خرجت تدفقات استثمارية، أكبر مما كانت عليه في أزمات سابقة، من أكبر أسواق الأسهم والسندات في آسيا، باستثناء الصين، خلال الربع الماضي، مع توقعات بأن تستمر حالات التخارج هذه.
وشهدت الصناديق العالمية بيع أسهما بصافي قيمة 40 مليار دولار في 7 أسواق إقليمية خلال الربع الماضي، متجاوزة بذلك أي فترة ثلاثة أشهُر هيمنت عليها ضغوط نظامية منذ عام 2007.
يذكر أن أكبر عمليات البيع في تايوان وكوريا الجنوبية اللتين تتمتعان بتكنولوجيا فائقة، فضلاً عن الهند المستوردة للطاقة، فيما تكبّدت السندات الإندونيسية تدفقات تخارج ضخمة من قِبل المستثمرين الأجانب.
وينسحب مديرو الأموال من الأسواق عالية المخاطر، إذ يؤدي التضخم المتفشي ورفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة بقوة إلى إضعاف توقعات النمو العالمي. وتوفر المخاوف من الركود الأميركي، واضطرابات سلسلة التوريد في أوروبا والصين في اقتصاد عالمي لا يزال يتعافى من إغلاقات "كوفيد-19"، مبررات إضافية للبيع.
وصرح بروكسا إيامثونغثونغ، كبير مديري الاستثمار في الأسهم الآسيوية بشركة "أبردن" (abrdn) في سنغافورة: "نتوقع أن يواصل المستثمرون توخي الحذر تجاه الاقتصادات الموجّهة إلى التصدير والأسواق ذات التقييم المرتفع في ظل الاحداث الحالية. كما نرجح استمرار عدم وضوح الرؤية تجاه قطاع التكنولوجيا على مستوى العالم في ظل تصاعد مخاطر الركود".
بينما تشكّل القيمة الإجمالية للتدفقات الخارجة من الأسهم لهذا الربع إجمالي التدفقات من كلٍ من الهند وإندونيسيا وكوريا وماليزيا والفلبين وتايوان وتايلندا. بعد ذلك، جرت مقارنة مجموع الأشهُر الثلاثة الماضية بثلاث أزمات سابقة، وهي: الأزمة المالية العالمية لعام 2008، ونوبة الاضطراب الحادة في عام 2013، وذروة دورة رفع الفائدة الأخيرة من قِبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في عام 2018.
وسحب الأجانب أسهماً صافية من تايوان تقدر بـ17 مليار دولار، متجاوزين بسهولة التدفقات الخارجة التي سُجّلت في أي من الفترات الثلاث السابقة. وشهدت الأسهم الهندية مبيعات بقيمة 15 مليار دولار، و9.6 مليار دولار في كوريا، متجاوزة أيضاً الفترات السابقة.
ويعد نهج التشديد الصارم من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يدفع العائدات بالولايات المتحدة، من المتوقع أن يستمر في إبعاد الأموال عن المنطقة، وتتوقع عقود المقايضات أن يرفع البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة بـ150 نقطة أساس أخرى هذا العام.
وقال مارك ماثيوز، رئيس الأبحاث لآسيا والمحيط الهادي في "بنك جوليوس باير" (Bank Julius Baer) في سنغافورة: "السبب في إقدام المستثمرين الأجانب على بيع الأسهم في تلك الأسواق لا يتعلق بحدوث خطأ ما فيها، بل يرجع ذلك إلى تشديد الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى سياستها النقدية".
وأوردت البيانات ملاحظة رئيسية وهي بيع أسهم التكنولوجيا، التي تمثل أكثر من نصف مؤشر الأسهم التايوانية ونحو ثلث الكوري. وتراجعت أسهم التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم هذا العام بسبب القلق من تباطؤ النمو العالمي وتقييماتها المرتفعة، بعد المكاسب التي حققتها خلال جائحة كورونا.
وقال كالفن تشانغ، مدير صندوق بشركة "فيدريتد هيرمس" (Federated Hermes) في بيبر بايك، بأوهايو، إنّ ضعف الين يضرّ أيضاً بالاقتصاد والأسهم في تايوان وكوريا نظراً إلى أن البلدين لديهما منتجات تصدير مماثلة لليابان. وأضاف أن هذا يؤدي إلى الخوف من أن تفقد حصتهما السوقية.
وتعرضت الأسهم الهندية لضغوط في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من ارتفاع أسعار النفط، في حين سارع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة من أجل محاولة كبح التضخم.
وكتب مانيشي رايشودري، رئيس أبحاث الأسهم في آسيا والمحيط الهادي في بنك "بي إن بي باريبا" (BNP Paribas) في هونغ كونغ بمذكرة بحثية الأسبوع الماضي: "الصفعة المزدوجة التي تلقّتها آسيا هي تشديد السيولة بسرعة في الأسواق المتقدمة وأسعار الوقود المرتفعة، ويمكن أن تواصلا التأثير في العملات الآسيوية وتقلص التدفقات إلى الأسواق المالية الآسيوية في الوقت الحالي".
لكن هناك نقاط مضيئة، فقد شهدت إندونيسيا وتايلندا تدفقات إلى أسواق الأسهم في الربع الماضي، فيما كانت التدفقات الخارجة في دولتين أخريين مجاورتين، وهما ماليزيا والفلبين، محدودة نسبياً.
ويرجع جزء من ذلك إلى النهج الأقل تشدداً للبنوك المركزية في جنوب شرق آسيا، التي تسعى إلى إبطاء الزيادات في تكاليف الاقتراض لأنها تغذي التعافي الهش بعد "كوفيد".
وكانت أسواق السندات أكثر تبايناً، إذ شهدت إندونيسيا تدفقات خارجة بنحو 3.1 مليار دولار، في حين تدفقت الأموال إلى كلٍ من كوريا وتايلندا، وفقدت الديون الإندونيسية أفضليتها، إذ بيعت سنداتها مرتفعة المخاطر بشكل أكبر من نظيراتها الإقليمية وسط مخاوف من حدوث ركود عالمي.
وقال دنكان تان، محلل أسعار الفائدة في "دي بي إس غروب هولدنغز" (DBS Group Holdings) في سنغافورة، إنّ التدفقات المعتدلة الخارجة من سندات آسيا الناشئة "قد تستمر خلال النصف الثاني، تزامناً مع ضيق فوارق سياسات الفائدة بين آسيا والولايات المتحدة، والتوقعات الضعيفة للنمو في آسيا".
وتُعَدّ النظرة المستقبلية لسندات الشركات الدولارية في المنطقة تحدياً أيضاً، نظراً إلى أن الهوامش المعروضة على سندات الخزانة أصبحت أقل جاذبية مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة. وانخفضت علاوات العائد على السندات الآسيوية ذات التصنيف الاستثماري إلى ما دون الديون الأميركية في أواخر يونيو الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من عامين.
وقالت جويس ليانغ، رئيسة أبحاث الائتمان في آسيا والمحيط الهادي في "بنك أوف أميركا سيكيوريتيز" (BofA Securities) في هونغ كونغ: "تناقص القيمة النسبية مقابل الولايات المتحدة سيبطئ تدفقات الأموال الواردة من الأسواق المتقدمة، أو حتى يؤدي إلى تدفقات خارجة. فالمخاطر هي الجانب السلبي لفروق الأسعار".