توقع تقرير حديث أن مصر قد تحقق فائضاً في التمويل الخارجي يبلغ حوالي 26.5 مليار دولار على مدى الأعوام الأربعة القادمة، حيث يعد هذا تحولاً كبيراً مقارنة بتوقعات سابقة كانت تشير إلى عجز بحوالي 13 مليار دولار في شهر فبراير (شباط) الماضي.
وأشار تقرير البنك "غولدمان ساكس" إلى أربعة عوامل رئيسية حدثت خلال الربع الأول من العام تساهم في هذا التحول، بما في ذلك استثمار الإمارات في مشروع "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي المصري، وتخفيض قيمة الجنيه، وزيادة أسعار الفائدة، وتوقيع اتفاق معزز مع صندوق النقد الدولي، حيث هذه الإجراءات ساهمت في تغيير الآفاق المالية لمصر في المدى المتوسط، وخلقت بيئة تمويلية أكثر استقراراً وتفاؤلاً.
وفقًا لوكالة التصنيف الائتماني "فيتش"، تلقت مصر تدفقات بقيمة تقدر بنحو 20 مليار دولار من الأجانب منذ أخر عملية تعويم للعملة، بالإضافة إلى صفقة "رأس الحكمة".
ووفقًا لبيانات البورصة المصرية، بلغ صافي مشتريات الأجانب في أدوات الدين الحكومي خلال الفترة من مارس إلى منتصف مايو حوالي 16 مليار دولار.
أشارت "فيتش" إلى تحسن مستويات السيولة بالعملة الأجنبية لدى البنوك، مع انخفاض عجز صافي الأصول الأجنبية إلى 2.8 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، بفضل التدفقات المالية من "رأس الحكمة" والتحويلات وعودة تدفقات الأجانب إلى السوق المحلية.
ورجحت الوكالة أن يتحول مركز صافي الأصول الأجنبية لتحقيق فائض في نهاية النصف الأول من العام الحالي بعد استكمال الحصول على الدفعة الثانية من "رأس الحكمة" وتعافي التحويلات وإيرادات السياحة.
"غولدمان ساكس" عزا توقعاته بتحقيق فائض تمويلي في مصر إلى وجود مصادر تمويل خارجية أقوى قيد التنفيذ، بما في ذلك تدفقات صافية للمحافظ بقيمة تقريبية تصل إلى 15 مليار دولار منذ بداية مارس الماضي، مشيرا إلى أن حل مشكلة نقص العملة الأجنبية في مصر قد يؤدي في المدى المتوسط إلى اتساع عجز ميزان المعاملات الجارية، ولكن يعتقد أن هذا الأثر سيتلاشى نتيجة لتدفقات رأسمالية قوية إلى البلاد.
وتابع غولدمان ساكس، أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتوقعة لمصر قد تتجاوز 33 مليار دولار، ومن المرجح أن ترتفع بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا، بينما يستقر الاقتصاد الكلي في الخلفية وتزداد الاستثمارات في المشاريع الجديدة.
كما تعززت التدفقات الرسمية الداخلة إلى مصر بعد نهاية الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، موضحا أن كل هذا أدى إلى تحسن كبير في المركز الخارجي لمصر، فيما انخفض صافي الالتزامات الأجنبية في القطاع النقدي من الذروة عند 29 مليار دولار في يناير إلى 4 مليارات دولار بنهاية مارس الماضي، وقال إن احتياطات النقد الأجنبي زادت بقوة، متوقعاً أن تتجاوز 60 مليار دولار بنهاية 2027، مع زيادة أكبر في صافي الاحتياط في ظل تحويل ودائع دول مجلس التعاون الخليجي في البنك المركزي إلى حقوق ملكية في مشروعات جديدة.
ويعتقد "غولدمان ساكس"، أن المتطلبات الحكومية من الاقتراض المحلي ستنخفض بوتيرة قوية في الربع الثاني من العام الحالي، وقال إن وزارة المالية باعت أدوات دين محلية بقيمة 2.2 تريليون جنيه (46.080 مليار دولار) خلال الربع الأول من 2024، أصدر نصفها في مارس الماضي بعد خفض قيمة العملة.
وبالنسبة إلى الربع الثاني من 2024، رجح التقرير أن تنخفض متطلبات الاقتراض إلى نحو 900 مليار جنيه (19.148 مليار دولار) بسبب عوامل من بينها التمويل المسبق الذي قامت به الحكومة في الربع الأول من العام، والتدفقات الناتجة من عوائد صفقة "رأس الحكمة" وانخفاض العجز الحكومي إلى نحو 200 مليار دولار.
وأشار إلى أن تقديره ينطوي على حجم إصدارات شهري بواقع 300 مليار جنيه (6.382 مليار دولار) تقريباً ما يقل بكثير عن المتوسط الشهري للإصدارات في الربع الأول من العام البالغ 733 مليار جنيه (15.595 مليار دولار)، وبما يمثل نحو ثلث الإصدارات في مارس وحده، التي بلغت 915 مليار جنيه (19.468 مليار دولار)، مضيفاً أنه يعتقد أن ذلك يفسر انخفاض أحجام العطاءات منذ بداية الربع الثاني وكذلك انخفاض العوائد.
وعلى رغم البيانات الإيجابية، لكن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، خفض توقعاته لنمو الاقتصاد المصري في عام 2024 إلى 3.9 في المئة، بانخفاض 0.6 نقطة مئوية عن توقعاته المعلنة في سبتمبر من العام الماضي، بحسب ما ورد في تقرير المقرض الأوروبي لشهر مايو الجاري حول آفاق الاقتصاد الإقليمي.
وفق التقرير، رجح البنك الأوروبي نمواً قدره أربعة في المئة في أولى توقعاته للسنة المالية المقبلة، وركز في تقريره على نقص النقد الأجنبي و"عدم اليقين في شأن الإصلاح" باعتبارها عوامل مؤثرة على التوقعات الاقتصادية.
وأشار أيضاً إلى "ارتفاع أسعار الفائدة، واستمرار ارتفاع التضخم"، وكذلك "تصاعد التوترات الإقليمية التي من شأنها أن تعرض ثقة المستثمرين والسياحة والتجارة للخطر" بوصفها عوامل تضعف توقعات النمو.
مع ذلك، لا تزال توقعات البنك للسنة المالية الحالية أكثر تفاؤلاً من الجميع، إذ يرجح لها نمواً أعلى من توقعات البنك الدولي المحدثة في أبريل (نيسان) الماضي عند 2.8 في المئة، وأكثر تفاؤلاً من أحدث التوقعات الحكومية التي ترجح نمو الاقتصاد بنحو 2.9 في المئة، بينما يتفق مع صندوق النقد الدولي، إذ يتوقع كلاهما نمواً قدره ثلاثة في المئة خلال السنة المالية التي تنتهي في يونيو المقبل.
وعلى رغم كونه أكثر تفاؤلاً من الحكومة والمقرضين الدوليين الآخرين في شأن السنة المالية الحالية، جاءت توقعات البنك الأوروبي عند أربعة في المئة للعام المالي المقبل، التي تقل عن توقعات الحكومة والبنك الدولي البالغة 4.2 في المئة وكذلك توقعات صندوق النقد الدولي البالغة نحو 4.4 في المئة.