سيطرت هذا الأسبوع على الأسواق حالة من عدم اليقين المتزايدة بشأن آفاق النمو الاقتصادي، على الرغم من أنه وردت أخبار جيدة في بداية الأسبوع صباح يوم الاثنين تفيد بأن المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع FDIC ووزارة الخزانة ستسمحان لجميع المودعين في سيليكون فالي بالوصول إلى كامل أموالهم. ومع ذلك، ضربت أزمة ثقة أخرى القطاع المصرفي بعد انخفاض سعر سهم بنك كريدي سويس، ثاني أكبر مقرض في سويسرا، إلى مستوى قياسي منخفض ووصلت تكلفة تأمين سندات البنك ضد التخلف عن السداد إلى مستوى مرتفع للغاية. وقد أدى هذا بدوره إلى انقسام الأسواق حول توقعات قرار اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يوم الأربعاء المقبل، ما بين توقف مؤقت عن رفع أسعار الفائدة ورفع بمقدار 25 نقطة أساس. وفي ملاحظة مهمة أخرى، أظهرت بيانات يوم الأربعاء أن الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي زادت بنحو 300 مليار دولار الأسبوع الماضي، مسجلة أكبر ارتفاع منذ أزمة وباء كورونا. وأدى توسع الميزانية العمومية إلى عكس ما يقرب من نصف التشديد الكمي الذي بدأ في أبريل 2022. وفي أوروبا، أعلن البنك المركزي الأوروبي عن زيادة أخرى في سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وأشار إلى استعداده لتوفير السيولة للبنوك إذا لزم الأمر. وعلى صعيد السلع الأساسية، تراجعت أسعار النفط لتسجل أكبر خسارة أسبوعية لها منذ أغسطس 2022، حيث تتوقع الأسواق مزيدًا من التدهور في الظروف الاقتصادية العالمية. قفزت أسعار الذهب خلال الأسبوع، مستفيدة من الانخفاض في توقعات رفع أسعار الفائدة الأمريكية وتراجع معنويات المخاطرة مما دفع المستثمرين إلى أصول الملاذ الآمن. أخيرًا، وفيما يتعلق بالعملات المشفرة، سجلت عملة البيتكوين أكبر مكاسب أسبوعية لها منذ فبراير 2021 حيث استحسن بعض المستثمرون صلابة أسعار العملات المشفرة وسط الأزمة التي ضربت البنوك هذا الأسبوع.
تحركات الأسواق
سوق السندات:
حققت سندات الخزانة مكاسب كبيرة خلال تداولات هذا الأسبوع، حيث كانت المكاسب مدعومة بانهيار بنك "سيليكون فالي"، وبنكي "سيجنتشر"، و "سيلفر جيت" بالولايات المتحدة، مما عزز التكهنات حول توقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع معدلات الفائدة لفترة مؤقتة. علاوة على ذلك، كانت السندات مدعومة باستمرار الأسواق في تسعير اتجاه الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض وتيرة تشديد السياسة النقدية عقب ورود أنباء عن استبعاد "البنك الأهلي السعودي" - أكبر مساهمي بنك "كريدي سويس" – فكرة تقديم مساعدة مالية للبنك المتعثر خلال الأزمة الحالية. وانخفضت عوائد سندات الخزانة بشكل حاد على الرغم من ارتفاعها بشكل كبير خلال جلسة تداول الثلاثاء، وذلك مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي بشكل أكبر عما كان متوقعًا، ومع استمرار بعض مكونات التضخم في الارتفاع.
عملات الأسواق المتقدمة:
تراجع مؤشر الدولار بنسبة 0.83%، حيث أدى انخفاض توقعات الأسواق برفع معدلات الفائدة إلى تراجع الطلب على الدولار. وارتفع اليورو بشكل طفيف على مدار الأسبوع (+0.25%)، ليعوض غالبية الخسائر التي تكبدها منذ بداية العام وحتى تاريخه، حيث استفادت العملة من قرار البنك المركزي الأوروبي برفع معدل الفائدة بواقع ٥٠ نقطة أساس خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية يوم الخميس. وبالمثل، ارتفع الجنيه الإسترليني بنسبة 1.19%، وذلك بدعم كبير من صفقة استحواذ بنك "اتش إس بي سي" على فرع بنك "سيليكون فالي" بالمملكة المتحدة، وهو ما ساعد في تهدئة تخوفات الأسواق حيال انتقال عدوى إفلاس بنك "سيليكون فالي" إلى الأسواق الأخرى. وكان الين الياباني (+2.41%) هو أفضل العملات أداءً هذا الأسبوع مقارنةً بنظرائه من مجموعة العشر دول الكبار، حيث اندفع المستثمرون لشراء أصول الملاذ الآمن وسط ارتفاع حالة عدم اليقين التي خيمت على الأسواق خلال معظم تداولات هذا الأسبوع. علاوة على ذلك، انخفض الفرنك السويسري - والذي يعد من عملات الملاذ الآمن - خلال تداولات هذا الأسبوع، حيث تضررت العملة بشدة نتيجة تعثر بنك "كريدي سويس".
الذهب
ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 6.48%، مسجلة مكاسب للأسبوع الثالث على التوالي لتستقر عند 1,989.25 دولارًا. وترجع زيادة الأسعار إلى ارتفاع الأصول التي لا تدر عائد على خلفية تراجع توقعات رفع أسعار الفائدة الأمريكية، ولذلك تزايدت وتيرة اتجاه المستثمرين للاستثمار في الذهب والذي يعتبر ملاذًا أمنًا.
عملات الأسواق الناشئة
أنهت عملات الأسواق الناشئة تداولات الأسبوع على ارتفاع، حيث صعد مؤشر مورجان ستانلي لعملات الأسواق الناشئة MSCI EM بنسبة 0.55% على خلفية انخفاض الدولار نتيجة تسعير السوق لاتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو إبطاء وتيرة التشديد النقدي. وفي أسبوع التداول المتقلب، والذي سيطرت عليه تداعيات انهيار البنوك في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ارتفعت عملات الأسواق الناشئة في يومي الاثنين والجمعة بعد أن عرضت الهيئات التنظيمية الأمريكية والبنوك الأمريكية الكبرى تقديم الدعم. وقادت العملات الآسيوية المكاسب، حيث تصاعدت التوقعات بشأن قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية بوتيرة أقل مما كان متوقعًا.
تراجعت غالبية عملات الأسواق الناشئة التي يتتبعها مؤشر بلومبرج، حيث ارتفعت 9 عملات فقط من أصل 23 عملة خلال تداولات هذا الأسبوع.
كان البيزو التشيلي (-3.93%) أسوأ العملات أداءً هذا الأسبوع، حيث تراجعت أسعار النحاس، والتي تمثل الصادرات الرئيسية للبلاد وأهم مصادر الدخل للعملة الأجنبية، إلى جانب تزايد التوترات بشأن حدوث ركود. كما يشير انهيار بنك سيليكون فالي وعلامات التعثر في البنوك الأمريكية والأوروبية الأخرى إلى احتمالية حدوث ركود والتي ضغطت بدورها على أسعار السلع الأساسية للهبوط. وتبعه الفورينت المجري (-3.46%) كثاني أسوأ العملات أداءً، حيث انخفض بنسبة 3.30% خلال يوم الأربعاء، بعد أن أوصى بنك بي إن بي باريبا BNP Paribas SA ببيع العملات الأجنبية وحذر من أن البلاد قد لا تكون قادرة على فتح التمويل من الاتحاد الأوروبي على النحو المنشود. ومن ناحية أخرى، كان البات التايلاندي (+2.45%) والوون الكوري الجنوبي (+1.67%) أفضل العملات أداءً، حيث ازدادت التوقعات بشأن اقتراب دورة تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي من نهايتها، إذ أظهرت البيانات الاقتصادية في الصين تحسن معدل الاستهلاك في البلاد وبالتالي يمكن أن تنتعش أنشطة التجارة والسياحة مع الدول الآسيوية المجاورة لها.
أسواق الأسهم
تباين أداء أسواق الأسهم بالولايات المتحدة على مدار الأسبوع، حيث أدى ارتفاع أسهم القطاع المصرفي خلال منتصف الأسبوع إلى تراجع حالة القلق حيال انتقال عدوى أزمة انهيار بنك "سيليكون فالي" إلى الأسواق الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، انعكست هذه المكاسب بشكل كبير، حيث قام المستثمرون بتقييم أثر الاضطرابات التي يشهدها القطاع المصرفي بالولايات المتحدة وأوروبا على النظرة المستقبلية للنمو الاقتصادي.
وحقق مؤشر ستاندرد أند بورز S&P 500 مكاسب بنسبة 1.43%، ليعكس جزئياً الخسائر التي تكبدها الأسبوع الماضي، وجاء قطاعي الذهب (+14.25%)، والوسائط والخدمات التفاعلية (+11.34%) كأفضل القطاعات أداءً هذا الأسبوع. وتباين أداء القطاعات الأمريكية بشكل كبير، حيث تفوق أداء مؤشرات التكنولوجيا على خلفية تصاعد احتمالية بدء الاحتياطي الفيدرالي في تيسير السياسة النقدية. وارتفع كل من مؤشر ناسداك المركب Nasdaq Composite، ومؤشر Fang+ بنسبة (4.41%)، و(9.08%) على التوالي. وفي الوقت نفسه، شهد مؤشر راسل لأسهم الشركات ذات رأس المال الصغير Russell 2000 تراجعًا بنسبة (2.64%)، بينما تراجع مؤشر داو جونز الصناعي لأسهم الشركات الكبرى Dow Jones Index بنسبة (0.15%). وارتفعت تقلبات الأسواق وفقًا لمؤشر VIX لقياس تقلبات الأسواق بنسبة 0.71 نقطة، ليستقر بذلك عند 25.51 نقطة، أي أعلى من متوسطه خلال العام الماضي البالغ 20.63 نقطة منذ بداية العام وحتى تاريخه.
وتراجعت الأسهم الأوروبية، حيث استمرت الأسواق في أوروبا في محاولاتها لتدارك الآثار الناجمة عن انهيار بنك "سيليكون فالي"، كما دفعت الاضطرابات التي شهدتها مجموعة "كريدي سويس" المستثمرين إلى اللجوء إلى أصول الملاذ الآمن. وتراجع مؤشر Stoxx 600 بنسبة 3.85%، ليسجل بذلك أكبر خسارة أسبوعية له منذ سبتمبر، كما تكبدت مؤشرات المنطقة خسائر، حيث هبطت مؤشرات كل من DAX الألماني بنسبة (4.28%)، وCAC 40 الفرنسي بنسبة (-4.09%)، وFTSE 250 البريطاني بنسبة (-4.58%)، وFTSE MIB الإيطالي بنسبة (-6.55%)، ومؤشر السوق السويسري بنسبة (-1.41%).
أسهم الأسواق الناشئة
وبالانتقال إلى أسهم الأسواق الناشئة، تراجعت الأسهم ولكن بنسب أقل مقارنةً بالأسابيع الماضية، حيث قام المستثمرون بتقييم التطورات الطارئة على قطاع البنوك بالولايات المتحدة وأثرها على التعافي الاقتصادي وتيسير السياسات النقدية بالصين. وتراجع مؤشر مورجان ستانلي لأسهم الأسواق الناشئة MSCI EM بنسبة 0.39%، وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاثة أشهر، حيث تكبد المؤشر معظم الخسائر خلال جلسة تداول يوم الثلاثاء بعدما تراجع بنسبة 1.70%، وذلك في ظل الارتفاع المفاجئ لمؤشر أسعار المستهلك الأساسي بالولايات المتحدة، مما دفع المستثمرين إلى زيادة تسعير قيام الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية. وبخلاف ذلك، حقق المؤشر مكاسب خلال باقي جلسات التداول، حيث ارتفع خلال جلستي الإثنين والجمعة. وجاء صعود المؤشر يوم الإثنين بعدما تعهدت السلطات المعنية في الولايات المتحدة بحماية ودائع العملاء بعد انهيار بنك "سيليكون فالي"، كما تمكن المؤشر من الصعود خلال تعاملات يوم الجمعة نتيجة تعهد مجموعة من المؤسسات المصرفية لمنح الدعم عن طريق ودائع لبنك First Republic بهدف تحقيق الاستقرار. علاوة على ذلك تلقي المؤشر دعماً إضافياً نتيجة التراجع الحاد بتسعير المتداولين لرفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، ونتيجة ورود بيانات إيجابية من الصين بشكل عام.
وفي الصين، حققت معظم مؤشرات الأسهم الصينية مكاسب، حيث أشارت البيانات الاقتصادية إلى بدء تعافي قطاعات التصنيع، والعقارات، والتجزئة. علاوة على ذلك، قام بنك الشعب الصيني باتخاذ عدة اجراءات متعلقة بالسيولة، حيث خفض متطلبات السيولة للبنوك العاملة لدعم الإقراض. وفي هونج كونج، حقق كل من مؤشر هانج سنج Hang Seng، ومؤشر شنغهاي المركب ٍShanghai Composite Index، مكاسب بنسبة 1.03%، و0.63% على التوالي. وعلى غرار مؤشرات الأسهم العالمية الأخرى، حققت الأسهم الصينية مكاسب، وذلك مع قيام المتداولين بتخفيض توقعات قيام الاحتياطي الفيدرالي بزيادة تشديد السياسة النقدية، ومع تكاتف البنوك والسلطات المعنية بالولايات المتحدة لتقديم الدعم اللازم للبنوك الأمريكية المتعثرة. والأهم من ذلك، ارتفعت الأسهم الصينية، حيث أشارت مجموعة كبيرة من البيانات الاقتصادية الصادرة يوم الثلاثاء، بما في ذلك بيانات الإنتاج الصناعي، ومبيعات التجزئة، ومبيعات العقارات السكنية، أن الاقتصاد يسير على الطريق الصحيح نحو التعافي. بالإضافة الى هذا، وعلى الرغم من أن بنك الشعب الصيني أبقى على سعر فائدة الإقراض متوسط الأجل لمدة عام كما هي دون تغيير، إلا أن البنك المركزي قام بضخ أحجام من السيولة هي الأعلى منذ ديسمبر بشكل غير متوقع، كما خفض نسبة متطلبات الاحتياطي الإلزامي لجميع البنوك لتحفيز الاقتصاد.
البترول:
تراجعت أسعار البترول بنسبة 11.85% خلال هذا الأسبوع، مسجلة أكبر خسارة أسبوعية لها منذ شهر أغسطس 2022 وهو أدنى مستوي لها في أكثر من عام. وانخفضت الأسعار في كل جلسة من جلسات الأسبوع، باستثناء يوم الخميس، لتستقر عند 72.97 دولارًا للبرميل. وترجع الخسائر إلى اقتناع السوق بمدى تأثير دورة تشديد السياسة النقدية والتي وصلت إلى ذروتها بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت الأسعار أيضًا بتصاعد المخاوف بشأن انهيار القطاع المصرفي حيث قادت هذه الأحداث الى تحذير الأسواق من أن تباطؤ الاقتصاد العالمي قد يكون أسوأ مما كان متوقعًا.