن مقارنته بالبرنامج الحالى، ومع ذلك لم يتمكنوا من تنفيذه رغم سهولة شروطه، وقال إنه تم الوصول إلى هذا المستوى المتدنى من الاحتياطى رغم حصولهم على 31 مليار دولار من الدول العربية خلال فترة حكمهم، لكنهم قاموا بصرفها لدعم الجنيه، ومنع تحرك العملة وهو أمر كان صعب استمراره، لافتًا إلى أن هذا حدث رغم أن الأوضاع وقتها كانت أفضل وسعر الصرف أقل، بجانب الأموال التى حصلوا عليها من الدول العربية.

وقال عامر: «لو استغل قيادات الإخوان الموقف واتخذوا قرارات إصلاحية، لما كانت مصر تدفع الثمن وتسدد فواتير هذه السياسات غير الصحيحة الناتجة عن تدخل السياسة فى الاقتصاد»، مشيرًا إلى أن الدولة قامت خلال الفترة الماضية بسداد 15 مليار دولار لليبيا وتركيا وقطر، وأكد أن القيادة السياسية تتبع خلال الوقت الراهن سياسات حكيمة تختلف شكلًا وموضوعًا عن السياسات الخاطئة لجماعة الإخوان، وهو ما يساهم فى تطبيق الأفكار الاقتصادية وجعلها محل تنفيذ.

وأشار إلى أن الشائعات التى يثيرها البعض حول الاقتصاد ليست صحيحة ويجب عدم الانسياق وراءها، مؤكدًا أن المواطن المصرى يمكن الرجوع للنتائج التى تم تحقيقها وكذلك لتقارير المؤسسات الدولية. 

وأضاف أنه التقى نائب محافظ البنك المركزى الصينى فى واشنطن خلال العام الماضى والذى قال له :«إن الإجراءات التى تم اتخاذها هى أفضل حدث  فى تاريخ البنك المركزى المصرى»، لافتًا إلى أن الصين أكثر دولة قدمت دعمًا ماليًا لمصر فى ظل أزمتها، ففى عام 2016 لم تحظ القاهرة بدعم من أمريكا أو أوروبا، بل من الصين التى منحت البنك المركزى 2 مليار دولار، ومثلها للبنوك العامة، و2.7 مليار دولار للحكومة المصرية.

وأضاف أن وكالة موديز التى تعد إحدى أقوى مؤسسات التصنيف الدولية، صرحت فى يناير الماضى بأن البنوك المصرية تتمتع بسيولة عالية ويمكنها الحصول على تمويل مستقر قائم على الودائع، وفى مايو الماضى أكدت أن احتياطى النقد الأجنبى فى مصر كافٍ لتغطية الالتزامات الخارجية للاقتصاد بالكامل على مدار السنوات المقبلة، وفى يونيو أشادت بتصنيفات مصر الاقتصادية والتوقعات المستقبلية المبشرة استنادًا على السجل الحافل للإصلاحات المالية والاقتصادية والتزام السلطات الكامل بتعزيز برنامج الإصلاح وسرعة توفير التمويل من المالية العامة والتمويل الخارجى لمواجهة جائحة كورونا، كما صرحت أيضًا وكالة «ستاندرد آند بورز» فى أبريل 2020 بأن قوة احتياطى النقد الأجنبى المصرى سيمكنها من تحمل الصدمات الخارجية الناجمة عن الوباء.

وقال إنه سبق وصرح من خلال بلومبرج - الوكالة المالية الأولى فى العالم – بأن مصر قادرة على تحييد أثر الصدمة ولديها القوة التى تمكنها من ذلك وهى متوفرة، فعلى مستوى السوق الدولى تم تدبير النقد الأجنبى لمقابلة تراجع إيرادات السياحة، وتم إصدار سندات دولية فى أوائل مايو 2020، وكان أول وأكبر إصدار فى الأسواق الناشئة، قائلًا: «إحنا صحينا البنوك المركزية من النوم»، موضحًا أن صندوق النقد الدولى حينها كان يرى أن التوقيت ليس مناسبًا لهذا الطرح وأن هذه السندات لن تحصد أكثر من مليار دولار، لكن مصر كانت ترى أن التوقيت مناسب وأنها ستحصل على ما لا يقل عن 5 أو 6 مليارات دولار، وقد تم الطرح وتقدمت طلبات بقيمة 21 مليار دولار على مدة 30 سنة، وهو ما يعكس ثقة المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى، وتابع حديثه: «لا أحد يستطيع أن يزايد على هذا الكلام، لأن من سيزايد إما جاهل أو مغرض.. واسألوا وزراء المالية فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عن الإجراءات التى تم اتخاذها والتى تم تكريمنا عليها»، وأكد أن كافة محاولات التشكيك فى وضع الاقتصاد المصرى غير مقبولة، وأنه لن يُسمح بضرب الثقة، مراهنًا على وعى الشعب المصرى. 

وأضاف أنه فى ذروة أزمة كورونا تحدث مع رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، والذى أكد على احترامه وتقديره لكافة الإجراءات التى تم اتخاذها، وأنه على أتم استعداد لتقديم الدعم والمساندة، كما قام وزير الخزانة الأمريكى بدعوته واستقباله، وأعرب عن تقديره لجميع القرارات التى اتخذتها مصر.

واكد أن البنك المركزى المصرى اتخذ حزمة من الإجراءات الخاصة بالسوق المحلى فيما يتعلق باستقرار النقد الأجنبى واستقرار الأسعار خلال أزمة كورونا، منوها إلى أنه قام بطرح مبادرة وبناءً عليها تم حذف 8000 شركة من القوائم السلبية، حتى تتمكن من الاقتراض مرة أخرى، بجانب مبادرة أخرى بقيمة 100 مليار جنيه من البنك المركزى للشركات فى صورة قروض بسعر فائدة مخفضة بنسبة 8%  لمساندتها فى الأزمة، وأوضح أن الأساس الذى تم التركيز عليه هو توفير سيولة بالأسواق، لذا أتاح المركزى سيولة قيمتها 100 مليار جنيه للقطاع الخاص، و400 مليار للمالية العامة.

ونوه إلى أن القيادة السياسية عندما رأت الإقبال على المبادرة الخاصة بالقطاع الخاص أصدرت توجيهات بزيادتها، وعليه تم رفع قيمة المبادرة إلى 200 مليار جنيه، مؤكدًا أن هذه المبادرة تضم كافة أنواع الشركات من زراعية ومقاولات وصناعية بمختلف فئاتها من شركات كبرى وصغيرة ومتوسطة، ولفت إلى أن مبادرات المركزى المصرى خاطبت كافة الشرائح وشتى القطاعات، حيث توجد مبادرات لدعم السياحة، وأخرى للتنمية العقارية فقد تم طرح مبادرة بقيمة 100 مليار جنيه لصالح المُنميين العقاريين، فضلًا عن مبادرة بقيمة 200 مليار جنيه للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وفيما يخص مبادرة الـ 100 مليار للقطاع الصناعى، أشار إلى أن هذه المبادرة تطورت من أبريل إلى يوليو بوتيرة سريعة، لذا تقرر زيادتها إلى 200 مليار جنيه، موضحًا أنها منوطة بمنح قروض لرأس المال أو سداد مرتبات العاملين أو شراء خامات أو معدات استثمارية، بسعر فائدة مدعم 8%.

وأضاف أن المركزى يمول كافة المؤسسات الحكومية، حيث يتم اعتماد مبالغ ضخمة لوزارة الإسكان بهدف التنمية العمرانية والبناء، موضحًا أن الفترة الأخيرة شهدت قيام الوزارة ببيع أراضٍ للمُنميين العقاريين بنظام التقسيط، وقال إن وجود من يعانون من مشكلات بالسيولة دفع الوزارة لتأجيل الأقساط المستحقة عليهم، مما أثر على السيولة لديها، حيث إن هذه الأموال كانت ستوجه لاستكمال عمليات البناء التى تقوم بها، وعليه قام المركزى بضخ 150 مليار جنيه لدى هيئة المجتمعات العمرانية، لدعم التنمية العمرانية وإتاحة سيولة بالسوق، وأشار إلى أن السيولة التى توفر للمُنمى العقارى تتدفق إلى شركات المقاولات التى توفر فرص عمل لملايين الأفراد، مؤكدًا ان الدولة تضخ أموالًا بقوة فى الأسواق بهدف دفع عجلة الاقتصاد للدوران، وتابع حديثه: «السوق هو الروح لذا يجب علينا الحفاظ عليه»، منوهًا إلى أن البنوك المركزية فى الخارج ووزارات الخزانة تقوم بضخ أموال فى القطاع الخاص بشكل مباشر، وهو ما لم يكن معمولًا به  فى السابق.

وفيما يخص استخدمات النقد الأجنبى، أكد أن قيمتها بلغت 412 مليار دولار، تم ضخ جزء كبير منه فى المشروعات التنموية، موضحًا أنه رغم جائحة كورونا، إلا أن المركزى المصرى نجح فى القيام بأمر غير عادى، وهو الحفاظ على مستويات أسعار النقد الأجنبى، وهو الأمر الذى يتساءل  عنه صندوق النقد الدولى، وقد كانت الإجابة أن هذا الوضع يختلف عن غيره، حيث إنها أزمة وباء يجتاح العالم فلا علاقة لها باقتصاد أو بسعر صرف أوسياسات اقتصادية، وهو ما يعنى أن تخارج المستثمرين سيحدث، وأن السياحة ستتوقف، لذا تدخل المركزى المصرى لدعم سعر العملة بالاحتياطى النقدى لحماية السوق، مع الحفاظ على حجم جيد من الاحتياطى وواصل حديثه: «قمنا بذلك لتلقى الصدمة نيابة عن المواطن، لكون المركزى هو الدرع الذى يحمى الدولة من الصدمات»، لافتًا إلى أن الاحتياطى من النقد الأجنبى فى مصر تخطى الـ ٣٨ مليار جنيه.

أما عن حجم الاستثمار فى السوق، فقد أشار محافظ البنك المركزى إلى أن القطاع المصرفى المصرى منذ نشأته وحتى عام 2014 قام بإقراض السوق 600 مليار جنيه، فى حين أن إجمالى ما اقترضه السوق المصرى حتى الآن يقدر بنحو 2.2 تريليون جنيه، وهو ما يعنى أنه قد تم ضخ 1.6 تريليون جنيه بالسوق خلال السنوات الست الماضية بكافة كيانات المجتمع  من شركات وعاملين وسلع ورواتب ومشروعات، مؤكدًا أن السيولة هى  «روح السوق».

وفيما يخص الودائع وما تعكسه من ثقة فى القطاع المصرفى المصرى، أكد أن إجمالى الودائع فى عام 2014 كانت تقدر بنحو 1.5 تريليون جنيه، وقد ارتفعت لتصل إلى 4.6 تريليون فى 2020، لافتًا إلى أن هذه المدخرات يتم توظيفها بهدف التنمية، مع الحفاظ على عدم وجود ديون متعثرة وهو ما يعكس الثقة فى الجهاز المصرفى المصرى.

وعلى صعيد السيولة التى تم ضخها للأفراد فى مصر، نوه إلى أن البنك المركزى قام بتأجيل كافة الالتزامات الخاصة بقروض الأفراد لمدة 6 أشهر، والتى تقدر بنحو 600 مليار جنيه، موضحًا أنه جارٍ دراسة ما إذا كان سيتم مد الفترة لهذا القرار أم لا.

وأشار إلى أن هذا القرار ليس بالسهل لأن إجمالى الالتزامات التى يتم تأجيلها تقدر بنحو 2 تريليون جنيه، ولذلك يعد من أصعب القرارات التى يتم اتخاذها، وعلى الرغم من ذلك تم اتخاذه لمساعدة كافة فئات المجتمع من أفراد وشركات ومؤسسات، لذا التفكير فى مده ليس أمرًا سهلًا ويجب أن يتم دراسته جيدًا.

وقال إنه تم منح فوائد على مدخرات الأفراد منذ عام 2014 وحتى 2019 بقيمة 724 مليار جنيه لعدد 6 ملايين أسرة، منوها إلى أن القيمة الإجمالية للشهادات الادخارية تقدر بنحو 2 تريليون جنيه، وأضاف أنه خلال أزمة جائحة كورونا اتخذ البنك المركزى قرارًا بخفض سعر العائد على الإيداع والإقراض للتخفيف على الشركات، وكان ذلك الخفض الأكبر فى التاريخ حيث تم خفض الفائدة بنسبة 3%، وهو ما تزامن مع القيام بطرح شهادة ادخارية جديدة بنسبة عائد 15%، والبعض قال وقتها: «هم بيخفضوا ولا بيرفعوا الفائدة.. دول مش فاهمين حاجة، إحنا برضه اللى مش فاهمين .. إحنا بندعم الناس فى الظروف ده، والدولة والحكومة مهتمة بالشعب»، مشيرًا إلى أن حصيلة الشهادة الادخارية ذات عائد 15% بلغت 380 مليار جنيه.

وقال إن قيام المركزى بإزالة القيود ورفع معدلات الفائدة على المدخرات جاء بهدف الحفاظ على قيمة الجنيه المصرى ليتحقق الوعد الذى تعهد به بأن حامل الجنيه المصرى سيحقق ربحًا أكبر من حامل أى عملة أخرى، وتابع حديثه: «إذا ما قورن حاملى الجنيه المصرى بحاملى الدولار خلال السنوات الماضية، سنجد أن حاملى الدولار تكبدوا خسائر فادحة، حيث يخسرون 15% سنويًا، إضافة إلى20% فى السابق وقت صدور الشهادة الادخارية ذات العائد 20%».

وأشار إلى مبادرة السيد رئيس الجمهورية التى تم إطلاقها بنهاية 2015 لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة كانت بقيمة 200 مليار جنيه، ووصلت إلى 202 مليار جنيه لعدد 114 ألف شركة، موضحًا أن هذه الشركات أتاحت فرص عمل كثيرة، فلو افترضنا أن كل واحدة منها قامت بتوظيف 15 فردًا فقط، فهذا يعنى أنه قد تم توظيف عمالة تتراوح بين 1.5 إلى 2 مليون موظف، ولفت إلى أنه يتم عمل مسابقات بين البنوك فى هذا الشأن وتكريم صاحبة أفضل أداء، كما نسعى إلى تطوير أساليب الوصول إلى القرى والأرياف.

وأضاف أن المركزى يسعى أيضًا لمساعدة الأسر فى القرى التى تقوم بعمل مشروعات متناهية الصغر كـ«المناحل» وتربية الدواجن، والتى قد تكون فى حاجة لمبالغ تتراوح بين 5 و100 ألف جنيه، منوهًا إلى أن الوصول لهذه الفئة كان من خلال الجمعيات الأهلية، لذا تقرر تخصيص 20 مليار جنيه لها لتلعب دور حلقة الوصل بين البنك المركزى وهذه الأسر ومساعدتها فى تمويل مشروعاتها، مشيرًا إلى أن عدد العملاء من هذه الشريحة وصل إلى 4 ملايين عميل خلال ثلاث سنوات بقيمة تمويل 40 مليار جنيه، وقد تم مضاعفة القيمة لمواكبة إقبال العملاء.

وفيما يخص التمويل العقارى لمشروع الإسكان الاجتماعى، فقد أكد «عامر» أن متوسط سنوات السداد 19 سنة ويتم الحصول على قيمة القسط بالفوائد، وذلك بقيمة 800 جنيه شهريًا، موضحًا أنه قد تم ضخ 20 مليار جنيه فى هذا الإطار وهو ما تستكمله وزارة المالية، وأشار إلى إطلاق مبادرة أخرى لمتوسطى الدخل بقيمة 50 مليار جنيه، علمًا بأن قيمة القسط الشهرى لها يبلغ 3400 جنيه على متوسط سنوات سداد 18عامًا.

وقال إن ىالتضخم تراجع ليصل إلى 5% مقارنة بـ 35% فى السابق وهو ما يشير إلى أن السيولة التى تضخها الحكومة فى السوق يتم توظيفها بالشكل الأمثل ولم تؤدى إلى حدوث تضخم.

أما فيما يتعلق بسوق العمل، فقد أوضح أن إجمالى المشتغلين بالقطاع الخاص حتى عام 2014 كانوا 24 مليون نسمة، ووصلوا الآن إلى 27 مليون مواطن، إضافة إلى من خرجوا على المعاش والذين يصل عددهم إلى 2.5 مليون مواطن تقريبًا، وهو ما يعنى توفير أكثر من 5 ملايين فرصة عمل خلال الخمس سنوات الماضية، مشيرًا إلى أن معدلات البطالة شهدت انخفاضًا خلال الفترة الأخيرة التى عادت للارتفاع أثناء أزمة كورونا لكن بمعدلات أقل من الدول الأخرى، حيث إن معدلات البطالة فى أمريكا ارتفعت بمعدل ٣٠ مليون مواطن، فى حين أنها لم تتخط فى مصر الـ 7٠٠ ألف مواطن.

وعلى صعيد بند الأجور فى الموازنة العامة، أكد محافظ البنك المركزى ارتفاع قيمة الأجور بالقطاع الحكومى من 178 مليار جنيه عام 2014 إلى 290 مليارًا فى 2020، فى حين ارتفعت رواتب القطاع الخاص من 24 مليار جنيه إلى 27 مليارًا فى نفس الفترة .

وأشار إلى أن صندوق النقد الدولى منح مصر القرض الأخير الذى طلبته خلال أزمة كورونا فى وقت وجيز ولم يطلب تقليل قيمته، منوهًا إلى أن مجلس إدارة الصندوق في محضر الاجتماع قال: «على الدول الأخرى العمل كمصر فهى حقًا نموذج»، موضحًا أنه لم يتم الحصول سوى على 2 مليار دولار من القرض ومازال هناك 6 مليارات لم نحصل عليها حتى الآن، وقال إنه من المتوقع الحصول على الشريحة الثانية فى ديسمبر المقبل على أن تكون الشريحة الثالثة فى يونيو 2021، مؤكدًا أن مصر قامت بسداد التزامات مستحقة عليها للمستثمرين الأجانب بقيمة 20 مليار دولار. 

وعن توقعاته لسعر الدولار فى السوق المصرى، قال إنه من الوارد أن يشهد سعر الدولار هبوطًا خلال الفترة المقبلة فهو يتحدد وفقًا للأداء، مشيرًا إلى أنه منذ يناير 2020 وحتى الآن شهد الدولار انخفاضًا كبيرًا متأثرًا بعوامل السوق، وأوضح أن معدل نمو الناتج المحلى فى مصر 5.6% فى حين يبلغ معدل النمو من الناتج المحلى فى الصين 6%، بينما حققت باقى الدول معدلات أقل من مصر، وفقًا للتقارير الدولية وهو ما يؤكد أن مصر تسير على الطريق الصحيح، وذلك استنادًا إلى أدائها في التنمية الاقتصادية مقارنة بالدول الأخرى، وأوضح أن مصر كانت تحقق معدلات نمو بالناتج بنسبة 7%  فى عام 2007، لكن هذا النمو كانت النسبة الأكبر منه نمو استهلاكى بنسبة 80% فى حين أن النمو الحالى يميل بنسبة أكبر نحو النمو الاستثمارى، وأوضح أن نمو الناتج المحلى يشمل الاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومى والصادرات والواردات.

وحول التضخم، أكد أن هذا الملف يحتل الاهتمام الأكبر من قبل البنك المركزى، لاسيما أن الدور الرئيسى للمركزى فى السياسة النقدية يتمثل فى السيطرة على معدلات التضخم  واتخاذ الإجراءات اللازمة لكبح معدلات التضخم، حيث إنه يمس المواطن المصرى وهو ما يجعله أمرًا فى غاية الأهمية للبنك المركزى والحكومة، منوهًا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت العمل بشراكة كاملة مع رئيس الوزراء والمجموعة الاقتصادية فيما يتعلق بهذا الملف، وقال إن التضخم كان قد وصل لأعلى مستوياته فى الربع الثانى من عام 2017 بمعدل 33% كنتيجة طبيعية للإجراءات الإصلاحية التى تم اتخاذها، ويمكن القول إن هذه كانت المضاعفات الوحيدة للعملية الجراحية التى تم إجراؤها لإنقاذ الاقتصاد المصرى، ووقتها تعهدت القيادات بخفض مستويات التضخم وهو ماحدث بالفعل.

وأضاف أن المركزى وضع مستهدفًا فى هذا الشأن لأول مرة، حيث كان يسعى للوصول لنسبة 13%، ثم 9%، ثم 6%، مؤكدًا أن ذلك كان بمثابة اختبار مصداقية له، لأن فشله فى ذلك كان سيعنى أن مصداقية البنك المركزى على المحك، وهذه كانت مسئولية كبيرة تقع على عاتقه، لكنه استطاع الإيفاء بوعده والوصول بمعدلات التضخم إلى 4%.

وأكد محافظ البنك المركزى أن مصر نجحت فى تخطى أصعب مرحلة أثناء تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادى واستيعاب كافة الصدمات، منوهًا إلى أنها لم تتجاوز الأزمة فحسب بل تم اختبارها بعدها ونجحت في الاختبار، وذلك عام ٢٠١٨، عندما حدثت أزمة عالمية بين الصين وأمريكا والتى كان من الممكن أن تلقى بظلالها على الاقتصاد المصرى لكن ذلك لم يحدث، فأثناء الحرب التجارية بينهما، عادت كافة الأموال إلى أمريكا وانسحبت من عدد كبير من الأسواق ومنها السوق المصرى، وهو ما لم نتأثر به نتيجة قوة وصلابة الاقتصاد، منوهًا إلى أن الأموال التى انسحبت من السوق المصرى آنذاك تقدر بنحو13 مليار دولار، لكنها عادت مجددًا عام ٢٠١٩.

وأضاف أنه خلال أزمة جائحة كورونا تعرضت مصر لاختبار مرة أخرى، وقد نجحت فيه أيضًا، حيث انسحبت خلال هذه الفترة أموال تقدر بنحو 20 مليار دولار، عاد منها 10 مليارات دولار حتى الآن، كاشفًا النقاب عن حديثه مع وزير التموين والذى أعرب خلاله عن رغبته فى فتح اعتماد مستندى خاص بالقمح، وهو مارد عليه قائلًا: «حضرتك هتفتح اعتمادًا للقمح ليه مش عندك مخزون 6 شهور.. قاللى لا معلهش لازم أحافظ على الـ 6 شهور».

وأشار إلى أن القيادة السياسية أعطت توجيهات بالحفاظ على مخزون كبير من الوقود والقمح والسلع الاستراتيجية، وعليه تم بناء مخازن لاستيعاب هذا المخزون، ما يؤكد أن الدولة تعمل حساب لكل التحديات، مضيفًا أن القوات المسلحة شهدت طفرة كبيرة بدعم من القيادة السياسية، وهو ما يتضح فى الأسلحة الجديدة التى يتم الإعلان عنها، فضلًا عن ما لا يتم الإعلان عنه، ما يشير إلى وجود بناء قوى لتأمين مصر، وأكد أن كافة هذه المعطيات تتطلب تكاليف لتوفيرها وهو ما نجح فيه البنك المركزى بالكامل، حيث إنه يجرى العمل على مدار الساعة للإيفاء بمتطلبات القيادة السياسية وتحقيق طموحاتها الكبيرة، موضحًا أن الأموال التى يتم ضخها بالمشروعات التنموية المختلفة، ليست قروضًا فقط بل تتضمن أيضًا مدخرات العملاء من العملة المحلية.

وفيما يخص البورصة المصرية، أكد أن المركزى طرح مبادرة لدعمها بقيمة 20 مليار جنيه، ومازالت فى حاجة إلى أوراق مالية جديدة، منوهًا إلى أنه عند الحديث عن اتجاه الدولة لطرح شركات حكومية بالبورصة، يتبادر إلى الأذهان مفهوم خاطئ حول خصخصة هذه الكيانات، وأوضح أن الطرح فى البورصة لا يعتبر خصخصة، بل خطوة هامة للوصول إلى سوق مال جاذب، إضافة إلى أنه يضع الشركات تحت الرقابة والمحاسبة  وهو أمر ايجابى، لاسيما أن بعض الشركات تتهرب من المحاسبة وتقاوم الرقابة عليها، مشيرًا إلى أن البورصة تتسم بوجود افصاح للشركات، معلقًا: «الافصاح هو الإصلاح».

وأكد أن سوق الأوراق المالية فى مصر عقب تحرير سعر الصرف، كان أحد أفضل ثلاثة أسواق من حيث الأداء على مستوى العالم، لكنه مازال فى حاجة إلى طروحات جديدة، خاصة أنه وصل إلى مستويات النضج ولذلك فهو فى حاجة إلى طروحات جديدة لاجتذاب المزيد من السيولة.

ولفت إلى أن الناتج القومى الحقيقى فى مصر يفوق القيم الحالية، نتيجة وجود سوق غير رسمى كبير، لذا هناك مناقشات مع وزير المالية لمنح إعفاءات ضريبية بهدف تشجيع القطاع الصناعى الصغير للانضمام إلى السوق الرسمى.

وأشار إلى أنه دائمًا ما يتم مناقشة المعوقات التى تؤثر على المناخ الاستثمارى، والحكومة تعمل جاهدة للتغلب عليها، موضحًا أن إحدى هذه المشكلات تتمثل فى الغرامات، فعلى سبيل المثال يتم ربط ضريبة على المستثمر قيمتها ١٠٠ مليون جنيه، وهو الأمر الذى يعترض عليه ويطلب التفاوض، وهنا تبدأ المشكلة حيث إنه منذ اتخاذ قرار بربط هذه الضريبة يتم فرض غرامة تأخير قدرها 2% عن كل شهر تأخير، وبنهاية العام يفاجئ المستثمر بأنه يجب عليه دفع 24 % غرامة، فضلًا عن قيمة الضريبة، لذا فان رئيس الوزراء بالتعاون مع وزير المالية بدأوا فى العمل لحل هذه المشكلة  حتى يتم إحياء السوق وذلك فى ضوء المساعى المبذولة لتحقيق الإصلاح الهيكلى الذى يستهدف برنامج الصندوق تحقيقه، وهو الأمر الذى تقوم عليه أيضًا وزارات التخطيط والبترول والبنك المركزى الذى على اتصال مباشر بالعملاء كقطاع مصرفى، مؤكدًا أن ذلك جاء بتوجيهًا من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى حث على ضرورة التعاون لحل مشاكل الصناعة.

ونوه إلى أن أكبر تحدٍ قابله كمحافظ للبنك المركزى المصرى، خلال السنوات الخمسة الماضية، تمثل فى إقناع القيادة السياسية والمسئولين والمجتمع بسلامة التوجهات والخطط التى وضعها، وكذلك إقناع الأسواق الدولية وكافة الأطراف العالمية بذلك، لخلق مصداقية، مؤكدًا أن ثقة سيادة رئيس الجمهورية بالبنك كانت بمثابة الداعم الأكبر للنجاح الذى تم تحقيقه، لأنه تفهم أن المركزى يجب أن يستقل بدوره، وأن يتم أخذ رأيه بعين الاعتبار وهو ما يتسم بكونه أسلوب قيادة متفتح، وذلك على العكس من دول أخرى تحجم البنك المركزى وتقلل من دوره، وهذا هو الفارق بين القيادة الحكيمة والقيادة غير الواعية.

وأكد أن البنوك العاملة فى السوق المصرى لعبت دورًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، متقدمًا بالشكر والتقدير للدور الفريد الذى قدمته البنوك للدولة، وتحديدًا بنكى الأهلى المصرى ومصر، حيث وفرا احتياجات الدولة بالكامل.

وقال إن السياحة حققت أرقامًا جيدة حتى يونيه 2020، وهو ما لا ينفى أن شهرى مايو ويونيه شهدا انخفاضًا كبيرًا، مشيرًا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت عودة 240 ألف سائح، وأكد أن البنك المركزى قام بتوفير الأموال البديلة لإيرادات السياحة السنوية حتى يسترد القطاع عافيته، حيث تم توفير حزمة بقيمة تقدر بنحو 25 مليار دولار، تضم 8 مليارات من صندوق النقد الدولى  و5 مليارات من السندات الدولية  و2 مليار قامت وزارة المالية بترتيبها مع بنوك فى الإمارات، إضافة إلى 10 مليارات من المستثمرين الأجانب.

وأوضح أن أهمية الصندوق السيادى تكمن فى قدرته على تملك شركات، وهو ما يتيح للكيانات الأجنبية المشاركة فى الشركات التابعة له، لذلك فهو يلعب دورًا هامًا فى تسهيل عملية الاستثمار الأجنبى، حيث إن هذا النوع من الاستثمار لا يفضل عادة إقامة مشروعات جديدة بل الاستحواذ على شركات قائمة لتوفير الوقت، مضيفًا أن الغرض من الصندوق السيادى يتمثل فى إدارة هذه الأصول بكفاءة أكبر وتنميتها.

وأشار إلى أن البنك الزراعى يلعب دورًا كبيرًا فى دعم الفلاحين والمزارعين وتوفير التمويلات لهم، مؤكدًا أنه جارٍ العمل على خطة إصلاح كبيرة بالبنك، ولذلك تم استدعاء قيادات من البنك الأهلى المصرى لتولى مسئوليته، بجانب دعمه من قبل البنك المركزى بقيمة 18 مليار جنيه للنهوض به لدعم شريحة أكبر من العملاء، وأوضح أنه سيكون من أكبر البنوك فى مصر، وأنه خلال الأربع سنوات المقبلة سيشهد طفرة كبيرة جدًا، حيث سيقوم بتمويل عملية الانتقال للرى الحديث بقيمة 3 مليارات جنيه لخدمة 500 ألف فدان، وهو ما يأتى فى ضوء توجيهات القيادة السياسية التى تستهدف تحويل كافة المنظومة الزراعية للرى الحديث.