وسط أصوات تعالت بالترحيب من قطاع عريض من المواطنين بقرار الحكومة الأخير بشأن «إحلال التوكتوك بسيارات الميني ڤان الجديدة» وتنويه رسمي لسائقيه بضرورة التماشي مع منظومة الإحلال الجديدة التي ستتضمن تدريجيًا الاستعاضة بمركبات بديلة من سيارات الڤان داخل المناطق السكنية وجميع المناطق التي كان يعتمد فيها السكان على التوكتوك كوسيلة مواصلات سريعة ورخيصة داخلية بين المناطق وبعضها، استقبل قطاع آخر من المواطنين من متخذي التوكتوك وسيلة أساسية لكسب العيش والقوت اليومي، بجانب شريحة من أصحاب الورش ومستوردي وفنيين تجميع قطع غيار التوكتوك، القرار الحكومي بشكل يغلب عليه الإحباط والتساؤلات من كيفية تطبيق المنظومة الجديدة للإحلال، وتأثير ذلك القرار على حجم المكاسب التي كانوا يحققوها سواء من التكسب من خلاله كسائقين أو من التجار والمستوردين.
وترصد «العقارية» في السطور التالية انعكاس القرار الحكومي بإحلال التوكتوك على المنظومة الاقتصادية لقطاع النقل في مصر، حيث يُولي أصحاب القرار اهتمامًا رئيسيًا بتحسين حركة النقل وتحفيز شركات تصنيع السيارات في مصر على التصنيع المحلي للمركبات كمنتج كامل، وهو ما سيعود بالنفع على الحالة الاقتصادية بشكل عام، وتقليل استيراد المركبات، كما ستتناول عرض جانب إحصائي تقريبي من قيمة ما يجنيه الاقتصاد الموازي للتوكتوك ومكاسب فردية تقتصر على سائقيه وتجار الاستيراد وورش إعادة الهيكلة والتجميع «خارج منظومة الضرائب الرسمية ورسوم التراخيص والتأمين الإجباري للمركبات المُرخصة».
شعبة السيارات: جدل بين الترحيب بإحلال التو كتوك وتحفظات حول الإقصاء الكامل
أشاد اللواء نور الدين درويش، رئيس شعبة وكلاء وموزعي وتجار السيارات باتحاد الغرف التجارية، بقرار الحكومة بإحلال سيارات الميني الفان الجديدة كبديلا للتوكتوك الذي يعمل سائقيه خارج إطار رقابي، ولا يخضع لتحصيل أي مستحقات رسمية حكوميا كغيره من وسائل المواصلات العامة، على اعتبار أن التوكتوك يصنف كوسيلة مواصلات داخلية في الأحياء التي لا تسمح بولوج المواصلات العامة المتعارف عليها داخلها، لافتًا إلى ما تسبب فيه غياب الدور الرقابي على سائقي التوكتوك من حدوث مخالفات مرورية جسيمة وهو بدوره يؤثر على أرواح مستقلي التوكتوك يوميا، انعكاسًا لعدم خضوع التوكتوك لرقابة رسمية تسمح بتسجيل المخالفات وفرض العقوبات على سائقيه.
وفي سياق متصل، عارض اللواء عبد السلام عبد الجواد، عضو شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية، الاستعاضة الكلية بعربيات الميني فان كبديل عن التوكتوك، مشيرًا إلى أنه من الصعوبة بمكان أن تغطي سيارات الميني فان الجديدة جميع المناطق والأحياء التي يستطيع التوكتوك الدخول فيها مثل المناطق العشوائية على سبيل المثال هذا من جانب، من جانب آخر رفض عبد الجواد إقصاء التوكتوك بشكل كامل في حين يمكن تقنينه ومحاسبته ضريبيا وصدور قرارات بترخيصه وهو سيؤول بعد ذلك إلى إمكانية فرض الغرامات والمخالفات والقضاء على العشوائية التي يشتكي منها المواطنين نتيجة عدم وجود آلية رسمية مقننة لسير التوكتوك في الشوارع من الأساس.
وفي ذات السياق، أثنى عضو شعبة السيارات على السيارات الجديدة المصنعة محليا كبديل للتوكتوك، مقارنة بالتوكتوك الذي يفتقد عناصر الأمان والحماية اللازمة للمواطنين الذين يستقلوه يوميا ولسائقيه أيضا، لافتًا إلى أن الإقصاء الكامل للتوكتوك لابد أنه سيؤثر على الأفراد التي كانت تتخذه وسيلة للقوت اليومي، كما أنه يوجد فارق سعري كبير بين سعر التوكتوك وسعر سيارات الميني الفان التي تصل لـ 400 ألف جنيها، في حين أن التوكتوك لا يتجاوز الـ 100 ألف جنيها، وهو ما يشجع على تقنينه ومعاملته كوسيلة مواصلات عامة من الجهات المختصة وما يفترض أن يخص ذلك.
إحلال التوكتوك يهدد سوق قطع الغيار بخسائر فادحة
أكد أحمد شاكر، مالك منشأة تجارية في أحد المناطق بحي الهرم لبيع قطع غيار التوكتوك، أن قرار الحكومة الجديد بالإحلال أنه سيؤثر على تجار قطع الغيار بشكل كبير، حيث قدر حجم متوسط الخسارة في حال كان الإحلال بشكل كامل وتم إقصاء كليا للتوكتوك من 200 لـ 300 ألف جنيها كحد أدنى، مشيرًا إلى أن التجارة في بيع قطع غيار التوكتوك مُربحة نظرا لأعداد التوكتوك في المنطقة الواحدة والمحافظة الواحدة التي قد تتخطى 600 ألف توكتوك، مؤكدًا أن البضاعة المشتراه لن يتم استرجاعها بل سيتكبد خسارتها التاجر بشكل كامل.
كما أوضح أن الخسارة الفادحة لن تتعلق بقطاع معين، بل ستشمل سائقيه، وتجار قطع الغيار، ومستورديه الذي يستوردون حاويات تصل لـ 10 مليون دولار بشكل دوري، متمنيًا أن تتجه الحكومة لإصدار تراخيص للتوكتوك بدلًا من الإحلال الكامل الذي سيضر بقاعدة كبيرة من التجار الذين يعتمدون على التربح من وراء التجارة في قطاع غيار التوكتوك.
سائقون يسألون: لماذا ترخيص السكوتر وليس التوكتوك؟
يقول محمود علي، سائق توكتوك داخل محيط حي الهرم، يعمل من السادسة صباحا حتى السادسة مساءا، أن قرار إحلال التوكتوك بسيارات الميني فان لابد أن يراعي الفئات التي تعمل لدى الغير بالإيجار، وبدلًا من إحلال التوكتوك بشكل كامل، فيمكن إعادة النظر في تقنينه وترخيصه، لافتًا إلى أن أغلب سائقي التوكتوك هم مؤجرين يعملون بـ "اليومية" التي تتطلب دفع ما قيمته 300 جنيها يوميا لمالك التوكتوك.
وأشار علي إلى أن سائقي التوكتوك يطمحون في تكسب يتخلله تأمين وتسعيرة موحدة، وهو ما يتطلب إدراج التوكتوك ضمن وسائل المواصلات العامة من الدولة وإصدار التراخيص والتأمين الإجباري على المركبات، كما أن التوكتوك ليست وسيلة مواصلات داخلية سريعة التكسب كما يتصور البعض، فكثيرًا يجهلون أن المركبة يتم تغذيتها بالبنزين من فئة 92 وليس السولار، وبقيمة يومية تتخطى الـ 100 جنيها، بالإضافة إلى ما تحتاجه المركبة من تصليحات وترميمات يومية داخل ورش متخصصة فقط في تصليح التوكتوك.
وتسائل علي لماذا يتم ترخيص "السكوتر" و"الموتسيكل" والسماح لهم بالعمل داخل منظومة النقل الذكي التي من المفترض أن تكون منظومة توفر للمواطنين وسائل أمان أثناء الرحلات والقيادة في حين لا يتم التعامل مع التوكتوك بنفس الميزان، الذي يعتبر أكثر أمانا من السكوتر والموتسيكل.
لماذا يسمح باستيراد التوكتوك ويمنع ترخيصه؟
قال أحد العاملين في ورش متخصصة في إصلاح وترميم التوكتوك في حي فيصل، في محافظة الجيزة، فضل عدم ذكر اسمه، إن قرار إحلال التوكتوك سيؤثر على حجم الدخل اليومي الذي كان يتحصل عليه لا محالة، حيث أن ورش التصليح والترميم انتشرت بشكل كبير في المنطقة الواحدة نظرا لزيادة عدد مركبات التوكتوك، والإجابة نعم هناك ربحية في ورش تصليح التوكتوك عن غيرها، لافتًا إلى سيارات الفان الجديدة التي ستكون بديلة تدريجيا عن التوكتوك، ليست سيارات قوية وعملية مقارنة بالتوكتوك.
كما تسائل عن عدم الاعتراف بالتوكتوك كوسيلة مواصلات عامة يتم التعامل فيها داخل مناطق محددة ومعينة، ويخصص لها مواقف وسيرفيس، من باب الاعتراف بالسكوتر والموتسيكل، لافتًا إلى أن سرعة التوكتوك هي ما تشكل عائقا من ناحية إصدار التراخيص، فلماذا لا يتم صدور قرارات بالسماح بتقنين التوكتوك حال تطبيق سرعة لا تتعدى الـ 50 أو الـ 60، ولماذا لا يتم الاعتراف بالتوكتوك في حين يُسمح باستيراده من تجار ووكلاء كبار، والسماح للتجار بالتجارة والتكسب من بيع قطع غيار التوكتوك؟ مضيفًا أن التوكتوك بهيئته الحالية يصنف كوسيلة مواصلات سياحية في بعض الدول الأجنبية.
جدير بالذكر أن قرار الحكومة بإحلال التوك توك بسيارات الميني فان ليس بجديد، حيث كان أول اتجاه حكومي بهذا التحويل كان عام 2019، وحينها عقدت الحكومة العزم على تضمين اجتماعات بينها وبين مصنعي التوك توك في مصر، ومستورديه حتى يحولوا خطوط إنتاجهم للتوك توك لسيارات الميني فان، وبهذا لا وجود لخسائر على أصحاب الصناعة والاستيراد الذين ظلوا لسنوات يتكسبون من وراء التوك توك، ولكن هذه المرة ستتكفل الحكومة بتصنيع سيارات الميني فان، وتجميعها وإنتاجها محليًا، حيث كان آخر ما صرحت به الحكومة في ذلك الشأن في عام 2024، أن شركة حلوان للآلات والمعدات التابعة لزارة الإنتاج الحربي ستتولى تصنيع وتجميع مركبة خفيفة ذات أربع عجلات تحمل العلامة التجارية "Qute"، وتعمل بنظام محرك ثنائي الوقود بنزين / غاز طبيعي.
وتضمنت الأسباب الرئيسية بالقرار الحكومي بإحلال التوك توك بسيارات الميني فان، وجود آلية رسمية لسير المركبات وتحصيل حق الدولة في الرسوم المقررة على المركبات لإصدار التراخيص اللازمة التي تساعد في بناء قاعدة بيانية رسمية للسائقين وبالتالي محاسبتهم على المخالفات المرورية وأثناء السير ضمن نظام رسمي يساعد في إدارة المرور، وفرض القوانين، وخدمات للسائقين.
وانحصرت الاستفادة والتكسب من وراء التوك توك للسائقين في المقام الأول بالإضافة إلى باقي المساهمين بداية من وصول التوك توك في حاويات استيراد وحتى تصليحه وترميمه داخل الورش الخاصة به، في حين يفرض أكثر من ضريبة على المركبات التي تصنف كوسائل مواصلات عامة مثل الميكروباص والميني ميكروباص والأتوبيسات الخاصة وسيارات النقل الذكي.
خبير اقتصادي: إحلال التو كتوك قضية أمن قومي تتطلب رؤية شاملة
أكد الدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادي، أن ملف إحلال التوكتوك في مصر يمثل قضية قومية تتطلب رؤية استراتيجية شاملة تراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، موضحًا أن التوكتوك أصبح مصدر رزق رئيسي لنحو 5 ملايين سائق، بعد أن تجاوز عدد المركبات المنتشرة على مستوى الجمهورية 5 ملايين مركبة، ولا يمكن إغفال دوره في توفير دخل يومي مجز لشريحة واسعة من الشباب.
وأشار خضر إلى أن التوكتوك أدى إلى تراجع المهن الحرفية التقليدية مع اتجاه كثير من الشباب للعمل عليه بدلا من اكتساب مهارات المهن اليدوية، لافتًا إلى أن غياب التنظيم والترخيص ساهم في اتساع الاقتصاد الموازي وحرمان الدولة من عائدات ضخمة كان يمكن تحصيلها عبر دمج القطاع رسمياً وفرض الرسوم والضرائب.
وتساءل الخبير عن آليات تنفيذ الإحلال، خاصة ما يتعلق باستلام التوكتوك من السائقين وتعويضهم وتحديد سعر عادل لشراء المركبات، في ظل الغموض الذي يحيط بالإجراءات وارتفاع التكلفة المتوقعة بسبب ضخامة أعداد التكاتك.
واستشهد خضر بتجربة إحلال التاكسي التي لم تتجاوز نسبة تنفيذها 5%، معتبرًا أن ذلك يدعو إلى ضرورة دراسة ملف التوكتوك بعناية قبل اتخاذ أي قرار بالإحلال الكامل.
وفيما يخص البدائل، يرى الخبير أن الميني فان المقترحة كبديل فني جيد، داعيًا إلى دراسة تقنين أوضاع التوكتوك بدلا من الإحلال الشامل، مع تقديم حوافز تشجيعية لأصحاب التكاتك مثل فرض رسوم شهرية رمزية "100 جنيه على كل مركبة"، ما سيحقق عائدًا ماليًا كبيرًا للدولة دون تكبد أعباء استيراد أو تصنيع الميني فان، معتبرًا أن هذا النهج يوفر حلاً عمليًا ومتوازنًا، وينظم القطاع ويعزز موارد الدولة.
وأوضح الخبير إلى أن عملية الإحلال ستستغرق وقتا طويلًا في ظل غياب رؤية حكومية واضحة بشأن مستقبل التوكتوك، وعدم صدور أي بيانات حول إمكانية حصول السائقين على تسهيلات بنكية بفائدة معتدلة، مشيرًا إلى أن التوكتوك ارتبط ببعض الجرائم، مشددًا على إمكانية معالجة ذلك عبر إجراءات تنظيمية فعالة.
ولفت إلى مراعاة الفروق الكبيرة بين سعر التوكتوك 100-200 ألف جنيه، والميني فان نحو 400 ألف جنيه، متسائلًا عن قدرة الدولة على تحمل تكاليف الإحلال في الظروف الحالية.
من قيادة التوكتوك إلى الميني فان: رحلة تحول سائق في فيصل
يقول مصطفى محمد السيد، سائق توكتوك بحي فيصل سابقًا، إنه عندما علم بقرارات الحكومة الأخيرة بإحلال التوكتوك بسيارات الميني فان، وأنه سيأتي عليه يوم ليساير عملية الإحلال لامحالة، قرر بيع التوكتوك الوحيد الذي كان يمتلكه واستيراد سيارة ميني فان جديدة من ماركة BAJAJ، وهي السيارة التي تنتوي الحكومة تصنيع مثيلتها محليًا، وتحتوى 4 راكب كحد أقصى، ولها أجرة موحدة وهي 7 جنيهات.
ويؤكد سائق السيد على أنه يستكمل حاليًا إجراءات تراخيص السيارة، كما أنها سيارة عملية وسريعة.
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض