قال الدكتور أحمد المفتي، عضو وفد التفاوض المستقل في أزمة سد النهضة، إن ما شهدته السودان مؤخرًا من فيضانات جارفة لا يُعد أمرًا طبيعيًا، بل هو ناتج عن تصرفات "أحادية وغير مدروسة" من الجانب الإثيوبي، في تشغيل سد النهضة وفتحه المفاجئ للبوابات دون تنسيق مع السودان أو مراعاة لآثاره المدمرة.
وفي مداخلة له من السودان مع الإعلامي سيد علي ببرنامج "حضرة المواطن" على قناة الحدث اليوم، أوضح المفتي أن التوقعات الفنية كانت تشير إلى أن سد النهضة سيساهم في تنظيم تدفق مياه النيل الأزرق والتقليل من مخاطر الفيضانات، إلا أن ما حدث هو العكس تمامًا. وقال:
"بدلاً من أن يُنظّم سد النهضة الفيضانات، تسبب في تضاعفها هذا العام... الإثيوبيون خزنوا كميات ضخمة من المياه في السد، وعندما جاءت الأمطار الموسمية، لم يعد السد قادرًا على استيعاب المزيد، فتم فتح البوابات فجأة وأُرسلت المياه مباشرة إلى السودان، دون أي تنسيق أو تحذير فعال".
وأضاف أن البنية التحتية السودانية المائية، بما في ذلك الخزانات، مصممة لتحمل الفيضان الطبيعي السنوي المعروف منذ آلاف السنين، وليس فيضانات "مصنوعة بفعل الإنسان"، على حد وصفه، مشددًا على أن ما حدث هو "فيضان صناعي" بسبب التخزين غير المدروس.
وتابع المفتي: "للأسف، كل ما بيد وزارة الري السودانية الآن هو إطلاق تحذيرات للمواطنين، لكن لم تُتخذ أي إجراءات دبلوماسية أو قانونية حقيقية تجاه إثيوبيا، التي يجب أن تُحمّل مسؤولية ما حدث، وتدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالمواطنين والممتلكات".
وأشار إلى أن ما حدث هذا العام سيتكرر مستقبلاً إذا لم تُعالج الأزمة جذريًا، وقال: "هذا لن يكون حادثًا فرديًا، بل سيحدث كل عام. كل موسم فيضان سيأتي بعد تخزين إثيوبي مسبق، ما يعني كارثة متكررة... ولهذا يجب أن يكون هناك تحرك صارم من السودان ومصر".
وشدد المفتي على أن إثيوبيا تواصل سياساتها الأحادية منذ عام 2011، دون أي التزام بالاتفاقيات الدولية، أو حتى باتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015، وقال: "إثيوبيا لا تعترف باتفاقية 1902، ولا تلتزم باتفاق إعلان المبادئ، الذي أعدته بنفسها. هي تبني وتشغّل وتخزّن وتفتح البوابات كما تشاء، دون تنسيق مع أي طرف".
وعند سؤاله عن الأنباء التي ترددت بشأن وجود اتفاق بين السودان وإثيوبيا مؤخرًا، نفى ذلك قائلًا: "ما أُعلن عنه ليس اتفاقًا حقيقيًا، بل اجتماعات للجنة فنية مشتركة كانت تعمل حتى قبل سد النهضة، ولا جديد فيها... وإثيوبيا لا تلتزم بأي من توصيات تلك اللجنة أصلًا".
وأثنى الدكتور المفتي على التحذيرات السابقة التي أطلقتها مصر بشأن المخاطر الفنية والتداعيات السلبية لسد النهضة على السودان، موضحًا أن مصر كانت واضحة منذ البداية في تنبيهها للجانب السوداني، لكن حكومات ما بعد البشير، بحسب وصفه، تجاهلت هذه التحذيرات، بل وفضّلت التعاون الثنائي مع إثيوبيا في بعض المراحل.
واختتم المفتي تصريحاته بالقول: "هذا المنعطف خطير ويجب ألا يمر مرور الكرام.. الأضرار الواقعة على السودان جسيمة، ويجب أن يكون هناك موقف موحد وواضح من السودان ومصر، لأن ما يحدث الآن سيستمر ويتفاقم ما لم يتم وضع حد للتصرفات الإثيوبية الأحادية في ملف سد النهضة".