قال الدكتور على جمعة، مفتي الجهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه من التشبه بالحجاج أيضًا في الأضحية التوسعة على الفقراء والمساكين وإدخال السرور عليهم، كما قال -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) [الحج:27].
وأوضح «جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع « فيسبوك» أنه لذلك كان تقسيم الأضحية كما قال الإمام أحمد: نحن نذهب إلى حديث عبد الله: يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق بالثلث على المساكين.
وأشار عضو هيئة كبار العلماء إلى قول الإمام الشافعي: أحب ألا يتجاوز بالأكل والادخار الثلث، وأن يهدي الثلث، ويتصدق بالثلث، (تفسير ابن أبي حاتم)، ومن هنا قال- تعالى-: (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [الحج:37].
وبين المفتي السابق أنه في الآية دلالة صريحة على أن الأضحية لا تطلب لذاتها، ولكن للتوسعة على الفقير وابتغاء التقوى ومحبة الخير لكل الناس، لافتًا: « ويؤكد ذلك ما روي عن عائشة -رضي الله عنها-: «أنهم ذبحوا شاة فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال: بقي كلها غير كتفها»، (الترمذي).
وأضاف أنه من حكم مشروعية الأضحية تحقيق فضيلة التقوى، وذلك بالإذعان والطاعة والانقياد لأمر الله -تعالى -حيث قال: (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ) [الحج:37].
وواصل: تتحقق التقوى كذلك بحسن اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هديه وبيانه لشروط الأضحية التي تدور حول سلامتها من العيوب تقوى للمضحي ونفعا للفقير.
واستشهد بقوله - صلى الله عليه وسلم:- (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها, والعرجاء بين ظلعها, أي عرجها، والكسير التي لا تنقي, أي الهزيلة)، (سنن أبي داود) ذلك أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) [البقرة:267]، والإنفاق لا يكون إلا من أطيب ما يملكه الإنسان.
وأكد الدكتور على جمعة، في وقت سابق، أن الإسلام لم يشرع شيئًا إلا لحكمة بالغة وهدف نبيل، وما من عبادة أو شعيرة شرعت في الإسلام إلا وكان الهدف الأسمى منها هو التقرب إلى الله وزيادة درجة التقوى وتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع.
ونبه «جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أنه هكذا يجب أن تكون حياة المسلم كلها لله رب العالمين، قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163].
وأفاد عضو هيئة كبار العلماء أن من نفحات الله وفضله على عباده أن جعل لهم مواسم يتقربون إليه فيها بعبادات متنوعة؛ ليزدادوا قربا وعطاء وأنسا به -سبحانه-، ومن تلك الأوقات المخصوصة بمزيد رحمة وإحسان العشر الأوائل من ذي الحجة التي أقسم الله -تعالى- بها: (وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2].
وأبان المفتي السابق: وقال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء»، (صحيح البخاري)؛ لذا يستحب التقرب إلى الله في هذه الأيام المباركة بجميع الوسائل.
ونوه أن الأضحية من هذه الوسائل التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة، والمقصود بالأضحية شكر الله- تعالى- على نعمة الحياة إلى حلول الأيام الفاضلة من ذي الحجة وعلى التوفيق فيها للعمل الصالح.
ولفت أن الأضحية تشتمل على معان جليلة وحكم قيمة: منها: التشبه بالحجاج حين ينحرون هديهم في فريضة الحج، سواء على وجه الوجوب للمتمتع والقارن أو على الاستحباب للمفرد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا»، (سنن الترمذي).
وأردف أنه من التشبه بالحجاج أيضًا في الأضحية أنه يسن لمن أراد الأضحية عدم قص الأظافر وحلق الشعر إلا بعد ذبح أضحيته، كما هو شأن الحجاج، وهو تشبه بهم في كونهم شعثا غبرًا، فعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من أراد أن يضحي فلا يقلم أظفاره ولا يحلق شيئا من شعره في العشر الأول من ذي الحجة» (سنن الدارمي).