قمة مسقط للصلبد. عالية المهدي العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة:
المشروعات الحكومية يمثل طلب قوياً غير مستدام .. والقطاع الخاص المحرك الرئيسي لهذه الصناعة
مشروعات البنية التحتية والبناء تستحوذ على 52% من طلبات الحديد والصلب
صناعة الصلب تمثل 1.4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي
بندر عبد الله السليم رئيس اللجنة الوطنية لصناعة الحديد على أن المملكة العربية السعودية:
السعودية تستهدف زيادة طاقتها الإنتاجية من الصلب إلى 30 مليون طن سنوياً لتلبية الطلب المتزايد
إدوارد جيمس رئيس المحتوي والأبحاث ME&A – MEED
السعودية والإمارات من أكثر الأسواق طلبًا للصلب في ظل ضخامة المشروعات الجاري تنفيذها
سفيان شايب ستي مدير عام مساعد AQS
ضرورة إعطاء فرص جديدة للقطاع الخاص ومراجعة السياسة النقدية والقوانين لتعزيز الاستثمارات
ناقشت الجلسة الثانية من القمة تحت عنوان «الاستثمارات في البنية التحتية والإسكان ودورهما كمحرك رئيسي للطلب على منتجات الصلب في الدول العربية»، لتُكمل المسار الذي بدأته الجلسة الافتتاحية نحو فهم أعمق لديناميكيات الطلب في أسواق الصلب العربية، وقد ركزت الجلسة على تحليل حجم الاستثمارات العربية في مجالي البنية التحتية والإسكان، ودورهما المحوري في توليد الطلب على منتجات الصلب النهائية، إضافة إلى بحث دور الصناعة المحلية في تلبية هذا الطلب، ومدى اعتماد الأسواق على الواردات لتغطية احتياجاتها من الحديد والصلب، بهدف بناء قاعدة معرفية موحدة تستند إلى الحقائق والأرقام، وتشكل أرضية مشتركة تعزز من دقة التحليل والرؤى المستقبلية في هذا القطاع الحيوي.
ومن خلال المناقشات، أتاح المتحدثون فهمًا أكثر عمقًا للعلاقة الوثيقة بين النشاط الاقتصادي في قطاعات الإسكان والبنية التحتية وبين أداء صناعة الصلب، باعتبارها الصناعة الأكثر حساسية تجاه حركة الإنفاق العام ومشروعات التنمية، كما تناولت الجلسة أسباب بقاء بعض أسواق الصلب العربية في حالة دورية أو شبه راكدة، رغم الزخم الاستثماري في قطاعات التشييد، مع تحليل حجم ونطاق الاستثمارات الحكومية والخاصة وتأثيرها المباشر على حجم الطلب الفعلي، إلى جانب دراسة المخاطر الناتجة عن تركّز الطلب في المشروعات الكبرى الممولة من القطاع العام، وما يترتب على ذلك من تقلبات في الإنتاج المحلي بين فترات الانتعاش والانكماش.
قمة مسقط للصلب
وخلال الجلسة، قدمت الدكتورة عالية المهدي، العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تحليلًا بيانيًا شاملًا للعلاقة بين نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونمو إنتاج الصلب على مستوى العالم، استنادًا إلى سلسلة زمنية طويلة تمتد من عام 1975 وحتى عام 2024، إضافة إلى مقارنة تفصيلية للفترة بين عامي 2011 و2024. وأوضحت من خلال عرضها أن العلاقة بين المتغيرين طردية بطبيعتها، إلا أن قوة هذا الارتباط شهدت تراجعًا ملحوظًا منذ عام 2022، في ظل التباطؤ الذي أصاب الاقتصاد العالمي وتزايد القيود البيئية والتجارية على الصناعة.
وأشارت المهدي إلى أن البيانات المقارنة تُظهر تراجعًا واضحًا في معدل النمو السنوي المتوسط لإنتاج الصلب مقارنة بالناتج العالمي خلال السنوات التسع الأخيرة؛ فبين عامي 2010 و2015 سجل الناتج العالمي نموًا قدره 3.3%، في حين بلغ معدل نمو الصلب 4.8%، أما خلال الفترة من 2016 إلى 2024 فانخفض الناتج العالمي إلى 2.7% مقابل 1.9% فقط للصلب، وهو ما يعكس تباطؤًا عامًا في دورة الطلب الصناعي عالميًا.
وعرضت المهدي تفصيلًا بالأرقام مسار هذا التغير منذ عام 2010، حيث بلغت معدلات نمو الناتج العالمي في ذلك العام نحو 4.5% مقابل 15.7% للصلب، وفي عام 2011 بلغ النمو العالمي 3.3% مقابل 7.3% للصلب، بينما سجل عام 2012 تباطؤًا ملحوظًا عند 2.7% للناتج العالمي و1.6% للصلب.
وفي عام 2013 عاد النمو للارتفاع ليسجل الناتج العالمي 2.9% مقابل 5.8% للصلب، ثم شهد عام 2014 تباطؤًا جديدًا عند 3.1% و1.4% على التوالي، أما عام 2015 فكان عامًا سلبيًا لصناعة الصلب، إذ سجل الناتج العالمي 3.1% بينما تراجع إنتاج الصلب بنسبة -3%، وفي عام 2016 بلغت معدلات النمو 2.8% عالميًا و0.5% في الصلب، لتبدأ بعدها موجة تعافٍ خلال عام 2017 عندما سجل الناتج العالمي 3.5% مقابل 6.4% للصلب، تلتها فترة استقرار نسبي عام 2018 بنحو 3.3%، ثم تباطؤ في 2019 عند 2.7% للناتج و2.6% للصلب.
ومع بداية جائحة كورونا في 2020 تراجع النمو العالمي إلى -2.8%، بينما ظل إنتاج الصلب شبه مستقر عند 0.4%، وفي عام 2021، ومع التعافي، ارتفعت المعدلات إلى 6.4% للناتج و4.3% للصلب، قبل أن تعود إلى التراجع مجددًا في 2022 عند 3.4% و-3.7% على التوالي، ثم 2.9% و0.8% في 2023، وصولًا إلى 2.9% و-1% في عام 2024.
قمة مسقط للصلب
وأضافت المهدي أن معدلات نمو إنتاج الصلب عادة ما تكون أقل من معدلات نمو الناتج المحلي في الدول المتقدمة مثل ألمانيا واليابان والولايات المتحدة والصين، نتيجة نضج أسواقها الصناعية واستقرار أنماط الطلب فيها. في المقابل، تسجل الدول سريعة النمو مثل الهند وفيتنام معدلات نمو في إنتاج الصلب تفوق نمو ناتجها المحلي الإجمالي، بفضل توسعها السريع في مجالات العمران والتشييد والصناعات المرتبطة بالإسكان، أما في منطقة الشرق الأوسط، فأوضحت أن معدل نمو صناعة الصلب يختلف من دولة لأخرى وفقًا للظروف الاقتصادية والسياسية، مشيرة إلى تجارب مصر وسلطنة عمان والجزائر التي تعكس هذا التباين في الأداء.
وأوضحت المهدي خلال عرضها أن القطاعات المولدة للطلب على الصلب عالميًا خلال عام 2024 جاءت موزعة على النحو التالي: قطاع البناء والبنية التحتية في الصدارة بنسبة 52%، يليه قطاع المعدات الميكانيكية بنسبة 16%، ثم قطاع السيارات بنسبة 12%، والمنتجات المعدنية بنسبة 10%، ووسائل النقل الأخرى بنسبة 5%، تليها المعدات الكهربائية بنسبة 3%، وأخيرًا الأجهزة المنزلية بنسبة 2%، ما يعكس استمرار ارتباط هذه الصناعة الوثيق بحركة النمو العمراني والصناعي عالميًا.
وقالت الدكتورة عالية المهدي، إن القطاعات المولدة للطلب على صناعة الصلب عالميًا في عام 2024 تضمنت أيضًا تمايزًا واضحًا حسب نوع القطاع المحرك للطلب، سواء كان عامًا أو خاصًا، موضحة أن القطاع الخاص يستحوذ على نحو 80% من ناتج الصلب في الدول المتقدمة مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية والصين، سواء في مجالات الإسكان أو الإنشاءات أو الصناعات التحويلية، أما في الدول النامية وسريعة النمو، فيتراوح نصيب القطاع الخاص من ناتج الصلب بين 40 و70%، وذلك في إطار خطط التنمية القومية والمشروعات الحكومية الكبرى، أو في مجال الإسكان للأفراد والمشروعات الصناعية والتحضر.
رجل الأعمال أحمد عز
وأكدت المهدي أن الطلب الحكومي عادة ما يكون قويًا لكنه غير مستدام، بينما يمثل الطلب الخاص المحرك الطبيعي والمستدام لصناعة الصلب، وإن كان يمر أحيانًا بدورات موسمية، وأشارت إلى أن صناعة الصلب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصناعات أخرى؛ فلها روابط خلفية مع صناعات التعدين والطاقة، وروابط أمامية مع قطاعات التشييد والبناء والصناعات التحويلية، كما تمثل صناعة الصلب نحو 1.4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهو ما يعكس أهميتها الاستراتيجية في الاقتصاد الدولي.
وأضافت أن هناك ارتباطًا واضحًا بين النمو في معدلات إنتاج الصلب وبين النمو في الناتج المحلي الإجمالي، مع وجود فوارق بين الدول النامية والمتقدمة نظرًا لاختلاف المراحل التنموية التي تمر بها كل مجموعة، وأوضحت أن الدول سريعة النمو، مثل الهند وفيتنام، تسجل معدلات نمو في إنتاج الصلب تفوق معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي نتيجة التوسع الكبير في مجالات العمران والإسكان والتصنيع.
وتابعت المهدي قائلة إن مصادر الطلب على منتجات الصلب تتوزع بين القطاعين الحكومي والخاص، إلا أن الملاحظ أن الطلب الحكومي عادة ما يكون قويًا لفترة محدودة ثم يتراجع، في حين يظل القطاع الخاص هو المحرك الطبيعي والمستدام للصناعة، وأكدت أنه كلما زاد تنوع الاقتصاد واتسعت أنشطته، ارتفع متوسط نصيب الفرد من استهلاك الصلب.
وشددت على أن أبرز التحديات التي تواجه صناعة الصلب عالميًا تتمثل في تباطؤ معدلات النمو الصناعي، وزيادة الطاقات الإنتاجية الفائضة، وتراجع الصادرات العالمية، إضافة إلى انخفاض نسبة الصادرات إلى إجمالي الإنتاج العالمي من الصلب.
من جانبه، أكد بندر عبد الله السليم رئيس اللجنة الوطنية لصناعة الحديد، أن المملكة العربية السعودية بدأت مسيرة صناعة الصلب في منتصف الستينيات، وانطلقت فعليًا في منتصف الثمانينيات مع إنشاء أول مجمع صناعي متكامل، حتى وصلت اليوم إلى طاقة إنتاجية تتجاوز 9 ملايين طن سنويًا، بإجمالي إنتاج بلغ نحو 150 مليون طن خلال الأربعين عامًا الماضية، مشيرًا إلى أن صناعة الصلب تمثل ركيزة أساسية في خلق فرص العمل ونمو القطاع الخاص، نظرًا لكون الحديد أكثر المعادن استهلاكًا وطلبًا عبر مختلف الصناعات، مؤكدًا وجود نية لزيادة الطاقة الإنتاجية لتصل إلى 30 مليون طن سنويًا لتلبية الطلب المتزايد في السوق المحلية والإقليمية.
وأوضح السليم أن الاستثمارات في البنية التحتية والإسكان تعد المحرك الأكبر للطلب على الصلب في الأسواق العربية على المدى القريب، مؤكدًا أهمية وجود جداول مشاريع واضحة ومستقرة لضمان استدامة صناعة الصلب المحلية، مشيرًا إلى أن العديد من المشروعات الكبرى مثل نيوم في السعودية، والعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، ومشروعات إعادة الإعمار في ليبيا، والبرامج التنموية في الإمارات، تمثل مصادر أساسية لزيادة الطلب.
قمة مسقط للصلب
وأضاف أن الطلب الحالي يتركز بشكل كبير في المشروعات الحكومية الضخمة الممولة من عائدات النفط، وهو ما يؤدي إلى دورات ازدهار وانكماش تؤثر سلبًا على القدرات الإنتاجية المحلية والاستثمارات وفرص التوظيف، ودعا إلى توسيع نطاق البناء في القطاع الخاص لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن تنويع الطلب بين قطاعات الإسكان السكني والتجاري والصناعي وأعمال التحديث يحد من الاعتماد المفرط على دورات الإنفاق الحكومي.
كما نوه السليم إلى أهمية تحفيز نشاط الإسكان الخاص والمشروعات التجارية من خلال تعزيز أسواق التمويل العقاري، وتوفير الأراضي عبر إصلاحات تخطيطية وتنظيمية، وتسريع إجراءات الموافقات، إلى جانب تقديم حوافز ضريبية أو دعم مباشر للمطورين العقاريين لبناء مساكن متوسطة التكلفة.
وأشار إلى أن قطاعي البناء والصناعة في القطاع الخاص يمثلان عناصر حيوية للنمو، إلا أنهما ما زالا مقيدين بصعوبات تتعلق بالتمويل وتخصيص الأراضي والتعقيدات البيروقراطية، مؤكدًا أن تسهيل إجراءات الرهن العقاري، وتبسيط التصاريح، وتوسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص من شأنه أن يسرّع نمو الطلب الخاص على الصلب، مشددًا على أنه لا يمكن للمشروعات الحكومية وحدها ضمان استدامة صناعة صلب قوية، وأوضح أن وجود جدول مشاريع متوازن من كلا القطاعين العام والخاص أمر ضروري لتجنب تأخر قرارات الاستثمار وضمان الاستغلال الأمثل للقدرات الإنتاجية.
وفي السياق ذاته، أكد إدوارد جيمس، رئيس المحتوى والأبحاث في شركة MEED – ME&A، وجود نظرة تفاؤلية تجاه سوق الصلب ومعدلات الطلب في المنطقة، في ظل زيادة المشروعات الإنتاجية والتوسعات الاستثمارية التي تتماشى مع خطط التنمية الجارية في قطاعات البنية التحتية والنقل والتشييد، لاسيما في السعودية والإمارات، موضحًا أن هناك آفاقًا مستقبلية إيجابية مدفوعة بعوامل مثل النمو السكاني، وارتفاع الطلب على المياه والطاقة، واستضافة الفعاليات الرياضية الكبرى، إلى جانب المشروعات السكنية والتنموية العملاقة، مؤكدًا ضرورة صياغة رؤية شاملة للاستفادة من هذه التوسعات بما يخدم جميع القطاعات المرتبطة بالصلب.
قمة مسقط للصلب
أما سفيان شايب ستي، المدير العام المساعد لشركة AQS، فأكد أن البنية التحتية والإسكان هما المحركان الرئيسيان للنمو الصناعي في المنطقة، مشيرًا إلى أن المشروعات العملاقة وخطط إعادة الإعمار في بعض الدول ستستهلك ملايين الأطنان من الصلب خلال السنوات المقبلة، لكنه لفت إلى أن حجم هذا الاستهلاك يبقى مرتبطًا بقدرات الميزانيات الحكومية ومخصصاتها، خاصة في ظل القيود المتزايدة على الإنفاق العام. وأشاد ستي بالتجربة التركية التي أثبتت أن تمكين القطاع الخاص يسهم بصورة ملموسة في نمو قطاع الصلب، داعيًا إلى مراجعة السياسات النقدية والقوانين الاقتصادية التي تحد من مشاركة القطاع الخاص في بعض المجالات الاستثمارية، مؤكدًا أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي الطريق الأمثل لضمان نمو مستدام لصناعة الصلب العربية.
رجل الأعمال أحمد عز