شهدت مدن الخليج العربي قفزة نوعية في التصنيفات العالمية، مُحرزة تقدماً ملحوظاً في قابلية العيش، ومؤشرات الابتكار، والاستثمار في البنية التحتية.
تصدرت إمارة دبي قائمة مدن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحلّت ضمن أفضل 25 مدينة على مؤشر المدن العالمية لـ "كيرني 2025".
وحافظت دبي على مكانتها الرائدة، حيث صعدت إلى المرتبة 23 عالمياً، مما يُعزز دورها كمركز عالمي للمال والأعمال والثقافة.
صعود المراكز العالمية الخليجية
كشف تقرير كيرني للمدن العالمية 2025 عن نمو مكانة مدن الخليج العربي بوصفها مراكز عالمية صاعدة، مدفوعة بالاستثمارات الهائلة في البنية التحتية، والجاهزية الرقمية، ورأس المال البشري. وعلى الرغم من احتفاظ المدن العريقة بالمراتب الأولى عالمياً، إلا أن المدن الرائدة في دول مجلس التعاون الخليجي حققت أفضل نسب النمو على أساس سنوي في المؤشر، ما يعكس دورها الجوهري والمتنامي في رسم ملامح الاقتصاد العالمي.
وعلق رودولف لومير، الشريك الأول في مجلس سياسة الأعمال العالمية ورئيس المعهد الوطني للتحولات، بالقول: "إن اللافت للنظر في نتائج تقرير 2025 ليس أسماء المدن التي صعدت أو هبطت في التصنيف، وإنما الأسباب وراء هذه التصنيفات بحد ذاتها.
إذ لم تعد مكانة المدن قائمة على الأفضلية التاريخية أو النطاق الواسع، بل اقترنت التنافسية بمدى كفاءة المدن في تنمية المواهب، وترسيخ الثقة في الأنظمة الرقمية، وتهيئة بيئات ملائمة للعيش ومواكبة للتطورات.
وأضاف: "تُعد مسيرة مدن الخليج العربي خيرَ مثالٍ على دور هذه العوامل في تعزيز مكانة هذه المدن العالمية خلال بضعة أعوام فقط."
منهجية المؤشر وتفوق دبي والرياض
يُقيّم مؤشر المدن العالمية 158 مدينة وفق خمسة أبعاد رئيسية: النشاط التجاري، ورأس المال البشري، وتبادل المعلومات، والتجربة الثقافية، والمشاركة السياسية.
ويعتمد المؤشر على 31 مؤشراً فرعياً لقياس قدرة المدينة على جذب الأفراد ورأس المال واستبقائهم على المستوى العالمي، فضلاً عن استقطاب الأفكار الإبداعية وتحفيزها.
أظهرت نتائج التقرير لهذا العام احتفاظ المراكز العالمية العريقة بالمراتب الخمس الأولى، وهي على الترتيب: نيويورك، ولندن، وباريس، وطوكيو، وسنغافورة.
لكنها أشارت أيضاً إلى نمو التنوع في الترابط العالمي، حيث شهدت مدن مثل ألماتي وتايبيه وريو دي جانيرو تحسناً ملحوظاً.
وفي منطقة الخليج العربي، صعدت دبي إلى المرتبة 23 عالمياً، فيما صعدت الرياض 8 مراتب لتحل في المركز 56، ما يعكس الزخم المرتفع للنشاط الاقتصادي والترابط فيها، مدفوعاً ببرامج التحول الطموحة. وقفزت المنامة 10 مراتب لتصل إلى المركز 125.
الاستثمار كأداة لاستقطاب المواهب
تُسلط النتائج الضوء على نجاح مدن الخليج العربي في تكريس الاستثمار كوسيلة فعالة لاستقطاب المواهب، إلى جانب توسيع الاستثمارات في قطاعي الخدمات اللوجستية والبنية التحتية، مما يُسهم في تقريب الفجوة بينها وبين المدن العريقة الرائدة عالمياً.
وأظهر تقرير 2025 تحولات جوهرية في النظام العالمي، حيث صعدت ميونخ إلى المركز الأول متجاوزة سان فرانسيسكو، وقفزت كل من سيئول وسنغافورة إلى المراكز الخمسة الأولى، في دليل واضح على المكانة المتنامية لمراكز الابتكار الآسيوية.
وكانت نتائج التقرير إيجابية تحديداً فيما يتعلق بمدن الخليج العربي، حيث حققت كل من دبي، والرياض، والدمام، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، والدوحة، والمنامة نمواً مستقراً، مدفوعة بالاستثمارات المستمرة في البنية التحتية والابتكار وقابلية العيش.
وتُسلط هذه المدن مجتمعة الضوء على التأثير المتنامي للمنطقة في رسم ملامح مدن المستقبل.
وخلصت نتائج التقرير إلى أن مسألة التنافسية في المستقبل ستقوم على ثلاثة عوامل تمكين مستقلة: زيادة سعة الطاقة، ودمج قابلية العيش والمرونة البيئية في خطط النمو، وإعداد المواهب والكفاءات لتوظيف الذكاء الاصطناعي.
وبفضل الإصلاحات الممنهجة والاستراتيجيات الاستشرافية، تسير مدن الخليج العربي بخطى واثقة نحو تعزيز مرونتها لمواكبة التغيرات، وترسيخ دورها الفاعل في رسم ملامح المرحلة المقبلة من الريادة العالمية.