يكشف تقرير آفاق الهجرة الدولية 2025 الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) عن تباينات واضحة في دخول الوافدين خلال سنواتهم الأولى في أسواق العمل بالدول المتقدمة، في صورة تعكس أن الهجرة ليست مجرد انتقال جغرافي، بل مسار مهني واقتصادي يتشكل منذ اللحظة الأولى.
وتؤكد البيانات أن اختيار الدولة المضيفة لا يحدد فقط مستوى الدخل في البداية، بل يرسم أيضاً مسار النمو أو التراجع خلال أول خمس سنوات من الاندماج المهني، مع تفوق واضح لدول الشمال الأوروبي مقابل أداء متباين في اقتصادات متقدمة أخرى.
النرويج في الصدارة.. ونيوزيلندا استثناء لافت
تتصدر النرويج قائمة أعلى دخول الوافدين في السنة الأولى، بمتوسط دخل سنوي يبلغ 59,752 دولاراً، يرتفع بعد خمس سنوات إلى 67,877 دولاراً، محققاً نمواً نسبته 14%، ما يعكس قوة سوق العمل ومستويات الأجور المرتفعة.
في المقابل، تمثل نيوزيلندا حالة استثنائية نادرة، إذ يبدأ الوافدون بدخل يبلغ 48,120 دولاراً في العام الأول، لكنه يتراجع بعد خمس سنوات إلى 45,432 دولاراً، بانخفاض يقارب 6%، في انعكاس لتحديات اقتصادية تراكمت خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد جائحة كورونا.
شمال أوروبا يواصل التفوق في مسار النمو
في الدنمارك، يبدأ دخل الوافدين عند 37,932 دولاراً، ليصل إلى 46,716 دولاراً بعد خمس سنوات، بزيادة تبلغ 23%. وتشير بيانات منشورة عبر منصتي Visual Capitalist وWorld of Statistics إلى أن هذه الفوارق ترتبط بهيكل الأجور، وطبيعة القطاعات المفتوحة أمام الوافدين، إضافة إلى سياسات الاعتراف بالمؤهلات الأجنبية.
كندا وأميركا.. نمو قوي رغم البدايات المتوسطة
في كندا، يبلغ متوسط دخل الوافدين في السنة الأولى 29,557 دولاراً، ويرتفع إلى 37,618 دولاراً بعد خمس سنوات، بنسبة نمو 27%.
أما الولايات المتحدة، أكبر وجهة للهجرة عالمياً، فتسجل أحد أعلى معدلات النمو؛ إذ يقفز الدخل من 27,375 دولاراً في العام الأول إلى 39,163 دولاراً في العام الخامس، بزيادة تصل إلى 43%، أي ما يقارب 12 ألف دولار. ويعكس ذلك قدرة أعلى على الترقي الوظيفي والانتقال إلى شركات وقطاعات ذات إنتاجية وأجور أفضل.
دول تسجل تراجعاً غير معتاد في الدخل
إلى جانب نيوزيلندا، تسجل هولندا نمطاً غير مألوف، حيث ينخفض دخل الوافدين من 26,592 دولاراً في البداية إلى 24,864 دولاراً بعد خمس سنوات، بانخفاض يقارب 6%.
في المقابل، تحقق فنلندا أداءً قوياً، إذ يرتفع الدخل من 25,872 دولاراً إلى 36,804 دولارات، بنمو 42%، بينما يرتفع دخل الوافدين في فرنسا من 18,936 دولاراً إلى 22,560 دولاراً بعد خمس سنوات، بنسبة نمو 19%.
ألمانيا تتصدر نسب النمو بين الدول الكبرى
تسجل ألمانيا أعلى معدل نمو في الدخل ضمن العينة، حيث يبدأ الوافدون عند 17,004 دولارات سنوياً، ويصلون إلى 25,224 دولاراً بعد خمس سنوات، بزيادة تبلغ 48%. ويعزو التقرير هذا الأداء إلى قدرة سوق العمل الألماني على استيعاب المهارات تدريجياً ونقل الوافدين إلى شركات أعلى أجراً.
جنوب أوروبا.. بدايات متواضعة وتحسن تدريجي
في إيطاليا، يبدأ دخل الوافدين عند 14,892 دولاراً ويرتفع إلى 19,236 دولاراً بعد خمس سنوات. أما إسبانيا، فيبدأ المتوسط عند 14,304 دولارات ويصل إلى 18,204 دولارات، بنمو 27%.
وتسجل النمسا ارتفاعاً من 10,620 دولاراً إلى 12,816 دولاراً، بزيادة 21%، بينما يرتفع الدخل في البرتغال من 9,300 دولارات إلى 10,848 دولاراً خلال الفترة نفسها.
تفسير OECD: الشركات مفتاح تقليص فجوة الأجور
يوضح تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الوافدين يكسبون عند الدخول إلى سوق العمل أقل بنحو 34% مقارنة بالمولودين محلياً في المتوسط، ليس بسبب الخصائص الفردية فقط، بل نتيجة تركّزهم في قطاعات وشركات منخفضة الأجور.
ومع مرور الوقت، تتقلص هذه الفجوة إلى 21% بحلول السنة الخامسة، مدفوعة بتحسن ساعات العمل والتنقل الوظيفي داخل السوق. ويؤكد التقرير في فصل مخصص أن دور الشركات، وليس سياسات الهجرة وحدها، يعد حاسماً في دمج الوافدين، من خلال إتاحة فرص الترقي والانتقال إلى مؤسسات أكبر وأكثر إنتاجية.
ماذا تعني هذه الأرقام للمهاجر العربي؟
تشير الصورة العامة إلى أن اختيار الدولة وحده لا يكفي لضمان مسار دخل قوي، بل إن النجاح المهني يعتمد على القدرة على الانتقال داخل سوق العمل، والاعتراف بالمؤهلات الأجنبية، وتطوير المهارات واللغة، والانضمام إلى شركات أعلى أجراً.
ويرى التقرير أن إشراك الشركات كطرف رئيسي في سياسات الاندماج يمثل العامل الحاسم لتسريع نمو دخول الوافدين وتقليص فجوة الأجور على المدى المتوسط.
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض