تواصل بعثة أثرية بولندية أعمالها الميدانية في منطقة بين الجبلين جنوب مدينة الأقصر، والتي تُعد واحدة من أغنى المواقع الأثرية في صعيد مصر بما تضمه من كنوز ومقابر تعود إلى عصور متعددة، تبدأ من عصر ما قبل التاريخ وتمتد حتى العصر اليوناني الروماني. وتبعد المنطقة نحو 55 كيلومترًا عن مدينة الأقصر، وتعتبر من بين أهم المواقع التي تجسد تاريخ مصر القديمة على امتداد آلاف السنين.
مدينة أثرية تحمل تاريخ آلاف السنين في الأقصر
وتركز أعمال البعثة هذا الموسم على دراسة مدينة باثيريس البطلمية، المعروفة في النقوش اليونانية باسم "بير حتحور" أو "بيت الإلهة حتحور". وقد ازدهرت هذه المدينة في القرن الثاني قبل الميلاد عندما أصبحت عاصمة للحي المحلي باسم "باثيرايت".
ويُعد الموقع مصدرًا غنيًا للوثائق القديمة، حيث تم العثور فيه على ما يقرب من 1300 وثيقة مكتوبة بالديموطيقية واليونانية، توفر صورة نادرة عن تفاصيل الحياة اليومية في مدينة مصرية خلال الحكم البطلمي.
وتسعى البعثة البولندية إلى إعادة رسم خريطة المدينة القديمة من خلال الاستعانة بملاحظات وصور سابقة، إلى جانب أعمال التنقيب الميدانية الجارية حاليًا، وذلك بهدف فهم طبيعة الاستيطان والحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكانها.
كما كشفت الدراسات الاستقصائية الحديثة في المنطقة عن بقايا من العصور المبكرة، حيث عُثر على أدوات نحاسية وقطع فخارية قديمة تعكس ملامح صناعة المعادن والفخار في مصر القديمة. وتولي البعثة اهتمامًا خاصًا بتوثيق المقابر الصخرية العائدة إلى المملكة القديمة والفترة الانتقالية الأولى، لما تحمله من دلائل على التغيرات الإدارية التي رافقت أزمة الدولة القديمة.
وفي سياق متصل، يواصل فريق العمل جهود الحفاظ على معبد حتحور المنحوت في الصخر، المعروف باسم "سيدة جبلين"، والذي خضع لأعمال ترميم خلال السنوات الماضية ويُعد من المعالم المميزة للمنطقة.
ويذكر أن موقع بين الجبلين كان يعرف قديمًا باسم "مدينة التلين"، لوقوعه بين الجبلين الشرقي والغربي على الضفة الغربية للنيل. وقد شكّل خلال العصور الفرعونية حدًا طبيعيًا يفصل بين الإقليم الثالث والرابع من أقاليم مصر العليا، ما يمنحه أهمية تاريخية مزدوجة باعتباره مركزًا دينيًا وإداريًا منذ آلاف السنين.





