هل رفع السرية المصرفية تنقذ لبنان مما آلت إليه؟


الثلاثاء 26 ابريل 2022 | 02:14 مساءً
مصرف لبنان
مصرف لبنان
العقارية

تلبية للطلبات الدولية التي تم التوافق على التزامها من السلطات اللبنانية، يتجه لبنان نحو التخلي عن نظام «السرية المصرفية» الذي يعتمده منذ أكثر من 60 عامًا، تمهيدًا لتحويل صيغة الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي إلى برنامج تمويلي بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدى 4 سنوات.

 أسهل الشروط

محمد فحيلي، خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد، يقول إن التخلي عن قانون السرية المصرفية من أسهل الشروط في الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي.

وخلال تصريحات صحفية، أشار فيحلي إلى أن الفاسد هو المستفيد الأول من قانون السرية المصرفية، ويأتي في الدرجة الثانية الأحزاب السياسية والميليشيات خلال وفي مرحلة ما قبل الحرب الأهلية في لبنان لأن المصارف كانت، وما زالت، تستقبل الودائع وتمتثل لقانون السرية المصرفية، ولن يكون عندها صعوبة بالامتثال لأي تعديلات للقانون.

وأوضح أن المتغيرات التي حصلت في مجال العمل المصرفي عالميًا، خففت من حصانة هذا القانون، ولم يعد المحرك الأساسي وراء توجه الأموال نحو المصارف اللبنانية لأن نهضة الودائع في القطاع المصرفي اللبناني ليست بفضل السرية المصرفية.

وتابع: «ليس من الدبلوماسية والمهنية اتهام من تفاوضه بالفساد خصوصًا على طاولة لبنان وصندوق النقد الدولي، لذلك فإن التوقف عند قانون السرية المصرفية خلال المفاوضات له دلالة إيجابية، وهدف يتمثل بتوجيه رسالة واضحة للطبقة السياسية الحاكمة مفادها أنه إذا أراد لبنان الإبقاء على قانون السرية المصرفية، فلن يقبل صندوق النقد الدولي بوجود ثغرات في هذا القانون تسمح للفاسدين بالتحصن بها لإخفاء فسادهم، لذلك كان هناك شرط واضح في الاتفاق المبدئي لإجراء التغييرات اللازمة والضرورية في قانون السرية المصرفية».

ليس بالشيء المستحيل

أما عن الصعوبات التي تعترض تطبيق التخلي عن السرية المصرفية، قال فحيلي إن التخلي عن قانون السرية المصرفية في لبنان «ليس بالشيء المستحيل»، وقد شرع لبنان في التخلي عنها عام 1996 من خلال (اتفاقية الحيطة والحذر) الموقعة بين جمعية مصارف لبنان وإدارات المصارف بمواكبة شركات تدقيق عالمية وتحت أعين لجنة الرقابة على المصارف ونقابة المحاسبين المجازين.

ولفت إلى أن قانون مكافحة تبييض الأموال 44/2015 كان الأقوى مما سبقه بمضمونه، لكن ليس بتطبيقه، وكان أشبه بصاعقة في عالم السرية المصرفية في لبنان لأنه جرّم واستهدف الفساد والتهرب الضريبي، وعددًا كبيرًا من الجرائم المالية التي لم تكن بالحسبان في عالم المال والأعمال في لبنان.

 الاكتفاء بما هو موجود

اقترح فحيلي الاكتفاء بما هو موجود من قوانين وإجراءات لمحاربة الفساد، لكن هناك حاجة لتفعيل العمل بها والتوجه نحو منع الأشخاص النافذين سياسيًا من المساهمة في أي مصرف أو بمجالس الإدارة، مضيفاً: «يجب إقرار قانون يُلزم المصارف برفع تقارير دورية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن حركة الحسابات المصرفية لجميع رجال الدولة وكل من هم في مركز القرار وباستطاعتهم التأثير على القرار، وتحفظ هذه التقارير بسرية تامة وتُسلّم للقضاء المختص عند توجيه أي اتهام بالفساد»، مؤكداً ضرورة تفعيل عمل مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، وكذلك الأمر بالنسبة لديوان المحاسبة والتفتيش المركزي.

الأزمة الاقتصادية هي السبب

في السياق ذاته، يرى الدكتور جاسم عجاقة، الخبير في الشؤون الاقتصادية أن رفع السرية المصرفية عن البنوك والمصارف في لبنان، سيتم نظراً لحاجته إلى دعم خارجي، موضحًا أن من سيموّل الدعم سيفرض شروطه، التي سيكون أولها رفع السرية المصرفية، مشيرًا إلى أنها كانت نعمة للبنان، وأنه لولا الأزمة الاقتصادية الحالية لم يكن ليفكر أحدًا برفعها، وستكون لها معارضة كبيرة خصوصًا على الصعيد التشريعي في المجلس النيابي، لكن الأزمة المالية الخانقة ستكون عاملًا مسهلًا لرفعها في النهاية.

وعن الهدف وراء تركيز المجتمع الدولي على شرط رفع السرية، فسر عجاقة أن الهدف من رفعها هو تمكين المجتمع الدولي من ملاحقة حركة الأموال غير المشروعة، لأنه يعتبر لبنان أصحبت جزيرة سرية معزولة يستحيل اختراقها ومراقبة مصدر الأموال الوافدة إليها.

وعن الآثار المترتبة على إقرار الرفع، قال: «إذا كان رفع السرية المصرفية هو للمحاسبة على مخالفات الماضي وكشف المتهربين من الضرائب من المكلفين بحق الدولة اللبنانية، فهذا جيد، وكانت السرية المصرفية الدافع الرئيسي لتدفق رؤوس الأموال، ليس تهربًا واحتيالًا، إنما كانت تسمح للمستثمر أيًا كانت جنسيته بتحويل الأموال واستثمارها كما كان الوضع في سويسرا التي أدرجت حسابات رقمية لمستثمريها دون أسمائهم».

أمر غير عادي

أشار عجاقة إلى أن السرية المصرفية كما هي مطروحة اليوم تعطي المصلحة الضريبية في وزارة المال سلطة كبيرة للاطلاع على الحسابات والمعلومات المطلوبة من المصارف، التي سيصبح بإمكانها مخاطبتها مباشرة وهذا غير عادي بالنسبة للبنان، مضيفاً «إذا تم إقرار مبدأ المحاسبة بمفعول رجعي لتقييم التهرب الضريبي في السنوات الماضية، أعتقد أن ذلك سيكون عائقًا أساسيًا أمام إقرار القانون في مجلس النواب».