عاجل | خلافات جديدة تكشف صراع جيلين من تجار الذهب في مصر


الاحد 28 يناير 2024 | 08:25 مساءً
الذهب
الذهب
العقارية

شق الخلاف سوق الذهب في مصر، وصار التراشق باتهامات التلاعب والمضاربة عنواناً له، وبينما يدافع فريق تمثله شعبة الذهب بالغرف التجارية عن معقولية أسعار المعدن الأصفر التاريخية في الوقت الراهن، ويدفع في ذلك بآليات العرض والطلب، ووجود إقبال غير مسبوق على شراء السبائك والجنيهات الذهبية، أملاً في التحوط ضد التضخم المستشري، وحماية المدخرات وصونها، فإن الفريق الآخر يرى في تلك المبررات والدفوع "شماعة" لتبرير أسعار الذهب غير المبررة.

تبدو سوق الذهب في مصر اليوم أمام تحول جذري، منقسمة بين جيلين من التجار، يصر الجيل الأول على تقديم أسعار الذهب من دون مراعاة لأسس التسعير المتعارف عليها من العرض والطلب الغائب بقواعد بياناته الحديثة والمدققة، وسعر صرف الدولار غير المنضبط أساساً لوجود أكثر من سعر للعملة الأميركية في البلاد، فيما يرى الجيل الثاني من التجار، وهم من حديثي السن مقارنة بالجيل الأول، وأميل للتمرد على قواعد اللعبة الجامدة، أن أسعار الذهب في مصر مغالى فيها، وأن تسعير المعدن لا يراعي العرض والطلب، إذ لا توجد قاعدة بيانات تدلل على هذه الآلية بوضوح، وهو جيل مطلع على تقارير وتحليلات عالمية في شأن مسار الذهب مستقبلاً في ضوء قرارات أسعار الفائدة.

إيقاف تحديث أسعار الذهب

إثر تلك الخلافات، أعلنت بعض منصات بيع الذهب في مصر، وأبرزها "آي صاغة" و"جولد بيليون"، توقفها عن تسعير المعدن النفيس، تنأى بذلك عما ترى فيه غشاً للمستهلك وتسويقاً للوهم، وتشجيعاً على التلاعب، فيما تواصل شعبة الذهب بالغرف التجارية تقديم أسعار المعدن على موقعها الإلكتروني، تنفي بذلك أحاديث المضاربة على المعدن أو ممارسة التلاعب.

سجل متوسط سعر الذهب في مصر اليوم، 4285 جنيهاً (138.86 دولار) لغرام المعدن من عيار 24 الأكثر نقاءً، و3750 جنيهاً (121.53 دولار) لعيار 21 الأكثر مبيعاً، و3214 جنيهاً (104.16 دولار) لعيار 18، في حين سجل الغرام 14 سعر 2507 جنيهات (81.24 دولار)، ووصل سعر الجنيه الذهب (ثمانية غرامات من العيار 21) 30 ألف جنيه (972.21 دولار)، من دون مصنعية، في ضوء سعر أوقية (أونصة) عند مستوى 2024 دولاراً.

سعر الدولار في السوق السوداء

وتأتي أسعار الذهب في مصر على تلك الارتفاعات بدعم من نشاط السوق السوداء للعملة، إذ ارتفع الدولار إلى متوسط 67 جنيهاً، فيما يميل تجار الذهب إلى تسعيره بأعلى من قيمته جنيهين، فيما يسجل السعر رسمياً في البنوك التي لا تقوى على تدبير كل ما يلزم للمستوردين، مستوى 30.93 جنيه للدولار الواحد، وسط تقارير عن اتجاه البنك المركزي المصري، بالسماح للجنيه بالتراجع أمام العملة الأميركية إلى مستوى يراوح ما بين 40 و45 جنيهاً للدولار، تلبية لشروط صندوق النقد الدولي، الذي تمسك بوجود سعر صرف مرن، مما يعني تعويم الجنيه المصري.

تعاني البلاد موجة تضخمية بالغة الوطأة، وسجل معدل التضخم السنوي في ديسمبر الماضي، 35.2 في المئة، من 36.4 في المئة في نوفمبر 2023، في حين بلغ معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية 1.2 في المئة لشهر ديسمبر 2023 مقابل 0.9 لشهر نوفمبر الماضي، بحسب أحد بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

تسعير محكوم بالأهواء

ويبدو المحلل المصرفي وليد عادل أقرب إلى تبني قناعة بوجود تلاعب بتسعير الذهب في مصر، إذ يرى أن ما يسوق من قبل التجار في شأن نقص المعروض من الذهب، ووجود طلب مرتفع في المقابل أمر يجافي الصواب، بل يذهب إلى أن تسعير الذهب في مصر خاضع لأهواء كبار التجار، وأنه لا يوجد من يمنع سعر الذهب في بيئة كتلك من الوصول إلى 5 آلاف جنيه (162.04 دولار) للغرام الواحد.

يقول عادل إن نطاق تحرك أوقية الذهب عالمياً ما بين 1950 و2050 دولاراً، لكن المشكلة برأيه، في تسعير الدولار بالسوق السوداء، وهو ما استغله كبار تجار الذهب لتسعير الغرام بأثمان مبالغ بها، محذراً من أن أسعار الذهب الحالية غير حقيقية، والشراء من جانب المستهلكين مخاطرة عالية للغاية، بخاصة أن المعدن قد يفقد 1000 جنيه (32.41 دولار) دفعة واحدة في قادم الأيام.

أسعار مبررة

في المقابل، يبرر سكرتير عام شعبة الذهب أسامة الجلا، في بيان صحافي، أسعار الذهب المرتفعة حالياً، ويرى أنها أسعار منطقية في ضوء ما تشهده المنطقة من صراعات، إضافة إلى استمرار أزمة السيولة الدولارية، ويرى أن ثمة ضغوطاً في الطلب المتزايد على الذهب هذه الأيام، باعتباره ملاذاً آمناً وتحوطاً جيداً من موجات التضخم، وأن هذه العوامل مجتمعة وراء ارتفاع سعر الذهب في مصر، وهي المبررات ذاتها التي يتبناها رئيس الشعبة، هاني ميلاد.

لكن هذه المبررات لم تقنع القائمين على منصة "آي صاغة"، فتوقفوا عن تحديث أسعار المعدن الأصفر، فيما اتهم مديرها التنفيذي سعيد إمبابي أطرافاً في السوق بممارسة التلاعب، إذ يقول إن نشر البيانات الرسمية حول حجم العرض والطلب بالسوق المحلية وغياب الشفافية يمثلان باباً للتلاعب في أسعار الذهب، بخاصة من قبل بعض المتحكمين في خام المعدن في البلاد.

ويرى إمبابي أن غياب بيانات العرض والطلب على الذهب في مصر مشكلة رئيسة، معتبراً أن التسعير في غياب تلك البيانات غير دقيق، وأنه على رغم دخول الذهب من الخارج معفى من الجمارك، بمبادرة من مجلس الوزراء في مايو الماضي، بغرض تحقيق التوازن بين العرض والطلب بالسوق المحلية، لم تؤت ثمارها، ولم تمنع أسعار الذهب من مواصلة الارتفاع إلى مستويات غير مسبوقة لم تشهدها مصر من قبل.

وبينما يعتمد إمبابي ومن هم مثله من أبناء الجيل الشاب في سوق الذهب المصرية على التقارير العالمية في شأن النمو والتصنيع والتوظيف ومسار الفائدة والبطالة لاستشراف ما سيكون عليه المعدن مستقبلاً، إلا أن استحضار المنطق في تسعير الذهب سيظل على الأرجح مرهوناً بسعر مستقر للدولار، ووفرة لا تمنح السوق السوداء قبلة الحياة من جديد.