60 يومًا للدفع.. خطوة استراتيجية من الصين لحماية صناعة السيارات


الثلاثاء 12 اغسطس 2025 | 07:35 مساءً
صناعة السيارات - أرشيفية
صناعة السيارات - أرشيفية
محمد فهمي

رغم تباطؤ الاقتصاد العالمي وتراجع النمو في معظم القطاعات الصناعية الكبرى، تواصل الصين الحفاظ على نمو ملحوظ في قطاع السيارات الكهربائية، الذي بات يُعدّ من أسرع القطاعات نموًا في العالم، بحسب ما صرّح به هاشم الفطايرجي، المتخصص في الشؤون الاقتصادية وصناعة السيارات.

وقال الفطايرجي في مداخلة مع العربية بيزنيسن إن أبرز مثال على استمرار هذا النمو، رغم التحديات، هو الأداء القوي لشركة BYD الصينية، التي تُعدّ حاليًا أكبر شركة مصنّعة للسيارات الكهربائية في العالم، إذ حققت نموًا بنسبة 27% خلال الفترة الأخيرة، مقارنة بـ35% خلال نفس الفترة من العام الماضي. ورغم انخفاض وتيرة النمو، أشار إلى أن الأرقام لا تزال إيجابية وتعكس قدرة الشركات الصينية على التوسع والمنافسة حتى في بيئة اقتصادية صعبة.

وأضاف الفطايرجي أن أحد أبرز التحديات التي تواجه هذه الشركات هو الالتزام بسداد مستحقات الموردين (السبلايرز)، وهو أمر أثار تساؤلات حول استدامة التدفقات النقدية داخل هذه الكيانات الضخمة. لكنه أوضح أن الحكومة الصينية اتخذت قرارًا استراتيجيًا بتنظيم مواعيد الدفع، من خلال فرض سقف زمني بحد أقصى 60 يومًا لسداد المستحقات، ما يحد من التوسع غير المدروس، ويمنع بعض الشركات من الدخول في منافسات سعرية مفرطة قد تضر بالسوق ككل.

وقال إن هذا التوجه الحكومي يأتي استفادةً من أخطاء سابقة حدثت في قطاعات أخرى، مثل القطاع العقاري، مؤكّدًا أن الالتزام بالـ60 يومًا للدفع يُعد أداة مهمة لحماية الصناعة وتنظيم العلاقة بين الشركات والموردين، كما يساهم في تعزيز الثقة وتثبيت الأرضية التي يقوم عليها القطاع.

وفي هذا السياق، أشار إلى أن ثلاث شركات كبرى بدأت بالفعل بالالتزام بالنظام الجديد، لكنه شدد على أهمية أن تُعمم هذه السياسة على جميع شركات السيارات في الصين، والتي تُقدّر بالعشرات، لضمان استقرار طويل الأمد في القطاع.

وتناول الفطايرجي أيضًا تحديات قطاع صناعة الفولاذ (الستيل)، الذي يُعد من أهم المكونات في صناعة السيارات، مشيرًا إلى أن منتجي الفولاذ يواجهون ضغطًا كبيرًا نتيجة انخفاض الأسعار، مما أثر بدوره على أرباحهم، ودفعهم إلى تخفيض الأسعار لمجاراة الوضع التنافسي الصعب، وهو ما ينعكس أيضًا على أداء قطاع السيارات ككل.

وعن المستقبل القريب للقطاع، أكد أن السوق الصيني لا يزال في مرحلة النمو المتسارع، وأن صناعة السيارات الكهربائية ما زالت تشكل المنتج الأعلى نموًا ضمن قطاع السيارات عالميًا، بنمو يتجاوز 25%. وأضاف أن التحديات المتعلقة بالتسعير ما زالت في بدايتها، متوقعًا أن تشهد السنوات القادمة موجات من الاندماجات والاستحواذات (Consolidation) في ظل المنافسة الشرسة، لا سيما بين الشركات الصغيرة.

وفي ما يتعلق بالمنافسة الأجنبية داخل السوق الصيني، وخاصة من شركات كبرى مثل تسلا، قال الفطايرجي إن الوضع كان مخيبًا للآمال. 

ورغم تمتع تسلا بجودة عالية ومنتج مميز، إلا أن ذلك لم يحمِها من الضغوط الشرسة داخل السوق الصيني. وأشار إلى أن العام الجاري كان من أسوأ الأعوام لتسلا في الصين، حيث تراجع نمو الشركة بمعدل 12%، وسجل شهر يوليو نتائج مخيبة بعد أن كان متوقعًا أن يكون شهرًا إيجابيًا.

وأوضح أن الشركات الصينية أصبحت تهيمن على الحصة السوقية المحلية في قطاع السيارات الكهربائية، في وقت لا تزال فيه الشركات العالمية، وعلى رأسها تسلا، تواجه صعوبة في التكيف مع الاستراتيجيات التسعيرية والمرونة التشغيلية التي تميز نظيراتها الصينية.

وختم الفطايرجي حديثه بالتأكيد على أن المنافسة ستستمر بالتصاعد، ما لم تتبنى الشركات الأجنبية استراتيجيات محلية قوية تتناسب مع طبيعة السوق الصيني، معتبرًا أن التحولات الجذرية في الصناعة الآن تُكتب في الصين، وهي من تحدد ملامح مستقبل السيارات عالميًا.