أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال لقائه الرئيس الصيني شي جين بينج في بكين، أن التنسيق بين باريس وبكين يشكّل عنصراً محورياً في الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مشيراً إلى أن العمل المشترك من أجل السلام والاستقرار العالمي بات ضرورة ملحّة في ظل ما تشهده مناطق عدة من أزمات متصاعدة. وجاءت تصريحات ماكرون، وفق ما نشرته صحيفة لوموند الفرنسية.
الزيارة الحالية تُعد الرابعة للرئيس الفرنسي إلى الصين، وتمثل محطة مفصلية لأوروبا في وقت تسعى خلاله إلى إيجاد توازن بين التأثيرات الاقتصادية المتزايدة لبكين والمخاطر الأمنية المرتبطة بصعودها، خاصة مع استمرار الاضطرابات التجارية على مستوى العالم.
استقبال رسمي واسع وماكرون يبدأ جولته من المدينة المحرّمة
حظي الرئيس الفرنسي باستقبال رسمي كبير، شمل مراسم استقبال كاملة واستعراضاً لحرس الشرف. وبدأ ماكرون زيارته بجولة في المدينة المحرّمة في العاصمة الصينية قبل أن يلتقي الرئيس شي مرة جديدة خلال زيارة سيجريها إلى مدينة تشنجدو في مقاطعة سيشوان جنوب غربي البلاد.
ملف التجارة.. محور رئيسي في مباحثات ماكرون داخل بكين
تضع باريس في صدارة أولويات الزيارة ملفّ اختلالات التجارة العالمية. وتشير بيانات وزارة الخزانة الفرنسية إلى أن العجز التجاري بين فرنسا والصين بلغ نحو 47 مليار يورو عام 2024، في واحد من أكبر الفجوات التجارية التي تواجهها دولة أوروبية مع الصين.
ووفق وكالة بلومبرغ، يسعى ماكرون إلى فتح الباب لمزيد من الاستثمارات الصينية في فرنسا وتعزيز تدفق الصادرات الفرنسية، خاصة في قطاعات الطيران والمنتجات الفاخرة. وفي المقابل، تترقّب باريس تعهداً صينياً بخطوات عملية نحو تعزيز الطلب المحلي داخل الصين لخلق توازن أفضل في حركة التجارة.
أوروبا تبحث عن معادلة جديدة مع الصين وسط مخاوف اقتصادية متصاعدة
لطالما شدد ماكرون على ضرورة تشكيل موقف أوروبي موحد تجاه الصين، دون الوصول إلى مرحلة استفزاز بكين أو الدخول في مواجهة تجارية شاملة. وقال نواه باركين، المتخصص في الشأن الصيني لدى مجموعة روديوم، إن الرئيس الفرنسي يسعى لتوصيل رسالة واضحة مفادها أن أوروبا مستعدة للرد على التهديدات الاقتصادية والأمنية، لكنها حريصة على تجنب التصعيد.
وتأتي زيارة ماكرون بعد أشهر من توتر أعقب تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي وصفت العلاقات الأوروبية–الصينية بأنها "تمر بنقطة انعطاف". كما يستعد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرتس لزيارة الصين مطلع العام المقبل، ما يعكس سباقاً أوروبياً لإعادة ضبط العلاقات مع بكين.
التوتر التجاري يشتد.. صادرات رخيصة وتفوق تكنولوجي يربك الصناعة الأوروبية
تشهد العلاقات التجارية الأوروبية–الصينية توتراً ملحوظاً بسبب تدفق السلع الصينية منخفضة التكلفة، خاصة في قطاع الصلب، وهو ما ألقى بظلاله على الصناعات الأوروبية. كما تبرز مخاوف متزايدة من التفوق التكنولوجي الصيني في صناعة السيارات الكهربائية وهيمنة بكين على سوق العناصر الأرضية النادرة، التي تعد أساساً للعديد من الصناعات الحيوية في أوروبا.
وفي ظل استمرار الضغوط الناتجة عن الرسوم الجمركية الأمريكية، تسعى بكين إلى تقديم نفسها شريكاً تجارياً أكثر استقراراً لأوروبا، على أمل الحد من القلق الأوروبي حيال دعم الصين لروسيا ونموذجها الصناعي القائم على التدخل الحكومي.
فرنسا تدعم تشديد أدوات الاتحاد الأوروبي لحماية الأسواق
وتستعد المفوضية الأوروبية لكشف آلية جديدة للأمن الاقتصادي تهدف إلى تعزيز قدرة التكتل على استخدام أدواته التجارية بصرامة أكبر تجاه الصين. وقد دعمت فرنسا هذه الجهود، بما فيها التوجه لرفع الرسوم الجمركية على واردات السيارات الكهربائية الصينية.
في المقابل، كشفت مصادر في قطاع الطيران أن افتتاح خط تجميع جديد لشركة إيرباص داخل الصين لن يترجم في الأغلب إلى الصفقة الضخمة المنتظرة التي تصل إلى 500 طائرة، رغم التوقعات السابقة بإبرامها خلال الزيارة. ويشير محللون إلى أن مثل هذه الصفقات تمنح بكين وزناً إضافياً في مواجهة الضغوط الأمريكية المتعلقة بشراء طائرات بوينج.
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض