شهدت أسواق "وول ستريت" تقلبات حادة اليوم مع محاولة المستثمرين تقييم حجم التوتر التجاري المتزايد بين أكبر اقتصادين في العالم (الولايات المتحدة والصين).
فقد ارتفعت الأسهم في البداية، ثم تراجعت، قبل أن تعاود الصعود مجدداً مدعومة بالتفاؤل حيال صدور نتائج أرباح الشركات الفصلية.
وبعد أن شهدت الأسهم واحدة من أفضل فتراتها النصف سنوية منذ خمسينيات القرن الماضي، تعرضت السوق لموجات قصيرة من جني الأرباح، التي وُصفت بأنها "تصحيح صحي" بعد موجة صعود قوية.
ولم تدم تلك التراجعات طويلاً، وسط توقعات سائدة بأن خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي سيُبقي الزخم الإيجابي قائماً في أرباح الشركات الأمريكية.
وبعد صعود دفع مؤشر "إس آند بي 500" لتحقيق مكاسب بلغت 1.2%، عاد المؤشر للتراجع نحو الساعة الواحدة ظهراً بتوقيت نيويورك، ثم ارتد سريعاً إلى المنطقة الإيجابية بعد نحو 30 دقيقة فقط، مما يعكس مرونة السوق وقوة الدعم الشرائي.
نتائج الشركات تُهيمن على القلق من الحرب التجارية
يُراقب المستثمرون عن كثب أي تطورات تتعلق بالنزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، لكنهم سرعان ما أعادوا تركيزهم على العوامل الأساسية التي دفعت مؤشر "إس آند بي 500" للارتفاع بأكثر من 15 تريليون دولار منذ الانهيار الذي شهده في أبريل الماضي.
ومع انطلاق موسم نتائج الأرباح، قفزت أسهم "مورغان ستانلي" و"بنك أوف أميركا" بعد صدور نتائج فاقت التوقعات. بينما عززت تصريحات إيجابية حول تقنيات الذكاء الاصطناعي صادرة عن شركة "إيه أس أم إل هولدينغ" أسهم شركات الرقائق الإلكترونية.
وفي وقت لاحق من الجلسة، أعلنت شركة "يونايتد إيرلاينز هولدينغز" أرباحاً فاقت التوقعات أيضاً.
وعلق مارك هاكيت من شركة "نيشنوايد" قائلاً: "المستثمرون الذين يشترون عند الانخفاض ما زالوا المحرك الرئيسي للسوق، مما يبقي المعنويات قوية رغم إشارات الإجهاد الفني".
تزايد المخاطر التجارية وتفاؤل حذر
في المقابل، توقفت أسعار السندات الأمريكية بعد موجة صعود دفعت العائد على السندات لأجل عامين إلى أدنى مستوى منذ عام 2022، في حين ارتفع سعر الذهب فوق مستوى 4200 دولار.
ورغم مرونة السوق، فإن التصعيد المستمر بين واشنطن وبكين أعاد إلى الأذهان مخاوف المستثمرين من احتمال انزلاق القوتين الاقتصاديتين إلى حرب تجارية شاملة.
واقترح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت تمديد فترة التريّث في فرض الرسوم الجمركية المرتفعة على البضائع الصينية، مقابل تراجع بكين عن خطتها الأخيرة لتشديد القيود على المعادن النادرة.
وأشار بيسنت خلال فعالية نظمتها شبكة "سي إن بي سي" إلى أن الرئيس دونالد ترامب مستعدّ للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ في وقت لاحق من هذا الشهر.
دعوات داخل "الفيدرالي" لتسريع خفض الفائدة
من جانبه، قال عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي ستيفن ميران إن التوترات التجارية زادت من حالة عدم اليقين بشأن آفاق النمو، مما يجعل من الضروري أن يُسرّع البنك المركزي وتيرة خفض الفائدة. وأضاف أن الغموض في السياسات التجارية أضاف "مخاطر جديدة" إلى المشهد الاقتصادي.
وبالمقابل، أشار ماكس كيتنر من "إتش إس بي سي" إلى أن الأساسيات الاقتصادية لا تزال قوية، مؤكداً أنه يدخل عام 2026 بموقف "ميّال إلى المخاطرة" مع توقعات نمو أمريكي يسهل تجاوزها.
ثقة متزايدة وتوقعات بمرحلة "تجميع"
قال ديفيد ليفكوفيتز من "يو بي إس لإدارة الثروات العالمية" إن "نتائج أرباح الربع الثالث يجب أن تدعم رؤيتنا بأن السوق الصاعدة لا تزال قائمة، مدفوعة بنمو أرباح مستدام وخفض أسعار الفائدة".
ووفقاً لـسكوت روبنر من "سيتادل سيكيوريتيز"، فإن الطلب من المتداولين الأفراد على خيارات الشراء تجاوز طلبات البيع لمدة 24 أسبوعاً متتالياً، وهي أطول فترة منذ نوفمبر 2023، مما يدل على أن ثقة المستثمرين في سوق الأسهم "ما تزال استثنائية".
أما سام ستوفال من "سي إف آر إيه"، فقال إن السوق ربما لم تنتهِ بعد من هضم مكاسبها الأخيرة، موضحاً أن "مزيداً من الدمج قد يكون في الأفق". ونصح بأنه في حال حدوث تراجع إضافي، ينبغي استغلال ضعف الأسعار للشراء، مشيراً إلى أن متوسط التراجع في سنوات الصعود نادراً ما يتجاوز 8.5% في دورات ما بعد الحرب العالمية الثانية.