رسوم الأراضي البيضاء في الرياض تعيد تشكيل السوق العقارية وتدفع الملاك نحو الشراكات التطويرية


الجريدة العقارية الاحد 14 ديسمبر 2025 | 06:53 مساءً
رسوم الأراضي البيضاء في الرياض تعيد تشكيل السوق العقارية وتدفع الملاك نحو الشراكات التطويرية
رسوم الأراضي البيضاء في الرياض تعيد تشكيل السوق العقارية وتدفع الملاك نحو الشراكات التطويرية
وكالات

مع اقتراب موعد تطبيق رسوم الأراضي البيضاء على المساحات التي تتجاوز 5000 متر مربع في العاصمة السعودية الرياض مطلع يناير المقبل، بدأت ملامح تحول واضحة في سلوك ملاك الأراضي الكبرى، الذين اتجهوا بشكل متزايد إلى عقد شراكات مع شركات التطوير العقاري، سواء مقابل التنازل عن جزء من الأراضي قد يصل إلى 15%، أو عبر تقاسم الأرباح الناتجة عن التطوير.

هذا التوجه يأتي في وقت تشهد فيه السوق العقارية وفرة كبيرة في المعروض من الأراضي الخام، ما قلص فرص البيع المباشر، ودفع الملاك إلى البحث عن حلول بديلة لتفادي عبء الرسوم وتحقيق عوائد أفضل، وفقًا للخبراء الذين تحدثوا لـ "الاقتصادية".

نسب رسوم متدرجة حسب الأولوية والموقع

وبحسب الآلية المعتمدة، تُفرض الرسوم السنوية على الأراضي البيضاء وفق شرائح متدرجة، حيث تبلغ 10% للأراضي الواقعة ضمن الشريحة ذات الأولوية القصوى، و7.5% للشريحة العالية، و5% للمتوسطة، و2.5% للمنخفضة. في المقابل، توجد شريحة خارج نطاق الأولويات لا تُفرض عليها رسوم، لكنها تُحتسب ضمن إجمالي الأراضي البيضاء المملوكة للمكلف داخل نطاق المدينة.

هذا التصنيف أسهم في إعادة تقييم الملاك لجدوى الاحتفاظ بالأراضي غير المطورة، خاصة تلك الواقعة داخل النطاق العمراني.

الشراكات التطويرية بديلا عن الاكتناز

يرى عبدالله الموسى، الخبير في القطاع العقاري، أن هذا التوجه أصبح أكثر شيوعا في الأراضي الواقعة داخل النطاق العمراني، موضحا أن نموذج التطوير مقابل التنازل عن جزء من الأرض مكّن العديد من الملاك من تحويل أراضيهم الخام إلى أراضٍ مطورة دون تحمل كامل تكاليف التطوير.

ويصف الموسى المرحلة الحالية بأنها مرحلة انتقالية تتجه فيها السوق نحو تعزيز التطوير بدلا من الاكتناز، مؤكدا أن الرسوم دفعت كثيرا من الملاك إلى إعادة التفكير في أفضل السبل لاستثمار الأراضي الكبرى.

وفرة المعروض تقلص فرص البيع المباشر

مع عرض عدد كبير من الأراضي غير المطورة في المزادات، وتسويقها عبر قنوات تقنية وتقليدية دون إقبال فعلي من المشترين، لم يعد أمام الملاك خيارات واسعة، وهو ما يعزز توجه السوق نحو ضخ آلاف الوحدات السكنية خلال الفترة المقبلة.

ويؤكد الموسى أن الشراكات التطويرية أصبحت خيارا واقعيا وعمليا للملّاك الذين يواجهون عبء التطوير أو كلفة الرسوم، مشددا على أن نجاح هذا النموذج يرتبط بموقع الأرض، وجدوى المشروع، واحترافية المطور، ووضوح الاتفاقات التعاقدية.

فجوة التوقعات تعرقل حركة البيع والشراء

حول أسباب الإحجام عن شراء وبيع الأراضي البيضاء قبل تطبيق الرسوم، يشير الموسى إلى وجود حالة حذر وترقب من قبل الملاك والمستثمرين بانتظار اتضاح آليات التطبيق. كما يلفت إلى وجود فجوة واضحة في التوقعات بين البائعين الذين يتمسكون بأسعار ما قبل الرسوم، والمشترين الذين ينتظرون انعكاس الرسوم على الأسعار.

وتعد الأراضي الكبيرة الأكثر تأثرا بهذه الفجوة، كونها الفئة المستهدفة مباشرة بالرسوم، في وقت أصبحت فيه الجهات التمويلية أكثر تحفظا في تمويل الأراضي الخام.

إعادة تموضع لا ركود في السوق العقارية

ويؤكد الموسى أن بطء الحركة الحالية لا يعكس حالة ركود، بل يمثل إعادة تموضع للسوق، حيث يظل الطلب قائما على الأراضي المطورة والمخدومة، في حين تشهد الأراضي الصغيرة والمتوسطة نشاطا أعلى مقارنة بالأراضي ذات المساحات الكبيرة.

توقعات بزيادة المعروض وتحقيق التوازن

من جانبه، يتوقع موسى السعدون، الرئيس التنفيذي لشركة السعدون العقارية، أن يسهم التوسع في تطوير الأراضي البيضاء عبر الشراكات بين الملاك والمطورين في زيادة المعروض العقاري، ودعم مستهدفات التوازن في السوق.

ويشاركه الرأي محمد البادي، المتخصص في المزادات العقارية، الذي يرى أن السوق شهدت انضباطا سعريا ملحوظا، خاصة في الرياض، مع اتجاه ملاك الأراضي الخام إلى تسويقها عبر المزادات أو الصناديق العقارية أو الشراكات التطويرية، بعد توقف شبه كامل للبيع المباشر.

نجاح متفاوت مرتبط بكفاءة المطور والتمويل

ورغم مساهمة هذا النموذج في تحريك أراضٍ ظلت خارج الاستخدام لفترات طويلة، يرى صقر الزهراني، المستشار والخبير العقاري، أن نجاحه لا يزال متفاوتا، لاعتماده على كفاءة المطور وجودة المنتج النهائي والجدوى الفعلية للموقع.

ويشير الزهراني إلى أن السوق تمر بمرحلة حساسة تتسم بارتفاع مستوى عدم اليقين لدى الشركات والجهات المالية، ما انعكس على وتيرة التداول، خاصة في الأراضي الكبيرة وبعض المواقع الحيوية.

منصة توازن تضيف بعدا جديدا لحسابات المستثمرين

ويضيف أن اقتراب تطبيق الرسوم، إلى جانب الدور المتنامي لمنصة “توازن” في تحديد النطاقات السعرية، أسهما في زيادة حذر المستثمرين، ودفع السوق نحو إعادة تشكيل تنظيمية تعتمد على بيانات أوضح وتسعير أكثر شفافية.

تحديات التمويل تحدد مستقبل الشراكات

بحسب الزهراني، تتطلب الشراكات التطويرية في كثير من الأحيان رهن الأرض لصالح الممول، وهو ما يجعلها خيارا أقل قبولا حاليا، سواء لدى الجهات التمويلية التي أصبحت أكثر تحفظا، أو لدى الملاك المترددين في تحميل أصولهم التزامات إضافية.

كما يشير إلى نقص الشركات العقارية ذات الملاءة المالية الذاتية القادرة على تمويل المشاريع الكبرى من مواردها الخاصة، في ظل ميل حتى الشركات القوية ماليا إلى تجنب تجميد السيولة خلال مرحلة الترقب الحالية.

مرحلة انتقالية تمهد لدورة أكثر استقرارا

ويخلص الزهراني إلى أن السوق العقارية السعودية تعيش مرحلة إعادة تموضع، تتقدم فيها التنظيمات والحوكمة على حساب الاندفاع الاستثماري، مع تصاعد أهمية التحليل المالي وإدارة المخاطر ووضوح البيانات.

وهي مرحلة، بحسب وصفه، قد تمهد لدورة جديدة أكثر استقرارا، وأكثر ارتباطا ببيانات حقيقية ونطاقات سعرية عادلة، تسهم في رفع كفاءة السوق وتحسين جودة قرارات الاستثمار على المدى المتوسط والطويل.