أحمد عز يدعو البلدان العربية إلى وضع سياسة صناعية موحدة تحمي صناعة الصلب العربي.. و وزير التجارة والصناعـة والاستثمار العماني يعد بتقديم ورقة عمل إلى مجلس التعاون الخليجي استجابة لطلب مصر تمهيدًا لوضع رؤية عربية موحدة
المهندس أحمد عز رئيس الاتحاد العربي للحديد والصلب:
الرئيس عبدالفتاح السيسى لعب دورًا محوريًا في القضية الفلسطينية بوصفه داعماً رئيسياً لعملية السلام والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط ومن ثمّ إغلاق ملف «ريفيرا» غزة
النظام التجـــــــــــــاري العالمي على وشك الانهيار .. وقرارات وقوانين منظمة التجارة العالمية غيـــــــــــــر مفعلة
الولايات المتحـــــــدة الأمريكيــــــــة بادرت برفع الحواجز الحمائية بما يتنافي مــــــــــع قوانين منظمة التجارة العالميـــــــة.. والاتحاد الأوربـــــي أصـــدر مجموعــــــة من القـــــرارات بفـــــــرض قيـــــــــود علي الاستيراد مــــــن الخـــــــارج إرضاءً لأمريكا ..ورغــــــــم ذلك البلدان المتقدمة تشير بأصابع الاتهام للدول العربيـــــــــة لفتح أسواقها لسلع الإغــــــــراق
علـــى البلدان العربيـــة التعامل بحكمة مـــع الطاقات الفائضة من إنتاج الصلب والتى تجاوزت الـ 600 مليون طن
الأســـــواق العربيــــــــــة البديـــــل الأنســـــب لاستمـــــرار عمليـــــات النمـــــو لصناعـــــة الصـــــلب فـــــي المنطقـــــة
النهوض بصناعة الصلب يحتاج إلى تنشيط الطلب المحلي وتسهيل منح التراخيص والأراضي للمستثمرين وفتح البناء للأفراد والقطاع الخاص
علينا توخي الحذر عند توقيع الاتفاقيات الثنائية ودراسة شروطها التي قد لا تتوافق مع الوضع التجاري والتنموي لبعض الدول
نجاح صناعة الحديد والصلب لن يقوم علي التصدير .. والصين قضت على ما يسمي بالصناعات الصغيرة في العالم
إعادة التوازن بين المشروعات الحكومية المخططة مركزياً ومبادرات القطاع الخاص أهم أدوات الدعم لصناعة الصلب في المنطقة العربية
التوسع في قطاعات التشييد والبناء ومنح الرخص والصناعـات المساندة كالسيارات والأجهزة الكهربائية المعمرة والسفن .. الحل الأمثل لانطلاق صناعة الصلب
تصاعد الاتجاهات الحمائية سبب رئيسي في انهيار قواعد تجارية عالمية كبري
قمة الحديد والصلب الـ 18 تتوافق أهدافها مع الاستراتيجية الصناعية لتعزيز التنافسية.. ودافعة لمسيرة التطور
العالم العربي رائد في إنتاج الصلب.. والصناعة ركيزة رئيسية للنمو والتطور ومصدر للوظائف وتطوير القدرات
مستهلكو الصلب قاربوا على 60 مليون مستهلك بالدول العربية.. والناتج المحلي في زيادة مطردة
قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار العماني:
رؤيـــــة سلطنة عمـــــان 2040 قائمـــــة علـــــى التنـــــوع الاستثماري والتطـــــور المستـــــدام والعمل علـــــي زيـــــادة الصـــــادرات غيـــــر النفطيـــــة
40 % من الصادرات الصناعية لـ عمان من الحديد والصلب .. والقطاع يساهم نحو 2 % في الناتج المحلي الإجمالي
سلطنــــة عمــــــــان تستهــــدف تعزيــــز المحتوى المحلــــي وإطــــلاق منصات رقميــــة لتسهيــــل بيئة الأعمـــــال
نعمــــل لإقامــــة صناعــــة صلب عربيــــة أكثر كفاءة واستدامــــة مستنــــدة إلــــى الابتكــــار والتكنولوجيا الحديثــــة
مناقشة توصيات قمـة الصلب بمسقط مــع وزراء التجارة والصناعة للــدول العربيــــة فــــي اجتماعاتهــــم المقبلــــة
قمــــة الصلب بمسقط شارك فيها أكثــــر مــــن 600 مشارك بيــــن مسؤوليــــن ومستثمرين وخبـــــراء وممثلــــي الشركات الإقليميــــة والعالميــــة فــــي قطاع الحديــــد والصلب
التعاون العربي العربي» جاء ليمثل شعار المرحلة في كل ما يشهده النظام الاقتصادي والتجاري العالمي اليوم من متغيرات أعادت ترتيب الأوراق، وكشفت عن غياب الكثير من قواعد اللعبة وقوانين التعامل التي طالما اعتادت عليها والتزمت بتطبيقها البلدان النامية والصاعدة قبل غيرها من دول العالم المتقدم.
ولعل الكلمات التي أدلى بها المهندس أحمد عز، رئيس الاتحاد العربي للحديد والصلب، خلال قمة الصلب العربي الـ18، أصبحت تجسد الوضع الراهن لما وصلت إليه تلك الصناعة بالبلدان العربية، وما شابها من تحديات لم تقدر على مواجهتها دولة عربية بمفردها.
ووجّه عز رسالة عاجلة إلى حكومات البلدان العربية، ممثلة في وزراء التجارة والصناعة والاستثمار، تفيد بضرورة وضع سياسة صناعية موحدة تحمي صناعة الصلب العربي من المتغيرات غير المسبوقة .. وبجرأته المعتادة وفصاحته في الخطابة، قال أحمد عز، على حد تعبيره، إن النظام التجاري العالمي على وشك الانهيار بعد أن تجاهلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تطبيق مبادئ وقوانين النظام التجاري الدولي، وكأن منظمة التجارة العالمية (WTO) لم تعد موجودة، وقد أعقب ذلك ممارسات حمائية غير مقبولة.
قمة مسقط للصلب
ودعا المهندس أحمد عز البلدان العربية بشكل عام، ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، إلى ضرورة توخي الحذر وعقد لقاءات موسعة وصولًا إلى حلول جذرية تحمي صناعة الصلب العربي، وتمكّنها من الفوز بالفرص التي لا تزال قائمة، كما دعا إلى ضرورة إفساح الساحة للقطاع الخاص لمزيد من المشاركة في تنفيذ المشروعات الكبرى.
ولصدق الكلمات وخطورة المعلومات، وجدت كلمات رئيس قمة الصلب العربي الـ18 لعام 2025 صدى واسعًا لدى وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بسلطنة عُمان، قيس بن محمد اليوسف، والذي وعد من جانبه بعرض الموقف برمّته على دول مجلس التعاون الخليجي، والتواصل مع الجانب المصري مرة أخرى.
عديد من القضايا والمفاهيم والحلول غير التقليدية تبادلها أكثر من 600 من المسؤولين والمستثمرين والخبراء وممثلي الشركات الإقليمية والعالمية بقطاع الحديد والصلب، من خلال جلسات مؤتمر قمة الحديد والصلب الـ18، والتي امتدت على مدار يومين خلال الأسبوع الماضي بمدينة مسقط عاصمة سلطنة عُمان، وقد حرص كافة المشاركين بالقمة على حضور جميع جلسات المؤتمر، متبادلين وجهات النظر والرؤى المستقبلية حول القضايا التي ناقشها واستعرضها المتحدثون بجلسات المؤتمر، حيث تصدّر المشهد الحواري عدد من القضايا، لعل في مقدمتها رؤى قادة صناعة الصلب العربي لمواجهة تحديات وفرص الغد، والاستثمارات في البنية التحتية والإسكان والدور الذي تلعبه كمحرّك رئيسي للطلب على منتجات الصلب في الدول العربية، وفائض إنتاج الصلب العالمي الذي بلغ نحو 600 مليون طن، وكذلك السياسات الحمائية الجديدة، ومحاور أخرى بشأن التقنيات الحديثة في صناعة الصلب وتأمين إمدادات المواد الأولية لصناعة الصلب العربية، والتحديات اللوجستية والجيوسياسية التي يواجهها منتجو الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الطلب على تكنولوجيا الاختزال المباشر في ضوء مستقبل أسعار الغاز والخام، والتعريفات الجمركية في أسواق الصلب الرئيسية، ودور الحكومات في حماية صادرات الصلب العربية، فضلًا عن التحديات الخاصة بالخردة من خلال بناء اقتصاد دائري للصلب في العالم العربي.
رجل الأعمال أحمد عز
وقد حرص المهندس أحمد عز، بوصفه أحد أكبر منتجي الحديد والصلب في الشرق الأوسط، على التحاور مع العديد من المشاركين والمتحدثين لتبادل وجهات النظر وصولًا إلى حلول غير تقليدية وخروجًا عن المألوف، من أجل النهوض بتلك الصناعة الاستراتيجية التي لا تزال تمثل حجر الزاوية لأي صناعة عربية مستهدفة تحقيق انطلاقة كبرى، وتُسهم في تصحيح المسار الاقتصادي وصولًا إلى معدلات نمو تمكّنها من البقاء بفاعلية على الساحة الإقليمية والعالمية.
»العقارية» رصدت كافة جلسات وفعاليات المؤتمر على مدى اليومين، وانفردت ببعض التصريحات والمعلومات، وإلى التفاصيل فيما يلي ..
أعلن المهندس أحمد عز، رئيس الاتحاد العربي للحديد والصلب، بدء أعمال القمة الثامنة عشرة للاتحاد العربي للصلب في مسقط 2025، وذلك بعد ترحيب كبير بالحضور من أعضاء الاتحاد ومجلس إدارته، وكذلك ممثلي الشركات والمؤسسات المختلفة.
وأكد عز أن الاتحاد ليست له وظيفة سياسية، إلا أن ما يجري على الساحة العالمية والإقليمية يستوجب التعليق على الشأن العربي، مناديًا بوقف التشريد والتهجير القسري لأهل غزة، وهو ما بدأت مؤشراته باتفاق شرم الشيخ، مشددًا على أن الأمل يحدو الجميع لإنهاء هذه المأساة عبر حل سلمي، باعتباره تتويجًا للمواقف العربية الرائدة والقوية في مواجهة مشروعات التهجير وطمس الهوية، مشيرًا إلى أن الموقف المصري الصلب مثّل نموذجًا للخبرة المصرية التي تمتد لآلاف السنين في الدفاع عن مقدراتها ومقدرات الشعوب المجاورة، لافتًا إلى أن هذه المواقف ساهمت في كبح انحياز العالم لمشروعات التهجير القسري، وبدأت بوادر ذلك تظهر من خلال الجهود المصرية الرامية لإنهاء أعمال التخريب والتشريد والتطهير العرقي في غزة، حيث تلوح في الأفق آمال بقرب انتهاء هذه المأساة، ورؤية ضوء في نهاية نفق طويل.
وأكد عز أن القيادة السياسية المصرية كان لها دور رئيسي وأساسي في دعم القضية الفلسطينية، وهو ما يعكس مكانة مصر على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، مشيرًا إلى أن مصر طرحت رسالة سلام للعالم أجمع من أجل إنهاء الحرب، وهو ما تحقق بالفعل من خلال التوصل إلى اتفاق كامل على خطة الرئيس الأمريكي برعاية مصرية شاملة، مضيفًا أن مصر والدول العربية لعبت دورًا محوريًا وهامًا، وسجلت عبر مواقف قوية اتخذها قادة الدول العربية جميعهم دون استثناء، خلال الأسابيع والأيام والساعات الأخيرة، وأشار بصورة خاصة إلى مصر التي تقف على خط المواجهة المباشرة في هذه الأحداث، وتختلف عن غيرها من الدول في موقعها ومسؤولياتها.
رجل الأعمال أحمد عز
وأشاد بموقف الرئيس عبد الفتاح السيسي والقيادة السياسية المصرية، مؤكدًا أن الرئيس يتمتع ببعد رؤية وموقف صلب وواثق وهادئ، يستند إلى خبرة آلاف السنين التي مرت على الدولة المصرية، وأن كلمته كانت واضحة منذ البداية: «لا للتهجير المؤقت أو الدائم»، حيث أن لولا هذا الموقف الحاسم الذي اتخذته مصر منذ البداية، لكنا ما زلنا نستمع إلى أفكار «ريفييرا غزة»، والتي تحولت بفضل المواقف المصرية والعربية الصلبة إلى مسار مختلف تمامًا.
وأوضح المهندس أحمد عز أن الاتحاد العربي للحديد والصلب هو أقدم اتحاد نوعي عربي يمثل أعضاءه، ويسعى إلى تقريب وجهات النظر في الموضوعات المتعلقة بصناعة الصلب العربية بين الصنّاع والحكومات ومتخذي القرار في العالم العربي، ووجّه عز رسالة إلى الحكومات العربية وتحديدًا إلى وزراء الصناعة والتجارة في كل دولة، عبر الوزير قيس اليوسف، وزير التجارة والصناعة والاستثمار في سلطنة عمان، مؤكدًا أن صناعة الصلب العربية بحاجة إلى من «يحنو عليها» في ظل ما يشهده العالم من متغيرات كبيرة، فالعالم اليوم تغير رغم السير على النهج التنموي والتطويري والتجاري المتواصل طوال العقود الثلاثة الماضية.
وأضاف قائلاً: قبلنا كصنّاع عرب، من خلال المفاوضين العرب في منظمة التجارة العالمية، بعدد من القرارات بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة لا تعرف الحدود أو الحواجز أمام التجارة، وقد بُني نموذج الاستثمار ليس فقط على الأسواق المحلية، بل على عمليات التصدير إلى الأسواق العالمية، موضحًا أن صناعة الصلب العربية اعتمدت في سياساتها على توجهات النظام الاقتصادي الدولي الذي يرسخ قيم حرية التجارة، ونموذج التنمية الذي يجمع بين أهمية الطلب المحلي وضرورة التصدير، الأمر الذي أدى إلى تخفيض متوسطات الرسوم الجمركية والالتزام بحماية براءات الاختراع والعلامات التجارية اتساقًا مع اتفاقية «تريبس»، فضلًا عن التوقيع على اتفاق المعالجات التجارية.
وأكد عز أنه على الرغم من قبول الدول العربية بهذه الالتزامات لتصبح جزءًا من النظام التجاري الدولي، بل وطرفًا في قضايا الإغراق والدعم ورسوم الوقاية في حالة الإفراط في الصادرات، إلا أن الدول صاحبة تلك الأفكار قد تحللت منها، وصارت الأسواق تُغلق، والحواجز تُرفع، والقواعد التجارية تختفي، حتى بدا النظام التجاري العالمي في السنوات الأخيرة وكأنه على وشك الانهيار، وكأن منظمة التجارة العالمية لم تعد موجودة.
وأكد أن الولايات المتحدة، استهدافًا لصناعة الصلب فيها، قامت برفع الحواجز الحمائية بما يتنافى مع قواعد وقوانين منظمة التجارة العالمية، وذلك عقب الولاية الأولى للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث فرضت رسومًا بنسبة 25%، واستمرت تلك السياسات في عهد الرئيس جو بايدن أيضًا، إلا أن الولاية الجديدة للرئيس ترامب شهدت مضاعفة هذه الحواجز الحمائية لتصل إلى نحو 50%، ولم تكتفي الولايات المتحدة بذلك فحسب، بل بدأت في التعامل مع كل دولة على حدة.
وذكر أن الاتحاد الأوروبي أصدر مجموعة من القرارات هدفها الأساسي إرضاء الولايات المتحدة، من خلال فرض قيود على عمليات الاستيراد من الخارج، بل وشارك في فرض حصص متناقصة للتصدير إلى أسواقه، وأصبحت الأسواق العربية تُتَّهم بأنها لا تحمي أسواقها كما يجب أمام الصادرات المغرقة من الصين، بل وتُوجه إليها اتهامات بعدم حماية صناعتها المحلية، في حين أنها تمتلك فائضًا يتعين عليها تصديره إلى أسواق أخرى.
رجل الأعمال أحمد عز
وأكد أن السوق العربية بحاجة إلى سياسة صناعية عربية موحدة ومتكاملة تخص قطاع الصلب، على غرار ما هو موجود في الاتحاد الأوروبي، بحيث تُقر حدودًا للحماية، ليس لأن صناعة الصلب غير كفؤة أو ضعيفة، بل لمواجهة الهجمات الحمائية المتتالية التي تتعرض لها، موضحًا أن الاستثمارات والإنتاج الموجه للتصدير أصبحا في مواجهة اتهامات كثيرة وكبيرة، كما أن الإيمان بالقواعد السابقة التي تم التنصل منها من قبل واضعيها لم يعد له محل في العالم.
وصرّح بأننا نُلام اليوم على عدم قدرتنا على حماية صناعة الصلب العربية، بل ونسمح للغرماء - كالصين التي تتخفى في عباءة فيتنام، واليابان التي تمتلك فائضًا كبيرًا من الصلب في ظل اقتصاد ناضج - بالتغلغل في الأسواق العربية، مما ساهم في زيادة الفائض من الإنتاج العربي من الصلب، والذي يتجه بدوره إلى الأسواق الأوروبية، وأشار إلى أننا نلاحظ حاليًا أن صوت المستورد أصبح أكثر تأثيرًا من صوت الصانع، الذي لا يستطيع التواصل إلا عبر حكومته، مما يؤكد أن الخيار الأول لاستمرار النمو هو الاعتماد على أسواقنا العربية.
وتابع المهندس أحمد عز قائلًا: بدأت العمل في مجال الصلب في أوائل الثمانينيات، حين كان إنتاج العالم يبلغ نحو 600 مليون طن، أما اليوم فقد بلغ الفائض في الطاقات الإنتاجية هذا الرقم تقريبًا، وهذا الفائض لا يأتي من الصين وحدها، بل من مناطق أخرى في العالم، ويتم تحويله إلى طاقات تصديرية موجهة لأسواق متعددة، وأشار إلى أن هذا الوضع يتطلب التعامل بحكمة مع أزمة الطاقات الفائضة، مع مراعاة مراحل النمو التي تمر بها الدول، فبلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتركيا يتراجع عدد سكانها، ومع ذلك يستمر إنتاجها من الصلب في الزيادة، وهو ما يؤثر سلبًا على التوازن العالمي، الأمر الذي يستدعي التعامل مع الموارد العالمية بعقلانية أكبر.
وشدد المهندس أحمد عز على أن صناعة الصلب العربية تمثل ركيزة رئيسية للنمو والتطور، ومصدرًا كبيرًا لفرص العمل وتطوير القدرات، مؤكدًا أن للاتحاد العربي للحديد والصلب – الذي مثل على مدى نصف قرن الشركات العربية العاملة في القطاع – دورًا محوريًا في استغلال الفرص الناشئة والتغلب على التحديات التي تواجه الصناعة.
كما أكد وجود العديد من الإيجابيات، من بينها أن العالم العربي يُعد من رواد إنتاج الصلب، وأن عدد السكان في تزايد مستمر، مما يمنح آفاقًا إيجابية للطلب على منتجات الصلب، وأشار إلى أن عدد مستهلكي الحديد قارب على 60 مليون مستهلك، خاصة وأن إجمالي الناتج المحلي في الدول العربية يشهد زيادة مطردة، فضلًا عن أن كثيرًا من الدول العربية تمتلك الموارد والقدرات اللازمة لتحقيق النجاح والنمو.
وأوضح أن معظم النمو المتحقق كان نموًا حقيقيًا مرتبطًا بالاقتصادات الوطنية، حيث شهد القطاع نموًا جيدًا خلال السنوات الماضية، وشدد على أن آفاق النمو المستقبلية تتطلب تجاوز التحديات الحالية، والتي من أبرزها أن استهلاك الصلب في المنطقة العربية ما زال منخفضًا مقارنة بأوروبا الغربية، وأن إنتاج اللفائف والصلب المسطح، وهو المنتج الأساسي في صناعة الصلب العالمية، لا يزال متأخرًا بشدة في العالم العربي، إضافة إلى انخفاض أسعار تصدير منتجات الصلب، وتراجع أسعار الصلب بشكل عام مقارنة بأسعار منتجات أخرى أقل تعقيدًا ولا تتطلب هذا القدر الكبير من الإنفاق الاستثماري الكثيف.
وأكد عز على أن قطاع الصلب يمثل ركيزة أساسية للنمو، وأن المجال الأوسع للتطور لا يكمن في التصدير فقط، بل في تنشيط الطلب المحلي على منتجات الصلب من خلال التوسع في النمو الصناعي، وتسهيل منح التصاريح والأراضي للمستثمرين، وكذلك تسهيل إجراءات البناء للأفراد والقطاع الخاص.
كما أكد على تصاعد الاتجاهات الحمائية في صناعة الصلب، موضحًا أن القواعد التجارية العالمية شارفت على الانهيار في ظل طغيان الحمائية على مستوى العالم، وأضاف أن هناك تحالفًا واضحًا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتنسيق الحمائي وفرض المزيد من القيود التجارية على الدول الصغيرة، وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي أطلق خطة دعم بقيمة 700 مليار دولار لدعم قطاع السيارات في بلاده، في الوقت الذي أخضع فيه عشرات الشركات لتحقيقات دعم وإغراق دون سند تجاري حقيقي، متهمًا إياها «دون مبرر» بوجود علاقات تجارية مع الصين تبرر فرض القيود الحمائية عليها.
ووجّه عز بضرورة الانتباه عند توقيع الاتفاقيات الثنائية ومراجعة شروطها بعناية، والاستعانة بالخبرات المتخصصة في هذا المجال لتجنّب التوقيع على اتفاقيات ملزمة لا تتوافق مع الأوضاع التجارية والتنموية للدول الموقعة عليها، موضحًا أن شركات الصلب العربية تواجه تحديات عدة أثرت على هياكل التكلفة لديها، مشيرًا إلى أن منظمة «أوبك» فرضت نظام تسعير قائمًا على مناقصات ذات طابع مبهم للغاية، ما انعكس على استقرار الأسواق.
ونوّه عز إلى وجود مجموعة من العوامل التي يمكن أن تسهم في دعم الصناعات العربية، وفي مقدمتها إعادة التوازن بين المشروعات الحكومية المخططة مركزياً ومبادرات القطاع الخاص، ولا سيما في قطاعات التشييد والبناء، ومنح الرخص، وتأسيس الشركات، كما أكد أهمية التخطيط الدقيق لرفع معدلات استهلاك الصلب عبر تنمية الصناعات المساندة مثل صناعة السيارات والأجهزة الكهربائية المعمرة والسفن وغيرها، مقترحًا تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم هذا التوجه، مع ضرورة الاهتمام بالموارد البشرية العربية القادرة على الابتكار والنمو وتقديم المبادرات التي تدعم الصناعة.
وأكد المهندس أحمد عز أن الفرص في المنطقة العربية لا تزال قائمة، وأن الأوضاع مهيأة لتحقيق مزيد من التطوير والنجاح خلال المستقبل القريب، موضحًا أن نمو صناعة الصلب يتطلب العمل في اتجاهين؛ أولهما الاستثمار الخلفي لتعظيم القيمة المضافة، من خلال التيسير على مستثمري المواد الخام وتشجيعهم على الدخول في قطاعات مثل التكرير، وثانيهما التطوير المستمر في مواصفات منتجات الصلب العربية للتغلب على الممارسات الحمائية والقيود التجارية المتصاعدة، عبر طرح التحديات أمام الحكومات والانطلاق نحو التوسع في الإنشاء والتعمير وتيسير الإجراءات أمام الأفراد والمستثمرين.
رجل الأعمال أحمد عز
وفي السياق ذاته، قال رئيس مجلس إدارة الاتحاد العربي للحديد والصلب، إن قمة الحديد والصلب لهذا العام تجمع العديد من الشركات العاملة والموردة لصناعة الصلب في المنطقة العربية، موضحًا أن القمة تمثل منصة تجمع قادة القطاع والخبراء وصناع القرار من داخل المنطقة وخارجها، لتبادل الخبرات ومناقشة التوجهات المستقبلية واستكشاف الفرص الاستثمارية، والمساهمة في صياغة مسار صناعة الحديد والصلب على المستويين الإقليمي والدولي.
وأشار إلى أن انعقاد القمة يأتي في وقت يشهد فيه قطاع الحديد والصلب العالمي تحولات جوهرية وتطورات متسارعة تفرض على المنتجين في المنطقة العربية تحديات متزايدة، تدفعهم إلى تكثيف جهودهم للتحول وضمان استدامة عملياتهم على المدى الطويل، مضيفًا أن أهداف القمة تتوافق مع الاستراتيجية الصناعية الرامية إلى تعزيز تنافسية القطاع الصناعي وترسيخ ثقافة الابتكار، بما يعزز دور القمة في دفع مسيرة تطور صناعة الصلب، ودعم جهود التنويع الاقتصادي، وخلق فرص مستدامة للمستقبل، فضلًا عن بحث استراتيجيات النمو والحلول التكنولوجية ونماذج التعاون التي ستشكل مستقبل هذه الصناعة.
وأوضح أن الاتحاد العربي للحديد والصلب، كغيره من منظمات الأعمال الدولية والإقليمية والعربية، يهدف إلى رعاية مصالح الأعضاء وتنمية صناعة الصلب في العالم العربي، وإبراز دورها أمام المجتمعات والحكومات، والدفاع عن مصالحها أمام التجمعات والاتحادات الدولية المناظرة، إلى جانب سعيه الدائم لتحقيق النمو، وصياغة الأفكار والمقترحات التي تُقدَّم لصناع القرار، خصوصًا في ظل الكتل التجارية التي أصبحت ذات تأثير وقوة متزايدة خلال السنوات الأخيرة.
وفي السياق ذاته، قال: تواجه صناعة الصلب العربية تحديات كبرى تتمثل في فائض الطاقة الإنتاجية العالمية، وتقلبات الأسواق، والضغوط البيئية، والتطور التكنولوجي السريع، وأصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى دراسة الأسواق بدقة وتعزيز الشراكات الاستراتيجية للحفاظ على القدرة التنافسية، وفي ظل الحروب التجارية العالمية بات على صناعة الحديد والصلب أن تتكيف بسرعة لضمان البقاء، مع الحفاظ على دورها الحيوي في الاقتصادين الإقليمي والعالمي، ففهم الاتجاهات العالمية والإقليمية، واستشراف التغيرات المستقبلية، والاعتماد على تحالفات قوية، تعد عوامل حاسمة للنجاح في هذه المرحلة التحولية، ومن خلال التعاون وتبادل الخبرات وتطوير الشراكات المستدامة يمكن مواجهة التحديات واغتنام الفرص المتاحة.
رجل الأعمال أحمد عز
وأشار عز إلى أنه في ظل التحولات المتسارعة على الساحة العالمية، تجد صناعة الصلب العربية نفسها أمام مفترق طرق استراتيجي، حيث تُعيد التغيّرات الجوهرية في مجالات الطاقة والبيئة والرقمنة رسم ملامح سلاسل القيمة الصناعية، وتُغيّر نماذج الأعمال، وتُعيد توزيع موازين التجارة الدولية، ومع تصاعد القيود الجمركية والبيئية، وتزايد التحديات المرتبطة بالتكلفة واللوائح التنظيمية، إلى جانب تسارع استثمارات الدول المتقدمة في مشاريع الصلب الأخضر، أصبح من الضروري أن تبلور الدول العربية رؤيتها الاستراتيجية بوضوح، وتحدد موقعها في المشهد الصناعي العالمي الجديد.
وأوضح عز أن الاستخدام الأهم لصناعة الصلب عالميًا هو الاستخدام الصناعي، بينما الاستخدام الأوسع في مصر والعالم العربي يتركز في قطاعي التشييد والبناء. وأشار إلى أن مصر والسعودية تشهدان حاليًا العديد من المشروعات التي تزيد من معدلات استخدام الحديد والصلب، في حين تمتلك المغرب صناعة سيارات تعتمد بشكل رئيسي على منتجات الصلب، كما لفت إلى أن إيطاليا تستقطب العديد من الفنيين المصريين خريجي المعاهد الفنية لتدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل في الشركات الإيطالية أو في أسواق أخرى.
وأكد أن نجاح صناعة الحديد والصلب لا يقوم على التصدير فقط، خاصة في ظل ما قامت به الصين من القضاء على الصناعات الصغيرة، موضحًا أنه في حال دخول الشركات العربية السوق العالمية من باب التصدير ستواجه العديد من التحديات والعقبات في أسواق مختلفة، وأضاف أن تطوير هذه الصناعة يتطلب التوسع في منح التمويلات العقارية للمشروعات في مختلف الدول، مع ضرورة تبنّي سياسات نقدية مرنة تراعي أسعار الفائدة، وهو ما من شأنه أن ينعكس إيجابًا على نمو صناعة الصلب في الدول العربية.
وأشار عز إلى أنه سيتم اختيار مقر انعقاد قمة الصلب سنويًا في عاصمة عربية مختلفة، باعتبار أن الاتحاد يمثل كافة الشركات العاملة في صناعة الصلب، موضحًا أن القمة تضمنت مجموعة من المناقشات الاقتصادية ذات التقاطعات المباشرة مع قطاع الحديد والصلب، بمشاركة نخبة من الخبرات الدولية والعالمية والمحلية المهتمة بهذه الصناعة، إلى جانب مناقشة القضايا التجارية والبيئية والتطورات الراهنة في التجارة الدولية، فضلًا عن استعراض التقنيات الحديثة ذات الخصوصية في مجال صناعة الصلب.
وأضاف أن هناك رسالة تم توجيهها إلى وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار بسلطنة عُمان، تتناول التكتلات العالمية مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين يتجهان إلى تطبيق سياسات حمائية لصناعة الصلب في ظل المتغيرات الجيوسياسية الراهنة، والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا التي دفعت الاتحاد الأوروبي لإعادة بناء قدراته التسليحية، وأكد أن العالم بات ينظر إلى صناعة الصلب كصناعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها، مشددًا على أهمية تأمين احتياجات الدول العربية ذاتيًا، وضمان استمرارية الصناعة وحمايتها، بدلًا من الاعتماد على واردات من دول قد تتغير تحالفاتها مستقبلًا.
وحذّر من أن استمرار رفع الحواجز الحمائية في العالم سيجعل من الدول العربية سوقًا مستقبلية لفوائض الدول الأخرى، ما لم تتخذ خطوات فاعلة لحماية صناعتها الوطنية، ودعا إلى تحريك هذه الرسالة وتوجيهها إلى الحكومات العربية، لتعزيز التعاون المثمر بين القطاعين الحكومي والخاص، مؤكدًا في الوقت ذاته حاجة المنطقة إلى سياسة عربية موحدة لصناعة الصلب.
وأوضح أن وزير التجارة والصناعة العُماني وعد بنقل هذه الرسالة إلى مجلس التعاون الخليجي لمناقشتها، مشيرًا إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات التجارية التي تشمل الرسوم الجمركية والمعالجات التجارية، مع الاتجاه نحو تطبيق رسوم جمركية موحدة على مستوى العالم العربي، ووضع سياسات وقائية مشابهة لتلك المتبعة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا، إلى جانب دول أخرى تسير على نفس النهج. وبيّن عز أن هذه الخطوات من شأنها أن تقود إلى صياغة رؤية عربية موحدة أكثر مرونة، تتيح تحقيق التكامل بين الدول العربية التي تمتلك فوائض إنتاجية وتلك التي تعاني من فجوات في احتياجاتها، مع ضرورة مناقشة قضايا الطاقة وآليات تسعيرها، بما يساهم في وضع خارطة طريق وتهيئة بيئة عمل مناسبة لجميع العاملين في الصناعة، مؤكدًا أن من الممكن الوصول إلى سياسة تنفيذية قابلة للتطبيق من قبل الحكومات العربية.
وذكر في تصريحات خاصة لـ العقارية أن صناعة الصلب في الدول العربية انتهجت خطوات جيدة نحو التحديث وزيادة الطاقة الإنتاجية والتي تتضمن مجموعة من المحاور، في ظل وجود برامج طموحة لتحديث وتطوير هذه الصناعة، مؤكدًا أن المملكة العربية السعودية لديها برنامج واعد لزيادة الإنتاج وتحديثه، خاصة وأن المملكة لديها رؤية 2030 ولما لها من صدي في صناعة الصلب السعودية، الأمر الذي يؤكد على أنها جادة في ظل الطلبات التي تتماشي مع الخطط التوسعية للمملكة.
وأكد أن مصر تعد قاعدة ضخمة في صناعة الطلب في الشرق الأوسط، خاصة وأن صناعة الصلب الحديثة بالدول العربية بدأت في عام 1936 بمدينة الإسكندرية المصرية، بمصانع الدلتا والنحاس، لتتطور تلك الصناعة في حقبة الستينيات من خلال الشركة الأم بحلوان، كما أن السوق المصري لديه مجموعة كبيرة من الشركات العاملة في هذه الصناعة لعل منها حديد المصريين وبشاي والعشري للصلب.
وذكر بأن الجزائر أصبحت أيضًا أحد الروافد الهامة في صناعة الصلب، كما أن دولة قطر تمتلك استثمارات كبيرة في هذه الصناعة أيضًا، وكذلك حديد الإمارات التي حققت نجاحات كبيرة خلال الفترة الماضية، ونأمل أن تستمر في تحقيق تلك النتائج، كما أن ليبيا بدأت تستعد طاقتها الإنتاجية، وأيضًا المغرب لما تتميز به من تقدم في صناعة السيارات، مؤكدًا أن الاتحاد العربي للصلب يأمل في استمرار الطفرات التي حققتها خلال الفترة المقبلة.
وأوضح أن مجموعة عز لديها استثمارات جديدة في السوق المصري، مستهدفة تعظيم الإنتاج وزيادته خلال الفترة المقبلة، في ظل التطور الكبير الذي شهدته البنية الأساسية التي شهدها السوق المصري مؤخرًا، سواء في الطرق والطاقة الكهربائية والموانئ، في ظل تميز الموقع الجرافي لمصر ووجود موانئ تطل على البحرين الأحمر والمتوسط خاصة هذه الموانئ بها أرصفة تصنف على أنها الأعمق بين الدول العربية.
رجل الأعمال أحمد عز
ونوه إلى أن السوق المصري يتميز أيضًا بوفرة في انتاج الغاز الطبيعي والتعداد السكاني، وهذا ما يؤكد زيادة الطلب علي الحديد في السوق المصري، وهو ما يمثل دافعًا وحافزًا لشركات الصلب لزيادة الاستثمارات، مرحبًا الاستثمارات الخارجية في هذا القطاع من الدول العربية، سواء بالذهاب إلى هذه الأسواق أو جذب استثمارات تلك الدول إلى السوق المصري، خاصة وأنه حان الوقت للتعاون المشترك بين الدول العربية.
وصرح بأن سلطنة عمان تمتلك مقومات كبيرة في كافة القطاعات الاستثمارية، بل ولديها الرغبة للمشاركة في الإنتاج والعمل، خاصة في ظل وجود وفرة الغاز الطبيعي وقدرتها على استقطاب العديد من الصناعات لعل أبرزها الاستثمارات البرازيلية في التكورير والمغذية لصناعة الصلب المنطقة العربية، نظرًا لما تقدمه من مواد خام حاكمة لهذه الصناعة، مؤكدًا أن عمان تمتلك مقومات في الموانئ أيضًا التي تعد من أعمق الموانئ بالمنطقة، في ظل قوة سكانية كبيرة قادرة علي إحداث الفارق، لتصبح عمان أحد أهم المحطات المهمة لهذه الصناعة.
وفي ختام كلمته، شدد عز على أن الاتحاد العربي للحديد والصلب، كغيره من المنظمات الإقليمية والدولية المناظرة، يهدف إلى رعاية مصالح أعضائه وتنمية صناعة الصلب، وإبراز دورها والدفاع عن مصالحها أمام الاتحادات الأخرى، في ظل التحديات الكبرى التي تواجه الصناعة، ووجّه رسالة شكر وتقدير إلى السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عمان، وإلى وزير التجارة والصناعة قيس بن محمد اليوسف وأعضاء الوزارة، على حفاوة الاستقبال وحسن التنظيم ودعمهم لإنجاح المؤتمر، مؤكدًا أن اختيار مدينة مسقط كان اختيارًا موفقًا لاستضافة هذه القمة المهمة.
رجل الأعمال أحمد عز
رجل الأعمال أحمد عز
من جانبه أكد قيس بن محمد اليوسف، وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، أن قطاع الحديد والصلب يحتل موقعًا محوريًّا، ليس فقط لدوره في تمكين قطاعات البنية الأساسية والطاقة واللوجستيات، وإنما أيضًا لارتباطه الوثيق بالقضايا العالمية الراهنة، وفي مقدمتها التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
وأوضح أن قطاع صناعات الحديد والصلب في سلطنة عُمان يُعد من أبرز القطاعات الصناعية الواعدة، إذ يسهم بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وجذب استثمارات تُقدَّر بمليارات الدولارات، كما يعمل فيه مئات الكوادر الوطنية المؤهلة، فيما تشكل صادرات منتجات الحديد والصلب ما يقارب 40% من إجمالي الصادرات الصناعية لسلطنة عُمان.
وأضاف أن السلطنة بدأت استعداداتها لمواكبة هذه التحولات من خلال الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وتشجيع المصانع على تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، إلى جانب تطوير منظومة الحوافز لجذب الاستثمارات النوعية، وتعزيز المحتوى المحلي، وإطلاق منصات رقمية لتسهيل بيئة الأعمال، موجِّهًا الشكر إلى المهندس أحمد عز، رئيس الاتحاد العربي للصلب، وجميع المشاركين والرعاة.
وأشار إلى أن رؤية عُمان 2040، التي أطلقها السلطان هيثم بن طارق، تتضمن ملامح اقتصاد وطني قائم على التنوع والاستدامة والنمو والتطوير والفرص، ويحرص الجميع على تطبيقها، ولتحقيق ذلك تم وضع الاستراتيجية الصناعية التي تمثل القاسم المشترك والطريق الرئيسي لتعظيم الناتج المحلي الإجمالي، مع تعزيز الصادرات الصناعية غير النفطية وتوسيع القاعدة الإنتاجية القائمة على المعرفة، ومن ثم يحتل قطاع الحديد والصلب موقعًا محوريًا لما له من دور كبير في التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
وأكد الوزير أن الاستثمار في الحديد الأخضر يمثل مسارًا استراتيجيًا لتقليل الانبعاثات وتعزيز التنافسية، خاصة مع دخول آليات جديدة مثل تعديلات الكربون الحدودي التي تُفرض على منتجي الصلب، وما تفرضه من متغيرات على الشركات العاملة في هذا القطاع، وقد بدأت السلطنة بالفعل في تطوير حوافز جذب الاستثمارات وإطلاق منصات رقمية، إدراكًا منها بأن صناعة الحديد والصلب لم تعد صناعة تقليدية، بل أصبحت صناعة استراتيجية تُقاس قدراتها بمدى قدرتها على تقليل الانبعاثات الكربونية إلى جانب مساهمتها في بناء سلاسل توريد مرنة.
وأضاف أن أمن الإمدادات وسلاسل القيمة، والسياسات الحمائية الجديدة، ودور الابتكار والتقنيات الحديثة في تعزيز التنافسية والاستدامة، كانت من أبرز المحاور التي تصدرت أعمال هذه القمة، إلى جانب جلسات متخصصة حول التحول البيئي والتكنولوجي في قطاع الصلب، وبناء اقتصاد دائري يعتمد على إعادة التدوير والخردة الصناعية، كما أُقيم معرض متخصص سلّط الضوء على أحدث التقنيات والمشروعات الصناعية في مجال صناعة الحديد والصلب.
وأشار إلى أن العالم يشهد اليوم تحولات عميقة في سلاسل الإمداد والطاقة والتكنولوجيا، ما يفرض على الدول العربية ضرورة تعزيز التكامل الصناعي وتبني استراتيجيات جديدة لمواكبة المتغيرات العالمية، مؤكدًا أن صناعة الحديد والصلب تمثل ركيزة أساسية في التنمية الصناعية، ودعامة رئيسية لمشروعات البنية الأساسية والطاقة والإنشاءات.
رجل الأعمال أحمد عز
وبيّن أن القمة تمثل فرصة مهمة لالتقاء المستثمرين في هذا القطاع، ومنصة للتعريف بالمزايا التنافسية للقطاع الصناعي في سلطنة عُمان، بما يسهم في جذب استثمارات نوعية تعزز من تنافسيته الإقليمية والدولية، لتؤكد استضافة السلطنة لهذا الحدث مكانتها التي وصلت إليها كمركز إقليمي للصناعات المعدنية وبوابة لتجارة المواد الخام في المنطقة.
وأوضح الوزير أن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار تحرص من خلال هذه القمة، التي يشارك فيها أكثر من 600 من المسؤولين والمستثمرين والخبراء وممثلي الشركات الإقليمية والعالمية في قطاع الحديد والصلب، على فتح آفاق جديدة للتعاون العربي، وتكامل الجهود نحو صناعة صلب عربية أكثر كفاءة واستدامة، مستندة إلى الابتكار والتكنولوجيا الحديثة، وبما ينسجم مع توجهات سلطنة عُمان نحو الاقتصاد الأخضر والحياد الكربوني.
وفي ختام كلمته، رحّب الوزير قيس بن محمد اليوسف بورقة العمل التي سيقدمها رئيس الاتحاد العربي للصلب، والتي تلخص توصيات ونتائج المؤتمر، لتتم مناقشتها مع وزراء التجارة والصناعة في دول مجلس التعاون الخليجي خلال اجتماعاتهم المقبلة، مؤكدًا استعداد السلطنة للمساهمة في الفعاليات المستقبلية التي ينظمها الاتحاد عبر الفرص الاستثمارية والمبادرات الجديدة التي سيتم طرحها لتعزيز صناعة الصلب، مؤكدًا أن القمة تشكل نقطة تحول نحو اقتصاد أكثر استدامة وتنافسية، خصوصًا في ظل ما طرحه رئيس الاتحاد من رؤى ومقترحات لتعزيز هذا القطاع الحيوي في المنطقة.
الدول العربية مطالبة بتحديد رؤيتها الاستراتيجية وموقعها في المشهد الصناعي العالمي الجديد
المهندس سعيد غمران الرميثي الرئيس التنفيذي لمجموعة إيميريتس ستيل:
التحولات العالمية تضع صناعة الصلب العربية أمام مفترق طرق استراتيجي
ضرورة تقليل التكاليف التشغيلية وتعزيز الكفاءة لاستمرار نمو صناعة الصلب
الدكتور محمد الفقيه رئيس مجلس إدارة الشركة الليبية للحديد والصلب:
1.4 مليون طن إنتاج الشركة سنويًا.. ونتطلع الوصول إلى 4 ملايين طن
800 ألف طن سنويًا يحتاجها السوق الليبي .. والشركة لديها 600 ألف طن قابل للتصدير
حاتم الصنهاجي الرئيس التنفيذي لشركة المغرب للصلب:
الإجراءات الحمائية العالمية تحد من فرص التصدير وتدعم التوجه نحو التصنيع المحلي
عصر التصدير انتهى .. والإنتاج المحلي هو محرك الطلب القادم
ناقشت الجلسة الأولى من قمة الحديد والصلب الـ 18 المنعقدة في مسقط، رؤى قادة صناعة الصلب العربية لمواجهة تحديات وفرص المستقبل، وقد أدار الجلسة المهندس أحمد عز رئيس الاتحاد العربي للحديد والصلب، بمشاركة كل من المهندس سعيد غمران الرميثي الرئيس التنفيذي لمجموعة «إيميريتس ستيل»، والدكتور محمد الفقيه رئيس مجلس إدارة الشركة الليبية للحديد والصلب، وحاتم الصنهاجي الرئيس التنفيذي لشركة «المغرب للصلب».
قال المهندس سعيد غمران الرميثي، الرئيس التنفيذي لمجموعة «إيميريتس ستيل»، إن التحولات المتسارعة على الساحة العالمية وضعت صناعة الصلب العربية أمام مفترق طرق استراتيجي، في ظل تغيّرات جوهرية تشهدها مجالات الطاقة والبيئة والرقمنة، والتي تعيد رسم ملامح سلاسل القيمة الصناعية، وتغيّر نماذج الأعمال، وتعيد توزيع موازين التجارة الدولية.
وأوضح الرميثي أن تصاعد القيود الجمركية والبيئية، وتزايد التحديات المرتبطة بالتكلفة واللوائح التنظيمية، إلى جانب تسارع استثمارات الدول المتقدمة في مشروعات الصلب الأخضر، يجعل من الضروري أن تبلور الدول العربية رؤيتها الاستراتيجية بوضوح، وأن تحدد موقعها في المشهد الصناعي العالمي الجديد.
وأكد الرميثي على عدة رسائل رئيسة، أهمها أن صناعة الحديد رغم صعوبتها تحمل العديد من الإيجابيات والفرص، مشددًا على ضرورة تمكين الشباب في هذه الصناعة الحيوية، مشيرًا إلى أن مجموعة «إيميريتس ستيل» بدأت كشركة صغيرة ثم تحولت إلى مجموعة صناعية متكاملة، مؤكدًا أهمية تعزيز الكفاءات البشرية وتطوير المهارات.
كما شدد على ضرورة تقليل التكاليف التشغيلية وتعزيز الكفاءة الإنتاجية، مؤكدًا أن ذلك يمثل رحلة مستمرة لا تتوقف، داعيًا إلى تفعيل الأنشطة التكاملية العربية لمواجهة التحديات التي تواجه صناعة الصلب الإقليمية، مثل ضعف سلاسل الإمداد ومدى توافر المواد الخام، إلى جانب الحاجة لمعالجة ضعف الابتكار في الصناعة العربية.
وأشار الرميثي إلى أن النمو في دولة الإمارات يسير بوتيرة جيدة، وأن الطلب على الصلب في ارتفاع مستمر بفضل المشروعات الكبرى في قطاعات التشييد والبناء وصناعة النفط، متوقعًا استمرار هذا النمو خلال عامي 2026 و2027، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على منتجات الصلب.
ومن جانبه، قال الدكتور محمد الفقيه، رئيس مجلس إدارة الشركة الليبية للحديد والصلب، إن الشركة تمتلك مجمعًا صناعيًا متكاملًا يبدأ من عمليات الاختزال المباشر وصولًا إلى المنتج النهائي من الصلب، وتبلغ طاقتها الإنتاجية الحالية 1.4 مليون طن سنويًا، مع خطة للتوسع إلى 4 ملايين طن خلال السنوات المقبلة، خاصة في ظل تنفيذ العديد من المشروعات المهمة في البنية التحتية والمجالات الإنتاجية.
رجل الأعمال أحمد عز
وأوضح الفقيه أن السوق الليبي يحتاج إلى نحو 800 ألف طن سنويًا، بينما تمتلك الشركة فائضًا يقارب 600 ألف طن يتم توجيهه للتصدير، مشيرًا إلى اهتمام الشركة بعدة مبادرات مهمة، من أبرزها تقليل البصمة الكربونية لمنتجات الصلب، وتعزيز التجارة البينية العربية في منتجات الحديد والصلب بدلًا من استيرادها من خارج المنطقة، طالما أن الإنتاج المحلي العربي قادر على تلبية الاحتياجات.
وشدد الفقيه على ضرورة التنسيق العربي لتجنب زيادة الفوائض في الطاقات الإنتاجية للمنتجات التي تحقق اكتفاءً ذاتيًا، مع توجيه الاستثمارات إلى أنواع أخرى من منتجات الصلب التي لا يتم تلبيتها محليًا. كما دعا إلى إنشاء صناعات داعمة لصناعة الصلب، مثل صناعة الدرافيل والأقطاب الكربونية ومواد التشغيل المضافة، بدلًا من استيرادها من الخارج، مؤكدًا تطلعه لأن تتبنى مجموعة «حديد عز» مبادرات في هذا الاتجاه.
كما طالب الفقيه بوجود تدابير حكومية عربية جادة لحماية صناعة الصلب من الإجراءات التجارية الضارة المتخذة في العالم، مؤكدًا أهمية تسهيل إجراءات التبادل السلعي، والتطوير المشترك للموارد البشرية العاملة في القطاع، والاستفادة من الخبرات العربية الكبيرة في تطوير المعايير الصناعية، واستكمال الدراسات اللازمة لإنشاء مصانع لإنتاج مكورات الحديد وغيرها من الصناعات المرتبطة بالقطاع.
وفي السياق ذاته، أكد حاتم الصنهاجي، الرئيس التنفيذي لشركة «المغرب للصلب»، أن النمو في الطلب على منتجات الصلب في المغرب مرتبط بمشروعات كبرى للبنية التحتية، إلى جانب الفعاليات الرياضية الدولية التي ستستضيفها البلاد، والتي تُعد محفزًا رئيسيًا للطلب المحلي على منتجات الحديد والصلب.
وأضاف الصنهاجي أن التفكير في الإنتاج بهدف التصدير أصبح أكثر صعوبة في ظل الإجراءات الحمائية المتصاعدة عالميًا، موضحًا أن ما كان ممكنًا قبل عشر سنوات في مجال التصدير لم يعد ممكنًا خلال العامين الأخيرين، إذ أصبحت كل دولة تسعى للحفاظ على صناعتها المحلية من الصلب باعتبارها صناعة استراتيجية ترتبط بمختلف القطاعات التحويلية الأخرى.
وشدد على أهمية تعزيز النمو الصناعي المحلي باعتباره المحرك الأساسي لزيادة الطلب على منتجات الصلب، مقترحًا أن يتولى الاتحاد العربي للحديد والصلب دورًا أكبر في التنسيق والتعاون فيما يتعلق بأنشطة استيراد الخردة وتنظيم تصديرها، مؤكدًا ضرورة الاستثمار في الكفاءات البشرية والقدرات التقنية للعاملين في قطاع الصلب العربي لضمان استدامة الصناعة وتطورها.
الدكتور محمود محيي الدين - المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة:
النمو المستدام لا يتحقق بالقفزات المؤقتة بل بالاستمرارية والقدرة على المنافسة
الاقتصاد العالمي في وضع بالغ السوء بسبب غياب التنافسية وتصاعد النزعات الحمائية
مركز الثقل الاقتصادي يتحول شرقًا.. وأفريقيا تمتلك فرصًا غير مسبوقة للنمو
سلطنة عمان الدولة العربية الوحيدة التي حققت معادلة النمو المستدام حتى عام 2010
صعود الطبقة الوسطى في 31 دولة أفريقية يعزز التحول الاقتصادي في القارة
تراجع قدرات التمويل الدولية يدفع الأقاليم الكبرى لتأسيس آليات تمويل ذاتية في آسيا وأمريكا اللاتينية
تصاعد الدين الخارجي يهدد مستقبل التنمية في الدول النامية
التنويع الاقتصادي والتحول الرقمي أبرز مفاتيح النمو المستدام في الدول النامية
القطاع الخاص أكثر قدرة من الحكومات على قيادة التنمية وتصحيح المسار الاقتصادي
البيانات أصبحت الوقود الجديد للاقتصاد.. وجودتها تصنع فارقًا في قرارات الاستثمار
التركيبة السكانية الشابة قد تتحول من عبء إلى رافعة للنمو بشرط الاستثمار في التعليم والتدريب
معدلات النمو الاقتصادي بين 2 و4% غير كافية لدعم الصناعات الثقيلة وعلى رأسها الحديد والصلب
تراجع مرونة الجهاز البيروقراطي يعيق سرعة الاستجابة للتحديات الاقتصادية المتغيرة
الاطلاع على تجارب مجموعة الآسيان ضرورة لتعزيز الشراكات الاستثمارية والتمويلية العربية
القيود الحمائية لم تعد قرارًا سياسيًا عابرًا بل أصبحت توجهًا عالميًا متصاعدًا
استقرار سوق النقد الأجنبي والتشاور مع رجال الصناعة مفتاح دعم التنمية الصناعية
قال الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، إن تحقيق النمو الاقتصادي المستدام لا يقوم على القفزات المؤقتة أو الإنجازات السريعة، بل على القدرة على الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة ومستقرة على مدى زمني طويل، مشيرًا إلى أن دراسة صادرة عن "لجنة النمو" أوضحت أن الدول التي تمكنت من الحفاظ على معدلات نمو تفوق 7% سنويًا لمدة 25 عامًا متواصلة أو أكثر، هي وحدها التي استطاعت ترسيخ أسس التنمية المستدامة الحقيقية.
وأوضح محيي الدين أن التجارب العالمية الناجحة تؤكد هذه الحقيقة بوضوح، إذ تمكنت دول جنوب شرق آسيا من تحقيق تلك المعادلة الصعبة وفي مقدمتها الصين والهند، بفضل استراتيجياتها القائمة على التخطيط بعيد المدى، والاستثمار في التعليم والبنية التحتية وتحفيز الإنتاجية والتصدير، وهو ما جعلها تنتقل من اقتصادات نامية إلى قوى اقتصادية مؤثرة عالميًا.
وأضاف أن المنطقة العربية لم تشهد سوى حالات محدودة استطاعت الاقتراب من هذا النموذج، وكانت سلطنة عُمان هي الدولة العربية الوحيدة التي تمكنت من الحفاظ على هذه الوتيرة من النمو حتى عام 2010، نتيجة لسياساتها الاقتصادية المتوازنة واستثمارها في التنويع الاقتصادي وتوظيف عائدات النفط في بناء الإنسان والبنية التحتية، مما جعل تجربتها نموذجًا يُحتذى في إدارة الموارد لتحقيق الاستدامة.
وأكد محيي الدين أن هذه المعادلة تمثل حجر الزاوية لأي رؤية وطنية تسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة، داعيًا الدول إلى التركيز على الإصلاحات الهيكلية التي تضمن استمرارية النمو عبر الاستثمار في رأس المال البشري والحوكمة الرشيدة والقطاع الخاص والابتكار، بدلاً من الاكتفاء بالنتائج السريعة التي قد لا تصمد أمام الأزمات أو التغيرات الاقتصادية العالمية.
أوضح محيي الدين، أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة شديدة الصعوبة وغير مسبوقة في التعقيد، مؤكدًا أن ما يشهده العالم اليوم من تباطؤ في النمو وتراجع في الإنتاجية لا يُعزى فقط إلى الصدمات الخارجية التي تعرض لها خلال السنوات الأخيرة، مثل جائحة كورونا أو تداعيات الحرب في أوكرانيا، وإنما يعود بدرجة أكبر إلى التحولات البنيوية في النظام الاقتصادي العالمي، وعلى رأسها تصاعد النزعات الحمائية وتراجع روح التنافسية التي كانت تمثل جوهر الاقتصاد العالمي لعقود طويلة.
وأشار محيي الدين إلى أن السياسات الاقتصادية الحمائية التي تتبناها بعض الدول الكبرى، وما يصاحبها من قيود تجارية وسباق على الدعم الصناعي، قد أضعفت آليات السوق الحرة، وأثرت سلبًا على كفاءة توزيع الموارد، مما انعكس على تراجع معدلات النمو والإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة، وأدى إلى تفاقم حالة عدم اليقين في الأسواق.
وأضاف أن هذه التغيرات العميقة أدت إلى تحول مركز الثقل الاقتصادي العالمي نحو الشرق، لاسيما مع صعود الاقتصادات الآسيوية الكبرى، التي استطاعت الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة مدعومة بزيادة الإنتاجية وتطور البنية الصناعية والتكنولوجية، مشيرًا إلى أن هذا التحول لم يعد مجرد ظاهرة اقتصادية عابرة، بل أصبح اتجاهًا استراتيجيًا طويل الأمد يعكس إعادة توزيع القوة الاقتصادية والديموغرافية على مستوى العالم.
محمود محيي الدين
وأوضح محيي الدين أن الطبقة الوسطى في أوروبا والولايات المتحدة تتعرض لضغوط متزايدة نتيجة لتراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة وتباطؤ النمو، وهو ما أدى إلى تغير طبيعة الطلب والاستهلاك في تلك الدول، في مقابل اتساع قاعدة الطبقة الوسطى في العديد من الاقتصادات الصاعدة، خصوصًا في آسيا وأفريقيا، حيث تتشكل شرائح جديدة من المستهلكين والمنتجين الذين يمثلون مستقبل النمو العالمي.
ولفت إلى أن القارة الأفريقية تمتلك فرصًا استثنائية في هذا التحول، إذ تضم اليوم 31 دولة من أصل 54 باتت تُصنف كدول متوسطة الدخل وعالية النمو، تشهد صعودًا واضحًا في حجم الطبقة الوسطى وتناميًا في الأسواق الداخلية، مما يجعلها أحد المحاور الرئيسة للنمو العالمي خلال العقود المقبلة، مؤكدًا أن الاستثمار في التعليم والبنية الأساسية والطاقة النظيفة سيكون المفتاح الحقيقي لتعظيم هذه الفرص وتحويلها إلى قصص نجاح تنموية مستدامة على غرار التجارب الآسيوية الناجحة.
وحول قضية تمويل التنمية، شدد الدكتور محمود محيي الدين، على أن أزمة الديون أصبحت من أخطر التحديات التي تواجه الدول النامية، بل وتمثل العقبة الأكبر أمام قدرتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأوضح أن ارتفاع مستويات الاقتراض الخارجي خلال السنوات الماضية، في ظل بيئة اقتصادية عالمية مضطربة وأسعار فائدة مرتفعة، أدى إلى تفاقم أعباء خدمة الدين بشكل غير مسبوق، بحيث أصبحت مخصصات سداد الديون تفوق الإنفاق على قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة في عدد من البلدان، وهو ما يُنذر بتداعيات اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة.
وأشار محيي الدين إلى أن الخلل في هيكل تمويل التنمية لا يتعلق فقط بحجم الديون، وإنما بنوعية التمويل ذاته، حيث تعتمد كثير من الدول على أدوات قصيرة الأجل مرتفعة التكلفة، بدلًا من التوجه نحو تمويلات إنتاجية طويلة الأمد قادرة على دعم النمو وخلق فرص العمل، مضيفًا أن هذا النمط من التمويل يؤدي إلى تآكل الموارد العامة بدلًا من تعظيمها، ويقيد قدرة الحكومات على تنفيذ برامج التنمية الطموحة.
وأكد أن مواجهة هذه الأزمة تتطلب مقاربة شاملة لإصلاح منظومة التمويل الدولية، تشمل خفض تكلفة الاقتراض للدول النامية، وإعادة هيكلة الديون بآليات أكثر عدالة ومرونة، وتفعيل مبادئ التمويل المختلط الذي يجمع بين الموارد العامة والخاصة، إضافة إلى تعزيز دور المؤسسات المالية الإقليمية في تمويل المشروعات الإنتاجية والبنية الأساسية.
وأضاف أن الاستثمار في الإنسان يجب أن يظل أولوية قصوى في أي خطة إصلاح مالي أو اقتصادي، مشددًا على أن تحويل الموارد الموجهة لسداد الديون إلى الاستثمار في التعليم والصحة والابتكار هو الطريق الحقيقي لتحقيق تنمية مستدامة قادرة على الصمود أمام الأزمات، مؤكدًا أن العالم في حاجة ماسة إلى تحالف دولي جديد للتمويل العادل يضمن للدول النامية مسارًا أكثر استدامة واستقلالية في تحقيق طموحاتها التنموية.
وفي سياق متصل، أكد الدكتور محمود محيي الدين، أن العالم يشهد تحولًا جذريًا في النظام الاقتصادي العالمي، مشيرًا إلى أن النظام الحالي، الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية واستمر لعقود طويلة، لم يعد قادرًا على تلبية احتياجات المرحلة الراهنة، سواء من حيث العدالة في توزيع الموارد أو الكفاءة في إدارة الأزمات المالية والتنموية.
وأوضح محيي الدين أن العالم لم يعد كما كان، ولن تكون هناك منح أو عطايا أو مساعدات بلا مقابل كما كان الحال في الماضي، فالعلاقات الاقتصادية الدولية أصبحت أكثر واقعية ومبنية على المصالح المتبادلة، وليس على المساعدات أو الشعارات، مضيفًا أن الدول النامية لم يعد أمامها سوى الاعتماد على الذات، وتعزيز قدرتها التمويلية والإنتاجية من خلال سياسات إصلاحية مبتكرة وفاعلة، تتسق مع أولوياتها الوطنية وتستفيد من الشراكات الذكية مع القطاع الخاص والمجتمع الدولي.
وأشار إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي في طور الانهيار وإعادة التشكل، حيث نشهد اليوم ملامح نظام اقتصادي جديد يقوم على تعددية الأقطاب وتنوع مصادر التمويل والتجارة، ويشهد صعود قوى اقتصادية إقليمية كبرى في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، موضحًا أن هذه التحولات لم تأتِ صدفة بل جاءت كرد فعل طبيعي على تراجع فعالية المؤسسات المالية الدولية التقليدية مثل صندوق النقد والبنك الدولي في تلبية احتياجات الدول النامية ومواكبة حجم التحديات المتصاعدة.
ولفت إلى أن العديد من الأقاليم بدأت بالفعل في ابتكار تدابير تمويلية بديلة على النطاق الإقليمي، مثل إنشاء بنوك تنمية إقليمية وصناديق استثمار مشتركة في آسيا والصين وأمريكا اللاتينية، وذلك في محاولة لسد الفجوة التمويلية الناتجة عن تراجع قدرات التمويل من المؤسسات الدولية الكبرى.
وأكد محيي الدين أن هذه الاتجاهات الجديدة تعكس وعيًا متزايدًا لدى الدول بضرورة بناء منظومات تمويل مستقلة ومستدامة تركز على تعبئة الموارد المحلية وتدعم التكامل الإقليمي كوسيلة لتعزيز المرونة الاقتصادية في مواجهة الأزمات، مشددًا على أن نجاح هذا التحول يتطلب إدارة رشيدة، ومزيدًا من التعاون بين الدول النامية لإعادة صياغة موقعها في الاقتصاد العالمي الجديد.
وفي سياق تحليله لتداعيات التباطؤ الاقتصادي العالمي، أشار الدكتور محمود محيي الدين، إلى أن تراجع معدلات النمو الاقتصادي عالميًا أصبح يمثل أحد أخطر التحديات التي تواجه القطاعات الإنتاجية الثقيلة، وفي مقدمتها صناعة الصلب، التي تُعد مؤشرًا دقيقًا على صحة الاقتصاد الحقيقي في أي دولة.
وأوضح محيي الدين أن معدلات النمو الاقتصادي الحالية التي تتراوح بين 2% و4% في أغلب الاقتصادات الكبرى والناشئة، تعد معدلات ضعيفة وغير كافية لدعم قطاعات تحتاج إلى توسع في الاستثمار والإنتاج مثل قطاع الحديد والصلب، مشيرًا إلى أن الطلب العالمي على منتجات الصلب يرتبط ارتباطًا وثيقًا بدورات النمو في قطاعات التشييد والبنية التحتية والصناعة، وهي القطاعات التي تشهد تباطؤًا ملحوظًا نتيجة ضعف التمويل وارتفاع تكاليف التشغيل وتراجع حركة التجارة العالمية.
وأضاف أن استمرار هذا التباطؤ في النمو قد يؤدي إلى انكماش في الطلب على الصلب ومشتقاته خلال السنوات المقبلة، وهو ما يتطلب من الدول والشركات العاملة في هذا المجال إعادة النظر في استراتيجياتها الإنتاجية والتصديرية، والبحث عن أسواق جديدة وشراكات تمويلية مبتكرة لمواجهة هذه المرحلة من الركود النسبي في الطلب العالمي.
وأكد أن تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة هو السبيل الوحيد للحفاظ على نشاط الصناعات الأساسية مثل الصلب، نظرًا لأنها ترتبط مباشرة بحجم الاستثمارات في مشروعات التنمية الكبرى والبنية الأساسية والتوسع العمراني، وشدد على أن تحفيز النمو الحقيقي يتطلب بيئة اقتصادية أكثر انفتاحًا وتنافسية بعيدًا عن النزعات الحمائية التي تضعف الإنتاج وتُقيد التجارة الدولية، مؤكدًا أن معالجة هذه الاختلالات باتت ضرورة لضمان استدامة سلاسل الإمداد العالمية وتوازن أسواق المواد الخام والصناعات الثقيلة.
قمة مسقط للصلب
وشدد الدكتور محمود محيي الدين، على أن تحقيق النمو الاقتصادي المستدام لا يتحقق بالصدفة أو عبر سياسات قصيرة المدى، وإنما من خلال حزمة متكاملة من العوامل الهيكلية التي تحفز الإنتاجية وتعزز التنافسية وتخلق فرص عمل حقيقية، موضحًا أن من أبرز هذه العوامل تنويع القاعدة الاقتصادية وعدم الاعتماد على مصدر واحد للدخل القومي، مشيرًا إلى أن الدول التي نجحت في تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة هي تلك التي توسعت في قطاعات اقتصادية متعددة، خاصة القطاعات غير النفطية مثل الصناعة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والسياحة والزراعة الحديثة، وأضاف أن الاستثمار في رأس المال البشري يمثل الركيزة الأساسية لهذا التحول لأنه يضمن وجود قوة عاملة مؤهلة قادرة على الإبداع والابتكار وقيادة عجلة التنمية في المستقبل.
وأكد أن التحول الرقمي أصبح اليوم أحد المفاتيح الرئيسة لتحقيق قفزات اقتصادية نوعية، موضحًا أن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي وأنظمة البيانات لم يعد ترفًا بل ضرورة لتعزيز الكفاءة والإنتاجية في مختلف القطاعات، كما شدد على أهمية تدريب وتأهيل الأفراد على المهارات الرقمية الحديثة بما يتماشى مع متطلبات أسواق العمل الجديدة، مؤكدًا أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأكثر ربحًا والأطول أثرًا على التنمية.
وأشار محيي الدين إلى أن الدول التي استطاعت الدمج بين التنويع الاقتصادي والتحول الرقمي نجحت في بناء اقتصادات مرنة قادرة على مواجهة الصدمات، لافتًا إلى أن التجارب الآسيوية خير دليل على ذلك، حيث أسهم الاستثمار في المعرفة والتكنولوجيا في تعزيز النمو ورفع مستويات المعيشة وتقليل معدلات الفقر.
كما أكد محيي الدين، على أهمية تحقيق توازن دقيق بين دور الدولة والقطاع الخاص في قيادة عملية التنمية الاقتصادية، موضحًا أن التنمية الشاملة لا يمكن أن تبنى على طرف واحد من المعادلة بل تحتاج إلى تكامل الأدوار وتحديد واضح للمسؤوليات بين الطرفين.
وأوضح محيي الدين أن الدولة يجب أن تظل الضامن والمنظم للنشاط الاقتصادي والمراقب لحسن سير الأسواق ومنع الممارسات الاحتكارية، مع وضع الأطر القانونية والسياساتية التي تكفل العدالة وتكافؤ الفرص، إلا أن ذلك لا يعني أن تتولى الدولة بنفسها تنفيذ كل المشروعات أو قيادة كل القطاعات، وأضاف أن القطاع الخاص يجب أن يكون الشريك الرئيسي والمحرك الفعلي لعملية التنمية بما يملكه من مرونة وقدرة على الابتكار وسرعة في اتخاذ القرار والاستجابة للمتغيرات.
وأشار إلى أن التجارب التنموية الناجحة عالميًا سواء في شرق آسيا أو أوروبا أو حتى بعض الدول العربية، أثبتت أن الدور الفاعل للقطاع الخاص هو أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق النمو المستدام، في حين أن الاقتصادات التي تعتمد على البيروقراطيات الحكومية المترهلة تجد صعوبة في مواكبة التغيرات السريعة في الأسواق العالمية، نظرًا لبطء آليات اتخاذ القرار وارتفاع الكلفة السياسية لأي تعديل في السياسات أو تصحيح للأخطاء.
وشدد محيي الدين على أن تدخل الدولة في النشاط الاستثماري يجب أن يكون تدخلًا محسوبًا ومدروسًا، يستهدف سد الفجوات التي لا يستطيع القطاع الخاص وحده تغطيتها مثل الاستثمار في البنية الأساسية والمرافق العامة، أو تحفيز قطاعات جديدة واعدة تحتاج إلى دعم مبدئي قبل أن تصبح قادرة على جذب المستثمرين.
وأضاف أن القطاع الخاص يتمتع بميزة نسبية تتمثل في قدرته على تصحيح الأخطاء بسرعة ودون تردد، بعكس الجهاز الحكومي الذي قد يتردد في اتخاذ قرارات تصحيحية خوفًا من التبعات السياسية أو الإدارية، مؤكدًا أن مرحلة التحول الاقتصادي الحالية في العالم وما تشهده من تغيرات هيكلية متسارعة، تتطلب تفعيل هذا التوازن بوعي وجرأة بحيث تتولى الدولة دور الموجه والمحفز، ويقود القطاع الخاص التنفيذ والإبداع في ظل بيئة تنظيمية مستقرة وواضحة.
كما أوضح محيي الدين، أن التركيبة السكانية تمثل عنصرًا حاسمًا في معادلة التنمية، يمكن أن تكون إما رافعة قوية للنمو أو عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا إذا لم تُدار بالشكل الصحيح، وأكد أن الدول التي تمتلك قاعدة سكانية شابة مثل العديد من الدول العربية والأفريقية، تملك في الحقيقة فرصة تاريخية لتحقيق طفرة تنموية حقيقية، شريطة أن تستثمر في الإنسان باعتباره المحرك الأول لأي نهضة اقتصادية.
وأشار إلى أن الشباب هم رأس المال البشري الأكثر قيمة، لكن قيمتهم الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال التعليم الجيد والتدريب المستمر والرعاية الصحية الشاملة التي تمكنهم من المشاركة الفاعلة في سوق العمل والإنتاج، وأضاف أن الدول التي استطاعت تحويل شبابها إلى قوة منتجة "كما حدث في تجارب شرق آسيا على سبيل المثال" لم تفعل ذلك عبر وفرة الموارد بل من خلال الاستثمار في البشر، وتأهيلهم بالمهارات التي يتطلبها الاقتصاد الحديث القائم على المعرفة والتكنولوجيا والابتكار.
وأوضح أن التركيبة السكانية الشابة ليست عبئًا كما يظن البعض، بل هي طاقة كامنة قادرة على دفع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز الإنتاجية إذا توافرت السياسات الصحيحة في مجالات التعليم الفني والجامعي، والتأهيل المهني، والرعاية الصحية الوقائية والعلاجية، لافتًا إلى أن إهمال هذه الجوانب يجعل الشباب عرضة للتهميش أو البطالة، ما يحول الميزة الديموغرافية إلى عبء اقتصادي واجتماعي يصعب معالجته لاحقًا.
وشدد محيي الدين على أن الاستثمار في الإنسان لا يقل أهمية عن الاستثمار في البنية الأساسية أو التحول الرقمي، بل هو الأساس الذي تُبنى عليه كل عناصر التنمية المستدامة، مؤكدًا أن تهيئة بيئة صحية وتعليمية وتدريبية متكاملة للشباب هي الضمانة الحقيقية لاستدامة النمو وتحقيق العدالة بين الأجيال، بحيث يتحول المورد السكاني من تحدي إلى فرصة تنموية كبرى تعزز قدرة الدول على المنافسة في الاقتصاد العالمي الجديد.
كما أكد محيي الدين، أن البيانات أصبحت اليوم هي الوقود الحقيقي للاقتصاد العالمي، والعنصر الأهم في دعم قرارات التنمية والتخطيط الاستراتيجي، مشيرًا إلى أن جودة البيانات ودقتها وسهولة الوصول إليها تمثل الفارق بين الاقتصادات التي تتقدم بخطوات ثابتة وتلك التي تتحرك في دوائر من التقديرات والاجتهادات غير الدقيقة.
وأوضح أن العصر الحديث لم يعد يعتمد فقط على الموارد المادية أو الطبيعية كمحركات للنمو بل أصبحت المعرفة والمعلومات الموثوقة هي الركيزة الأساسية لاتخاذ القرار الاقتصادي الرشيد، سواء على مستوى الدولة أو القطاع الخاص أو المؤسسات الدولية، مضيفًا أن تحسين جودة البيانات وتكاملها بين مختلف الجهات يُمكّن صانع القرار من رؤية الصورة الكاملة، ووضع سياسات أكثر فاعلية في إدارة الموارد، وتحليل اتجاهات السوق، وتحديد أولويات الاستثمار والتمويل بدقة أعلى.
وأشار إلى أن البيانات الجيدة تُسهم في بناء الثقة بين المستثمرين والحكومات والمؤسسات التمويلية، لأنها تعكس شفافية الأسواق وقدرة الدولة على التنبؤ بالمخاطر والتعامل معها بشكل علمي، لافتًا إلى أن الدول التي استطاعت تطوير منظومات بيانات قوية مثل كوريا الجنوبية ودول الآسيان حققت قفزات تنموية كبرى لأنها تعاملت مع المعلومات باعتبارها ثروة وطنية يجب إدارتها وحمايتها وتوظيفها لصالح التنمية.
قمة مسقط للصلب
وفي هذا السياق، طالب محيي الدين الاتحاد العربي للصلب بضرورة الاطلاع على مخرجات القمة الأخيرة لمجموعة الآسيان، مؤكدًا أن التجارب التي خرجت بها تلك القمة تحمل دروسًا مهمة تتعلق بمجالات الاستثمار والتمويل، وبخاصة في كيفية بناء منظومات تمويلية قائمة على الشفافية وتبادل البيانات بين الدول الأعضاء، وأضاف أن التكامل في المعلومات والبيانات هو ما يمنح التكتلات الاقتصادية قوة حقيقية في التفاوض، وقدرة أكبر على جذب الاستثمارات وتنمية الصناعات، وعلى رأسها صناعة الصلب التي تُعد مؤشرًا حساسًا لحالة الاقتصاد العالمي ومعدلات نموه المستقبلية.
وأوضح الدكتور محمود محيي الدين، أن القيود الحمائية لم تعد مجرد قرارات استثنائية تتخذها بعض الدول لأسباب سياسية أو اقتصادية عابرة، بل أصبحت اتجاهًا عالميًا متصاعدًا يتجاوز حدود الأفراد أو الحكومات، مؤكدًا أن هذا التوجه يعبّر عن مرحلة جديدة من التحولات في النظام التجاري الدولي، حيث تتداخل فيها الاعتبارات البيئية مع المصالح الاقتصادية، وتنعكس آثارها بوضوح على القطاعات الإنتاجية الكبرى وفي مقدمتها صناعة الصلب.
وأضاف أن القيود الحمائية المرتبطة بالكربون تمثل أحد أبرز التحديات التي ستواجه صناعة الصلب في المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر بات واقعًا لا يمكن تجاهله، وأن الدول المتقدمة تسعى من خلال هذه السياسات إلى حماية أسواقها الداخلية، وفي الوقت ذاته فرض معايير جديدة على التجارة الدولية تحت مظلة الحفاظ على البيئة وخفض الانبعاثات الكربونية.
وأكد محيي الدين أن التعامل مع هذه المستجدات يتطلب من الدول النامية، وفي مقدمتها الدول العربية، أن ترفع من قدراتها المؤسسية والفنية على مواجهة تلك التحديات، موضحًا أن المطلوب اليوم هو بناء أجهزة حكومية أكثر استعدادًا للتفاعل مع التغيرات المتسارعة في السياسات التجارية العالمية، سواء من حيث امتلاك الكفاءات المتخصصة أو تطوير أدوات الرصد والتحليل أو تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية بالصناعة والتجارة والبيئة.
وشدد على أن التحديث المؤسسي لا يجب أن يقتصر على تطوير الهياكل الإدارية، بل يجب أن يمتد إلى تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها لفهم الأبعاد التقنية والفنية المرتبطة بالتدابير الحمائية الجديدة، لافتًا إلى أن الاقتصادات التي تواكب هذه التحولات هي وحدها القادرة على تحويل التحديات إلى فرص، وضمان استمرار تنافسية صناعاتها في الأسواق العالمية.
وطالب محيي الدين بتبني نهج شامل يقوم على الشراكة الحقيقية بين جميع الأطراف الفاعلة، موضحًا أن المرحلة المقبلة لن تحتمل العمل المنفرد أو القرارات المنعزلة، بل تحتاج إلى تنسيق وتكامل بين القطاعين الحكومي والخاص على نحو يضمن تحقيق الأهداف المشتركة في النمو والاستدامة والاستقرار.
وأوضح أن التعاون الوثيق بين الحكومة والمستثمرين والقطاع الصناعي يمثل ركيزة أساسية لبناء بيئة اقتصادية قوية ومحصنة ضد التقلبات العالمية، مشددًا على أن نجاح هذا التعاون يعتمد على وضوح الأدوار، واحترام قواعد السوق، وتبادل المعلومات بشفافية، إلى جانب توفير مناخ من الثقة المتبادلة التي تتيح اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة المدى.
وأكد محيي الدين أن تحقيق الاستقرار النقدي يمثل شرطًا جوهريًا لأي تنمية اقتصادية حقيقية، لافتًا إلى أن تنظيم سوق النقد الأجنبي وضبط تقلبات أسعار الصرف يسهمان في خلق بيئة آمنة للاستثمار والإنتاج، ويمنحان الصناعات الثقيلة مثل الصلب القدرة على التخطيط طويل الأمد دون التعرض لمخاطر تمويلية أو تقلبات حادة في التكلفة.
وأضاف أن من الضروري أن تتبنى الحكومات نهجًا تشاركيًا عند وضع السياسات النقدية، لا سيما في ما يتعلق بتحديد أسعار الفائدة، مشيرًا إلى أن التشاور المسبق مع رجال الصناعة والمستثمرين في هذا الشأن يعزز من فعالية القرارات الاقتصادية ويحد من آثارها السلبية على القطاعات الإنتاجية.
قمة مسقط للصلب
واختتم بالتأكيد على أن الحوار المنتظم بين صانع القرار والقطاع الخاص ليس رفاهية، بل هو أداة ضرورية لتحقيق التوازن بين متطلبات الاستقرار المالي وتحفيز النمو الاقتصادي، مضيفًا أن الدول التي تدير هذا التوازن بذكاء هي الأقدر على الصمود في وجه الأزمات والتحولات الدولية الجارية.
أسواق العراق وسوريا واليمن تعاني من محدودية الإنتاج المحلي .. وإعادة الإعمار ستعيد الحياة للصناعة بهذه الأسواق
جورج متّى الرئيس التنفيذي للتسويق بشركة حديد عز ورئيس اللجنة الاقتصادية بالاتحاد العربي للحديد والصلب:
عدم الاستقرار السياسي وضعف البنية التحتية ومحدودية الطاقة الإنتاجية والصناعة أهم التحديات التي تواجه أسواق العراق وسوريا واليمن
ضرورة مناقشة دور التعاون الإقليمي لتعزيز الاستقرار وتحسين الخدمات اللوجستية وتكامل أسواق العراق وسوريا واليمن
تعزيز دور الشراكات في أسواق العراق وسوريا واليمن من أجل التوسع الصناعي والتنمية المستدامة
مبادرات إعادة الإعمار والتوسع الصناعي فرصًا واعدة لإحياء هذه الأسواق وتحفيز الطلب على منتجات الصلب
تدهور الطاقة والتصنيع والسياحة والبنية التحتية في سوريا واليمن والعراق سبب في تعطيل الإنتاج
الاستقرار السياسي وعودة المنشآت الانتاجية للعمل والنمو والتوسع قادر علي سد الفجوة بين العرض والطلب بمنتجات محلية
إدارة المتطلبات اللوجستية في مناطق الصراع ونقل المواد الخام مثل الخردة إلى المواقع الإنتاجية تواجه صعوبات بسبب تضرر شبكات الطرق
أنس جود رئيس مجلس الإدارة – شركة جودكو ستيل – سوريا
2.8 مليون طن الطاقة الإنتاجية لمعامل البليت في سوريا في عام 2025
حجم الطلب في السنوات الأخيرة بسوريا بلغ أقل من 500 ألف طن سنوياً
3 سناريوهات قابلة للتطبيق بسوريا خلال الـ 10 سنوات المقبلة
السيناريو البطيء ما بين 5 حتى 8 ملايين طن سنويًا.. والثاني المتوسط 18 مليون طن والثالث الأسرع بأكثر من 20 مليون طن
الإنتاج المحلي يغطي ما بين 20 حتى 30% من إجمالي الطلب مع بدء الإعمار
ضرورة إقرار مجموعة من الحوافز للمستثمرين .. وتوفير قروض تأمينية ضد المخاطر السياسية
عمّار عبد الله نائب الرئيس – مؤسسة الحديد للتنمية الاقتصادية – العراق
8.5 مليون طن سنويًا الطاقة الإنتاجية المصممة للمعامل قيد التشغيل في عام 2025
100 كيلو جرام معدل استهلاك الفرد العراقي السنوي من الصلب
العراق تستهلك ما بين 3.6 حتى 4.5 مليون طن طلب سنويًا
عمّار العولقي عضو مجلس الإدارة – شركة المعادن للصناعات الحديدية – اليمن
120 الف طن حجم الإنتاج المحلي من الصلب سنويا في اليمن
خطة لإقامة مشروعات لانتاج الصلب بطاقات متوسطة في ظل غياب تام للمصانع الكبرى
انخفاض القدرات الشرائية والظروف السياسية وتغير سعر الصرف التحديات الحقيقية التي تواجه صناعة الصلب في اليمن
80% من استهلاك اليمن من الصلب المستورد.. وتركيا الأولي بإجمالي 747 الف طن سنويًا
تحت عنوان «أسواق الصلب العربية الخاصة» بدأت الجلسة التاسعة ضمن فعاليات قمة الحديد والصلب مسقط 2025، والتي أدارها جورج متّى، الرئيس التنفيذي للتسويق بشركة حديد عز ورئيس اللجنة الاقتصادية بالاتحاد العربي للحديد والصلب (AISU)، بمشاركة أنس جود رئيس مجلس إدارة شركة جودكو ستيل – سوريا، وعمّار السعدي، نائب الرئيس بمؤسسة الحديد للتنمية الاقتصادية – العراق، وعمّار العولقي، عضو مجلس الإدارة بشركة المعادن للصناعات الحديدية اليمن.
تضمنت الجلسة رؤى وتحليلات حول أسواق الصلب في بعض الدول العربية مثل سوريا والعراق واليمن، والتي تُعد من الأسواق الخاصة ذات الخصوصية والتحديات الفريدة، نظرًا لظروفها الاقتصادية والسياسية، وكذلك أوضاعها المتعلقة بالبنى التحتية والإنتاجية.
ورغم محدودية الإنتاج المحلي في بعضها، فإنها تمثل أسواقًا واعدة بفضل الطلب المتزايد على مواد البناء وإعادة الإعمار، إضافة إلى ما تحمله من فرص استثمارية يمكن أن تتبلور على المدى المتوسط والبعيد. كما تناولت الجلسة استعراض واقع هذه الأسواق وتحليل العوامل المؤثرة في نموها، سواء من حيث التحديات المرتبطة بالاستقرار واللوجستيات، أو من حيث الفرص المتاحة المرتبطة بالاستثمار وإعادة الإعمار والتوسع الصناعي، إلى جانب مناقشة دور التعاون الإقليمي في دعم هذه الأسواق وتعزيز قدرتها على التكامل مع بقية الدول العربية المنتجة والمصدّرة للصلب.
جورج متى
من جانبه، قال جورج متّى، الرئيس التنفيذي للتسويق بشركة حديد عز ورئيس اللجنة الاقتصادية بالاتحاد العربي للحديد والصلب، إن أسواق الصلب في سوريا والعراق واليمن تُعد أسواقًا خاصة تتمتع بخصائص فريدة وتواجه تحديات مميزة، نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية الضاغطة، في ظل استمرار تبعات الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية المعقدة، بالإضافة إلى واقع البنية التحتية المحدود وقدراتها الإنتاجية الضعيفة، وهو ما يؤثر على حجم الاستثمارات في تلك الدول. وأكد أن عودة الاستقرار السياسي فيها تمثل الأمل الحقيقي لتحقيق المزيد من النمو والاستقرار الاقتصادي.
وأضاف أن محدودية الإنتاج المحلي في بعض هذه الدول لا تمنعها من أن تكون أسواقًا واعدة بفضل الطلب المتزايد على مواد البناء وجهود إعادة الإعمار، فضلًا عن الفرص الاستثمارية المحتملة على المدى المتوسط والطويل. وأشار إلى أهمية دراسة العوامل المؤثرة في نمو هذه الأسواق، سواء تلك المرتبطة بالتحديات كضعف الاستقرار واللوجستيات، أو المتعلقة بالفرص كالتوسع الصناعي والاستثمار وإعادة الإعمار، مؤكدًا أن التعاون الإقليمي يمكن أن يلعب دورًا أساسيًا في دعم هذه الأسواق وربطها ببقية الدول العربية المنتجة والمصدّرة للصلب.
وأوضح متّى أن المرحلة الحالية تتطلب تحليل الوضع الراهن بدقة، وتحديد أبرز التحديات التي تواجه هذه الأسواق، مثل عدم الاستقرار السياسي، وضعف البنية التحتية، ومحدودية الطاقة الإنتاجية. وأشار إلى أن هناك حاجة ملحّة لمزيد من الاستثمار والبناء وإعادة الإعمار، بما يمكّن هذه الدول من استعادة قوتها الاقتصادية، مع استكشاف محفزات النمو المتاحة، كجهود الإعمار والطلب المتزايد على مواد البناء، وآفاق الاستثمار المستقبلية.
ودعا متّى إلى تعزيز التعاون الإقليمي لتحسين الخدمات اللوجستية وتكامل هذه الأسواق مع بقية الدول العربية المنتجة للصلب، مع تقييم استراتيجيات التوسع الصناعي والتنمية المستدامة، بما يراعي الخصوصيات المحلية لكل سوق. كما أكد على ضرورة تسليط الضوء على السياسات والتدخلات الممكنة، وبناء الشراكات القادرة على إطلاق الإمكانات الكامنة في هذه الأسواق.
وأشار إلى أن المناقشات خلال الجلسة أثمرت عن نتائج مهمة، أبرزها أن أسواق الصلب العربية في سوريا والعراق واليمن تتميز بخصائص اقتصادية وسياسية وبنيوية فريدة تميزها عن بقية أسواق المنطقة، فعلى الرغم من محدودية الإنتاج المحلي، إلا أن لديها إمكانات كبيرة مدفوعة بارتفاع الطلب على مواد البناء وجهود إعادة الإعمار وفرص الاستثمار المستقبلية.
وأضاف أن الاضطرابات السياسية والتحديات اللوجستية وضعف البنية التحتية لا تزال تمثل عقبات رئيسية أمام نمو السوق وكفاءة سلسلة التوريد في هذه الدول، مشددًا على أن مبادرات إعادة الإعمار والتوسع الصناعي تمثل فرصًا واعدة لإحياء هذه الأسواق وتحفيز الطلب على منتجات الصلب. وأكد أن التعاون والتكامل الإقليميين أمران حيويان لدعم هذه الأسواق وتعزيز قدرتها على الصمود وربطها ببقية الدول العربية المنتجة والمصدّرة للصلب.
وأكد متّى أن الاستراتيجيات الموجهة التي تتناول التحديات والفرص بشكل متوازن، يمكن أن تُطلق العنان لإمكانات هذه الأسواق، وتسهم في تطوير قطاع الصلب العربي ككل، مشيرًا إلى أن التعاون بين الحكومات والمستثمرين وأصحاب المصلحة في الصناعة يُعد عنصرًا أساسيًا لتعزيز النمو المستدام والاستفادة من احتياجات الإعمار وتطوير البنية التحتية.
وأكد أن الطلب على الصلب لن يتوقف، وأن مشروعات الإعمار تحمل آفاقًا إيجابية جديدة لصناعة الصلب بشكل خاص، والتنمية الاقتصادية بشكل عام، بما يعكس وجود فرص واعدة أمام الصناعة بفضل تزايد مشروعات وخطط الإعمار في عدد من الدول العربية. وأضاف أن مبادرات التنمية ودعم الصناعة وعودة النازحين كلها مؤشرات تؤكد تزايد الطلب على الصلب مستقبلًا.
قمة مسقط للصلب
وأشار إلى أن أسواق العراق وسوريا واليمن تتشابه في العديد من القواسم المشتركة، أبرزها الظروف الجيوسياسية الصعبة والصراعات ذات الامتدادات المحلية والإقليمية المعقدة، والتي أدت إلى حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي، ما قلل من حوافز الاستثمار في هذه الأسواق. واختتم بالتأكيد على أن عودة الاستقرار السياسي في هذه الدول التي تمتلك مقومات اقتصادية وبشرية كبيرة، ستُمهد الطريق لمرحلة جديدة من النمو والانتعاش وزيادة الطلب على الصلب.
ونوه إلى أن القواسم المشتركة تتضمن تهالك البنية التحتية جراء الصراعات السياسية خاصة وأن لكل الحروب فاتورة باهظة، في ظل تدهور القطاعات الحيوية مثل الطاقة والتصنيع والسياحة والبنية التحتية في سوريا واليمن والعراق من قبل، كما أن هناك حاجة لإعادة إعمار البنية التحتية في ظل نقص الموارد وتوابع بعض العقوبات الدولية السابقة، أملًا في إعادة بناء المنازل، وعودة المهجرين، واستكمال إعادة الإعمار، وأن تعود تلك البلدان لمكانتها الطبيعية، كمجتمعات صحية آمنة، وقوى عربية اقتصادية كبرى، واعتماد كبير على الواردات لتلبية الطلب المتنامي على الصلب في ظل توقف بعض المنشآت الإنتاجية، وتصاعد الطلب على الصلب.
كما أن هناك زيادة كبيرة في حجم الواردات من منتجات الصلب، في ظل تزايد معدلات الواردات وتنامي معدلات إعادة الإعمار لاسيما في المستقبل، مشيرًا إلى أنه في حالة الاستقرار السياسي، وعودة المنشآت الانتاجية للعمل والنمو والتوسع، قد يتم تعويض هذا الطلب المتزايد بمنتجات محلية.
وأوضح أنه بالرغم من تذبذب مستويات الطلب على الصلب في البلدان الثلاثة والتى زادت بشكل كبير عام 2024، لتعاود الانخفاض بشكل نسبي عام 2025، إلا أن المؤشرات تشير إلى صعودها مجدداً، موضحًا أن حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي لا توقف الطلب على الصلب، ولكن إعادة الإعمار تحمل كثير من الأفاق الإيجابية لصناعة الصلب بشكل خاص والتنمية الاقتصادية بشكل عام.
وذكر بأن إعادة الإعمار ومبادرات التنمية الصناعية، ومحاولة إنهاض القطاعات الاقتصادية المختلفة، وعودة النازحين تؤكد أن الطلب على الصلب سيزداد بشكل كبير، مع استقرار الوضع السياسي سيؤدي لمزيد من القرارات الاقتصادية المهمة التي يتوقع اتخاذها في إطار إعادة الإعمار، ومن ثم حوافز إضافية لزيادة الانتاج المحلي من الصلب، ما يعني في النهاية إسهام واضح الصناعة الصلب في زيادة الناتج المحلي الإجمالي.
ونوه إلى أنه في ظل توقف بعض المنشآت الإنتاجية، وفي ظل تصاعد الطلب على الصلب، لا يكفي حجم الإنتاج المحلي معدل الاستهلاك على منتجات الصلب في هذه الأسواق، مع تزداد الفجوة بين حجم الإنتاج ومعدلات الطلب مع زيادة عمليات إعادة الإعمار، لذلك علينا الآن أن نستمع إلى خطط تلك الدول بخصوص هذا التحدي الهام، الذي يعتبر فرصة إيجابية لقطاع الصلب إذا استطاع إعادة احياء منشأته الانتاجية والتوسع فيها، ورأى أن هذه الأسواق سوف تشهد طفرات كبيرة في النمو والطلب على الصلب بسبب إعادة الإعمار.
وصرح بأن أنماط انتاج واستهلاك الصلب في أسواق العراق سوريا واليمن، يؤكد التوقعات السابقة من زيادات في إنتاج الصلب بالرغم من الظروف السياسية والاقتصادية الضاغطة، كما أن حجم الواردات ازداد بشكل ملحوظ، كما حذر من التحديات المتوقعة في بلدان خرجت لتوها من صراعات كبرى، لعل أهمها العودة المحتملة للاضطرابات السياسية والتي قد تسهم في ارتباك عمليات إعادة الإعمار وتقليل الطلب على الصلب.
وتابع متّى: العقوبات الدولية ووجود الاضطرابات السياسية، والحظر مثلما كان الحال في سوريا حتى فترة قريبة، قد يؤثر على قدرة تلك الأسواق على الحصول على احتياجاتها من المواد الخام، أو تصدير الفائض من إنتاجها من الصلب، هذا بجانب الاحتياجات التمويلية الكبيرة المطلوبة للتوسع الصناعي، فالصلب هو قطاع كثيف للاستثمار وبحاجة لرأس مال كبير، وعادة ما تكون تكلفة تمويل المصانع أو التوسعات الجديدة مرتفعة، وهو ما يضع تساؤلًا حول امتلاك تلك الأسواق القدرة على القيام باستثمارات كبرى في هذه الصناعة الحيوية.
ونوه إلى أنه لابد من الوعي بضرورة الالتفات إلى مشكلات إدارة المتطلبات اللوجستية، لاسيما في مناطق الصراع، فنقل المواد الخام مثل الخردة إلى المواقع الإنتاجية قد يواجه صعوبات بسبب تضرر شبكات الطرق، وعدم عودة الأمن بشكل كامل في بعض المناطق، وهذا يزيد من التحدي المتمثل في إدارة المتطلبات اللوجستية المصانع الصلب.
رجل الأعمال أحمد عز
رجل الأعمال أحمد عز
ومن جانبه، قال أنس جود رئيس مجلس الإدارة – شركة جودكو ستيل سوريا، إن الطاقة الإنتاجية لمعامل البليت في سوريا تقترب من 2.8 مليون طن في عام 2025، منها معمل الدكتور أحمد إسماعيل (عدرا الصناعية مواجه المتوسط للحديد) والذي أصبح بمراحل متقدمة بعد أن تم تركيب فرن INDUCTION تحريضي بسعة 30 طنًا والملحقات لغاية الـ ccm، وهو من منشأ الهند، وحصل على قرار التشميل إما على القانون رقم 10 أو القانون رقم 8، ويحصل على الكهرباء على أساس الـ 66، ويوجد لديه مكانًا جاهزًا من أجل معمل درفلة، ليصل انتاجه السنوي نحو 75000 طن.
وأضاف أن معمل ستيل تيك (عدرا الصناعية) قام بأعمال ربط الكهرباء ووقع عقد دائم على أساس الـ 66، وحصل على قرار التشميل إما على القانون رقم 10 أو القانون رقم 8، وهو بصدد الإنتهاء من الأعمال المدنية، وهو يعمل بالدرفلة وانتاج الزوايا، بانتاج سنوي 160,000 طن، ومعمل الدولية (حسياء) حمص فهو ينتج البيليت بفرن صهر على INDUCTION وينتج حديد التسليح بانتاج سنوي 150,000 طن، ومعمل إعمار (حسياء) ينتج البيليت وحديد التسليح بطاقة 500,000 طن سنوياً، ومعمل حديد ينتج بيليت وحديد مبروم بانتاج سنوي 700,000 طن.
ونوه إلى أن الطلب السوري على الصلب من 2023 - 2026 جاء بعد إعادة تشغيل محدود لنشاط معمل حماة، ليصبح حجم الطلب في سوريا علي المنتجات في السنوات الأخيرة أقل من 500 ألف طن سنويًا، مؤكدًا أن ذلك جاء نتيجة ما وصلت إليه سوريا منذ عام 2011 حتى الآن وما نتج عنها من دمار جزئي لبعض المعامل خاصة في حلب، مع وجود جهات تحكم نافذة وظهور أكبر سلاسل خردة المعادن في ظل تقليص الطلب الرسمي على البناء.
وصرح بأن التقديرات الخاصة بالسوق السوري في حال إعادة الإعمار به 3 سيناريوهات: الأول وهو السيناريو البطيء بمعدل استهلاك ما بين 5 إلى 8 ملايين طن خلال 10 سنوات، أما السيناريو المتوسط فيتضمن ما بين 10 حتى 18 مليون طن خلال 10 سنوات، أما السيناريو الأسرع فيصل معدل الاستهلاك به أكثر من 20 مليون طن خلال 10 سنوات، في ظل متغيرات رئيسية في قدرة تشغيل أفران البليت محليًا وإصلاح سوق الخردة، واستقرار أسعار الوقود والكهرباء وإمكانية استيراد سبيكة بيليت عند الحاجة.
وأكد على أن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه قطاع الصلب في السوق السوري لعل أهمها انتقال الملكيات وهيكل التحكم بالسوق، خاصة وأن المشهد كان أكثر تنوعًا قبل عام 2011، بينما واقع انتاج الصلب والطاقة الفعلية مقابل الطلب خاصة وأن الإنتاج المحلي يغطي ما بين 20 إلى 30% من الطلب المتوقع بعد مرحلة الإعمار، ولعل من أهم المعوقات هي تضرر منظومة الكهرباء والعقوبات وقيود النقل والجمارك.
وذكر بأن التحديات تتطلب مجموعة من الحوافز المتكاملة للقطاع الخاص، مع وجود احتكار وغياب الشفافية في سوثق الخردة، مع ضرورة وضع معايير موحدة لحديد التسليح، مع توفير قروض ميسرة وتأمينية ضد الخاطر السياسية، لافتًا إلى انه من الممكن الاستفادة من التكامل مع دول عربية منتجة للصلب، مع إعادة التأهيل وتوفير المعدات الأساسية وتعزيز الشفافية، ووجود مسح شامل للمعامل وتنظيم سوق الخردة، وإدخال تقنيات جديدة وتعزيز الشراكات الإقليمية بمعايير وطنية للجودة.
من جهته، قال عمّار عبد الله نائب الرئيس – مؤسسة الحديد للتنمية الاقتصادية – العراق، إن الطاقة الإنتاجية المصممة للمعامل قيد التشغيل في عام 2025 نحو 5 معامل تصل لأكثر من 8.5 مليون طن سنويًا، ليصبح معدل استهلاك الفرد العراقي ما بين 80 حتى 100 كيلو جرام سنويًا، أما الحجم الكلي للعراق ما بين 3.6 حتى 4.5 مليون طن سنويًا.
وفي السياق ذاته، قال عمّار العولقي عضو مجلس الإدارة – شركة المعادن للصناعات الحديدية – اليمن، إن هذه القمة تعد أول تمثيل لليمن خاصة وأن سوق اليمن يعاني من الإنتاج المنخفض من الصلب والذي قُدر خلال أخر 3 سنوات ما بين 80 حتى 120 ألف طن سنويًا، خاصة وأن معظم الصناعات باليمن هي صناعات تشكيلية وإعادة استخدام للحديد.
وأضاف أن هناك غياب تام للمصانع الكبرى، الأمر الذي ساهم في وضع خطة لتنفيذ مشروعات بطاقات إنتاجية صغيرة ومتوسطة، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها السوق من تراجع القدرات الشرائية للمستهلك، وارتفاع تكلفة النقل والشحن نتيجة الوضع الأمني والاعتماد على الاستيراد، موضحًا أن السوق شهد تطورات كبيرة خلال أخر 3 سنوات، إلا أن الأمر تغير في عام 2023 مع بدء إعادة البناء من المواطنين إلا أن 2024 شهدت تحديات أخري هي شح المعروض وارتفاع التكلفة نظرًا لوجود أكثر من بنك مركزي باليمن.
وأوضح أن هناك تطورات في الطلب على الطلب في اليمن خاصة وأنها متعمدة على الاستيراد بشكل رئيسي وقدرت الأرقام بأن الطلب قائم على الاستيراد بنحو مليون طن سنويًا خلال 3 سنوات، من 5 دول هي الصين وتركيا والامارات ومصر والسعودية، موضحًا أن تركيا لديها ميزة تنافسية هي مرونة الأسعار وسرعة الشحن، بينما مصر لديها ميزة القرب الجغرافي وجودة المنتج.
ونوه إلى أن المحور الثالث وهو حجم الاستهلاك والذي قدر بنحو 80% من حجم الواردات من تركيا، حيث يبلغ إجمالي الاستهلاك السنوي نحو 747 ألف طن، منها 650 ألف طن من تركيا في عام 2025.
د. عالية المهدي العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة:
80% من ناتج الصلب يذهب للقطاع الخاص بالدول المتقدمة.. و70% بالدول سريعة النمو والنامية
المشروعات الحكومية يمثل طلب قوياً غير مستدام .. والقطاع الخاص المحرك الرئيسي لهذه الصناعة
مشروعات البنية التحتية والبناء تستحوذ على 52% من طلبات الحديد والصلب
صناعة الصلب تمثل 1.4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي
بندر عبد الله السليم رئيس اللجنة الوطنية لصناعة الحديد على أن المملكة العربية السعودية:
السعودية تستهدف زيادة طاقتها الإنتاجية من الصلب إلى 30 مليون طن سنوياً لتلبية الطلب المتزايد
إدوارد جيمس رئيس المحتوي والأبحاث ME&A – MEED
السعودية والإمارات من أكثر الأسواق طلبًا للصلب في ظل ضخامة المشروعات الجاري تنفيذها
سفيان شايب ستي مدير عام مساعد AQS
ضرورة إعطاء فرص جديدة للقطاع الخاص ومراجعة السياسة النقدية والقوانين لتعزيز الاستثمارات
جاءت الجلسة الثانية من القمة تحت عنوان «الاستثمارات في البنية التحتية والإسكان ودورهما كمحرك رئيسي للطلب على منتجات الصلب في الدول العربية»، لتُكمل المسار الذي بدأته الجلسة الافتتاحية نحو فهم أعمق لديناميكيات الطلب في أسواق الصلب العربية، وقد ركزت الجلسة على تحليل حجم الاستثمارات العربية في مجالي البنية التحتية والإسكان، ودورهما المحوري في توليد الطلب على منتجات الصلب النهائية، إضافة إلى بحث دور الصناعة المحلية في تلبية هذا الطلب، ومدى اعتماد الأسواق على الواردات لتغطية احتياجاتها من الحديد والصلب، بهدف بناء قاعدة معرفية موحدة تستند إلى الحقائق والأرقام، وتشكل أرضية مشتركة تعزز من دقة التحليل والرؤى المستقبلية في هذا القطاع الحيوي.
ومن خلال المناقشات، أتاح المتحدثون فهمًا أكثر عمقًا للعلاقة الوثيقة بين النشاط الاقتصادي في قطاعات الإسكان والبنية التحتية وبين أداء صناعة الصلب، باعتبارها الصناعة الأكثر حساسية تجاه حركة الإنفاق العام ومشروعات التنمية، كما تناولت الجلسة أسباب بقاء بعض أسواق الصلب العربية في حالة دورية أو شبه راكدة، رغم الزخم الاستثماري في قطاعات التشييد، مع تحليل حجم ونطاق الاستثمارات الحكومية والخاصة وتأثيرها المباشر على حجم الطلب الفعلي، إلى جانب دراسة المخاطر الناتجة عن تركّز الطلب في المشروعات الكبرى الممولة من القطاع العام، وما يترتب على ذلك من تقلبات في الإنتاج المحلي بين فترات الانتعاش والانكماش.
وخلال الجلسة، قدمت الدكتورة عالية المهدي، العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تحليلًا بيانيًا شاملًا للعلاقة بين نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونمو إنتاج الصلب على مستوى العالم، استنادًا إلى سلسلة زمنية طويلة تمتد من عام 1975 وحتى عام 2024، إضافة إلى مقارنة تفصيلية للفترة بين عامي 2011 و2024. وأوضحت من خلال عرضها أن العلاقة بين المتغيرين طردية بطبيعتها، إلا أن قوة هذا الارتباط شهدت تراجعًا ملحوظًا منذ عام 2022، في ظل التباطؤ الذي أصاب الاقتصاد العالمي وتزايد القيود البيئية والتجارية على الصناعة.
د عالية المهدي
وأشارت المهدي إلى أن البيانات المقارنة تُظهر تراجعًا واضحًا في معدل النمو السنوي المتوسط لإنتاج الصلب مقارنة بالناتج العالمي خلال السنوات التسع الأخيرة؛ فبين عامي 2010 و2015 سجل الناتج العالمي نموًا قدره 3.3%، في حين بلغ معدل نمو الصلب 4.8%، أما خلال الفترة من 2016 إلى 2024 فانخفض الناتج العالمي إلى 2.7% مقابل 1.9% فقط للصلب، وهو ما يعكس تباطؤًا عامًا في دورة الطلب الصناعي عالميًا.
وعرضت المهدي تفصيلًا بالأرقام مسار هذا التغير منذ عام 2010، حيث بلغت معدلات نمو الناتج العالمي في ذلك العام نحو 4.5% مقابل 15.7% للصلب، وفي عام 2011 بلغ النمو العالمي 3.3% مقابل 7.3% للصلب، بينما سجل عام 2012 تباطؤًا ملحوظًا عند 2.7% للناتج العالمي و1.6% للصلب.
وفي عام 2013 عاد النمو للارتفاع ليسجل الناتج العالمي 2.9% مقابل 5.8% للصلب، ثم شهد عام 2014 تباطؤًا جديدًا عند 3.1% و1.4% على التوالي، أما عام 2015 فكان عامًا سلبيًا لصناعة الصلب، إذ سجل الناتج العالمي 3.1% بينما تراجع إنتاج الصلب بنسبة -3%، وفي عام 2016 بلغت معدلات النمو 2.8% عالميًا و0.5% في الصلب، لتبدأ بعدها موجة تعافٍ خلال عام 2017 عندما سجل الناتج العالمي 3.5% مقابل 6.4% للصلب، تلتها فترة استقرار نسبي عام 2018 بنحو 3.3%، ثم تباطؤ في 2019 عند 2.7% للناتج و2.6% للصلب.
ومع بداية جائحة كورونا في 2020 تراجع النمو العالمي إلى -2.8%، بينما ظل إنتاج الصلب شبه مستقر عند 0.4%، وفي عام 2021، ومع التعافي، ارتفعت المعدلات إلى 6.4% للناتج و4.3% للصلب، قبل أن تعود إلى التراجع مجددًا في 2022 عند 3.4% و-3.7% على التوالي، ثم 2.9% و0.8% في 2023، وصولًا إلى 2.9% و-1% في عام 2024.
وأضافت المهدي أن معدلات نمو إنتاج الصلب عادة ما تكون أقل من معدلات نمو الناتج المحلي في الدول المتقدمة مثل ألمانيا واليابان والولايات المتحدة والصين، نتيجة نضج أسواقها الصناعية واستقرار أنماط الطلب فيها. في المقابل، تسجل الدول سريعة النمو مثل الهند وفيتنام معدلات نمو في إنتاج الصلب تفوق نمو ناتجها المحلي الإجمالي، بفضل توسعها السريع في مجالات العمران والتشييد والصناعات المرتبطة بالإسكان، أما في منطقة الشرق الأوسط، فأوضحت أن معدل نمو صناعة الصلب يختلف من دولة لأخرى وفقًا للظروف الاقتصادية والسياسية، مشيرة إلى تجارب مصر وسلطنة عمان والجزائر التي تعكس هذا التباين في الأداء.
وأوضحت المهدي خلال عرضها أن القطاعات المولدة للطلب على الصلب عالميًا خلال عام 2024 جاءت موزعة على النحو التالي: قطاع البناء والبنية التحتية في الصدارة بنسبة 52%، يليه قطاع المعدات الميكانيكية بنسبة 16%، ثم قطاع السيارات بنسبة 12%، والمنتجات المعدنية بنسبة 10%، ووسائل النقل الأخرى بنسبة 5%، تليها المعدات الكهربائية بنسبة 3%، وأخيرًا الأجهزة المنزلية بنسبة 2%، ما يعكس استمرار ارتباط هذه الصناعة الوثيق بحركة النمو العمراني والصناعي عالميًا.
وقالت الدكتورة عالية المهدي، إن القطاعات المولدة للطلب على صناعة الصلب عالميًا في عام 2024 تضمنت أيضًا تمايزًا واضحًا حسب نوع القطاع المحرك للطلب، سواء كان عامًا أو خاصًا، موضحة أن القطاع الخاص يستحوذ على نحو 80% من ناتج الصلب في الدول المتقدمة مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية والصين، سواء في مجالات الإسكان أو الإنشاءات أو الصناعات التحويلية، أما في الدول النامية وسريعة النمو، فيتراوح نصيب القطاع الخاص من ناتج الصلب بين 40 و70%، وذلك في إطار خطط التنمية القومية والمشروعات الحكومية الكبرى، أو في مجال الإسكان للأفراد والمشروعات الصناعية والتحضر.
وأكدت المهدي أن الطلب الحكومي عادة ما يكون قويًا لكنه غير مستدام، بينما يمثل الطلب الخاص المحرك الطبيعي والمستدام لصناعة الصلب، وإن كان يمر أحيانًا بدورات موسمية، وأشارت إلى أن صناعة الصلب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصناعات أخرى؛ فلها روابط خلفية مع صناعات التعدين والطاقة، وروابط أمامية مع قطاعات التشييد والبناء والصناعات التحويلية، كما تمثل صناعة الصلب نحو 1.4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهو ما يعكس أهميتها الاستراتيجية في الاقتصاد الدولي.
وأضافت أن هناك ارتباطًا واضحًا بين النمو في معدلات إنتاج الصلب وبين النمو في الناتج المحلي الإجمالي، مع وجود فوارق بين الدول النامية والمتقدمة نظرًا لاختلاف المراحل التنموية التي تمر بها كل مجموعة، وأوضحت أن الدول سريعة النمو، مثل الهند وفيتنام، تسجل معدلات نمو في إنتاج الصلب تفوق معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي نتيجة التوسع الكبير في مجالات العمران والإسكان والتصنيع.
وتابعت المهدي قائلة إن مصادر الطلب على منتجات الصلب تتوزع بين القطاعين الحكومي والخاص، إلا أن الملاحظ أن الطلب الحكومي عادة ما يكون قويًا لفترة محدودة ثم يتراجع، في حين يظل القطاع الخاص هو المحرك الطبيعي والمستدام للصناعة، وأكدت أنه كلما زاد تنوع الاقتصاد واتسعت أنشطته، ارتفع متوسط نصيب الفرد من استهلاك الصلب.
وشددت على أن أبرز التحديات التي تواجه صناعة الصلب عالميًا تتمثل في تباطؤ معدلات النمو الصناعي، وزيادة الطاقات الإنتاجية الفائضة، وتراجع الصادرات العالمية، إضافة إلى انخفاض نسبة الصادرات إلى إجمالي الإنتاج العالمي من الصلب.
من جانبه، أكد بندر عبد الله السليم رئيس اللجنة الوطنية لصناعة الحديد، أن المملكة العربية السعودية بدأت مسيرة صناعة الصلب في منتصف الستينيات، وانطلقت فعليًا في منتصف الثمانينيات مع إنشاء أول مجمع صناعي متكامل، حتى وصلت اليوم إلى طاقة إنتاجية تتجاوز 9 ملايين طن سنويًا، بإجمالي إنتاج بلغ نحو 150 مليون طن خلال الأربعين عامًا الماضية، مشيرًا إلى أن صناعة الصلب تمثل ركيزة أساسية في خلق فرص العمل ونمو القطاع الخاص، نظرًا لكون الحديد أكثر المعادن استهلاكًا وطلبًا عبر مختلف الصناعات، مؤكدًا وجود نية لزيادة الطاقة الإنتاجية لتصل إلى 30 مليون طن سنويًا لتلبية الطلب المتزايد في السوق المحلية والإقليمية.
عالية المهدي
وأوضح السليم أن الاستثمارات في البنية التحتية والإسكان تعد المحرك الأكبر للطلب على الصلب في الأسواق العربية على المدى القريب، مؤكدًا أهمية وجود جداول مشاريع واضحة ومستقرة لضمان استدامة صناعة الصلب المحلية، مشيرًا إلى أن العديد من المشروعات الكبرى مثل نيوم في السعودية، والعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، ومشروعات إعادة الإعمار في ليبيا، والبرامج التنموية في الإمارات، تمثل مصادر أساسية لزيادة الطلب.
وأضاف أن الطلب الحالي يتركز بشكل كبير في المشروعات الحكومية الضخمة الممولة من عائدات النفط، وهو ما يؤدي إلى دورات ازدهار وانكماش تؤثر سلبًا على القدرات الإنتاجية المحلية والاستثمارات وفرص التوظيف، ودعا إلى توسيع نطاق البناء في القطاع الخاص لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن تنويع الطلب بين قطاعات الإسكان السكني والتجاري والصناعي وأعمال التحديث يحد من الاعتماد المفرط على دورات الإنفاق الحكومي.
كما نوه السليم إلى أهمية تحفيز نشاط الإسكان الخاص والمشروعات التجارية من خلال تعزيز أسواق التمويل العقاري، وتوفير الأراضي عبر إصلاحات تخطيطية وتنظيمية، وتسريع إجراءات الموافقات، إلى جانب تقديم حوافز ضريبية أو دعم مباشر للمطورين العقاريين لبناء مساكن متوسطة التكلفة.
وأشار إلى أن قطاعي البناء والصناعة في القطاع الخاص يمثلان عناصر حيوية للنمو، إلا أنهما ما زالا مقيدين بصعوبات تتعلق بالتمويل وتخصيص الأراضي والتعقيدات البيروقراطية، مؤكدًا أن تسهيل إجراءات الرهن العقاري، وتبسيط التصاريح، وتوسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص من شأنه أن يسرّع نمو الطلب الخاص على الصلب، مشددًا على أنه لا يمكن للمشروعات الحكومية وحدها ضمان استدامة صناعة صلب قوية، وأوضح أن وجود جدول مشاريع متوازن من كلا القطاعين العام والخاص أمر ضروري لتجنب تأخر قرارات الاستثمار وضمان الاستغلال الأمثل للقدرات الإنتاجية.
وفي السياق ذاته، أكد إدوارد جيمس، رئيس المحتوى والأبحاث في شركة MEED – ME&A، وجود نظرة تفاؤلية تجاه سوق الصلب ومعدلات الطلب في المنطقة، في ظل زيادة المشروعات الإنتاجية والتوسعات الاستثمارية التي تتماشى مع خطط التنمية الجارية في قطاعات البنية التحتية والنقل والتشييد، لاسيما في السعودية والإمارات، موضحًا أن هناك آفاقًا مستقبلية إيجابية مدفوعة بعوامل مثل النمو السكاني، وارتفاع الطلب على المياه والطاقة، واستضافة الفعاليات الرياضية الكبرى، إلى جانب المشروعات السكنية والتنموية العملاقة، مؤكدًا ضرورة صياغة رؤية شاملة للاستفادة من هذه التوسعات بما يخدم جميع القطاعات المرتبطة بالصلب.
عالية المهدي
أما سفيان شايب ستي، المدير العام المساعد لشركة AQS، فأكد أن البنية التحتية والإسكان هما المحركان الرئيسيان للنمو الصناعي في المنطقة، مشيرًا إلى أن المشروعات العملاقة وخطط إعادة الإعمار في بعض الدول ستستهلك ملايين الأطنان من الصلب خلال السنوات المقبلة، لكنه لفت إلى أن حجم هذا الاستهلاك يبقى مرتبطًا بقدرات الميزانيات الحكومية ومخصصاتها، خاصة في ظل القيود المتزايدة على الإنفاق العام. وأشاد ستي بالتجربة التركية التي أثبتت أن تمكين القطاع الخاص يسهم بصورة ملموسة في نمو قطاع الصلب، داعيًا إلى مراجعة السياسات النقدية والقوانين الاقتصادية التي تحد من مشاركة القطاع الخاص في بعض المجالات الاستثمارية، مؤكدًا أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي الطريق الأمثل لضمان نمو مستدام لصناعة الصلب العربية.
الدكتورة يمنى الشبراوي رئيس قطاع المعالجات التجارية بوزارة الاستثمار والتجارة الخارجية:
تفعيل مذكرة التفاهم بين مصر وعمان نهاية أكتوبر لتعزيز التعاون الصناعي والاستثماري
آليات مكافحة الإغراق والدعم والوقاية تحمي الصناعة الوطنية من الممارسات الضارة
قطاع الصلب في مقدمة أولويات الحماية التجارية باعتباره صناعة استراتيجية
آليات المعالجات التجارية أداة قانونية لضمان التوازن بين حرية التجارة وحماية الصناعة الوطنية
وعي المصدرين بالاتفاقيات الدولية ضرورة لتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري
اتفاقية الجات 1947 وضعت الأساس القانوني للمعالجات التجارية بعد أزمة الكساد الكبير
منظمة التجارة العالمية تضم نحو 66 اتفاقية تغطي السلع والخدمات والمعايير الصحية
حرية التجارة لا تلغي حق الدول في فرض رسوم تعويضية أو وقائية لحماية الصناعات المحلية
التدابير الوقائية لا تُفرض على دولة بعينها بل تُطبق على جميع الدول المصدّرة للسلعة المتضررة
الاتفاقيات الدولية تشترط أن تمثل الصناعة المحلية 25% على الأقل من المنتجين لبدء التحقيق
تحليل البيانات في قضايا الإغراق يتم عبر مقارنة الأسعار المحلية بأسعار التصدير لتحديد هامش الإغراق
الفارق الجوهري بين الإغراق والدعم هو مصدر الخلل السعري وليس حجم الواردات
مصر أعلنت 120 تحقيقًا تجاريًا منذ 1997 لحماية صناعتها الوطنية
الإخطارات الإلكترونية تسهّل التواصل مع أكثر من 166 دولة عضو في منظمة التجارة العالمية
لا يجوز فرض رسوم إغراق أو دعم قبل مرور 60 يومًا من بدء التحقيق لضمان الشفافية والدقة
في حالات الضرر السريع يُسمح بفرض رسوم وقائية مؤقتة لمدة 200 يوم لحماية الصناعة المحلية
مدة فرض رسوم مكافحة الإغراق والدعم تصل إلى 5 سنوات قابلة للتمديد لـ 5 سنوات إضافية
فرض رسوم الحماية ساعد في مضاعفة عدد مصانع البتروكيماويات بمصر 4 مرات
أمريكا فرضت رسومًا 25% على واردات الصلب و256% على المنتجات الصينية المدرفلة
فائض إنتاج الصلب العالمي تجاوز 600 مليون طن خلال خمس سنوات
آسيا وعلى رأسها الصين تتصدر فائض الإنتاج وتغرق الأسواق العالمية
المغرب ودول الخليج تمتلك آليات فعّالة للتحقيق في قضايا الإغراق والدعم
مصر واجهت أكثر من 100 تحقيق تجاري خلال عامي 2024 و2025
تعاون مصري - كندي أدى إلى خفض الرسوم على صادرات الحديد المصرية
الخبرة المصرية في المعالجات التجارية أصبحت نموذجًا يُحتذى في المنطقة
نظام "الحصة المعفاة" يمنح الدول الصغيرة ميزة لحمايتها من تبعات كبار المصدرين
الاتحاد الأوروبي وصف الدعم الصيني لمصر بأنه “دعم عابر للحدود” في سابقة هي الأولى من نوعها
استخدام آليات منظمة التجارة العالمية بفعالية جزء من استراتيجية بناء اقتصاد قوي وعادل
قالت الدكتورة يمنى الشبراوي، رئيس قطاع المعالجات التجارية بوزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، إن مذكرة تفاهم تم توقيعها في شهر فبراير الماضي بين التمثيل التجاري المصري ممثلًا عن وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، ووزارة الصناعة والاستثمار بسلطنة عمان، في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات بين البلدين في مجالات التنمية الصناعية والاستثمار.
وأكدت الشبراوي، أن أول اجتماعات تفعيل هذه المذكرة ستُعقد في القاهرة خلال الفترة من 26 وحتى 30 أكتوبر الجاري، موضحةً أن هذا الاجتماع يمثل خطوة مهمة نحو بدء تنفيذ برامج عملية لتبادل الخبرات وتعزيز فرص الاستثمار المشترك بين الجانبين، مشيدةً بروح التعاون القائمة بين مصر وسلطنة عمان، ومتمنيةً دوام النجاح والتوفيق للطرفين بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين.
وأضافت أن الحكومات تلعب دورًا محوريًا في حماية الصناعات المحلية من الممارسات التجارية الضارة، وذلك من خلال استخدام آليات المعالجات التجارية مثل مكافحة الدعم، ومكافحة الإغراق، والتدابير الوقائية، مشيرةً إلى أن هذه الآليات تعد أدوات أساسية لضمان المنافسة العادلة داخل الأسواق وحماية المنتج الوطني من الأضرار الناتجة عن الواردات غير العادلة.
وأوضحت الشبراوي أنها ستقوم بالتركيز على قطاع الصلب، باعتباره من أهم القطاعات الصناعية الاستراتيجية، لعرض كيفية توظيف آليات المعالجات التجارية في حماية هذا القطاع الحيوي، لافتةً إلى أنه تم خلال جلسات الأمس استعراض هذه الآليات كأدوات فعالة للحد من نفاذ الصادرات غير العادلة إلى الأسواق المحلية، في إطار الجهود المستمرة للحفاظ على تنافسية الصناعة الوطنية ودعم الاقتصاد المصري.
يمنى الشبراوي
وأضافت الدكتورة يمنى الشبراوي، أنها ستتناول في كلمتها بشيء من التفصيل ماهية آليات المعالجات التجارية ومتى يتم اللجوء إليها وفقًا لما نصّت عليه الاتفاقيات الدولية لمنظمة التجارة العالمية، موضحةً أن هذا الموضوع يحظى بأهمية كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ولفتت إلى أن تزايد تطبيق هذه الإجراءات في مختلف دول العالم، ولا سيما في قطاع الصلب، يجعل من الضروري تعزيز وعي الصناع والمصدرين بكيفية الاستفادة من هذه الاتفاقيات، مؤكدةً أن الإحاطة التامة بآليات المعالجات التجارية تمكّن القطاعين الصناعي والتصديري من التعامل بفعالية مع المنافسة العالمية وحماية مصالحهم المشروعة.
وأشارت الشبراوي إلى أنها ستبدأ بعرض لمحة تاريخية حول نشأة هذه الآليات، موضحةً أن جذورها تعود إلى ثلاث مواد رئيسية في اتفاقية الجات لعام 1947، وهي الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة، التي جاءت كرد فعل على السياسات الحمائية المفرطة التي اتبعتها العديد من الدول خلال ثلاثينيات القرن الماضي.
وأوضحت أن تلك الفترة شهدت موجة واسعة من الإجراءات الحمائية، أبرزها قانون “سموت-هاولي” الذي أقره الكونجرس الأمريكي عام 1930، وفرض رسومًا جمركية مرتفعة جدًا على آلاف الواردات الأمريكية، مما دفع العديد من الدول إلى الرد بإجراءات مماثلة، ودخل العالم حينها في دوامة من السياسات الانتقامية التجارية أدت إلى إغلاق الأسواق وتدهور حركة التجارة الدولية.
وأكدت أن هذا الوضع المضطرب دفع المجتمع الدولي لاحقًا إلى صياغة اتفاقية الجات بهدف فتح الأسواق العالمية وتقليص الحواجز الجمركية، مع الإبقاء على ما يسمى بـ”صمام الأمان” المتمثل في اتفاقيات المعالجات التجارية الثلاث، وهي مكافحة الإغراق، ومكافحة الدعم، والتدابير الوقائية، والتي تمثل حتى اليوم الأدوات القانونية الأساسية للتعامل مع الممارسات الضارة في التجارة الدولية وضمان تحقيق التوازن بين حرية التجارة وحماية الصناعات المحلية.
وقالت يمنى الشبراوي، إنها ستبدأ بتوضيح الفرق بين اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية، مشيرةً إلى أن اتفاقية الجات التي أُنشئت عام 1947 كانت في الأساس مُخصصة لتنظيم تجارة السلع فقط، حيث ركزت على تخفيض الرسوم الجمركية وفتح الأسواق أمام حركة السلع بين الدول الأعضاء.
وأضافت أن التطور الطبيعي للتجارة العالمية تطلب توسيع نطاق الاتفاقيات ليشمل قطاعات أخرى، فتم إدخال الخدمات (السيرفيسز) من خلال اتفاقية جديدة سُميت “جاتس” (GATS)، ثم تتابعت المفاوضات في إطار جولة أوروجواي، والتي كانت نقطة التحول الكبرى التي أدت في النهاية إلى إنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO) عام 1995، لتضم تحت مظلتها السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية والمعايير الصحية والنباتية، وغيرها من المجالات التي وصل عدد اتفاقياتها إلى نحو 66 اتفاقية دولية.
قمة مسقط للصلب
وأوضحت الشبراوي أن هذه المنظومة المتكاملة جاءت لتؤكد أن حرية التجارة لا تعني التخلي عن أدوات الحماية، حيث يستطيع كل بلد اللجوء إلى آليات المعالجات التجارية في حال تعرضه لممارسات تجارية ضارة مثل الإغراق أو الدعم غير المشروع أو الزيادة المفاجئة في الواردات، مؤكدةً أن هذه الأدوات تمثل حقًا مشروعًا للدول الأعضاء لحماية صناعاتها المحلية.
وأشارت إلى أنه من خلال هذه الآليات، يمكن للمصنّعين داخل الدولة استخدام التدابير الوقائية لحماية صناعتهم إذا ثبت أن هناك ضررًا ماديًا أو تهديدًا بضرر نتيجة للممارسات غير العادلة، لافتة إلى أن فرض الرسوم التعويضية أو الوقائية لا يقتصر فقط على الصناعات القائمة، بل يمكن أن يمتد ليشمل الصناعات الوليدة أو الناشئة التي ما زالت في طور النمو، إذ تنص الاتفاقيات على أن الضرر قد يكون في صورة إعاقة مادية لتطور الصناعة، وهو ما يتيح اتخاذ إجراءات لحمايتها ودعم قدرتها التنافسية.
وأكدت الشبراوي أن الدور لا يتوقف عند حماية الصناعة المحلية فقط، بل يمتد أيضًا إلى الدفاع عن المصدرين المصريين في الخارج في حال تعرض صادراتهم لإجراءات تحقيق أو دعاوى مكافحة إغراق من دول أخرى، موضحةً أن مبدأ التكافؤ والتوازن في تطبيق هذه الإجراءات هو ما يضمن عدالة النظام التجاري العالمي ويحافظ على مصالح مصر الصناعية والتصديرية في آن واحد.
وأوضحت الشبراوي، أن هناك ثلاث اتفاقيات رئيسية تُنظم عمل آليات المعالجات التجارية، وهي: اتفاقية مكافحة الإغراق، واتفاقية مكافحة الدعم، واتفاقية التدابير الوقائية، مؤكدة أن هذه الاتفاقيات الثلاث تشكل الركيزة الأساسية لحماية الصناعات الوطنية من الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
وقالت الشبراوي إن اتفاقيتي الإغراق والدعم تتشابهان إلى حد كبير، إذ إن كليهما يعالجان ممارسات سعرية ضارة، بمعنى أن الضرر الناتج عن هذه الممارسات يكون نتيجة لفروق في الأسعار. فـفي حالة الإغراق، تقوم شركة أو مجموعة من المصدرين في دولة معينة بتصدير منتجاتهم إلى دولة أخرى بأسعار أقل من السعر الذي يبيعونه به داخل أسواقهم المحلية، وهو ما يؤدي إلى إلحاق ضرر بالصناعة المحلية في الدولة المستوردة، مؤكدة أن شرط ثبوت الضرر هنا أساسي، إذ لا يمكن اتخاذ أي إجراء إلا إذا ثبت أن هذه الممارسة قد تسببت فعليًا في ضرر أو تهديد بضرر لصناعة محلية ممثلة.
وأضافت أن ممارسات الدعم تُعد أيضًا نوعًا من الممارسات السعرية الضارة، لكنها تختلف عن الإغراق في أن الخلل السعري هنا ناتج عن حصول الشركات أو المصدرين في الدولة المصدّرة على دعم مباشر أو غير مباشر من حكومتهم، ما يمنحهم ميزة غير عادلة في التسعير ويؤثر سلبًا على المنافسة في أسواق الدول الأخرى.
وأشارت الشبراوي إلى أنه في بعض الحالات لا يكون هناك ممارسة سعرية ضارة، ولكن قد تواجه الدولة المستوردة زيادة مفاجئة وكبيرة في حجم الواردات تؤدي إلى ضرر جسيم للصناعة المحلية، وفي هذه الحالة تتيح اتفاقية التدابير الوقائية للدولة المتضررة فرض رسوم وقائية على جميع الدول المصدرة لتلك السلعة، كإجراء مؤقت لحماية الصناعة من الانهيار، موضحةً أن هذه الرسوم لا تُفرض على دولة بعينها، بل تُطبق بشكل عام على الواردات من مختلف المصادر.
وأوضحت أن الاتفاقيات الدولية وضعت شروطًا محددة لبدء أي تحقيق في هذه القضايا، وأهمها وجود صناعة محلية ممثلة، أي أن تكون تمثل ما لا يقل عن 25% من إجمالي المنتجين المحليين، وأن تغطي 50% فأكثر من إجمالي إنتاج الدولة في السلعة محل التحقيق.
وأكدت الشبراوي أنه في حالة تحقيق الإغراق، يتم تحليل البيانات الخاصة بسنة التحقيق من خلال مقارنة جميع معاملات التصدير مع الأسعار المحلية في دولة التصدير، ويتم حساب الفرق بين السعرين لتحديد هامش الإغراق الذي يُبنى عليه مقدار الرسم المفروض.
وشددت على أن الإجراء لا يُتخذ إلا بعد التأكد من وجود ضرر فعلي على الصناعة المحلية، والذي يتم قياسه من خلال مجموعة من المؤشرات الاقتصادية مثل الأسعار والإنتاج والمخزون والمبيعات والأرباح والاستثمارات، حيث تتم دراسة هذه المؤشرات على فترة لا تقل عن ثلاث سنوات لتحديد اتجاهات الأداء الصناعي وما إذا كانت تدهورت نتيجة الواردات المغرقة.
وأضافت أن مدة فرض رسوم مكافحة الإغراق أو الدعم تصل إلى خمس سنوات، ويجوز تمديدها لخمس سنوات إضافية في حال أثبتت المراجعة النهائية استمرار الممارسة الضارة أو احتمالية تكرارها، مؤكدة أن هذه الإجراءات تمثل أداة حماية فعالة وطويلة الأمد للصناعة المحلية.
قمة مسقط للصلب
وأوضحت الشبراوي أن الفارق الجوهري بين الاتفاقيات الثلاث يتمثل في أن الإغراق والدعم يقومان على فرق سعري، بينما التدابير الوقائية تتعلق بزيادة كمية مفاجئة في الواردات، وأضافت أن قياس الضرر في جميع هذه الحالات يعتمد أساسًا على مؤشرات كمية، مثل حجم الإنتاج والمبيعات والطاقة التشغيلية، بينما يُستخدم القياس المالي فقط عند تقييم عناصر مرتبطة بالاستثمار أو الأرباح، مشددة على أن الهدف النهائي من هذه الإجراءات هو تحقيق التوازن بين حرية التجارة وحماية الصناعة الوطنية بما يتماشى مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
أوضحت يمنى الشبراوي، أن نطاق تطبيق آليات المعالجات التجارية يختلف من اتفاقية إلى أخرى، سواء من حيث إجراءات الإخطار أو الجهات المعنية أو مدة فرض الرسوم، مشيرة إلى أن كل نوع من أنواع المعالجات (الإغراق – الدعم – الوقاية) له طبيعة خاصة تحكم سير التحقيق والإجراءات اللاحقة له.
وقالت الشبراوي إن اتفاقية مكافحة الإغراق تُطبق ضد شركات محددة بعينها في الدولة المصدّرة، موضحة أنه عندما تتلقى مصر شكوى من صناعتها المحلية تفيد بتضررها من واردات مغرقة من دولة معينة وليكن الدولة (أ)، فإن الخطوة الأولى تتمثل في إخطار سفارة تلك الدولة في القاهرة ببدء التحقيق، وذلك لضمان الشفافية وإتاحة الفرصة للشركات والحكومة المعنية لتقديم ردودها ومذكراتها الدفاعية.
وأضافت أن الآلية نفسها تُتبع في حالة تحقيقات الدعم، غير أن الاختلاف يكمن في أن الإخطار يوجّه للحكومة المصدّرة ذاتها، لأن الدعم عادةً ما يكون إجراءً حكوميًا، ويُطلب منها الدخول في مشاورات (Consultations) مع الدولة التي بدأت التحقيق بهدف الوصول إلى تسوية ودية أو تفاهمات قبل اتخاذ أي إجراءات تصعيدية.
أما في حالة التدابير الوقائية، فأوضحت الشبراوي أن الإجراء مختلف نسبيًا، إذ يتم إخطار جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية من خلال بوابة الإخطارات الرسمية (WTO Notification Portal)، لأن هذه التدابير لا تُوجه إلى دولة محددة بل تُفرض بشكل عام على جميع الدول المصدّرة لتلك السلعة. وأشارت إلى أن هذا النظام الإلكتروني جاء لتسهيل عملية الإخطار والمتابعة، نظرًا لصعوبة التواصل المباشر مع أكثر من 166 دولة عضو في المنظمة.
وأكدت أن نطاق تطبيق الرسوم يختلف تبعًا لتعاون الشركات المصدّرة خلال التحقيق، موضحةً أن الشركات التي تتعاون وتقدم بيانات دقيقة يتم احتساب الرسوم الخاصة بها وفقًا لنتائج تحقيقاتها الفردية، بينما الشركات غير المتعاونة تُطبق عليها أعلى نسبة رسوم وفقًا لمبدأ "أفضل المعلومات المتاحة" (Best Information Available)، وهو ما يشجع المصدرين على التعاون مع سلطات التحقيق.
وأشارت الشبراوي إلى أن فرض الرسوم في قضايا الإغراق والدعم لا يجوز قبل مرور 60 يومًا على بدء التحقيق، وذلك لإتاحة الوقت الكافي لجمع البيانات وتحليلها. أما في حالة التدابير الوقائية، فيُسمح للدولة، بمجرد بدء التحقيق وإخطار منظمة التجارة العالمية، بفرض رسوم مؤقتة لمدة تصل إلى 200 يوم كإجراء سريع لتخفيف الضرر الواقع على الصناعة المحلية إلى حين استكمال التحقيق.
وأضافت أن مدة فرض الرسوم الدائمة في قضايا الإغراق والدعم تصل إلى خمس سنوات، قابلة للمراجعة والتمديد لخمس سنوات أخرى في حال استمرار الضرر أو احتمالية تكراره، بينما لا يجوز أن تتجاوز مدة تطبيق التدابير الوقائية أربع سنوات، ويمكن مراجعتها أو تعديلها خلال هذه المدة، موضحةً أن السبب في ذلك أن التدابير الوقائية تُعد رسوماً جمركية استثنائية، ومن ثم لا يجوز أن تمتد طويلاً لأنها قد تتعارض مع التزامات الدولة في إطار تحرير التجارة الدولية.
وتابعت الشبراوي موضحةً أن الاتجاه العالمي يشهد تزايدًا في استخدام آليات المعالجات التجارية، حيث بدأت العديد من الدول في إدراك أن هذه الأدوات هي الوسيلة المشروعة والفعّالة لحماية الصناعات الوطنية من الممارسات الضارة، دون الإخلال بالتزاماتها الدولية.
واستعرضت الشبراوي جهود قطاع المعالجات التجارية المصري في هذا المجال، مشيرةً إلى أن مصر كانت من أوائل الدول التي انضمت إلى منظمة التجارة العالمية فور تأسيسها، وأن سلطة التحقيق المصرية، ممثلة في قطاع المعالجات التجارية، قامت منذ عام 1997 وحتى مايو 2025 بإعلان بدء التحقيق في نحو 120 قضية، من بينها 100 تحقيق لمكافحة الإغراق سواء كانت تحقيقات أصلية أو مراجعات لاحقة، و16 تحقيقًا في التدابير الوقائية، و4 تحقيقات لمكافحة الدعم، مؤكدة أن هذه الأرقام تُشير إلى تطور قدرات مصر في استخدام أدوات الحماية التجارية بشكل احترافي ومتوافق مع المعايير الدولية.
وأشارت الشبراوي إلى أن القطاعات الصناعية التي استفادت من فرض رسوم المعالجات التجارية في مصر كانت متعددة ومتنوعة، حيث جاءت الصناعات الكيميائية في المقدمة، تليها الصناعات المعدنية، ثم الصناعات الهندسية والنسيجية بنسب متقاربة، بالإضافة إلى الصناعات الغذائية وصناعات مواد البناء، مؤكدة أن هذا التنوع يعكس مدى فاعلية هذه الآليات في حماية مختلف القطاعات الإنتاجية المصرية وتعزيز قدرتها التنافسية في مواجهة الواردات غير العادلة.
رجل الأعمال أحمد عز
وأكدت الدكتورة يمنى الشبراوي، أن أهمية فرض رسوم المعالجات التجارية تكمن في كونها وسيلة مشروعة وفعّالة لحماية الصناعات الوطنية وتعزيز الاستثمارات المحلية، موضحةً أن هذه الرسوم لا تهدف إلى غلق الأسواق أو منع الواردات، وإنما إلى إعادة التوازن إلى بيئة المنافسة بما يضمن نمو الصناعة المحلية في مواجهة الممارسات التجارية غير العادلة.
وأوضحت الشبراوي أن هناك نماذج ناجحة في السوق المصري تؤكد أثر هذه الرسوم في دعم الصناعة والتنمية الاقتصادية، مشيرةً إلى إحدى الصناعات البتروكيميائية التي كانت في طور الإنشاء قبل نحو خمس سنوات، وتقدمت آنذاك بشكوى تطالب فيها بالحماية من الواردات المغرقة التي كانت تعيق دخولها السوق المحلي وتُهدد جدواها الاقتصادية، وأضافت أنه وفقًا للضوابط التي نصت عليها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، تم منح هذه الصناعة الحماية اللازمة بعد أن قدمت المستندات التي تثبت تأثرها السلبي من الواردات، وتم فرض رسوم المعالجات التجارية المناسبة.
وأشارت إلى أنه بحلول عام 2025، وبعد انتهاء فترة الحماية، توسعت الصناعة البتروكيميائية وأصبح عدد المصانع العاملة في هذا القطاع أربعة مصانع بدلًا من مصنع واحد فقط، مؤكدة أن هذا التطور يعكس بوضوح جدوى هذه الآليات في تحفيز الاستثمار الصناعي وتعميق التصنيع المحلي، مضيفة: «هذه هي القيمة الحقيقية للحماية.. فالصناعة هي قاطرة التقدم، والاستثمار الصناعي هو الذي يدفع الاقتصاد للأمام».
وأضافت الشبراوي أن مصر لا تسعى إلى منع الواردات أو الانغلاق على الذات، لأن أي دولة لا يمكنها الاستغناء عن التجارة الدولية، لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى بناء صناعة قوية قادرة على المنافسة، مؤكدةً أن استخدام آليات الحماية التجارية في حدود ما تسمح به الاتفاقيات الدولية هو حق مشروع لكل دولة ترغب في تحقيق التوازن بين الانفتاح التجاري وحماية صناعتها الوطنية.
وتابعت مضيفة أن هناك حالة أخرى لصناعة مصرية وليدة كانت تعاني من واردات مكثفة لمنتج بسيط قادم من الصين بأسعار منخفضة للغاية، مما عرّضها لخطر التوقف عن الإنتاج. وبعد فرض رسوم المعالجات التجارية لحمايتها، تمكنت الصناعة من النهوض والتوسع، حتى أن الشريك الصيني نفسه الذي كان ينافسها بأسعار مغرقة قرر الدخول في شراكة استثمارية معها داخل مصر، وأصبح هناك مصنعان بعد أن كانت البداية بفريق صغير لا يتجاوز 30 عاملًا فقط، مؤكدة أن هذا المثال يعكس كيف تتحول الحماية المؤقتة إلى محفز للنمو والاستثمار والتكامل الصناعي.
وأوضحت الشبراوي أن قطاع الصلب يُعد من أبرز الأمثلة عالميًا على تنامي استخدام آليات المعالجات التجارية، حيث شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في عدد القضايا والتحقيقات الخاصة بمكافحة الإغراق والدعم والوقاية في هذا القطاع، وذلك بعد أن أدركت الدول الصناعية الكبرى أن هذه الأدوات هي السبيل الشرعي الوحيد لحماية صناعاتها الوطنية من الممارسات غير العادلة.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من أوائل الدول التي اتخذت إجراءات حاسمة في هذا المجال، إذ فرضت رسومًا جمركية قدرها 25% على جميع واردات الصلب، و90% على لفائف الصلب الساخن (HRC)، كما فرضت رسومًا تصل إلى 256% على منتجات الصلب المدرفلة على البارد (Cold Rolled) القادمة من الصين، مضيفة أن المملكة المتحدة، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ورثت القضايا التي كانت طرفًا فيها وبدأت هي الأخرى في فرض رسوم وقائية بنسبة 25% على بعض واردات الصلب.
وأوضحت كذلك أن تركيا فرضت رسومًا جمركية تتراوح بين 13% و15%، بالإضافة إلى رسوم مكافحة إغراق على واردات الصلب من الصين وروسيا والهند بنسب متفاوتة، بينما يتبع الاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا والمكسيك النهج ذاته في استخدام أدوات الحماية التجارية للدفاع عن صناعاتها المحلية.
وأكدت الشبراوي على أن كل دولة تمتلك الحق الكامل في استخدام آليات المعالجات التجارية وفقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية، لحماية مصنّعيها الوطنيين من الممارسات غير العادلة، قائلة: «هذه الآليات ليست إجراءات عقابية بل أدوات توازن، تضمن بيئة تجارية عادلة، وتمنح الصناعة المحلية فرصة للنمو والازدهار والمنافسة العالمية».
وأوضحت الشبراوي أن أسباب التزايد في استخدام آليات المعالجات التجارية، خصوصًا في قطاع الصلب، ترتبط بشكل مباشر بالتطورات العالمية في الطاقة الإنتاجية والاستهلاك خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أن الطاقة الإنتاجية العالمية للصلب كانت في عام 2019 تُقدر بنحو 2.4 مليار طن، وارتفعت في عام 2024 لتصل إلى 2.472 مليار طن، بينما بلغ الاستهلاك العالمي في عام 2019 نحو 1.8 مليار طن، وزاد في 2024 ليصل إلى 1.870 مليار طن، وهو ما يعني أن هناك فائضًا عالميًا قفز من 526 مليون طن إلى أكثر من 602 مليون طن خلال تلك الفترة.
وأضافت أن هذا الفائض الكبير في الإنتاج، ولاسيما في دول آسيا وعلى رأسها الصين التي تُعد الدولة الأولى عالميًا في إنتاج الصلب؛ دفع إلى توجيه تلك الفوائض نحو الأسواق التي لا تملك أدوات حماية صناعية كافية، مما تسبب في ضغوط شديدة على الصناعات المحلية في العديد من الدول، وأدى بالتبعية إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الإجراءات الحمائية والتحقيقات التجارية لمكافحة الإغراق والدعم والوقاية.
وأكدت أن هذه التطورات العالمية أجبرت العديد من الدول على إعادة النظر في سياساتها التجارية واستخدام آليات الحماية المشروعة المنصوص عليها في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، مشيرة إلى أنه رغم تزايد تلك الإجراءات، فإن بعض الممارسات التحايلية ما زالت قائمة في محاولة للالتفاف على القوانين، إلا أنه لا يمكن إنكار أن صادرات الصلب تشهد نموًا متسارعًا، خاصة من الصين ودول جنوب شرق آسيا.
وأشارت إلى أن التحدي الحالي أمام الحكومات العربية يتمثل في كيفية التعامل مع هذه الممارسات الضارة، موضحة أن أول خطوة في هذا الاتجاه تتمثل في تفعيل دور سلطات التحقيق الوطنية، وهو ما قامت به بالفعل العديد من الدول العربية، حيث تمتلك المغرب على سبيل المثال سلطة تحقيق نشطة وتباشر عددًا من القضايا بانتظام، بينما يقوم مجلس التعاون الخليجي بإجراء التحقيقات من خلال آلية موحدة، إلى جانب بعض الدول الأعضاء التي أصدرت قوانين وطنية خاصة بها مثل المملكة العربية السعودية.
وأكدت الشبراوي على أن تفعيل آليات المعالجات التجارية يعد سلاحًا مزدوجًا الأثر، فهو من ناحية يحمي الصناعة المحلية من الممارسات التجارية الضارة ويعزز قدرتها التنافسية، ومن ناحية أخرى يوفر أداة للدفاع عن الصادرات الوطنية في مواجهة التحقيقات والرسوم التي قد تفرضها الدول الأخرى، مما يسهم في تحقيق التوازن العادل في التجارة الدولية ودعم الصناعة باعتبارها قاطرة التنمية الاقتصادية.
وأشارت الدكتورة يُمنى الشبراوي، إلى أن هناك جانبًا بالغ الأهمية لا يقل شأنًا عن الإجراءات الداخلية لكل دولة، وهو التعاون الدولي والتنسيق المستمر بين الدول في إطار منظمة التجارة العالمية، مؤكدة أن أي دولة لا يمكن أن تعمل بمعزل عن المجتمع الدولي في هذا المجال، حيث تُعقد اجتماعات دورية منتظمة كل ستة أشهر داخل المنظمة، تضم اللجنة الفنية ولجنة الوقاية ولجنة مكافحة الدعم ولجنة مكافحة الإغراق، وتُعد هذه الاجتماعات بمثابة منصة لتبادل التقارير والتجارب واستعراض الممارسات الوطنية لكل دولة.
وأوضحت أن خلال هذه الاجتماعات، تقوم كل دولة بتقديم تقرير نصف سنوي “Semi-Annual Report” يتضمن ما قامت به خلال الفترة السابقة من تحقيقات وإجراءات وما واجهته من مخالفات أو تحديات، وهو ما يتيح قدرًا كبيرًا من الشفافية والمراجعة الجماعية داخل المنظمة، ويُسهم في تصحيح المسارات وضمان الالتزام الكامل بقواعد التجارة العادلة.
وأضافت الدكتورة الشبراوي أن من المهم للغاية أن تعمل الدول العربية على تعزيز التعاون فيما بينها من خلال توقيع اتفاقات وبروتوكولات تعاون وتبادل للخبرات بين سلطات التحقيق العربية ونظيراتها في الدول الأخرى، بما يساعد على توحيد الجهود وتنسيق المواقف داخل منظمة التجارة العالمية، مؤكدة أن هذا النوع من التعاون هو السبيل الحقيقي لـ النهوض بالصادرات العربية وحماية الصناعات الوطنية من الممارسات التجارية الضارة.
وأشارت إلى أنه على سبيل المثال، واجهت الصادرات المصرية خلال الفترة من عام 2024 إلى 2025 أكثر من 100 تحقيق تجاري من دول مختلفة حول العالم، وهو رقم كبير يعكس حجم النشاط الصناعي والتصديري لمصر، وفي المقابل تحركت الجهات المعنية داخل الدولة لتقديم الدعم الفني والقانوني لهذه الصناعات في مواجهة التحقيقات العكسية، وذلك حرصًا على ضمان استمرار تدفق الصادرات المصرية للأسواق الخارجية دون معوقات أو أعباء مالية إضافية.
وأضافت أن من بين هذه الحالات ما يتعلق بصادرات الحديد المصري إلى كندا، حيث تم التعاون الوثيق مع السلطات الكندية خلال التحقيق، ونتج عن ذلك خفض ملموس في الرسوم المفروضة على المنتج المصري، بما مكن الصناعة من مواصلة نشاطها التصديري بكفاءة، كما شهدت قضية السجاد المصري المُصدر إلى المغرب موقفًا مشابهًا، إذ فتحت السلطات المغربية تحقيق إغراق ضد الواردات المصرية، إلا أن التنسيق والتعاون بين سلطة التحقيق المصرية والمغربية أثمر عن بدء مراجعة مرحلية للرسوم المفروضة بهدف تصحيح الأوضاع وضمان العدالة في القرار النهائي.
وأكدت الدكتورة يُمنى الشبراوي، على أن التعاون الإقليمي والدولي في مجال المعالجات التجارية لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية، لأن تحديات الاقتصاد العالمي وتشابك سلاسل الإمداد تفرض على الدول أن تعمل يدًا بيد لحماية صناعاتها وتعزيز تنافسيتها، مضيفة أن الخبرة المصرية في هذا المجال باتت نموذجًا يحتذى به في المنطقة، خاصة مع تزايد الوعي بدور آليات منظمة التجارة العالمية في تحقيق التوازن بين الانفتاح التجاري وحماية المصالح الوطنية.
وأوضحت الدكتورة يُمنى الشبراوي أن من بين الجوانب الفنية المهمة التي تستحق الإشارة إليها في اتفاقية الوقاية هو ما يتعلق بما يُعرف بـ "الحصة المعفاة" أو الـ Quota Exemption، مشيرة إلى أن الاتفاق يتيح للدولة التي تفرض تدابير وقائية أن تُعفي من هذه التدابير بعض الدول المصدرة بناءً على متوسط صادراتها خلال السنوات الثلاث السابقة للتحقيق.
وقالت إن هذا النظام يهدف إلى تحقيق قدر من العدالة في التطبيق، بحيث لا تتضرر الدول التي لم يكن لها نصيب كبير من الصادرات إلى الدولة المتضررة، موضحة أنه على سبيل المثال، إذا كانت دولة (X) قد صدّرت خلال آخر ثلاث سنوات كميات محدودة من منتج معين، فإنه يتم حساب متوسط صادراتها في هذه الفترة، ومن ثم تُمنح حصة معفاة من الرسوم الوقائية في حدود هذا المتوسط، وهو ما يضمن ألا تتحمل الدول الصغيرة أو المصدّرون محدودو الحجم تبعات ممارسات كبار المصدرين.
وأضافت أن هذا الجانب يُعد من الأدوات الدقيقة التي تعكس مرونة اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وحرصها على التوازن بين حماية الصناعة المحلية والحفاظ على الانسياب التجاري العالمي.
وانتقلت الدكتورة الشبراوي إلى الحديث عن الشق القضائي والتسوي داخل منظمة التجارة العالمية، مشددة على أن آليات المعالجات التجارية لا تتوقف عند فرض الرسوم فقط، وإنما تمتد إلى إمكانية الطعن أو الاستئناف على هذه الرسوم في حال صدورها بالمخالفة لأحكام الاتفاقات الدولية.
وأوضحت أن النظام المتبع في المنظمة يشبه إلى حد كبير النظام القضائي، حيث يمكن لأي دولة متضررة من قرار تجاري أن تلجأ إلى “هيئة تسوية المنازعات” التابعة للمنظمة (Dispute Settlement Body) لتقديم شكوى رسمية ضد الدولة التي أصدرت الإجراء المخالف، وذلك بناءً على مبدأ الالتزام باتفاقات الدعم أو مكافحة الإغراق أو الوقاية.
وقالت الشبراوي إن هذه الآلية القانونية الدولية تمثل الضمانة الأساسية لتحقيق العدالة التجارية وحماية مصالح الدول الأعضاء، خاصة الدول النامية التي قد تتعرض لإجراءات غير منصفة من بعض الكتل الاقتصادية الكبرى.
وضربت مثالاً عملياً على ذلك، مشيرة إلى أنه في وقت سابق أقدم الاتحاد الأوروبي على إجراء غير مسبوق عندما اعتبر أن الدعم الذي تقدمه الصين لصادراتها إلى مصر يُعد نوعاً من الدعم العابر للحدود (Cross-border Subsidy)، ما يعني أن الصناعة المصرية استفادت من دعم قدمته دولة أخرى وهي الصين.
وأكدت أن هذه الحادثة كانت الأولى من نوعها في تاريخ منظمة التجارة العالمية، حيث لم يسبق أن تم توصيف مثل هذا النوع من الدعم في السابق، موضحة أن مصر لم تلجأ وقتها إلى رفع نزاع رسمي داخل المنظمة، إلا أن إندونيسيا واجهت لاحقاً موقفاً مشابهاً في منتج آخر وقررت اتخاذ المسار القانوني.
وتابعت قائلة إن إندونيسيا رفعت القضية بالفعل إلى هيئة تسوية المنازعات بالمنظمة، وأصدرت هيئة الخبراء (Panel) تقاريرها النهائية التي أكدت أن الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي في هذا السياق تخالف نصوص اتفاق الدعم والإجراءات التعويضية (Agreement on Subsidies and Countervailing Measures)، وأوصت في ختامها بأن يقوم الاتحاد الأوروبي بتصحيح أوضاعه ومواءمة إجراءاته مع التزاماته الدولية، بعد أن ثبت أن هذه التدابير قد ألحقت ضررًا فعليًا بالصادرات الإندونيسية.
وختمت الدكتورة يُمنى الشبراوي حديثها بالتأكيد على أن هذه الواقعة تقدم درسًا بالغ الأهمية للدول النامية، مفاده أن اللجوء إلى آليات تسوية المنازعات ليس رفاهية، بل هو حق مشروع وأداة أساسية للدفاع عن المصالح الوطنية في مواجهة أي انحراف في تطبيق قواعد التجارة الدولية، مشددة على أن الوعي بهذه الآليات واستخدامها بفعالية يُعد جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية بناء اقتصاد قوي وعادل في بيئة تجارية عالمية تنافسية.
قمة مسقط للصلب
الحمائية الخضراء سلاح جديد لتطبيق سياسات تنافسية جديدة
خواكيم شرودر:
فجوة الطلب والإنتاج تتسع.. والتحول الأخضر ما زال شعارًا أكثر منه واقعًا
منى الجرف:
صناعة الصلب تواجه أزمة هيكلية.. والطاقة الفائضة تتفاقم عالميًا
ستيفن راس:
الفوائض الصينية تضغط على الأسواق العربية.. والدول لم تفعل ما يكفي لحماية صناعتها
شهدت الجلسة الثانية من المؤتمر، التي ترأسها حاتم صنهاجي، الرئيس التنفيذي لشركة المغرب ستيل، مناقشة معمّقة حول أسباب وتداعيات مشكلة الفائض المستمر في الطاقة الإنتاجية العالمية للصلب، وتأثير الموجة الأخيرة من التدابير الحمائية على الصناعة، وذلك بمشاركة كل من خواكيم شرودر رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة البحث والاستشارات (RCG)، وستيفن راس رئيس قسم السياسات الهيكلية والصناعية بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، والدكتورة منى الجرف أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة.
تناولت الجلسة تأثير التوسع المفرط في الطاقات الإنتاجية، والتغير في أنماط الطلب العالمي، وما ترتب عليه من تقلبات في الأسعار وتشوهات في التجارة وضغوط تنافسية متزايدة، دفعت العديد من الدول إلى تطبيق تدابير تجارية ودعم حكومي وأشكال جديدة من "الحمائية الخضراء" مثل آلية تعديل حدود الكربون (CBAM).
قال خواكيم شرودر، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة البحث والاستشارات (RCG)، إن الفجوة بين القدرات الإنتاجية والطلب العالمي على الصلب في تزايد مستمر، مشيرًا إلى أن الطلب المحلي لم يعد كافيًا لاستيعاب الإنتاج المتنامي في العديد من الدول، مما أدى إلى زيادة المنافسة وتفاقم الفائض في الأسواق.
وأوضح شرودر، أن بعض الدول الكبرى تلجأ إلى ممارسات تجارية غير منصفة عبر إغراق أسواق أخرى بمنتجات منخفضة الجودة، الأمر الذي يزيد من حدة الضغوط على الصناعات المحلية في مختلف الدول، مضيفًا أن كلما انخفض معدل استغلال الطاقات الإنتاجية، كلما ارتفع عدد السياسات التجارية المناهضة التي تتبناها الحكومات لمواجهة الإغراق أو المنافسة غير العادلة.
وأشار إلى أن خطاب التحول الأخضر وتقليل الانبعاثات الكربونية لم يتحول بعد إلى واقع ملموس، موضحًا أن خطة أوروبا للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر لم يتحقق منها سوى نسبة محدودة للغاية، ما يعكس فجوة واضحة بين الأهداف المعلنة والنتائج الفعلية.
من جانبها، قالت الدكتورة منى الجرف، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن صناعة الصلب تُعد قوة مهيمنة في تحقيق النمو الاقتصادي في مختلف دول العالم، موضحة أن البلدان المتقدمة والدول حديثة العهد بالتصنيع تستحوذ على نحو 87% من إجمالي إنتاج الصلب الخام العالمي.
وأضافت أن الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية تظل من بين أكبر عشرة منتجين للصلب في العالم، بينما تشير البيانات إلى اختلال متزايد في توازن السوق العالمية نتيجة تصاعد الطاقات الإنتاجية الفائضة.
وأوضحت الجرف أن الطاقة الإنتاجية العالمية ارتفعت من 2.416 مليار طن في عام 2019 إلى 2.472 مليار طن في عام 2024 بزيادة قدرها 2.3%، في حين انخفض الطلب الفعلي من 1.890 مليار طن إلى 1.870 مليار طن خلال نفس الفترة، أي بانخفاض قدره 1%.
وأكدت أن الفائض الإنتاجي العالمي ارتفع من 526 مليون طن عام 2019 إلى نحو 721 مليون طن متوقع في 2027، بزيادة تقدر بـ 37% خلال ثماني سنوات، مشيرة إلى أن الطاقة الإنتاجية المستغلة تتراجع تدريجيًا في مختلف مناطق العالم، مع تفاوت في نسبها بحسب طبيعة الاقتصاد والموقع الجغرافي.
وأشارت إلى أن الدول العربية لا تمثل أكثر من 3.5% من الطاقة الإنتاجية التصميمية للصلب عالميًا، ولا تتجاوز 2.2% من إجمالي الإنتاج الفعلي، فيما تصل إلى 7.6% فقط من إجمالي الفائض الإنتاجي العالمي.
وقالت إن هذه الأرقام تعكس عجزًا واضحًا في استهلاك الصلب داخل الدول العربية مقارنة بالمتوسط العالمي، مؤكدة أن الفوائض الحالية تمثل خطرًا هيكليًا على الصناعة، إذ تتسبب في انخفاض الأسعار وتراجع الربحية، وتشوهات السوق، وتفاقم المزاحمة من المصانع الأقل كفاءة، بالإضافة إلى تراجع الإنفاق على التطوير والجودة ومشروعات التحول الأخضر.
وشددت الجرف على أن الحفاظ على مبدأ المعاملة الخاصة والتفضيلية للدول النامية أصبح أمرًا بالغ الأهمية، خاصة في ظل التدابير الحمائية التي تتخذها الدول الكبرى ضد صادرات تلك الدول.
واختتمت بالتأكيد على ضرورة تشكيل تحالف عربي على غرار المنتدى العالمي لفائض الطاقة الإنتاجية للصلب (GFSEC) الذي أطلقته مجموعة العشرين، مشيرة إلى أن الاتحاد العربي للحديد والصلب يمكن أن يكون الكيان الأنسب لتولي هذا الدور.
أما ستيفن راس، رئيس قسم السياسات الهيكلية والصناعية بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، فقد أكد أن الدول العربية لم تتخذ بعد الإجراءات الكافية لحماية صناعتها من تداعيات الفوائض العالمية في الطاقات الإنتاجية، محذرًا من أن هذه الفوائض تزايدت بفعل الدعم الحكومي الضخم الذي يتلقاه منتجو الصلب في الصين.
وأوضح راس أن الصين تواصل تصدير كميات ضخمة لتسويق إنتاجها الفائض، ما أدى إلى ارتفاع عدد التحقيقات التجارية ضدها على مستوى العالم، لافتًا إلى أن بكين باتت تبحث عن أسواق يسهل النفاذ إليها لتعويض تراجع الطلب المحلي.
واختتمت الجلسة بالإجماع على أن فائض الطاقة الإنتاجية في الصلب يمثل مشكلة هيكلية أكثر منها دورية، إذ جاء نتيجة الاستثمارات الضخمة السابقة، والتوسع المدعوم من الدولة، وتباطؤ الطلب في الاقتصادات المتقدمة، وأكد المشاركون أن فائض الإنتاج يتركز في عدد محدود من المناطق والمنتجات منخفضة القيمة، بينما تظل القطاعات المتخصصة والعالية الجودة والأكثر استدامة بيئيًا محدودة العرض.
رجل الأعمال أحمد عز
وشددت الجلسة على أن الحوافز الحكومية والتمويل العام والطاقة الرخيصة والسياسات التجارية المشوهة ساهمت في تفاقم الأزمة وتأخير التصحيح السوقي، لافتة إلى أن التدابير التجارية التقليدية مثل رسوم الإغراق والدعم قد توفر حلولاً مؤقتة لكنها لا تعالج جوهر الخلل، بل تنقل الأزمة من سوق إلى آخر.
صناعة الصلب تتطلب استخدام الهيدروجين لتخفيض الانبعاثات الكربونية
تناولت الجلسة الرابعة التي جاءت بعنوان نظرة مستقبلية على التقنيات والكفاءات الجديدة في صناعة الصلب التقدّم التكنولوجي والتشغيلي على المدى القريب والمتوسط، والذي يمكن أن يسهم في رفع الإنتاجية، خفض التكاليف وكثافة الكربون، وتحسين جودة المنتجات على امتداد سلسلة القيمة في صناعة الصلب. فضلاً عن مقارنة الابتكارات الثورية (مثل الاختزال المباشر باستخدام الهيدروجين، التحول الكهربائي، المسارات المعتمدة على الخردة) مع التحسينات التدريجية في العمليات والتقنيات الرقمية (مثل التحكم المتقدم في العمليات، الصيانة التنبؤية، تكامل الطاقة)، ومناقشة كيفية تطبيق هذه الخيارات على نطاق تجاري فعّال.
كان الهدف من تلك هو تقديم لمحة عملية وواضحة عن أكثر التقنيات وإجراءات الكفاءة الواعدة لمصنّعي الصلب اليوم وعلى مدى السنوات الـ5–10 القادمة، وتسليط الضوء على أمثلة واقعية وفوائد قابلة للقياس (الطاقة، الانبعاثات، الإنتاجية، وقت التشغيل، التكلفة)، وتحديد العوائق التي تحول دون التبني (تقنية، اقتصادية، سلاسل التوريد، تنظيمية) واقتراح مسارات لتجاوزها، وتوضيح أولويات الاستثمار والعائد المتوقع/الإطار الزمني لذلك حسب أحجام وأنواع المصانع المختلفة، وأخيراً التوصية بإجراءات للقطاع الصناعي، ومورّدي المعدات، وصانعي السياسات لتسريع النشر والتطبيق.
أكد دانييلي نائب رئيس مجلس الإدارة بقسم صناعة الصلب بشركة Danieli علي أهمية تكنولوجيات استخدام غاز الهيدروجين في صناعة الصلب لتخفيض الانبعاثات الكربونية وأنها ستزداد اتساعاً، وكذلك التغيرات التكنولوجية الجديدة لاسيما تلك التي تستخدم طاقة نظيفة كالكهرباء تحسن استقرار العمليات الفنية وتوفر الطاقة وتقلل الانبعاثات لأنها تعتمد على ركائز صناعية خاصة مغايرة، وأيضًا التغيرات التكنولوجية الجديدة قد تساعد في تحول النظم الإنتاجية لتصبح أكثر مرونة وأكثر كفاءة من ناحية التكاليف، مع إمكانية اعتماد وموثوقية أعلى، وكفاءة إنتاجية متصاعدة.
فيما أشار ألبرتو بيجانتي إلى أن أوروبا بدأت عملية تقليل الانبعاثات وكانت سباقة، وعاجلاً أو آجلاً سيحذو الجميع حذوها لتقليص الانبعاثات الكربونية، وسيتأثر التحول بعوامل عدة منها أسعار المواد الخام وتكاليف التشغيل وجودة المنتجات، فلا يوجد ثمة حل موحد لكل المنشآت الإنتاجية، بل ينبغي تصميم حلول لكل منشأة على حدة طبقاً لوضعها الحالي بعد تحليل فني معمق حتى تحدث التدخلات الجديدة أثرها.
أما ولفجانج فأشار إلى أنه لا يمكن تجريد المنشآت الإنتاجية من هويتها، وعلينا أن نتريث وندرس خصائص المنشآت قبل إحداث التغيير، وأن سوق الهيدروجين سيزداد اتساعاً وستكون هناك فترة انتقالية للتحول، في ظل التكنولوجيا كثيفة الانبعاثات الكربونية ستتراجع بمرور الوقت، موضحًا أنه لابد من استخدام تكنولوجيات متقدمة لالتقاط الكربون، وكذلك أنظمة استعادة الحرارة، ولا ينبغي التحول نحو هذا دون دراسة النفقات الرأسمالية وتقييمها، لابد من دراسة جدوى شاملة، فضلًا عن مراعاة سلاسل القيمة وأن نراعيها بكافة مراحلها قبل التحول نحو الحلول الخضراء، كما أنه ليس هناك حل واحد مناسب للجميع، والتغيير قد يتطلب تغييرات أخرى تعلق بالخامات وشبكات الطاقة، وينبغي أن تكون التغيرات قابلة للتطبيق وأن نبتكر ونستثمر في مزيد من الحلول المتقدمة.
وفيما يتعلق بما قدمته الجلسة فإنه يمكن للتقنيات الجديدة في صناعة الصلب (مثل استخدام الهيدروجين في تقنيات الاختزال المباشر، الكهربة، التقاط الكربون، والأدوات الرقمية المتقدمة) أن تقلل التكاليف والانبعاثات في الوقت نفسه، كما أنه هناك حاجة إلى تغييرات كبيرة (مثل الهيدروجين والكهربة) وخطوات صغيرة (مثل الأدوات الرقمية وتوفير الطاقة) لتحقيق التحسين المستمر والحفاظ على القدرة التنافسية، فضلًا عن احتياج التقنيات الجديدة إلى سياسات داعمة. التعاون بين الصناعة والموردين وصناع السياسات هو عامل رئيسي للنجاح، كما أن التقنيات الخضراء مثل الهيدروجين والكهربة تتطلب بنية تحتية مناسبة.
استخدام الطاقة الجديدة في عمان عبر خطتين الأولي تنتهي في 2030 والثانية 2050
فراس العيدوال:
سلطنة عمان تسير بخطة واضحة نحو التحول الكامل للطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر
الطاقة بتكلفة معقولة ومستدامة.. سياسة راسخة لوزارة الطاقة العمانية
استخدام الخردة في إنتاج الصلب يقلل الانبعاثات ويعزز كفاءة الصناعة في عمان
عبد العزيز الشيباني:
سلطنة عمان تمتلك مقومات فريدة لتصبح مركزًا إقليميًا للهيدروجين الأخضر
الابتكار هو مفتاح تقدم الاقتصاد وضمان استدامة التحول الطاقوي
قال السيد فراس العيدوال، خلال عرضه التقديمي في الجلسة الخامسة من المؤتمر التي خُصصت لأوراق عمل من وزارة الطاقة العمانية، إن سلطنة عمان وضعت خطة واضحة للتحول نحو الطاقة النظيفة، تستند إلى رؤية طويلة المدى تهدف إلى تحقيق التوازن بين المنافع الاقتصادية الشاملة وبين الالتزام بخفض الانبعاثات الكربونية.
وأوضح العيدوال أن السلطنة تستهدف التوسع في استخدام الطاقة الجديدة، وخاصة الهيدروجين الأخضر، باعتباره أحد ركائز الاقتصاد المستدام في المستقبل، مشيرًا إلى أن منتجي الحديد في عمان يعتمدون بشكل واسع على استخدام الخردة في إنتاج الصلب، وهو ما يُعد من الطرق الأقل إصدارًا للانبعاثات الكربونية مقارنة بالأساليب التقليدية.
وأضاف أن وزارة الطاقة في سلطنة عمان تلتزم بسياسة واضحة تهدف إلى توفير الطاقة بأسعار معقولة وبشكل مستدام، موضحًا أن الجهود الحالية تركز على تعزيز استخدام الطاقة المتجددة وتنفيذ خطط الانتقال إلى الهيدروجين الأخضر، مشيرًا إلى أن الوزارة انتهت بالفعل من إعداد الأطر التنفيذية اللازمة لهذه الخطط، والتي تنقسم إلى مرحلتين رئيسيتين: الأولى حتى عام 2030، والثانية تمتد حتى عام 2050.
وبيّن العيدوال أن أهداف الخطة ترتكز على ضمان أمن الطاقة، نزع الكربون وتقليل الانبعاثات، الارتقاء بالقدرات الفنية الوطنية، زيادة التنافسية، وتعزيز التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، لافتًا إلى أن السلطنة تسعى لأن تكون نموذجًا إقليميًا في التحول الطاقوي المستدام من خلال الدمج بين الجدوى الاقتصادية والحفاظ على البيئة.
ومن جانبه، قال السيد عبد العزيز الشيباني، المدير العام لشركة الهيدروجين العمانية، إن السلطنة تمضي بخطى ثابتة نحو التحول الكامل إلى الهيدروجين الأخضر، مؤكداً أن عمان تمتلك مقومات فريدة تؤهلها لقيادة هذا التحول في المنطقة.
وأوضح الشيباني أن من أبرز هذه المقومات امتلاك البلاد لمصادر طاقة هوائية وشمسية هائلة تُعد من الأعلى كفاءة عالميًا، إلى جانب الموقع الجغرافي المتميز الذي يضع عمان في قلب مسار التجارة بين أسواق آسيا الرئيسة مثل كوريا وسنغافورة، وهو ما يمنحها ميزة تنافسية في تصدير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته.
رجل الأعمال أحمد عز
وأضاف أن البرنامج الوطني العُماني للتحول إلى الهيدروجين الأخضر يمتد حتى عام 2050، ويتضمن خططًا طموحة لتطوير البنية التحتية اللازمة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وبناء شراكات مع شركات عالمية رائدة في مجال الطاقة النظيفة.
وشدد الشيباني على أن الابتكار يمثل محورًا أساسيًا في استراتيجية السلطنة للطاقة النظيفة، مؤكدًا أن تعزيز منظومة الابتكار والبحث العلمي هو الطريق لضمان تقدم الاقتصاد الوطني، داعيًا إلى إنشاء أنظمة إيكولوجية متكاملة قادرة على استيعاب الفرص الكبيرة المتاحة في قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة.
وختم الشيباني حديثه بالتأكيد على أن التحول إلى الهيدروجين الأخضر ليس خيارًا ترفيهيًا بل ضرورة استراتيجية لضمان استدامة النمو الاقتصادي وتقليل الانبعاثات الكربونية، مشيرًا إلى أن سلطنة عمان تسعى لتكون من أوائل الدول العربية التي تنجح في تحقيق هذا التحول بنجاح وتوازن بين التنمية والبيئة.
الخردة تمثل 40% من المواد الخام لصناعة الصلب في العالم العربي
إريك هيدبورغ:
الخردة أصبحت محركًا رئيسيًا للتحول نحو صناعة صلب منخفضة الكربون في العالم العربي
تحسين منظومة جمع ومعالجة الخردة يفتح الباب أمام استثمارات ضخمة في المنطقة
تاو باي:
الدول العربية تمتلك فرصة فريدة لتحويل الخردة إلى ثروة وطنية استراتيجية
أنظمة الجمع الحكومية وتنظيم السوق غير الرسمي أساس استقرار إمدادات الخردة
أحمد العماوي:
الاستثمار في الخردة يخفّض التكاليف ويعزز تنافسية صناعة الصلب العربية عالميًا
إيكاترينا أوراكوفا:
تعظيم استخدام الخردة يحقق فوائد بيئية واقتصادية هائلة للمنطقة العربية
تطوير سياسات تتبع رقمية للخردة خطوة حاسمة نحو الشفافية والاستدامة الصناعية
شهدت الجلسة العاشرة من المؤتمر، التي ترأسها إيريك هيدبورج رئيس قسم المواد الخام لصناعة الصلب بمؤسسة CRU، والذي استهل حديثه بالإشارة إلى أن الخُردة المعدنية لم تعد نفايات منخفضة القيمة كما كانت تُصنّف سابقًا، بل أصبحت عنصرًا استراتيجيًا في صناعة الصلب الحديثة، مشيرًا إلى أنها تمثل اليوم ما يقارب 40% من المواد الخام المستخدمة في إنتاج الصلب في الدول العربية، وهي نسبة تتزايد عامًا بعد عام.
وقال هيدبورج، إن الخُردة تمثل اليوم أحد أعمدة التحول نحو صناعة منخفضة الكربون، فهي تُسهم في خفض الانبعاثات وتحقيق أهداف الاستدامة البيئية، فضلًا عن كونها أداة اقتصادية فعالة لتقليل كلفة الإنتاج وتقليص الاعتماد على المواد الخام المستوردة، مضيفًا أن المنطقة العربية أمام فرصة فريدة لتطوير منظومة متكاملة لجمع ومعالجة وتدوير الخردة، لاسيما في ظل الطفرة العمرانية الكبرى التي تشهدها المدن العربية، موضحًا أن ذلك يتطلب تحسين أساليب الجمع والفرز، ووضع المعايير التنظيمية، وتوفير التمويل اللازم لتأسيس اقتصاد دائري مستدام للصلب.
وأكد رئيس الجلسة أن تعزيز البنية التحتية لأنشطة إعادة التدوير، وتبني أنظمة تتبع رقمية وتنظيم عمل جامعي الخُردة غير الرسميين، يعدّ من أهم المتطلبات لبناء سلاسل إمداد مستقرة وفعالة، داعيًا إلى تعاون حقيقي بين القطاعين العام والخاص لتسريع هذا التحول.
قمة مسقط للصلب
من جانبه، قال تاو باي المدير العام التجاري لشركة EMR، إن الخُردة هي مستقبل صناعة الصلب العالمية، وليست مجرد بديل مؤقت، مؤكدًا أن الاقتصادات التي تستثمر في تطوير منظومتها الخاصة لتدوير الخُردة هي التي ستحتفظ بقدرتها التنافسية في العقود المقبلة.
وأوضح أن استخدام الخُردة لا يقتصر على كونه خيارًا بيئيًا، بل هو حل اقتصادي طويل الأمد يقلل التكاليف التشغيلية ويعزز استقرار الإنتاج، مضيفًا أن المعادلة الجديدة لصناعة الصلب هي أن الاقتصاد الدائري هو الطريق الوحيد للاستدامة والربحية معًا.
وأشار تاو باي إلى أن تحسين جودة الخُردة عبر التقنيات الحديثة في الفرم والمعالجة سيسمح بإنتاج صلب عالي النقاء منخفض الكربون، لافتًا إلى أن الشركات العربية يمكنها أن تستفيد من الخبرات الدولية في إنشاء مراكز إقليمية لتجميع وفرز الخُردة وتطوير منظومات تمويل واستثمار محفزة، تضمن تدفق المواد الخام داخليًا دون الاعتماد الكامل على الواردات.
أما أحمد العماوي، رئيس قسم المواد الخام بشركة قطر ستيل، فقد أوضح أن الخُردة تشكل محورًا استراتيجيًا في رؤية قطر لتطوير صناعة الصلب المستدامة، مؤكدًا أن بلاده اتخذت خطوات عملية نحو تحسين جمع ومعالجة الخُردة بما يتوافق مع معايير الاقتصاد الدائري.
وقال العماوي، إن رفع نسبة الخُردة في عمليات الإنتاج يسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية وتحقيق التزامات الشركات تجاه البيئة، مشيرًا إلى أن التحدي الأكبر في العالم العربي ليس في توفر الخُردة وإنما في تنظيم تدفقها عبر سلاسل الإمداد.
وأضاف أن هناك حاجة ماسة إلى أطر تشريعية واضحة لتشجيع الاستثمار في قطاع إعادة التدوير، إلى جانب توفير الحوافز لاعتماد أفران القوس الكهربائي التي تمكّن من استغلال الخُردة بأعلى كفاءة ممكنة.
وأكد أن التكامل بين الحكومات والقطاع الصناعي وقطاع إدارة النفايات هو المدخل الحقيقي لبناء اقتصاد دائري فعّال ومستدام في المنطقة العربية.