طيلة الأشهر القليلة الماضية، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لم يهدأ السياسيون والمحللون العسكريون والخبراء الاستراتيجيين من مسؤولي الدول بالقارة العجوز "أوروبا"، بالبحث عن بدائل أخرى ومصادر متنوعة تمدهم بالغاز الطبيعي "شريان الحياة لهم"، الذي اعتادوا طيلة أعمارهم استيراده من الدولة الروسية إحدى الدول الكبرى المصدرة للغاز في العالم، والتي تحولت خلال الفترة الحالية إلى عدو، عقب اندلاع الحرب بينها وبين الدولة الأوكرانية الصديقة الأقرب للأوروبيين.
الغاز الروسي يهدد الاقتصاد الأوروبي
في كلمة متلفزة، منتصف فبراير من العام الجاري 2022، وجَّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أوامره العاجلة إلى وحدات الجيش في بلاده بشن الهجوم على العاصمة الأوكرانية، مطالبا عقب إعلانه الحرب، الجنود الأوكرانيين بالتخلي عن أسلحتهم، لعدم رغبته في احتلال الأراضي الأوكرانية.
الحرب الروسية الأوركرانية
الحرب التي اندلعت قبل 4 أشهر مضت ولم تنتهي حتى الآن، لم يكن تأثيرها السلبي على الدولة الأوكرانية فقط، بل امتد أثرها ووزعت خسائرها على عدد من الدول الأوروبية التي أصبحت في ما بين يوم وآخر تحت قبضة الغاز الروسي التي كان سببا في تدفئة أجسادهم أعواما طويلة، ليبدأ مسؤولي الدول برحلة بحث طويلة للبحث عن أي المصادر الأخرى التى تمدهم بالغاز والخروج من قبضة الرئيس الروسي التي لوح مهددا الدول الأوروبية بقطع الغاز عنهم في حالة اتخاذ خطوات تعادي دولته.
الحرب الروسية
وتعد روسيا، أحد أكبر منتجي الغاز في العالم، لذا تجد القارة العجوز موقفها ضعيفاً بالنظر إلى اعتمادها على روسيا في تزويدها بالغاز، وما يمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سلاحاً يهدد به السياسات في الغرب"، بحسب ما قاله رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
هذه التهديدات دفعت العديد من الدول الأوروبية أو القريبة منها والتي كانت تعتمد على الغاز الروسي، البحث عن البدائل بأسرع وقت منها رومانيا التي بدأت ساعات الصباح الأولى، استغلال احتياطياتها الهائلة من الغاز والكامنة في أعماق البحر الأسود، عبر تدشين أولى عمليات الاستخراج، حيث يعد استخراج الغاز "لحظة تاريخية" بالنسبة لرومانيا إحدى الدول التي لحقها تأثير الحرب بعدما شعرت بالتهديد جراء الحرب الروسية الأوكرانية، لتسعى مباشرة إلى إنهاء هذا التهديد وإلغاء اعتمادها على الغاز الروسي.
بدائل الغاز الروسي
ويضم القطاع الروماني من الجرف القاري احتياطيات كبيرة يمكن استخراج 170 مليار متر مكعب منها بحلول عام 2040، وفق تقديرات وضعتها شركة "ديلويت" للتدقيق عام 2018، وأعلنت شركة "البحر الأسود للنفط والغاز" بدء استخراج الغاز في مياه رومانيا بالبحر الأسود، في سابقة تاريخية، وذلك بعد اعتماد البرلمان الروماني مشروع قانون يمهد الطريق لاستغلال الاحتياطيات في المنطقة.
الحرب الروسية
وقال الرئيس التنفيذي للشركة مارك بيكوم في بيان "لقد قطعنا رحلة طويلة وطموحة قبل أن نصل إلى هذه اللحظة الحاسمة" بالنسبة لرومانيا، معتبرا أن بدء استغلال الاحتياطيات البحرية يكتسب أهمية أكبر لأن الحرب الروسية الأوكرانية "هددت تنفيذ العمليات في البحر الأسود".
وتخطط الشركة المملوكة لمجموعة "كارليل إنترناشيونال إنرجي بارتنرز" الأمريكية والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير لاستخراج 500 مليون متر مكعب من الغاز هذا العام، بينما تخطط لاستخراج مليار متر مكعب سنويًا اعتبارًا من عام 2023 أي "10% من احتياجات رومانيا من الغاز".
وتمتلك شركة "البحر الأسود للنفط والغاز" امتيازين في البحر الأسود على بعد حوالي 120 كم من سواحل رومانيا، حيث يمكن للغاز البحري أن يدر 26 مليار دولار من الإيرادات الحكومية على مدى 23 عامًا من فترة التشغيل المخطط لها، وفق الدراسة نفسها.
ويأتي استخراج الغاز في توقيت حاسم بالنسبة لرومانيا خاصة في ظل مضي شركة "جازبروم" في قطع إمدادات الغاز عن الجهات التي لم تلتزم بقرار تسديد المدفوعات بالروبل.
وجاءت الخطوة الروسية ردا على اتفاق من قبل الزعماء الأوروبيين على قطع واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الروسي بنسبة 90%، بحلول نهاية العام.