دراسة.. استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة تستهدف زيادة المشاركة الفعلية للقطاع الزراعى فى المقتصد القومى


الثلاثاء 06 مارس 2018 | 02:00 صباحاً

قام الدكتور محسن البطران.. وكيل كلية الزراعة لشئون الدراسات العليا بجامعة القاهرة والرئيس الاسبق لمجلس إدارة البنك الزراعى المصرى بالتعاون مع الدكتور سعد نصار استاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة جامعة القاهرة وعميد كلية الزراعة بالفيوم ورئيس مركز البحوث الزراعية ومحافظ الفيوم الاسبق بإعداد دراسة حول استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة للزراعة المصرىة والتى أوضحت أهم الأهداف والإمكانيات وكذلك التحديات التى تواجه القطاع الزراعى المصرى.

وأشارت الدراسة إلى أن القطاع الزراعى يعد أهم القطاعات الاقتصادية فى المقتصد القومى المصرى من حيث عدد السكان المرتبطين به والذين يمثلون أكثر من ٪40 من إجمالى السكان، فضلاً عن مساهمته بأكبر نصيب فى تشغيل القوى العاملة بنحو 7 ملايين عامل بنسبة ٪30، ويضاف إلى ذلك مساهمته فى كل من الناتج المحلى البالغ 2.3 تريليون جنيها بنسبة ٪14 والصادرات البالغ قيمتها 20.8 مليار جنيه بنسبة ٪20 من إجمالى الصادرات، علاوة على توفير ٪36 من إجمالى الاحتياجات الغذائية لأكثر من من 62 مليون نسمة.

وأكدت الدراسة انه خلال الثلاثة عقود الماضية حدثت العديد من التغيرات على مستوى السياسيات الاستثمارية والسعرية والمؤسسية، الأمر الذى انعكس على مؤشرات الأداء الرئيسية للقطاع والتى تمثلت فى :

* معدل النمو السنوى للقطاع:

اتسم معدل النمو السنوى للقطاع منذ التسعينيات من القرن الماضى بالتواضع بصفة عامة، حيث لم يتجاوز متوسط معدل النمو السنوى 3٪.

*معدل النمو فى الصادرات الزراعية:

حيث حدث، خلال الفترة الماضية ،تغيير جذرى فى هيكل تجارة الصادرات الزراعية، حيث تنوعت محصوليا واتسعت سوقيا، مما أثر بشكل إيجابى على تزايد القدرة التنافسية للعديد من المنتجات الزراعية فى الأسواق العالمية وتزايد من جراء ذلك العائد التصديري، حيث بلغت إجمالى قيمة الحاصلات التصديرية 20.8 مليارعام 2013.

* نسبة الإنتاج الزراعى المصنع:

بلغ إجمالى الاستثمارات فى التصنيع الزراعى 29 مليار جنيه عام 2013، فى حين بلغت قيمة إنتاج ما تم تصنيعه لنفس العام أكثر من 35.2مليار جنيه بما يمثل ٪23 من إجمالى قيمة الإنتاج الصناعى.

* نسبة الفقد الزراعى:

تتراوح قيمة الفقد من 10 إلى ٪15 من قيمة الدخل الزراعى وتتفاوت نسبة الفقد وفقاً للمحاصيل المختلفة.

* معدل الاكتفاء الذاتى:

يمكن تصنيف المحاصيل والمنتجات الزراعية المصرية، وفقا لمفهوم الاكتفاء الذاتى إلى 3 مجموعات، الأولى تشمل الأرز والخضروالفاكهة ولدى مصر فيها فائض للتصدير، والمجموعة الثانية تشمل اللحوم البيضاء والبيض والأسماك واللبن الطازج، ولدينا منها نسبة الاكتفاء الذاتي، أما المجموعة الثالثة، فلدينا عجز فيها، وتشمل القمح والذرة والسكر والزيوت والعدس والفول واللحوم الحمراء، حيث تبلغ نسبة الاكتفاء الذاتى٪56،٪50،٪1،٪28،٪70على الترتيب.

* معدل النمو فى الدخول الزراعية:

ازدادت الفجوة الداخلية اتساعا بين القطاعين الريفى والحضرى، كما اتسعت الفجوة الداخلية داخل اقطاع الزراعى ذاته بين صغار وكبار الملاك، وكذلك الملاك للأراضى وغير الملاك.

وهذا يقودنا إلى ضرورة تحديث الزراعة المصرية من خلال استراتيجية تنمية زراعية مستدامة تهدف إلى إحداث نهضة اقتصادية واجتماعية تحقق من خلالها معدلات نمو متزايدة ومستدامة، ويمكن من خلالها استيفاء الاحتياجات الغذائية المتزايدة للسكان، خصوصا للفئات الأكثر احتياجا.

وعن أهداف استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة اشارت الدراسة إلى انها تستهدف زيادة المشاركة الفعلية للقطاع الزراعى فى المقتصد القومى من خلال:

* التخصيص والاستخدام الأمثل للموارد الزراعية المتاحة من أرض ومياه وموارد بشرية ورأسمال وتكنولوجيا وإدارة.

* تحقيق معدل نمو زراعى يصل الى ٪5.

* تحسين مناخ الاستثمار الزراعى.

* تحسين نسب الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الاستراتيجية والتى تعانى فيها مصر من فجوة غذائية أو عجز.

* تحقيق درجة أعلى من الأمن الغذائى بمفهومه الواسع والاستفادة من المزايا النسبة والتنافسية والتوسع فى تصدير المحاصيل التى تتمتع بها مصر بمزايا نسبة وتناسبية وهي: القطن والأرزو الخضرو الفاكهة والنباتات العطرية والطبية وزهور القطف ومن ثم تقليل عجز الميزان التجارى والزراعى.

* توفير المواد الخام الزراعية اللازمة للصناعات الوطنية، خاصة صناعة الغزل والنسيج والصناعات الغذائية.

* توفير فرص عمل فى القطاع الزراعى والأنشطة المرتبطة مع زيادة إنتاجية العامل الزراعى.

* تحسين دخول ومستوى معيشة السكان الزراعيين والريفيين تحسين مستوى الخدمات التى تقدم للسكان الزراعيين والريفيين مثل خدمات التعليم والتأمين الصحى والمعاشات ومياه الشرب والصرف الصحى والكهرباء والطرق وسبل الاتصال.

وعلى صعيد آخر تستند هذه الاستراتيجية على العديد من المقومات الموجودة بالقطاع الزراعى المصرى التى يمكن استثمارها للوصول إلى ما سبق تحديده فى أهداف منها:

* توافر الإرادة السياسية لدى متخذ القرار وإيمانهم بأهمية هذا القطاع الاستراتيجى ودعمهم المستمر لإحداث تنمية مستدامة فيه للحد من مخاطر أزمة الغذاء المصحوبة بزيادة أسعار الغذاء فى الأسواق العالمية نتيجة زيادة الطلب عليه من جانب ولاتوسع العالمى فى استخدام بعض سلع الغذاء الرئيسية فى إنتاج بدائل للطاقة من جانب آخر.

* وجود قاعدة من المواد والخبرات البشرية والثراء الفنى والتكنولوجى لمراكز التنمية والتكامل المؤسسى.

* توافر الأسواق المحلية والعربية والإفريقية التى تستوعب إنتاج مثل هذه السلع.

* اتجاه تغيرات أسعار المنتجات الزراعية التى تشجع على تحفيز الاستثمار الزراعى.

* توافر الأطر المؤسسية والتشريعية التى تدير المواد الزراعية وأنشطتها.

وأوضحت الدراسة أبرز التحديات التى تواجه القطاع الزراعى المصرى كغيره من القطاعات الزراعية فى الدول العربية والنامية العديد من التحديات المحلية والإقليمية والدولية مثل التغيرات المناخية العالمية وندرة المياه والتصحر، يُضاف إلى تلك التحديات معوقات أخرى يختص بها القطاع الزراعى المصرى وأظهرتها تجربة التنمية الزراعية خلال العقود الثلاثة الماضية والتى يمكن إيجازها فى الآتى:

* التفتت الحيازى للأراضى الزراعية القديمة:

يُعد التفتت الحيازى للأراضى الزراعية القديمة بمثابة المشكلة الجذرية التى ينبثق منها الشطر الأكبر من مشكلات الزراعة المصرية، ولقد نشأت هذه المشكلة نتيجة لتزايد السكان الزراعيين مع الثبات النسبى للرقعة الزراعية.

* البحث العلمى والإرشاد الزراعى:

تشير كافة المؤشرات إلى انخفاض معدلات استفادة الزراعة من المؤسسات البحثية والإرشادية، ويرجع ذلك إلى ضآلة موازناتها السنوية التى تغطى فقط الأجور والمرتبات دون إتاحة أى مخصصات مالية تذكر للبرامج البحثية والارشادية.

* معدلات التصنيع والفاقد فى الإنتاج الزراعى:

تعانى الزراعة المصرية من ظاهرة تزايد نسب الفاقد فى المنتجات الزراعية وانخفاض نسبة المصنع منها، ويرجع ذلك إلى جمود فى النظم التسويقية المطبقة وندرة الزراعات التعاقدية وعدم الاهتمام بمعاملات ما بعد الحصاد بقدر الاهتمام بالعاملات الزراعية وفى المحصلة النهائية فإن الفاقد الزراعى يشكل نسبة تتراوح بين 10 إلى ٪15 من الدخل الزراعى.

* تواضع الاستثمارات الزراعية وقصور التمويل:

يواجه الاستثمار فى الزراعة المصرية بقطاعيها فى الأراضى القديمة والأراضى الجديد العديد من المعوقات، فمن حيث حجم الاستثمار الزراعى نجد أنه خلال الخطط الخمسية الأربع السابقة والتى تم تنفيذها لم يتجاوز نسبة هذه الاستثمارات ٪5.6 من إجمالى الاستثمارات فى الخطة الأولى ونحو 8 فى الخطة الثانية ونحو٪13.2 فى الخطة الثالثة ثم تناقصت إلى ٪7.2 فى الخطة الخمسية الرابعة، أما فى الخطة الخمسية الخامسة والتى بدأت 2007/2008 فقُدر حجم الاستثمار الزراعى فى عامها الأول بنحو 8.5 مليار جنيه بنسبة ٪4.7 من إجمالى الاستثمارات يساهم بها القطاع الخاص بنحو 5.9 مليار جنيه وتساهم الاستثمارات الحكومية بنحو 2.6 مليار جنيه،وتمثل الاستثمارات الموجهة لاستصلاح الأراضى والبنية الأساسية الثانوية «الاستصلاح الداخلى» النصيب الأكبر من الاستثمارات الخاصة بنسبة٪29.2 ويحصل نشاط استزراع الأراضى على ٪20.9، أما الإنتاج الحيوانى «الداجنى» والميكنة الزراعية والثروة السمكية فتحصل على ٪22، ٪6.6، ٪1 على الترتيب، وفى العام الثانى من الخطة الخمسية الخامسة تم تخصيص 800 مليون جنيه لقطاع الزراعة بنسبة٪2.2 من إجمالى الاستثمارات العامة للدولة البالغة 36 مليار جنيه.

* ضعف الإطار المؤسسى للقطاع الزراعى وتقادم التشريعات الزراعية:

ويتحدد شكل وطبيعة الأطر المؤسسية التى يعمل بها أى نشاط اقتصادى وفقا لطبيعة النشاط الاقتصادى من ناحية والنظام السياسى والاقتصادى الذى ينظم الحياة الاقتصادية فى المجتمع من ناحية أخرى.

وبنظرة تاريخية سنجد أنه بصدور قوانين الاصلاح الزراعى واتباع مصر سياسة التخطيط المركزى تم تحديد الأطر المؤسسية، حيث تحكم القطاع الزراعى بالشكل الذى يؤدى إلى نقل الفائض الاقتصادى المتولد من القطاع الزراعى لخدمة أهداف القطاع الصناعى والتنمية الحضرية.

ويتسم البناء المؤسسى لوزارة الزراعة بدرجة عالية من التعقيد والتشابك، حيث تضم وحدات ذات طبيعة تخطيطية وأخرى ذات طبيعة إنتاجية وثالثة ذات طبيعة خدمية كذلك هناك تدخل شديد من قبل وزارة الزراعة ممثلة فى الإدارة المركزية للتعاون فى التعاونيات من ناحية أخرى، وهناك العديد من القوانين والتشريعات الحاكمة للقطاع والمعمول بها حالياً هى ذاتها التى تم إصدارها فى حقبة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، ولم تعد من ثم صالحة للتعامل مع المتغيرات المحلية والدولية فى ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية التى حدثت بالبلاد.

* السياسات السعرية والاحتكام لآليات السوق:

منذ تبنى الحكومة لسياسة الاصلاح الاقتصادى عام 1987، والتى ارتكزت على تقليص دور الحكومة فى العديد من أنشطة القطاع الزراعي، أما بالنسبة لتطبيق أسعار الضمان على الحاصلات الاستراتيجية بالنسبة للمحاصيل «القطن- القمح- قصب السكر- الأرز- الذرة»، وهو ما التزمت به الدولة لتحفيز المزارعين على زراعة تلك المحاصيل، فنجد أن التطبيق الفعلى لهذه السياسات لم يحالفه النجاح، إما أنه لا يكون قبل وقت كافى من تاريخ الزراعة، وإما لانخفاض أسعار الضمان المعلنية.

*محدودية الموارد المائية وانخفاض كفاءة استخداماتها:

على الرغم مما تحوزه مصر من موارد مائية، إلا أن هذه الموارد بقياس تطورات السكان واحتياجات الغذاء يُعد أكثر موارد الزراعة ندرة وأصبحت مصر إحدى دول العالم المصنفة ضمن دول الفقر المائي، حيث لا يتعدى نصيب الفرد 600م3 سنوياً، وعلى الرغم من ذلك فإن كفاءة استخدام هذه الموارد تعد متدنية.

* التعدى على الأراضى القديمة وتدهور صفاتها:

من أهم التحديات التى تعوق سبل التنمية فى القطاع هى محدودية الأراضى الزراعية، حيث تبلغ إجمالى مساحة الأراضى المنزرعة فى مصر 8.4 مليون فدان «2.4 مليون فدان أراضى جديدة وحوالى 6 ملايين فدان أراض قديمة بالوادى والدلتا»، وتعانى الأراضى القديمة من تحديات يمكن إيجازها فى الاستقطاع المستمر منها بغرض الاستخدام غير الزراعى «العمرانى» وخلال الـ6 سنوات الماضية فقدت الزراعة المصرية أكثر من 150 ألف فدان من أجود الأراضى.

والتحدى الثانى هو تدهور مستويات خصوبة الأراضى فى الدلتا والوادى وارتفاع منسوب المياه الأرضية إلى الحدود المؤثرة على الإنتاجية الزراعية، وكذلك انخفاض كفاءة استخدام المحصبات.

وهناك مجموعة من الآليات التى تساهم فى تحقيق استيراتيجية التنمية المستدامة التى يمكن تلخيصها فى التوسع الأفقى وترشيد استخدام مياه الرى فى الزراعة وكذلك حماية الأراضى الزراعية والحفاظ عليها وصيانتها وتحسينها، وقد يتطلب الأمر إعادة أمر الحاكم العسكرى وسن تشريعات جدبدة لمنع التعدى على الأراضى بالبناء، وكذلك التوسع الرأسى أى زيادة إنتاجية الوحدة من الأرض والمياه والعمل ورأس المال من خلال استمرار مركز البحوث الرزاعية ومحطاته فى استنباط الاصناف العالية الجودة، هذا إلى جانب تحفيز الزراع من خلال برنامج للدعم المشروط على تنظيم الدورة الزراعية وتفعيل برامج الارشاد الزراعى، بالإضافة إلى آلية توفير مستلزمات الإنتاج الزراعى للمزراعين وبأسعار مناسبة، فضلاً عن تحقيق التراكيب المحصولية المثلى التأشيرية وتحسين نسب الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الغذائية الاستيراتيجية كالقمح والسكر والزيوت النباتية والفول البلدى والبروتين الحيوانى وتطوير قطيع الماشية والأغنام وزيادة إنتاجية لحوم الدواجن والبيض وكذلك تنمية الثروة السمكية وتدعيم المؤسسات الزراعية والتوسع فى التصنيع الزراعى والغذائى وتنمية الصادرات الزراعية وتكثيف الاستثمارات الزراعية بالإضافة إلى دعم برامج التعاون الزراعى بين مصر والدول العربية والإفريقية.