عواقب وخيمة.. إيكونوميست: لا مفر للاقتصاد الأمريكي من الكساد


الخميس 09 يونية 2022 | 01:34 صباحاً
علم الولايات المتحدة الأمريكية
علم الولايات المتحدة الأمريكية
وكالات

كشفت صحيفة "الإيكونوميست" خلال تقرير نشرته عن تهديد خطير ستعيشه الولايات المتحدة في غضون عامين، موضحة أنه "قبل وقت غير طويل بدا وكأن فترات الركود قد تضرب الولايات المتحدة مرة على الأقل في كل عقد، لكن بعد عامين فقط من انتهاء فترات الإغلاق التي فرضت بسبب الحظر الصحي للحد من تفشي كورونا، تدور عجلات الاقتصاد "بنحو مثير للغثيان" ويبدو أن البلاد في طريقها بالفعل إلى فترة صعبة جديدة قريبا".

وقالت الصحيفة: "إذا كنت مثل معظم الناس، فسوف يهيمن على ذكرياتك الانكماش الاقتصادي خلال العامين الماضيين، والأزمة المالية بين عامي 2007 و2009 والانهيار الناجم عن الوباء في عام 2020، وكلاهما كان حادا وغير عادي لدرجة كبيرة".

وتابعت الصحيفة قائلة: "لدى القياس بالوضع في هاتين الحالتين، يبدو أن فترة الكساد الأمريكية القادمة قد تكون "خفيفة" و"طفيفة"، لكن إيكونوميست رجحت أن "الهشاشة" التي يعيشها الاقتصاد العالمي وأسواق الأصول والسياسة الأمريكية قد يترتب عليها "عواقب وخيمة وغير متوقعة"، مؤكدة في تقريرها أنه لا مفر لاقتصاد الولايات المتحدة مما هو قادم.

وذكرت أنه أسعار المواد الغذائية والوقود ارتفعت في الولايات المتحدة، ففي أبريل الماضي زادت أسعار المنتجات الاستهلاكية بحوالي 8.3 في المئة مقارنة بالعام السابق، بينما قفز التضخم السنوي إلى 6.2 في المئة، موضحة في السياق أن مشاكل سلسلة التوريد يمكن أن تندلع ما دامت الأزمة في أوكرانيا مستمرة فيما تتمسك الصين بسياسة صفر إصابة بفيروس كورونا.

وبينت الصحيفة أنه وفي نفس الوقت تتوفر فرص عمل بمعدل وظيفتين لكل شخص عاطل عن العمل، وهو أعلى مستوى منذ الخمسينيات، وفقا لبيانات شهر مارس 2022، كما وصلت الزيادة في الرواتب حوالي 5.5 في المئة، وهي أعلى نسبة على الإطلاق، وفقا لإحصائيات بنك "غولدمان ساكس"، وهو معدل لا تستطيع الشركات تحمله ما لم تستمر في رفع الأسعار بسرعة.

ويأمل الاحتياطي الفيدرالي أو البنك المركزي الأمريكي، من تخفيف الوضع بعدما يرفع معدلات الفائدة بـ 2.5 في المئة بنهاية عام 2022، في خطوة يرجى منها الوصول إلى نسبة تضخم 2 في المئة، دون التسبب بانهيار حاد في الاقتصاد.

وأفادت الصحيفة بأن الأدلة التاريخية تشير إلى أن إحداث تغييرات من أجل خفض التضخم يؤدي إلى "تقلّص" الاقتصاد وفقا للتقرير الذي أكد أنه منذ عام 1955 ارتفعت أسعار الفائدة بنفس الشكل الذي شهده هذا العام، أي خلال سبع دورات اقتصادية، وفي ست منها أتى الكساد الاقتصادي بعد حوالي عام ونصف من رفعها، ونوهت إلى أن الاستثناء الوحيد من الأمثلة السابقة كان في أواسط التسعينيات، عندما كان معدل التضخم مرتفعا وسوق العمل متزنا.

وفي الأول من يونيو، حذر جيمي ديمون رئيس "بنك جي بي مورغان تشيس"، أكبر بنك في أمريكا، من اقتراب "الإعصار" الاقتصادي.

يشير التقرير إلى أنه مع اقتراب قدوم الكساد المقبل إلا أنه قد يكون "ضحلا نسبيا"، وأوضح أن أزمة عامي 2007 و2009، جمدت النظام المالي وفي عام 2020، توقفت نشاطات القطاع المالي كليا، وفي كلتا الحالتين شهد الناتج المحلي الإجمالي أكبر انخفاض منذ الحرب العالمية الثانية، لكن هذه المرة قد تكون مختلفة، على حد تعبير التقرير، ففي بعض النواحي تبدو أمريكا "صامدة"، إذ يضخ المستهلكون أموالهم التي أتوا بها من الحزم الاقتصادية خلال فترة الجائحة، كما تمتعت الشركات بعوائد أرباح بارزة، ورغم أن أسعار العقارات تشهد ارتفاعا إلا أنها لا تهدد بسقوط بنوك البلاد، كما حدث في أوائل الألفية.

كما أن الاحتياطي الفيدرالي لا يواجه معضلة الثمانينيات، التي واصل فيها التضخم الثبات على نسبة 5 في المئة لحوالي ست سنوات ونصف، واضطر إلى رفع معدلات الفائدة بقرابة 20 في المئة، مما تسبب ببلوغ البطالة 11 في المئة، أما التضخم اليوم فقد ارتفع بنسبة ضئيلة فوق الهدف المحدد له لهذا العام، وبالتالي سيسهل "تطهيره"، وفقا للصحيفة.

وترى الصحيفة أن المشكلة تكمن في أن الكساد، حتى لو كان معتدلا، سيفضح الهشاشة الصارخة، من أبرزها أسعار السلع في معظم أجزاء العالم، وكنتيجة للحرب الروسية على أوكرانيا، تواجه دول الشرق الأوسط وآسيا نقصا حادا في الغذاء وارتفاعا في فواتير الطاقة، حيث يواجه الاتحاد الأوروبي ضربة قوية في قطاع الطاقة مع تقليل اعتماده على النفط الروسي، كما تنهار دخول الأفراد حول العالم.

وقد يؤدي الركود الأمريكي إلى توجيه ضربة أخرى للأجزاء الضعيفة من الاقتصاد العالمي من خلال كبح الطلب على صادراتها، كما أن السياسة النقدية الأكثر تشددا في الاحتياطي الفيدرالي والقوة الناتجة للدولار ستؤدي أيضا إلى مضاعفة ما كان بالفعل أكبر عملية بيع لسندات الأسواق الناشئة منذ عام 1994، ويقول صندوق النقد الدولي إن حوالي 60٪ من البلدان الفقيرة تعاني من ضائقة ديون، أو في خطر كبير من ذلك.

وهناك نقطة ضعف أخرى تتمثل بالأسواق الأمريكية، حيث سجلت "وول ستريت" انخفاضا بنسبة 15 في المئة منذ بداية عام 2022 إلى الآن، وبشكل يمكن مقارنته بانخفاض عام 1991 وسط الكساد الطفيف في ذلك العام.

والنظام المالي المعتمد على الاقتراض، الذي زاد تأثيره منذ أزمة عامي 2007 و2009، لم يخضع لتجربة مدققة وفقا للتقرير، إذ يتضمن صناديق تمويلية تعمل بمثابة بنوك، ووفقا لـ "ذي إيكونوميست" إن طرأ خطب ما فإنه سيكون من الصعب على الاحتياطي الفيدرالي إخراج "وول ستريت" من أزمتها مجددا، لأنه وفي الوقت ذاته سيطلب من الجميع التقيد بأسعار الفائدة المرتفعة وخسارة الوظائف.

كما أن التوتر الحزبي الذي يسود السياسة الأمريكية يعد نقطة "هشة" أخرى، إذ رجحت الصحيفة أن يضرب الكساد في نهاية عام 2024، تزامنا مع الانتخابات الرئاسية، وإن واصل الاقتصاد تقلصه "فإن السباق إلى البيت الأبيض في عام 2024 سيكون أكثر شراسة مما كان متوقعا.

ويرى التقرير أن السياسة قد تغير من استجابة الإدارة للكساد، وممن الممكن أن يتم اقتياد الاحتياطي الفيدرالي إلى "المعركة السياسية"، وقد يتوقع المصوتون أن تدعم الولايات اقتصاديا، لكن الجمهوريين، الذين رجحت الصحيفة فوزهم في الانتخابات النصفية بشهر نوفمبر، لن يبادروا على الأغلب، في دفع الأموال لإنقاذ الرئيس الديمقراطي، جو بايدن.

وذكر التقرير أنه إذا انكمش الاقتصاد الأمريكي في العام أو العامين المقبلين، فيمكنه حتى تغيير اتجاه البلاد على المدى الطويل، مشيرا إلى أن أفضل استجابة للانكماش الاقتصادي الذي ظل فيه التضخم مرتفعا هي الإصلاحات الداعمة للنمو، مثل خفض التعريفات وزيادة المنافسة.

ويضيف: "بدلاً من ذلك، قد يؤدي الركود إلى تغذية الشعبوية والحمائية وحتى إعادة دونالد ترامب إلى الرئاسة، جدير بالذكر أنه تزامنت ثلاث من فترات الركود الأربع الماضية مع انتخابات رئاسية أو سبقتها بوقت قصير، وفي كل مرة يفقد الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض لسلطة.