عرضت قناة الشرق بلومبرج تقريرًا مفصّلًا عن أزمة العقارات في الصين، تحت اسم "لان-وي-لو" (Lanweilo) أو "مباني الذيل المتعفن"، وهي ظاهرة تمثل أكبر فقاعة عقارية في تاريخ البلاد، حيث يعيش ملايين الصينيين في مبانٍ لم تُستكمل منذ سنوات، بعد دفعهم مبالغ ضخمة على شقق لم يتم تسليمها، مما تركهم دون سكن آمن وتحملوا ديونًا طويلة الأمد.
ويبدأ السيناريو عادة عندما يقرر المواطن الصيني دفع تحويشة العمر لشراء شقة في مشروع عقاري كبير، حيث يُستقبل في المكاتب الفاخرة للشركات المطوّرة بمكاتب مكيفة وموظفين يرتدون زيًّا رسميًا، ويُعرض عليهم "ماكيت" المشروع الذي يضم حمامات سباحة ومساحات خضراء، بينما تُحدد مواعيد التسليم بعد سنوات. وعادةً، يُطلب دفع ثمن الشقة كاش أو مقدم ضخم مع أقساط تُستكمل قبل الاستلام، لكن عند مراجعة الموقع بعد فترة، يجد المشتري أن المباني لم تُبْنَ سوى هيكل خرساني جزئي مع وجود شوارع مهجورة وخلو من أي عمال أو نشاط، لتتحول هذه المشاريع إلى "مبانٍ ذيل متعفن".
ويشير التقرير إلى أن ظاهرة "لان-وي-لو" بدأت منذ إصلاحات الحكومة الصينية عام 1998، التي أنهت نظام السكن الاشتراكي، حيث كان العمال يحصلون على شقق بإيجار رمزي، لتُفتح السوق للعقارات بمفهوم الاستثمار الخاص، وأصبح شراء الشقق الطريقة الوحيدة لتأمين مستقبل الأسرة، مع تحويل 70% من ثروة الأسر الصينية إلى عقارات، مقابل 30% فقط في الولايات المتحدة.
ويعد نموذج "البيع المسبق" (Pre-sale) للمطورين السبب الرئيس في المشكلة، حيث يحصل المطور على كامل ثمن الشقة قبل بدء البناء، ومن المفترض أن تُوضع الأموال في حساب مجمد (Escrow Account) لتُصرف على إنشاء المشروع، إلا أن المطورين غالبًا ما استغلوا هذه الأموال لسداد ديون سابقة أو شراء أراضٍ جديدة، ما أدى إلى تراكم المشاريع غير المكتملة وتحويلها إلى "مبانٍ ذيل متعفن".
ومن الأمثلة البارزة على ذلك مشروع "ليانغ ستار سيتي 2" في مدينة كونمينغ، حيث بدأ المشروع في 2011 وتوقف في 2013 بعد إفلاس المطور، وظل المبنى دون تشطيب لسبع سنوات، حتى أجبرت الحكومة على تفجير 15 برجًا سكنيًا في أغسطس 2021 باستخدام 4.5 طن من المتفجرات خلال 45 ثانية، لتتحول مليارات الدولارات المستثمرة إلى تراب.
ويشير التقرير إلى أن الوضع لا يقتصر على الحجر فقط، بل يتعداه إلى البشر، حيث يعيش العديد من المواطنين داخل هذه الهياكل الخرسانية، دون كهرباء أو مياه، واضطروا لاستخدام ألواح طاقة شمسية صغيرة لتشغيل هواتفهم ومصابيحهم، بينما يحمل آخرون جراكن المياه صعودًا على السلالم للوصول إلى شققهم.
ويعود سبب الأزمة إلى تراكم الديون لدى الشركات المطورة الكبرى مثل "إيفرغراند" و"كانتري غاردن"، التي اعتمدت على نموذج احتيالي يشبه "بونزي" (Ponzi Scheme)، حيث تستخدم أموال المشتريين الجدد لسداد ديون المشاريع القديمة، مستفيدة من ارتفاع أسعار العقارات ورغبة الأسر في الاستثمار.
وفي ظل تزايد الديون، اتخذت الحكومة المركزية بقيادة الرئيس شي جين بينغ إجراءات للحد من المخاطر، مثل سياسة "الخطوط الحمراء الثلاثة" عام 2020، التي تمنع البنوك من إقراض المطورين الذين لا يستوفون شروطًا مالية محددة، بما في ذلك نسبة الديون والأصول والسيولة النقدية، مما أدى إلى توقف تمويل المشاريع وتفاقم أزمة المباني غير المكتملة.
كما تسبب توقف المطورين في انهيار أسواق الشركات الأخرى المرتبطة بالعقارات، بما في ذلك الشركات الكبرى مثل "كانتري غاردن" و"سوناك"، بالإضافة إلى تأثير الأزمة على الحكومات المحلية التي تعتمد على عائدات الأراضي لتمويل الخدمات العامة، لتتفاقم الأزمة المالية في المقاطعات وتتعطل الخدمات العامة مثل دفع الرواتب ووسائل النقل العام.
ويتضح أن الأزمة العقارية الصينية أدت إلى ظهور ظواهر اجتماعية جديدة، أبرزها حركة "تانغ بينغ" (Tang Ping) أو "الاستلقاء المسطح"، التي يعبر فيها الشباب عن رفضهم شراء العقارات والعمل المضني والزواج، مؤكدين أنهم لن ينخرطوا في الحياة الاقتصادية التقليدية. كما ظهرت ظاهرة "لان-وي-وا" (Lanweiwa) أو "أطفال الذيل المتعفن"، التي تشبه الشباب بالمباني غير المكتملة، حيث يحملون شهادات هيكلية دون مستقبل وظيفي.
ويختتم التقرير بالتحذير من أن انهيار سوق العقارات في الصين لا يقتصر على الداخل، بل يمتد تأثيره عالميًا عبر فائض الإنتاج والتصدير إلى الأسواق الخارجية، ما يسبب توترات جيوسياسية واقتصادية تؤثر على الولايات المتحدة وأوروبا، ويشير إلى أن الأزمة الحالية قد تشكل درسًا مهمًا حول أن الاقتصاد الحقيقي لا يقوم على الخرسانة والطوب، بل على قدرة البشر الشرائية الحقيقية.
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض