مع ازدياد حجم العملات الافتراضية ووصولها إلى كافة اقتصادات العالم، واقتناصها نصيباً من مختلف النظم النقدية، كان من الضرورى دراسة أثر تلك العملات على الاقتصاد المحلى والتعرف على ردود أفعال المؤسسات العامة والخاصة بشأن تداعيات تلك التكنولوجيات المستحدثة.
كانت البداية مع البنك المركزى المصرى حين كرر تحذيره من التعامل فى كافة أنواع العملات الافتراضية المشفرة وفى مقدمتها عملة البيتكوين لما ينطوى عليه من مخاطر مرتفعة، حيث يغلب عليها عدم الاستقرار والتذبذب الشديد فى قيمة أسعارها وذلك نتيجة للمضاربات العالمية (غير المراقبة) التى تتم عليها مما يجعل الاستثمار بها محفوفاً بالمخاطر وينذر باحتمالية الخسارة المفاجئة لكامل قيمتها.
وقال «المركزى» إن تلك العملات الافتراضية المشفرة لا يقوم بإصدارها أى بنك مركزى، أو أى سلطة إصدار مركزية رسمية يمكن الرجوع إليها، فضلاً عن كونها عملات ليس لها أصول مادية ملموسة، ولا تخضع لإشراف أى جهة رقابية على مستوى العالم، وبالتالى تفتقر إلى الضمان والدعم الحكومى الرسمى الذى تتمتع به العملات الرسمية الصادرة عن البنوك المركزية.
وفى ذات السياق يؤكد البنك المركزى المصرى على اقتصار التعامل داخل جمهورية مصر العربية على العملات الرسمية المعتمدة لدى البنك المركزى المصرى فقط، ويهيب البنك المركزى المصرى بالمتعاملين داخل السوق المصرى بتوخى الحذر الشديد، وعدم الانخراط فى التعامل بتلك العملات مرتفعة المخاطر.
وحذر هشام عكاشه.. رئيس البنك الأهلى المصرى، خلال مؤتمر التحول لاقتصاد غير نقدى، الذى ينظمه اتحاد بنوك مصر بالتعاون مع اتحاد الصناعات، من التعامل بالعملات الإلكترونية الرقمية، وعلى رأسها عملة «البيتكوين »، حيث إنها عالية المخاطر؛ لما يغلب عليها من عدم الاستقرار، والتذبذب الشديد فى قيمة أسعارها، إلى جانب الجهل بمؤسسيها.
وأضاف «عكاشة»، أن 4٪ فقط من حاملى البيتكوين يملكون 96٪ من إجمالى عملات البيتكوين المتداولة عالمياً، ما يثير تساؤلات عديدة حول هوية هؤلاء الأشخاص، وهدف تعاملهم بالعملات الإلكترونية.
وقال النائب محمد البدراوى.. عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، إن ظاهرة العملات الافتراضية ظاهرة عالمية للاحتيال على المتعاملين ولم يعترف بها أى بنك مركزى على مستوى العالم، وليس لها أى غطاء نقدى، وبالتالى فإنها وسيلة للنصب على أصحاب مطامع الثراء السريع، ولا أدل على ذلك من عمليات التذبذب العنيفة التى تمر بها أسعار تلك العملات من يوم لآخر.
وأضاف أنه ليس البنك المركزى المصرى وحده الذى قام بالتحذير من تلك العملات الافتراضية، ولكن هناك تحذيرات قوية من كافة البنوك المركزية حول العالم، مطالبًا البنك المركزى المصرى بعدم الوقوف عند مجرد التحذيرات وإنما من الضرورى اتخاذ إجراءات حمائية للحفاظ على أموال المواطنين من الضياع فى مثل تلك المقامرات.
قال محسن عادل.. نائب رئيس البورصة المصرية، إن العملات الرقمية أو ما تسمى « «crypto coins، ليست صادرة عن دولة وليس لها أى آلية تقييم واضحة سوى توقعات الناس وليس لها أى غطاء نقدى وليست صادرة عن أى جهة رسمية، ولكنها تحمل فكرة كونها وسيلة للمبادلة اعتمادًا على التطور التكنولوجى، بينما انحرافها عن تلك الوظيفة وتحولها لأداة للاستثمار قد أدى إلى مخاطر كبيرة.
وأوضح أنه خلال شهر واحد قد فقدت تلك العملة نحو 50٪ من قيمتها بعد أن وصلتها إلى مستوى 20 ألف دولار لتنحدر إلى مستوى 10 آلاف دولار بما يؤكد على مخاطر التعامل على تلك العملات الافتراضية، كما قامت كوريا الجنوبية بمصادرة 600 مليون دولار من هذه العملات الافتراضية بعد اكتشافها استخدام تلك المبالغ فى الإرهاب وغسل الأموال.
وأضاف أنه قبل أيام صدر تحذير من رئيس وزراء إنجلترا بأن تلك العملات أصبحت تشكل خطورة كبيرة ليست على الصعيد الاقتصادى فحسب ولكن على الصعيد الأمنى لما تمثله من مصدر رئيسى لتمويل عمليات الإرهاب، كما أن فيروس الفدية الشهير كان يطالب أصحاب الأجهزة بسداد الفدية عن طريق تلك العملات نظرًا لعدم إمكانية تتبع تحركاتها.
وأضاف أنه لم يعد «البيتكوين» منفردة على ساحة العملات الافتراضية، حيث أصبح هناك أكثر من 63 عملة افتراضية أخرى، وقد شهدت انهيارات كبيرة ما بين 8٪ إلى 20٪ بعد القرارات التى اتخذتها كوريا الجنوبية وبعض الدول الأخرى.
ويرى «عادل» أنه رغم عدم اعتراف أى دولة حول العالم بتلك العملات الافتراضية، إلا أن تلك الدول وبنوكها المركزية لم تقم بتجريم التعامل على تلك العملات واكتفت فقط بالتحذير حفاظًا على أموال المتعاملين من تلك الفقاعة وعدم استخدامها فى العمليات غير الشرعية، ومع ذلك فإن كافة الدول والجهات الرقابة ما زالت تتابع بدقة تحركات تلك العملات الافتراضية من أجل الحماية ومن أجل كونها وسيلة مستحدثة للمبادلة تحتاج لمزيد من الدراسة والتقنين ووضع رؤية عالمية، مع التأكيد على أنها ليست وسيلة للاستثمار.
كما حذر محمد عمران.. رئيس هيئة الرقابة المالية، من مخاطر دعوات الانسياق وراء العملات الرقمية الافتراضية وما يرتبط بها من معاملات، لكونها غير خاضعة لرقابة أى جهة داخل مصر، وتشكل تحايلاً على المنظومة النقدية الرسمية الخاضعة للرقابة وما يرتبط بها من قوانين مكافحة غسل الأموال.
وأضاف «عمران» أن الهيئة لم ترخص أو تقنن تلك العملات الرقمية أو المنتجات المرتبطة بها، ولا توافق على التعامل فيها أو استخدامها، كما اعتبرت الهيئة العامة للرقابة المالية دعوات تحفيز المستثمرين للدخول على تلك الأنواع من التعاملات، ارتكازاً على صعود أسواقها أو لضمان تحقيق عوائد مجزية، يعد نوعاً من أنواع التضليل الذى يقع تحت طائلة المسائلة القانونية، بحسب عمران.
وقال «عمران» إن سوق تداول الأوراق المالية فى مصر هى البورصة المصرية لتداول الأسهم، وبورصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المعروفة باسم بورصة النيل، مشيرًا إلى أنه يتم حالياً إجراء تعديلات فى قانون سوق المال تستكمل دورتها التشريعية لإنشاء بورصات العقود الآجلة وبورصات السلع، ودون ما تم ذكره على سبيل التحديد يتطلب تشريعاً للمزاولة.
وأوضح «عمران» أنه بالرغم من حرص الهيئة على المساعدة فى إيجاد بيئة استثمارية قادرة على جذب الأموال وتشجيع تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية إلا أن حماية المتعاملين فى الأسواق المالية غير المصرفية تجعلها تطلق تحذيراً أمام ما شهده العالم من تحولات متسارعة عما يعرف بالثورة الرقمية وتنامى استخداماتها.
وقال «عمران» إن الثورة الرقمية باتت تشكل متغيراً مهماً فى صناعة الخدمات المالية والمنتجات المرتبطة بها، ومنها استخدام العملات الافتراضية أو العملات الرقمية، حيث التسارع المحموم على تلك العملات الرقمية بفعل المضاربات من خلال منصات التداول الإلكترونى أو من خلال بعض أسواق المشتقات التى فتحت أبوابها مؤخراً لتداول العقود المبنية على تلك العملات، إلا أن الغموض لا يزال يكتنف تلك العملات وسط تحذيرات كبيرة من عديد من السلطات المصرفية والرقابية بشأنها بما فى ذلك المنظمة الدولية لهيئات أسواق المال.
وقال رئيس الرقابة المالية إنه فى ضوء استهداف مشغلى تلك المنصات المستثمرين من الأفراد من خلال الترويج لتلك الأدوات عبر الإنترنت، والافتقار إلى الشفافية وآليات الحماية للمتعاملين، فإن هناك مجالاً واسعاً للاحتيال المالى خاصة أنها غير خاضعة لأى أطر تنظيمية أو تشريعية.
وأكد «عمران» أن الدخول فى هذا النوع من الأدوات عالية المخاطر يُعد نوعاً من أنواع المقامرة، وأن تلك العملات الرقمية غير خاضعة لرقابة أى من البنوك المركزية حول العالم أو لرقابة أى جهة رقابية أخرى.
كما أنه من الوارد أن يقع العديد من المستثمرين فى هذه العملات فى شباك القراصنة أو يتعرضون لخسائر ضخمة فى أى وقت بفعل أى تصريح وتنظيم من قبل أى من السلطات الرقابية فى أى دولة، بحسب محمد عمران.
وقال محمد رضا.. رئيس مجلس إدارة شركة سوليد كابيتال، إن تعاملات المصريين على العملات الافتراضية ستضرهم، بينما لن تضر الاقتصاد القومى، نظرًا لمحدودية تلك التعاملات إلى إجمالى الاقتصاد المحلى.
وأضاف أن ما شهدته العملات الافتراضية من تراجعات حادة خلال الفترة الأخيرة قد كشفت وأكدت على كونها لا تصلح كمخزن للقيمة ولا تصلح لأن تكون أداة للاستثمار الآمن، وقد فطن الكثير إلى ذلك بما خفض من حجم الإقبال على شراء تلك العملات الافتراضية التى لا تعمل وراءها أى أصول ذات قيم حقيقية.
وأوضح أن شراء العملات الافتراضية يمثل استنزاف للعملة الصعبة لكنه لا يشكل خطورة كبيرة نظرًا لمحدودية عمليات شراء تلك العملة داخل مصر، والدليل على ذلك أن التعامل على كافة العملات الرئيسية والسلع فى سوق الفوريكس يتواجد داخل مصر بشكل غير شرعى منذ سنوات بعيدة ولم تتخذ الحكومة ضده أى إجراء عملى مناهض حتى فى أسوء الظروف الاقتصادية لم تؤثر تعاملات الفوريكس بشكل ملحوظ على سوق الصرف.
وأضاف أن معظم المشترين للعملات الافتراضية هم أنفسهم الذين كانوا يتعاملون من قبل فى سوق الفوريكس نظرًا لطبيعتهم الاستثمارية فى السعى نحو المضاربات على العملات رغم ما تحمله من مخاطر كبيرة، وبالتالى فتلك النوعية من المستثمرين تختلف تمامًا عن مستثمرى أسواق المال فى الأسهم، حيث يفضلون التعامل على أسهم شركات ذات أصول معروفة وتنظيم ورقابة مُحكمة.