سجل الدولار الأمريكي صعودا بنسبة 11%، منذ بداية العام الجاري، ليصل، للمرة الأولى في عقدين، إلى مستوى التعادل مع اليورو، ما يشكل تأثيرا سلبيا على اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، خصوصا مع انخفاض أسعار عدد هائل من العملات مقابل العملة الأمريكية، وفقا لتقرير حديث للبنك الدولي.
وأوضح التقرير، في النشرة الأسبوعية للبنك، أن السبب الرئيسي لارتفاع قيمة الدولار هو قوة الطلب على العملة الخضراء، إذ تشير تقارير الآفاق الاقتصادية لمعظم البلدان إلى اتجاهها نحو تراجع شديد للنمو، وفى الوقت نفسه، خلقت الحرب فى أوكرانيا مخاطر جيوسياسية وتقلبات فى الأسواق.
وأظهر التقرير أنه بالإضافة إلى تلك العوامل، فقد دفع التضخم، الذي بلغ مستويات تاريخية، مجلس الاحتياطي الاتحادي إلى إجراء زيادات كبيرة لأسعار الفائدة، مضيفا أن هذه العوامل تدفع ضمن مجموعة أشياء أخرى إلى الجنوح نحو الاستثمارات الآمنة، إذ يتخارج المستثمرون من مراكزهم الاستثمارية في أوروبا والأسواق الصاعدة وأماكن أخرى، ويبحثون عن ملاذ آمن في أدوات استثمارية مقومة بالدولار الأمريكي، «وهو ما يتطلب قطعا شراء دولارات».
كيف يأثر نمو الدولار على اقتصادات الدول
كشف تقرير البنك الدولي أن هذه ظاهرة ليست جديدة، فقد تسبَب غزو أوكرانيا فى ارتفاعٍ أولى لقيمة الدولار الأمريكى مقابل عملات بلدان الأسواق الصاعدة، وكان أكبر من الزيادات فى سعر الدولار الناجمة عن الاضطرابات التى صاحبت إعلان خطط التراجع عن التوسع النقدى فى الولايات المتحدة عام 2013، والأحداث السابقة المرتبطة بالصراع فى بلدان مصدرة للنفط.
وتوجد توقعات بأن تشهد مزيدا من الإجهاد فى مجال الديون السيادية الذى يمر بالفعل بوضع متأزم، فبلدان كثيرة، لا سيما أشد البلدان فقرا، عاجزة عن الاقتراض بعملتها بالقدر أو آجال الاستحقاق التى تريدها، والمقرضون عازفون عن تحمُل الخطر الذى ينطوى عليه سداد قروضهم بالعملات المتقلبة لهؤلاء المقترضين.
وتلجأ هذه البلدان فى العادة إلى الاقتراض بالدولار، متعهدة بسداد ديونها بالدولار، مهما كان سعر الصرف. وهكذا مع ارتفاع قيمة الدولار بالنسبة للعملات الأخرى، تزداد كثيرا تكلفة دفع أقساط الديون بالعملة المحلية، «وهذا ما نُسميه فى مصطلحات الديْن العام الخطيئة الأولى».
وجاء بصحيفة فاينانشال تايمز، نقلا عن بيانات لمعهد التمويل الدولي، في الآونة الأخيرة، أن «المستثمرين الأجانب سحبوا أموالا من الأسواق الصاعدة لمدة 5 أشهر متتالية فى أطول موجة سحب للاستثمارات على الإطلاق»، وهذه استثمارات حيوية تتخارج من الأسواق الصاعدة بحثا عن ملاذ آمن.
وتنعكس قوة الدولار فى الأمد القصير سلبا على التجارة، فالعملة الخضراء تهيمن على المعاملات الدولية، وتستخدمه الشركات العاملة فى اقتصادات لا تتعامل بالدولار فى التسعير وتسوية معاملاتها، ما يعنى زيادة معدلات التضخم فى دول كثيرة، إضافة إلى أن ارتفاع تكلفة الواردات (بالعملة المحلية)، يضطر الشركات إلى تقليص استثماراتها أو زيادة الإنفاق على الواردات الحيوية.