حينما نتحدث عن الشخصيات العالمية الأقوى والأكبر تأثيراً،
لابد من أن تمر في مخيلتنا مجموعة من صور الأعلام التي لطالما ارتبط اسمها
بالاعمال البطولية والمآثر الاستثنائية، وفي الوقت الذي يكتظ فيه العالم بالشخصيات
الرجولية، تظهر من بين صفوفهم امرأة خلقت ليطلق عليها اسم “المراة الحديدية” ..
إنها أنغيلا ميركل .. المستشارة الألمانية التي منحتها مجلة “تايم” الأمريكية لقب شخصية العام 2015.
ولدت أنغيلا ميركل عام 1954 وعاشت أول خمسة وثلاثين عاماً من
عمرها كشخص بالغ، فترعرعت في برلين الشرقية، ودخلت العالم السياسي في وقت كان ينظر
فيه إلى الشرقيين باعتبارهم أشبه بالكائنات الفضائية، وهو الأمر الذي أسهم بشكل
كبير في حياكة صرامتها الفكرية وصقل شخصيتها القيادية، وهاهي تتصدر لائحة المجلة
الأمريكية “تايم” كشخصية عام 2015، حيث أكملت في هذا العام سنواتها العشر كمستشارة
لألمانيا الموحدة وقائد فعلي للاتحاد الأوروبي.
وقد نوهت المجلة الأمريكية إلى ما أبدته المستشارة الألمانية
ميركل من مرونة في الحكم، وقدرة على التعاطي الإيجابي مع أزمة اللاجئين، بالإضافة إلى
دورها الريادي في تسوية الاضطراب الحاصل في الاتحاد الأوروبي بشأن العملة الموحدة،
وذلك علاوة على وقوفها الحازم ضد الاستبداد وتقديمها نموذجاً راسخاُ لقيادة تتسم
بالأخلاق في عالم تراجعت فيه القيم.
وفي الوقت الذي يندر فيه أن يتم تحويل اسم علم ما إلى فعل
يستخدم في جملة مفيدة، شهدت اللغة الألمانية في هذا العام إدراج فعل جديد في قاموس
مفردات الأفعال لديها وهو “Merkeling” ويعني
إصدار القرارات بتأن وصبر شديدين، وهي الميزات التي اتسمت بها المستشارة الألمانية
التي اعتادت التأني والرصانة في اتخاذ القرارات السياسية، فعلى سبيل المثال، وفيما
يتعلق باليورو التي يتم تداولها من قبل 19 دولة، ترى ميركل بأن المشاريع طويلة
الأمد هي وحدها القادرة على إرساء النمو على قواعد متينة ونزيهة، فحثت الأوروبيين
على تقليص العجز العام وأشارت كعادتها إلى أن مثل هذا العمل يتطلب عملا دؤوبا
وصبراً طويلا.
أما فيما يتعلق بقضية اللاجئين، فقد فتحت ميركل أبواب بلادها
على مصراعيها لاستقبال اعداد هائلة من اللاجئين، إذ من المقدر أن تصل أعدادهم إلى
مليون طالب لجوء بحلول نهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام الجاري.
هذه الخطوة
الجريئة في استقبال تلك الأعداد من المهاجرين أدت إلى تهديد أمن أوروبا وتعريضها
إلى خطر العديد من الهجمات الإرهابية، مما أسهم في اختبار مرونة تحالف أوروبي تم
تشكيله لتعمل الدول الأوروبية معاً من أجل أن تجنب نفسها التعرض للعنف الذي لاقته
منطقة الشرق الأوسط فتسبب في تشريد وتهجير الملايين من الأشخاص، وقد أثمرت جهود
هذا التحالف بشكل جيد، لدرجة دفعت أثرى دولة أوروبية إلى طرح سؤال بغاية الاهمية ،
وهو: ما معنى أن تعيش حياة جيدة؟
فما كان من ميركل إلا أن أجابت عن السؤال بكلمات قليلة ومعان
كبيرة، فقالت: ” تنتشر الحروب برعبها في كثير من المناطق، وتعرضت الكثير من الدول لتفكيك
كيانها، فقرأنا ذلك وسمعناه وشاهدناه على شاشات التلفاز لسنوات عديدة، إلا أننا لم
ندرك حقيقة معنى أن يؤثر ما يحدث في حلب والموصل على إسن وشتوتغارت، وعلينا أن
نواجه هذا الأمر الآن.”
ألمانيا التي أمضت سبعين عاما تختبر ترياقا بقوميتها وبعسكرتها
وبماضيها في الإبادة الجماعية، وجدت عهداً جديداً مع ميركل التي حددت جملة مختلفة من
القيم، وهي الإنسانية والكرم والتسامح لإبراز قدرة ألمانيا على الإنقاذ أكثر منه
على التدمير.
ميركل التي درست الفيزياء في جامعة لايبزغ، تتقن فنون اللعبة
جيداً، فسواء كانت إتقانها هذا نابعاً عن طبيعتها الصارمة أم عن مجال دراستها أم عن
خبرتها السياسية والحياتية، لابد من أنه قد بات معلوماً لدى الجميع بأنها تختار
دوماً الطريق الذي ستنتهجه بكل حنكة ومهارة، فكيف لا يليق بها لقب المرأة الحديدية
أو تتويجها كشخصية العام 2015؟