شهدت السعودية تراجعاً ملحوظاً في عدد المواليد، حيث انخفض المعدل من 44 ولادة لكل ألف نسمة عام 1980 إلى 16 ولادة عام 2023، وفق بيانات البنك الدولي. هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على رأس المال البشري وقطاعي الصحة والتعليم، بل تمتد لتشمل سوق العقارات، السيارات الكبيرة، وأنظمة التأمين، بحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا لمنصة "الاقتصادية".
ويتوقع الخبراء أن تواجه السعودية تحديات الشيخوخة السكانية بحلول عام 2050، ما سينتج عنه اتساع الهرم السكاني في منتصفه وأعلاه مقارنة بقاعدته، ما ينقل المجتمع من مرحلة النمو الشبابي إلى مرحلة الاستقرار والشيخوخة.
ضغوط مالية على أنظمة التقاعد والرعاية الصحية
أكد الخبراء أن انخفاض عدد الداخلين لسوق العمل مقابل زيادة عدد المتقاعدين سيخلق ضغطًا ماليًا على الأنظمة التقاعدية ما لم يتم إعادة هيكلتها مبكرًا، عبر رفع سن التقاعد وتشجيع الادخار طويل الأمد. ويتوقع أن يرتفع عدد سكان السعودية من 34.6 مليون نسمة حاليًا إلى 47.7 مليون نسمة بحلول 2050، وفق بيانات population pyramid.
تجارب دولية ودروس مستفادة
ليست السعودية الوحيدة التي تواجه هذه الظاهرة؛ فقد شهدت اليابان وكوريا الجنوبية والصين انخفاضًا حادًا في المواليد، أدى إلى أزمات ديموغرافية وتدخلات حكومية واسعة. كما أظهرت تجارب عربية في تونس والمغرب ولبنان أن انخفاض الخصوبة له تأثيرات طويلة المدى على السياسات الاقتصادية.
تغير ديموغرافي وتأثيره على المجتمع السعودي
قال الدكتور إحسان بوحليقة، الخبير الاقتصادي ومؤسس مركز جواثا، إن انخفاض معدلات الإنجاب في السعودية قضية مجتمعية مرتبطة بالهوية الوطنية والثقافة، وليس تحديًا اقتصاديًا فقط. وأضاف أن تراجع الإنجاب يؤدي إلى شيخوخة السكان وانخفاض القوى العاملة وزيادة الضغط على أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية.
تشير توقعات الأمم المتحدة إلى تراجع معدل النمو السكاني إلى 0.72% بحلول 2050، مع انخفاض معدل الخصوبة من 2.12 إلى نحو 1.8 طفل لكل امرأة، وهو أقل من مستوى الإحلال، نتيجة ارتفاع التعليم وتمكين المرأة وزيادة تكاليف المعيشة.
أعباء التقاعد والرعاية طويلة الأمد
أوضح الدكتور أيمن زهري، خبير السكان ودراسات الهجرة، أن انخفاض الخصوبة المستمر يغير التركيبة العمرية تدريجيًا، ويقلل عدد الداخلين الجدد لسوق العمل مقابل زيادة كبار السن. ومع ارتفاع متوسط العمر المتوقع، سيصبح الهرم السكاني أقرب للعمود خلال العقود القادمة، ما يزيد أعباء التقاعد والرعاية الصحية ويحد من قوة العمل الوطنية.
تأثير انخفاض المواليد على القوة الشرائية والقطاعات الاقتصادية
أشار الدكتور محمد آل عباس، الخبير الاقتصادي، إلى أن تقلص حجم الأسرة السعودية يؤثر على رأس المال البشري والإنتاجية والقوة الشرائية، كما سيؤثر على القطاع العقاري والمساكن المستقلة والمخططات الكبيرة، مع انخفاض الطلب على السيارات العائلية ومواد البناء.
توقعات الأمم المتحدة تشير إلى زيادة نسبة كبار السن من 10% اليوم إلى 16% بحلول 2050، ما يغير موازين القطاعات الاقتصادية والخدمات العامة.
أسباب اجتماعية وراء انخفاض المواليد
دراسة جامعة الأميرة نورة أوضحت أن الانشغال بالحياة المهنية والسعي لاستكمال التعليم العالي والاستقرار المالي وتغير الأدوار الاجتماعية للمرأة، كلها عوامل ساهمت في انخفاض الرغبة في الإنجاب.
يشير الخبراء إلى أن الاستثمار في تمكين المرأة يزيد من قدرة الدولة على استثمار التحولات الديموغرافية بشكل إيجابي.
العودة إلى استقدام العمالة لتعويض النقص
مع تركيز رؤية 2030 على تنويع الاقتصاد وزيادة الاستثمار في القطاعات غير النفطية، من المتوقع استمرار تدفق العمالة الوافدة لتعويض النقص في الفئة العاملة، ما يحافظ على قوة الهرم السكاني قبل أن تظهر الشيخوخة بشكل تدريجي بعد عام 2040.
قطاع التعليم والصحة في مواجهة التغير الديموغرافي
انخفاض المواليد يضع تحديات أمام قطاع التعليم، مع انخفاض الطلب على المدارس والروضات، ما قد يؤدي لتراجع الاستثمار. بينما قد يشكل فرصة لتحسين جودة التعليم إذا استُثمرت الموارد بشكل أفضل مع عدد أقل من الطلاب.
أما القطاع الصحي، فسيشهد تحولات في هيكل الإنفاق، مع ارتفاع الحاجة إلى الرعاية طويلة الأمد والطب المتخصص لكبار السن، ما سيؤثر أيضًا على التأمين الصحي وأنظمة التقاعد.
تجارب دولية ناجحة لمواجهة انخفاض المواليد
نجحت السويد في تبني سياسات متوازنة تشمل دعم الأسر، وإجازات مدفوعة الأجر للوالدين، وخدمات حضانة منخفضة التكلفة، مع برامج للشيخوخة النشطة، ما حافظ على معدل خصوبة مستقر وتحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية.
في المقابل، ركزت اليابان على تعويض نقص السكان عبر التكنولوجيا وإطالة فترة العمل، بينما اعتمدت كندا على الهجرة المنظمة لاستقطاب الكفاءات وضمان استدامة النمو السكاني.
حلول واستراتيجيات مستقبلية للسعودية
يقترح الخبراء عدة حلول للتعامل مع تراجع المواليد:
استثمار الفرصة الديموغرافية عبر تحسين التعليم والمهارات الرقمية.
رفع مشاركة المرأة في سوق العمل.
الانتقال إلى اقتصاد قائم على العمالة الماهرة والتقنية.
إصلاح نظم التقاعد وتشجيع الادخار طويل الأمد.
توفير بيئة داعمة للأسرة لتعزيز الخصوبة.
إدارة الهجرة لاستقطاب الكفاءات.
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وبرامج التدريب للعمال الأكبر سنًا.
وأكد الخبراء أن تطبيق هذه السياسات سيسهم في التخفيف من آثار انخفاض الخصوبة على سوق العمل، مع تحقيق استقرار اقتصادي مستدام، وضمان استدامة رأس المال البشري السعودي.
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض